وقال تعالى { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ*وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْل سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ . [ سورة يس : 40] }
وقال تعالى { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ . ( الصافات : 6) }
وظهرت حاجة المسلمين إلى دراسة علم الفلك، لمعرفة أوقات الصلاة بحسب الموقع الجغرافي والفصل الموسمي، وتحديد اتجاه المسلمين إلى الكعبة في صلواتهم، ورؤية هلال رمضان، والصوم، فبرزوا في ذلك، واخترعوا حسابات وطرقاً بديعة لم يسبقهم إليها أحد من اليونان والهنود والفرس.
آلات الرصد الفلكية
مجموعة من الإسطرلابات المختلفة
تعد الحضارة الإسلامية من أهـم حضارات البشرية .
و قد تمـيّـزت في عصر ازدهارهـا عدة قرون بدورهـا الإيـجـابي الـمـزدوج في خـدمـة الـعـالـم و تـقـدمـه ، و يـعـتـبـر عـلـم الـفـلـك مـن أهـم الـمـيـاديـن الـعـلـمـيـة الـتـي أسـهـم فـيـهـا عـلـمـاء الـعـرب و الـمـسـلـمـيـن و حـقـقـوا انـجـازات مـهـمـة كـان لـهـا أثـرهـا فـي تـطـور عـلـم الـفـلـك عـالـمـيـاً ســواء كان ذلـك بـفـضـل بـحـوثـهـم الـنـظـريـة و كـشـوفـهـم الـفـلـكـيـة أو دورهـم فـي صـنـاعـة آلات الـرصـد كـالاصـطـرلاب و دائرة الـمـعـدل و الـمـزاول الـشـمـسـيـة و غيرهـا .
لـقـد " كانت كـشـوفـهـم الـفـلـكـيـة مـرشـداً هـامـاً لـلـمـلاحـيـن و الـجـغـرافـيـيـن و سـاعـدت عـلـى فـهـم أفـضـل لـلـعـالـم الـذي نـعـيـش فـيـه.
في المراصد العربية الإسلامية في العصور الوسطى كانت هناك آلات فلكية لرصد الكواكب والنجوم ومعرفة خطوط الطول والعرض .
وقد اهتم العلماء العرب المسلمون بآلات الرصد وهرعوا إلى ابتكارها، وذلك لأن ما ورثوه عن الإغريق كان بسيطا لا يفي باحتياجاتهم العلمية، وكانت هذه الآلات على أنواع، وتختلف هذه الأنواع بحسب الغرض منها.
وفي هذه الآلات ألفت كتب منها : كتاب الآلات العجيبة للعالم أبي جعفر الخازن وقد اشتمل على آلات كثيرة من آلات الرصد، ورسالة فارسية في وصف بعض الآلات لغياث الدين الكاشي ذكر بها آلات لم يذكرها مَن سبقه وهي ذات السدس، وذات الثلث.
وقد سجل تاريخ العلوم لكثير من الفلكيين العرب اختراع بعض آلات الرصد الفلكية ومنهم تقي الدين الراصد الذي تحدث عن تلك الآلات في كتابه سدرة المنتهى ، و الزرقالي وهو من علماء الأندلس اخترع آلة الربع التام وهي آلة تفوقت على كثير من آلات الرصد في عصره، واستطاع بها أن يحول الأسطرلاب من خاص إلى عام باستبداله من المسقط القطبي إلى المسقط الأفقي، وبمقتضى هذا التحويل يكون موضع عين الراصد في نقطتي الاعتدالين، ويكون مستوى المسقط هو بعينه مستوى الدائرة المارة بنقطتي الانقلابين.
ومن آلات الرصد الفلكية
اللبنة وهي جسم مربع مستو يعرف به الميل الكلي وأبعاد الكواكب، وعرض البلد .
والحلقة الاعتدالية وهي حلقة تنصب في سطح دائرة المعدل ليعلم بها التحول الاعتدالي .
وذات الأوتار وهي أربعة أسطوانات مربعات تغني عن الحلقة الاعتدالية يعلم بها تحويل الميل .
وذات الحلق وهي أعظم الآلات هيئة ومدلولا وهي آلة مصنوعة من نحاس وتتكون من خمس دوائر: الأولى دائرة نصف النهار وهي مركوزة على الأرض. والثانية دائرة معدل النهار. والثالثة دائرة منطقة البروج. والرابعة دائرة العرض. والخامسة دائرة الميل ومعها الدائرة الشمسية التي يعرف بها سمت الكواكب، وتذكر المصادر أن مرصد هولاكو بمراغة كان يشتمل على واحدة منها وكثيرا ما أدهشت الزائرين بعظمتها وكبر حجمها.
وآلة ذات الشعبتين وهي ثلاث مساطر على كرسي يعلم بها الارتفاع .
وذات السمت والارتفاع وهي نصف حلقة قطرها سطح من سطوح الأسطوانة متوازية السطوح يعلم بها سموت الكواكب وارتفاعها وهي من مخترعات المسلمين.
وذات الجيب وهي مسطرتان منتظمتان انتظام ذات الشعبتين .
والمشبهة بالمناطق وهي كثيرة الفوائد في معرفة ما بين كوكبين من البعد وتتكون من ثلاث مساطر اثنان منها منتظمتان انتظام ذات الشعبتين وهذه الآلة أيضا من مخترعات تقي الدين الراصد، وآلات الربع المسطري وذات النقبتين والبنكام الرصدي
الـكـرة الـسـمـاويـة : مـعـروفـة مـن آلات الـمـنـجـمـيـن وبها تـعـرف هـيـئـة الـفـلـك و صورة الـكـواكـب وتـسـمـى أيـضـاً الـبـيـضـة.
الـربـع الـمـجـيّـب : آلـة فـلـكـيـة رياضـيـة ، اسـتـعـمـل إلى جانب الأسـطـرلاب لبـسـاطـتـه و لـسـهـولـة الـعـمـل بـه، وهو ربـع دائرة اقـتـطـع مـنـهـا وسـمي بالربع الـمـجـيـب والربع المـقـطـوع والربع الـمـقـنـطـر ، نـقـشـت عـلـيـه الـرسـوم التي يـتـطـلـبـهـا الـفـلـكـي والرياضي في أعـمـالـه الـفـلـكـيـة والرياضية. كما لا يخلو اسـطـرلاب من ربع مـجـيـب نقش في الـقـسـم الـشـمـالي الـغـربي من ظـهـر أم الأسـطـرلاب ، حيث تقوم العضادة مقام المري الخاص بالربع الـمـجـيـب
آلـة الـمـقـنـطـرات : هي أقـواس مـتـوالـيـة مـتـضـائـقـة يـخـرج بـعـضـهـا من مـدار الـجـدي و بـعـضـهـا الآخـر من خـط الـزوال ، وتـنـتـهـي كـلـهـا إلى مـدار الـسـرطـان.
الـبـوصـلـة : وتسـمـى أيـضـاً الـحـق ، وهي آلـة ذات ابرة مغـنـاطـيـسـيـة تـعـيـن الـجـهـة الشـمـالـيـة وبقـية الـجـهـات تـتـجـه دائـمـاً إلى الـقـطـب الشـمـالي و يسـمـى الـجـدي والذي يـسـتـعـان بـهـا في ارتياد الأقـطـار في الـبـر والـبـحـر ، كما يـسـتـعـيـن بـهـا الـفـلـكـيـون في أعـمـالـهـم الـفـلـكـيـة في الاصـطـرلاب والربع المجيب وغيرها من الأعـمـال.
الـمـزولـة الشـمـسـيـة ( الـسـاعـة الـشـمـسـيـة ) : تـعـيـن لـنـا الـنـقـطـة التي نـحـن فـيـهـا مـسـامـتـة لـخـط الـزوال من الـشـمـس أي خـط مـنـتـصـف الـسـمـاء و نـصـف الـنـهـار وقد تـبـيـن في بـعـضـهـا سـاعـات الـنـهـار قـبـل الـزوال و بـعـده، والإرتـفـاعـات الـمـطـلـوبـة والـزوايا الـنـاتـجـة عـنـهـا إلى غير ذلـك مـن أعـمـال الـمـزولـة. وبعض البوصلات تكون في نفس الوقت بوصلة و مزولة ، وفيها ما يعـيّـن جهة القبلة لـلـمـدن التي كـتـبـت عـلـيـهـا مع درجاتها و جهاتهـا ، والـمـعـروفـة بـ " الـقـبـلـة نـامـة".
ومن أكثر آلات الفلك التي نالت اهتماما من علماء الفلك العرب المسلمين : الأسطرلاب وهو كلمة معربة عن اليونانية " اسـتـرلابيوم" ومعناها مقياس النجوم. وذكر آخرون أن أصلها فارسي اخذ من " سـتـاره ياب" ، ولهذا ذهب في التسمية حمزة الاصفهاني. ويلفظ الإسم تارة بالصاد واحايين بالسين وكلاهما صحيح. وعرفـه الـبـيـروني بان : " الأصطرلاب آلـة لـلـيـونانـيـيـن اسمها " اصطرلابون " اي مرآة الـنـجـوم ، ولهذا اخرج له حمزة الاصـفـهـاني من الفارسية انه " سـتـاره ياب " ، وبـهـذه الآلـة تحدد الأوقات ويـعـرف الماضي من الـنـهـار والـلـيـل بأهـون سـعـي وأصـحـه ثم يحصل بـهـا أعـمـال يـكـاد يـفـوق الـعـدد كـثـره.."
وقد نعـتت العرب هذه الآلة بالآلة الشريفة مما يدل على تقديرهم العلم ووسائل البحث العلمي ولخدمتها في حل المسائل الفلكية والرياضية في المثلثات عامة والمثلثات الكروية خاصة من جيوب (جا) وجيوب تمام (جـتـا) وظلال (ظا) وظلال تمام (ظـتا) و قواطع (قا) وقواطع تمام (قــتـا) ..الخ وتقوم بعمليات فلكية ورياضية تـتجاوز الثلاثمائة مسألة تفك لغزها وتحل مشكلها دون اللجوء إلى القلم والقرطاس الا ما قل من الأحوال ، ومن المسائل هذه نذكر بعض نماذج على سبيل المثال لا الحصر فهي تقيس الإرتفاعات المجهولة القياس ، والمسافات وأعماق الآبار ، وارتفاع النجوم و سائر الكواكب السيارة منها والثابتة ، وتقيس لك الزمن ، وتحدد أوقات الصلاة بالساعات والدقائق من زوال و عصر و ظهر و شفق ، ومعرفة قوس الليل ، وساعات النهار والليل ، ومعرفة الجيوب والجيوب تمام ، والظل والقاطع وتمامهما ، ومطالع البروج كلها في أي بلد شئت وكذا حساب الشهور والتواريخ..الخ
وقد أمدنا علم الآثار الإسلامية بالعديد من الآلات الفلكية التي ابتكرها علماء الفلك المسلمون، واستخدموها في أعمالهم، وبعضها لا يزال محفوظا في المتاحف.
ولقد ثبت أن آلات ذات السمت والارتفاع وذات الأوتار والمشبهة بالمناطق وعصا الطوسي كلها من مخترعات العرب عدا ما اخترعوه للمراصد من البراكير والمساطر وعدا التحسينات التي أدخلوها على آلات الرصد المعروفة للإغريق وغير الإغريق.
وقد اعترف مؤرخو العلوم الغربيون بإتقان العرب صنعة آلات الرصد الفلكية.