۩۩ وعد من الله بإجابة الدعاء ۩۩
فيقول المولى سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60]. وقال جل في علاه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضُلاً يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرَّجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم - وهو أعلم بهم - من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب. قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقول: رب فيهم فلان عبدٌ خطاء إنما مر فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)).
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
حديثنا اليوم عن الدعاء، والدعاء أمره عظيم، وشأنه كبير، فهو حبل بين العبد وربه، وهو صلة بين العبد وربه، سماه الله في كتابه عبادة، فقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى - أي عن دعائي - سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60]. هذه الآية فيها وعد ووعيد:
وعد من الله بإجابة الدعاء، فالله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يدعوه ويلجؤوا إليه، ويظهروا فقرهم واحتياجهم له، بل إن الله سبحانه يبتلي العباد بالبلايا والرزايا، حتى يتضرعوا إليه ويدعوه سبحانه أن يفرج عنهم، يقول سبحانه: وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [الأنعام:42].
وعيد بالنار لمن استكبر عن عبادة الجبار ودعاء الواحد القهار، وفي الحديث يقول : ((الدعاء هو العبادة))، فالله سمّى الدعاء في كتابه عبادة، وفي الحديث يقول : ((من لا يسأل الله يغضب عليه)).
الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يُسأل يغضب
ولذلك فإن حاجة الدعاء لا تأتي عند كثير من الناس إلا في الأزمات فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].
يا رب عفوك لا تأخـذ بزلتنـا وارحـم أيـا ربّ ذنباً جنيناه
كم نطلب الله في خير يحل بنـا فإن تولـت بـلايانـا نسـيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعـة فمـا سـقطنا لأن الحـافظ الله
الخلائق كلها تدعو الله والكائنات كلها تسبح الله وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].
خرج نبي الله سليمان عليه السلام يستسقي بالناس، فمر في الطريق بنملة وإذا هي قد انقلبت على ظهرها ورفعت يديها إلى الحي القيوم تقول: يا حي يا قيوم أغثنا برحمتك.
لا إله إلا الله من الذي أخبر النملة أن الله خلقها؟! من الذي أخبر النملة أن الذي يحيي ويميت ويضر وينفع هو الله؟!! إنه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. بكى نبي الله سليمان، وقال لقومه: عودوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.
وورد عن روح الله عيسى عليه السلام أنَّه مر ببقرة في الولادة، وقد اعترض ابنها في بطنها فأخذت البقرة تنظر إلى السماء تطلب العون من الله، فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء، وقالت: يا حي يا قيوم يسر عليّ، ثم قالت: يا عيسى يا روح الله، أسألك أن تدعو الله أن يسهل علي. فبكى عيسى ودعا الله أن يسهل عليها.
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداك
قل لهذا الطبيب الذي يداوي الناس بإذن الله وعنده العقاقير والأدوية والبلاسم قل له: من الذي أرداك؟ من الذي أماتك؟ من الذي قتلك؟ إنه الله.
أبو بكر الصديق قالوا له في مرض موته: ماذا تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا له: ماذا تريد؟ قال: أريد المغفرة، قالوا: ألا ندعوا لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعالٌ لما أريد.
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب: من عافاك؟
إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام مرض، فقال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]. فانظر يا عبد الله إلى الأدب الرفيع كيف نسب المرض إلى نفسه، ونسب الشفاء إلى الله مع أن الله هو الشافي والمعافي وهو الممرض وهو النافع والضار وهو المحيي والمميت.
معاشر الأحبة:
الدعاء خير كله وليس فيه خسارة أبداً، يقول : ((ما من عبد يدعو الله تعالى بدعوة إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجلها له في الدنيا، وإما أن يدخرها له يوم القيامة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)).
ويقول أمير المؤمنين أبو السبطين علي بن أبي طالب : (عجباً لكم معكم الدواء ومعكم الداء، داؤكم الذنوب ودواؤكم الدعاء والاستغفار).
ويقول جعفر الصادق : عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربع: عجبت لمن أصابه ضر كيف يغفل عن قول الله: أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، والله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ [الأنبياء:84]، وعجبت لمن أصابه غم كيف يغفل عن قول الله: لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [الأنبياء:87]، والله سبحانه وتعالى يقول: فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ [المؤمنين:88]، وعجبت لمن يخاف كيف يغفل عن: حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ [آل عمران:173]، والله تعالى يقول: فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء [آل عمران:174]، وعجبت لمن يمكر به الناس كيف يغفل عن وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ [غافر:44]، والله تعالى يقول: فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِـآلِ فِرْعَوْنَ سُوء ٱلْعَذَابِ [غافر:45].
إخوة الإسلام:
للدعاء آداب، ومن أعظم آداب الدعاء توحيد الله في الدعاء، فلا يجوز أن ندعوا غير الله، فالدعاء عبادة، والعبادة لا يجوز أن تصرف إلا لمستحقها سبحانه وتعالى وحده.
ومن آداب الدعاء الجزم في الدعاء والثقة بالله في حصول الإجابة، فقد صح عن النبي من حديث أبي هريرة أنه قال: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
هذا أبو الدرداء كان جالساً فجاءه جماعة يقولون له: إن بيتك قد احترق، فقال لهم أبو الدرداء: لا، ولا ينبغي له أن يحترق، كلمات سمعتها من رسول الله يقول: ((من قالهن حين يصبح لم يمسسه السوء حتى يمسي، ومن قالهن حين يمسي لم يمسسه السوء حتى يصبح: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم))، قاموا معه حتى يروا الدار، فإذا هي قائمة لم يمسسها السوء وما حولها قد احترق.
ومن آداب الدعاء الخشوع والخضوع، وإظهار الحاجة والفقر والاضطرار إلى الله، وخفض الصوت ولينه يقول سبحانه وتعالى: ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، ويثني الله سبحانه وتعالى على نبيه زكريا عليه السلام بقوله: إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً [مريم:3].
وسأل الصحابة الرسول وقالوا: يا رسول الله، أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. ولذلك يقول كما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري: ((اربَعوا على أنفسكم؛ إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً)).
ومن آداب الدعاء عدم الدعاء على الأهل والمال والولد، يقول : ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم)).
ومن آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كيوم الجمعة في الأسبوع، ويوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، والسحر من الليل، والسجود في الصلاة، وما بين الآذان والإقامة، وعند نزول الغيث، وعند السفر.
ومن الآداب الثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله والوضوء والسواك واستقبال القبلة ورفع اليدين في الدعاء، يقوله : ((إن ربكم حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما خائبتين)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
فهناك موانع تمنع من إجابة الدعاء، ومن هذه الموانع: أكل الحرام، يقول سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله، ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة، فقال له الرسول : ((يا سعد، أطب مطعمك تستجب دعوتك))، وذكر الرسول في حديثه الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء ويقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
ومن موانع إجابة الدعاء استعجال الإجابة، يقول : ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي))، وهذا موسى عليه السلام وقف داعياً يقول: رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ [يونس:88]، وأخوه هارون عليه السلام يؤمن على الدعاء، فاستجاب الله دعاءهما وقال سبحانه: قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا [يونس:89]. قال العلماء: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة.
فعلى المؤمن أن يدعو الله، وأن يلح على الله في الدعاء، ولا يعجل في الإجابة، وينتظر الفرج من الله، وكما قال الشاعر اليمني الموحد في قصيدته التي سماها الجوهرة:
لطائف الله وإن طال المدى كلمح الطرف إذا الطرف سجى
كم فَرَج بعد إياس أتى وكم إياس قد أتى بعد النوى
ومن موانع الإجابة الدعاء بالإثم وقطع الرحم، يقول : ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)).
ومن موانع إجابة الدعاء عدم الصلاة على النبي محمد ، يقول : ((كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي)) وفي رواية: ((حتى يصلى على النبي وآل محمد))، وكان عمر بن الخطاب يقول: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد إلا بالصلاة على النبي محمد ).
وسئل إبراهيم بن أدهم عن قول الحق سبحانه: ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ. [غافر:60]، قالوا: فإنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟!! فقال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء:
1- عرفتم الله ولم تؤدوا حقه.
2- وتأكلون رزق الله ولا تشكرونه.
3- وقرأتم كتاب الله ولم تعملوا به.
4- وادعيتم عداوة الشيطان وواليتموه.
5- وادعيتم حب رسول الله وتركتم أثره وسنته.
6- وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها.
7- وادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن الذنوب.
8- واشتغلتم بعيوب غيركم وتركتم عيوب أنفسكم.
9- وادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له.
10-وتدفنون موتاكم ولا تعتبرون. فكيف يستجاب لكم؟!
أسأل الله سبحانه أن لا يعاملنا بما نحن أهله، وأن يعاملنا بما هو أهله، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة. وأسأله جل في علاه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا.
سـبحان من يعفو ونهفو دائمـاً ولا يزال مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطئ ولا يمنعه جلاله من العطـا لـذي الخطــا
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.