✮✉✮ رحمة مهداة ✮✉✮
إذا كانت الإنسانية في حاجة إلى قدوة تتبعها؛ فرسول الله [صلى الله عليه و سلم] هو القـدوة : {لقد كان لكم في رسـول الله أسوة حسـنة لمن كان يرجـو الله و اليوم الآخـِر و ذكر الله كثيرا} . [الأحزاب : 21] .
الإنسـانية بمجملها تحتـاج إلى قـدوة : {و ما أرسـلناك إلا كافــة للناس بشـيراً و نذيراً و لكن أكثر الناس لا يعلمون} . [سـبأ : 28].
رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة لكل إنسـان يريد أن يحيا حياة كريمة أبية .. قال الله تعالى : {و إنك لعلى خلق عظيـم}. [القلم : 4] .
أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه ، و ربَّاه فأحسن تربيته .. هو في الأمانة أمين ، و في الصدق صادق ، و في العدالة عادل ، وفي الإحسان محسن ، و في الشجاعة شجاع ، و في العمل عامل .. ماكان يتوانى عن عمل يقرِّبه إلى الله ، و ما كان من أحد أقرب إلى العدو منه في الغزوات ، و ما كان من أحد أعدل منه في القسـمة ، و ما كان من أحد أصدق منه في الحديث ، و ما كان من أحد أكثر منه أمانـة . {هو الذي أرسـل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون} . [الصف : 9] .
رسول الله [صلى الله عليه و سلم] رمز لنا .. قائد ركبنا .. رسول الله خلاصنا .. رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمـير العالم والكـون، يقول عنه ربه عز وجل : {و ما أرسـلناك إلا رحمـة للعالمين} . [الأنبياء : 107] .
كان رحيماً بالإنسان .. كان رحيماً بالحيوان .. كان رحيماً بالحجر ..كان رحيماً بالشجر .. كان رحيمـاً بكل شيء .
و في الحديث : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبَعاً لما جئت به )) . و في حديث آخر : (( لا يؤمـن أحدكم حتى أكون أحب إليـه من أهله و ماله و ولده و نفسه التي بين جنبيه )) . رواه البخاري . فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
و ما وجدنا أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا ، لقد أحبوا الله فاتبعوا رسوله فزادهم الله من حبه لهم : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم} . [آل عمران : 31] .
و إن سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تذكرنا بكل خطوة خطاها في ، و بكل غاية سعى لـها .. لقـد كان [صـلى الله عليه وسـلم] يعبـد ربه في غـدوه و رواحـه و صبحه و مسـائه ، لا يعـرف الكلل و لا يتطرق إليه الملل ، ينام الناسُ مـلءَ جفونهم ، و رسـول الله واقف بين يدي ربه يسـكب الدمع ؛ لأن الحيـاة إنما تكـون بالله و لله ومع الله :{قل إن صـلاتي و نسكي و محياي و مـماتي لله رب العالمين * لا شريك له و بذلك أُمـرت ..}. الأنعام :[161 – 162] .
كان يرى في طاعته لمولاه قرة عين و نقاء قلب ، كان يدعو ربه : ((اللهم لك الحمـد أنت نور السموات و الأرض و من فيهن ، و لك الحمد أنت قيوم السموات و الأرض و من فيهن ، و لك الحمد أنت رب السموات و الأرض و من فيهن ، أنت الـحق و قولك الحق ، و وعدك الحق ولقاؤك الحق ، و الجنة حق و النار حق و السـاعة حق ..)) .
وتجلَّت عظمة الرسول [صلى الله عليه و سلم] في تواضعه و زهده ، فقام بين أصحابه دون أن يتميز عليهم ، و رضي أن يعيش قانعاً بما عنده، وكان في مقدوره أن يعيش كما كان يعيش كِسرى و قيصر ، و لكن نفسه صلى الله عليه وآله وسلم أبت زينة الدنيا ، قطعاً للطريق أمام المتاجرين بالدين ، و تعليماً للدعاة و المربين .
كان [صلى الله عليه و سلم] يقيم في حجرة صغيرة في وسطها حصير ، ينام عليه أكرم مخلوق ؛ فيؤثر في جسـده الشريف ..
وجاءه رجل فأصابه الخوف من هيبته ، فقال له عليه الصلاة و السلام : (( هوِّن عليك ؛ فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امـرأة من قريش ، كانت تأكل القديـد بمكة )) . أخرجه ابن ماجه عن أبي مسعود البدري . و القديد هو طعام الفقراء .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجلس بين أصحابه مختلطاً بهم ؛ فيأتي الغريب ، فلا يدري أيهم محمد . وفي هذا التواضع وقار ما بعده وقار، وإظهار لمعنى الهداية منذ البداية و حتى النهاية .
كان [عليه الصلاة و السلام] دائم البِشر ، سهل الخلق ، ليِّن الحديث ، ليس بفظ و لا غليظ ، و لا صخَّاب و لا فحاش و لا عياب .. إذا تكلم أطرق جلساؤه ؛ كأنما على رؤوسهم الطير ، تقديراً له و توقيرا .
كان [صلى الله عليه و سلم] يعفو عمن ظلمه ، و يصل من قطعه ، و يعطي من حرمه ، و يعرض عن الجاهلين ، و لا ينتقم لنفسه ؛ بل كان يغضب لله عز و جل .
وهذه الأخلاق هي الميزان .. هي القسطاس المستقيم ؛ و بذلك يكون نبينا محمد [صلى الله عليه و سلم] أسوة و قدوة في كل المواقف : {لقد مـنَّ الله على المؤمنــين إذ بعث فيهم رسـولاً من أنفسهم يتلو عليهـم آياتــه و يزكيهم و يعلمـهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} . [آل عمران : 164] .
وكل مَن قرأ سيرة هذا الرسول الكريم من الباحثين المنصفين أجمعوا على أن كل صفات الكمال البشري التقت فيه .
لم يترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوس أصحابه يأساً من رحمة الله ؛ بل علَّمهم صناعة الأمل ، فعاشوا يدرؤون بالحسنة السيئة ، وعلِموا أن المسلم مَن سلِم الناس من لسانه ويده ، وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، وأن المؤمن مرآة لأخيه .
إنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، دعا أصحابه إلى أن يستر بعضهم على بعض ؛ حتى لا تشيع الفاحشة ، وقال جازماً في وعده : ((مَن ردَّ عن عرض أخيه ، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة)) . رواه الترمذي . فأصبحت كلماته نوراً لهم يسعى بين أيديهم ، كلما أظلمت عليهم أنفسهم استضاؤوا بنور كلمات هذا الرسول ، واشتاقت أرواحهم إلى عبير بدائع حكمه ..
فجدير بنا أن نهتـدي بهدي رسول الله، و نلتزم أمره : {فالذين آمنـوا به و عزَّروه و نصـروه و اتَّبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون} . [الأعراف : 157] . و في آية أخـرى : {و مـن يطـع الله و الرسـول فأولئـك مـع الـذين أنعـم الله عليهم مـن النبيين والصديقين و الشهداء و الصالحين و حسُن أولئك رفيقا} . [النساء : 69] .
وإذا كان بعض السفهاء قد تجرأ على المساس بشخص سيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم] ، فإن الله عز وجل قد تولَّى الدفاع عنه في محكم التنـزيل : {إن الله يدافع عن الذين آمنوا ..}. ومَن يدري ، فربَّ ضارة نافعة ؛ حيث وجدنا رجوع المسـلمين إلى دينهم ومدافعتهم عن رموزهم العظيمـة ، وأهم رمز هو النبي [صلى الله عليه وسلم] .