[«☤☸☤»] « منزلة الدعاء من العبادة » [«☤☸☤»]
إن الله عز وجل أمرنا بدعائه وسؤاله في كل حين، والذي لا يسأل الله سبحانه وتعالى فإنه يغضب عليه. كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه)).
والدعاء أيها الإخوة: هو العبادة. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنـه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)) وقال الله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم ذاخرين، أي صاغرين. فالله عز وجل قال: ادعوني، ثم قال: إن الذين يستكبرون عن عبادتي أي عن دعائي وتوحيدي سيدخلون جهنم صاغرين، فالدعاء هو العبادة. قال الله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين)).
واعلموا أيها الإخوة: أن للدعاء آداباً ينبغي على المسلم أن يلتزم بها في دعائه، من هذه الآداب، أن يكون المسلم على طهارة وأن يكون مستقبلاً القبلة إن استطاع، وأن يبدأ الداعي بالحمد والثناء على الله عز وجل ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل دعاءٍ محجوب حتى يصلى على النبي)) صلى الله عليه وسلم. وأن يكون صوت الداعي منخفضاً، ويكرر الدعاء ثلاث مرات وأن يتخير الداعي الأوقات والأحوال التي تكون أرجى للإجابة. مثل آخر الليل في السحر، أو في السجود في الصلاة، أو عند السفر أو عنـد نـزول المطر. أو بين الآذان والإقامة، أو قبل التسليمتين في الصلاة، وآخر النهار يوم الجمعة، وفي الوتر من العشر الأواخر من رمضان، لعله يصادف ليلة القدر، ويوم عرفة.
وعلى المسلم أن يدعو الله في الرخاء والشدة. مع الإلحاح في الدعاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء)). وعلى العبد المسلم أن لا يستعجل الإجابة، وألا يدعو بإثم أو بقطيعة رحم مع يقينه بالإجابة، فالله عز وجل يعلم ما هو أنفع لعبده، فالداعي إما أن يستجاب له، أو أن يصرف عنه من السوء على قدر دعائه، أو أن تدخر له الإجابة والأجر يوم القيامة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها، ما لم يـدع بإثم أو قطيعة رحم))، وفي رواية: ((ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ودعـوت فلم يستجب لي)) فقال رجل: إذاً نكثر؟ قال: ((الله أكثر)).
ومن أراد أن يكون مجاب الدعوة فلا يأكل إلا حلالاً طيباً ولا يشرب إلا حلالاً طيبــاً، ولا يلبس إلا حلالاً طيباً.
ومن آداب الدعاء أيها الإخوة: أن يتخير المسلم من أسماء الله تعالى ما يناسب ما يريد الداعي أن يدعو به ربه سبحانه وتعالى فمثلاً إذا أراد طلب الرزق يسأل الله بأسمائه: الرزاق الكريم الغني الحميد بالإضافة إلى أسماء الله الأخرى المناسبة، أما إذا أراد أن يدعو على الكفار، فيسأله بأسماء: العزيز الجبار الواحد القهار، أما إذا أراد أن يدعو الله بالمغفرة والرحمة فيسأل الله بأسماء: الغفور الرحيم ذو الجلال والإكرام وهكذا.
وعلى الداعي أن يكون حاضر القلب أثناء دعائه فإن الله لا يستجيب دعاء الإنسان الغافل الذي يدعو بلسانه بينما قلبه منشغل بأشياء أخرى، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وأعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ)).
أيها الإخوة: إن على الإنسان أن يكثر من الدعاء في كل الأوقات وأن يدعو لنفسه أولاً ثم لأهله وأقاربه وجيرانه وإخوانه المسلمين، فإن في الدعاء تحقيق للعبودية لله تعالى، وفيه من الخضوع والخشوع والتذلل لله سبحانه وتعالى ولكننا نرى بعض الناس لا يدعو لنفسه ولا لأولاده وأهله وإخوانه المسلمين، إنما تعلق قلبه بدعاء الأئمة والخطباء يوم الجمعة أو في دعاء القنوت في التراويح في رمضان، بينما هو لا يدعو لنفسه أبداً، فهذا مخالف لمنهج السلف الصالح، فهذه عائشة رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمها دعـاء تقولـه في ليلة القدر، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) فلاحظوا أيها الإخوة أن عائشة رضي الله عنها ما طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم علمها دعاءً تقوله هي بنفسها، وفي ذلك إشارة مهمة إلى أن الأصل أن يدعو الإنسان بنفسه في كل الأحوال، ثم على المسلم أن يتخير من الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يتمسك بجوامع الدعاء. كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك ويتعلم تلك الأدعية من القرآن والسنة وأن يخلص لله تعالى في دعائه وأن يخلص النية فإنما الأعمال بالنيات. اللهم وفقنا لم تحب وترضى واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.
إن الأدعية والأذكار الثابتة بالقرآن والسنة النبوية الصحيحة ،كثيرة جداً تملأ عشرات بل مئات الصفحات .. فعلينا أن نلتزم بالثابت الصحيح وندع ما سوى ذلك.
وأفضل هذه الأدعية والأذكار والفاتحة: أم الكتاب، وهي رقية من لدغة العقرب كما هو معروف وثابت بالسنة النبوية، أما قراءتها على روح الميت، أو عند الخِطْبة، خطبة النساء أو عند إجراء العقود، كل هذه الأمور غير ثابتة بل هي من المبتدعات والمحدثات التي ينبغي على المسلم أن لا يفعلها.
ثم تأتي سورة البقرة التي لها فضل عظيم في حفظ البيت الذي تقرأ فيه، تحفظه من الشيطان ومن السحرة، وفيها آية الكرسي التي من قرأها صباحاً يحفظ يومه ذاك من الشيطان حتى يمسي، وإذا قرأها مساءً يحفظ ليله من الشيطان حتى يصبح. وأيضاً من قرأها دبر الصلاة ثم مات دخل الجنة كما جاء في الحديث عن أبي أمامة أنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)) وخاتمتها – أي خاتمة سورة البقرة - آيتان من سأل بهما الله أعطاه، ومن قرأهما في ليلة كفتاه.
وسورة الإخلاص والمعوذتان لها فضل عظيم وأجر كبير وٍحرز من الشيطان والعين، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما ثم قرأ الإخلاص والمعوذتين فمسح بهما وجهه وجسمه. يفعل ذلك ثلاث مرات، لاحظوا أيها الإخوة أن الفائدة المرجوة من هذه الآيات والسور تكون بقراءتها – قراءة تدبر ووعي وفهم – وليس بتعليقها في لوحة أوخرقة، أو ميدالية ذهبية تعلق على صدور الأطفال. فكل هذه الوسائل المحدثة يجب على المسلمين عدم فعلها، وعليهم أن يفعلوا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته ودعائه وذكره حتى يقبل منهم هذا العمل.
أما الأذكار الثابتة من السنة النبوية فأفضلها التهليل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شئ قدير. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه)) وقول: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خير مما طلعت عليه الشمس))، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه ذكراً ودعاءً ينبغي لنا حفظه وتعلمه حيث قال له: ((ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملئ ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملئ كل شيء، وتسبح الله مثلهن، تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك)).
أيها الإخوة: جاء في الحديث المتفق عليه: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).
وأختم بهذا الذكر الذي من قاله مرة أعتق ثلثه من النار، ومن قاله مرتين أعتق ثلثيه من النار، ومن قاله ثلاث مرات أعتق كله من النار، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهذا الذكـر هـو: ((اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك وأشهد من في السموات ومن في الأرض أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك)).
أيها الإخوة: لم أقصد في خطبتي هذه حصر الأدعية والأذكار الثابتة بالقرآن والسنة، ولكنني قصدت الإشارة.
وبالرجوع إلى كتب السنة الصحيحة يمكن الإطلاع على تلك الأدعية والأذكار، وإذا كان يصعب على المرء الرجوع إلى كتب السنة فعليه بكتاب رياض الصالحين للإمام النووي، والذي أرى ألا يخلو منه بيت مسلم، ففيه من الأمور الشرعية التي لا يستغني عنها كل من أراد الزيادة في الأجر والبعد عن الوزر .كما ينبغي على كل مسلم أن يكثر من الاستغفار بقول: أستغفر الله، أستغفر الله أو يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور، أو يقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، فإن في كثرة الاستغفار فرج من كل همّ، ومخرج من كل ضيق، ورزق من حيث لا نحتسب. قال الله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً وكذلك يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة في هذا اليوم يوم الجمعة، فإن في كثرة الصلاة عليه تفريج للكرب ومغفرة للذنب وزيادة في الرزق.
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه عدد ما خلقت وعدد ما تخلق إلى يوم القيامة يا رب العالمين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.