☤[♜]☤ هجرة أمة ☤[♜]☤
حدث ليس كأي حدث
حدث؛ لكنه سيد الأحداث
الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وجَعَلَنا من أمة خير الأنام، الحمد لله الذي أَكْرَمَنَا فأحسن الإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، يُحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا محمد بن عبدالله - عليه الصلاة والسلام - وبعدُ:
فالهِجْرَةُ حَدَثٌ؛ لَكِنَّهُ سَيِّدُ الأَحْدَاث، فالهجرة حَدَث تاريخي عظيم؛ لكنه لم يكنْ كأيِّ حدثٍ، ولن يكون، حَدَثٌ أعظم مِن أن يكونَ حدَثًا عاديًّا مِن أحداث التاريخ؛ فلقدِ ابتدِئ به التاريخ.
حدث عظيم:
- إذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها، فليس أثبت عظمة لحدثٍ ما من حادث الهجرة؛ فلقد كان عظيمًا ما حَدَثَ فيه مِن تضحيَّات، وبذْلٍ، وحفظ كرامة ومكانة.
- وإذا كانتْ عظمة الأحداث بعظمة الأماكن، فليس هناك أحب إلى قلب المؤمن، ولا أشرف من مكة والمدينة، أو عظمة الزمان، فليس أشرف من بداية العام الهجري، فهي بداية الفتح والبُشْرَيات.
- وإذا كانتْ عظمة الأحداث تُقَاس بعظمة القائمين بها، فهذا حَدَثٌ شهِد تحرُّكات أعظم إنسان، وأشرف مخلوق، مع أنَّ هناك أناسًا هاجروا؛ لكن هجرتهم هجرة أفراد، وهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرة أمَّة.
حدث الهجرة:
- حَدَثٌ به تحطَّمَتِ القيود، وبه نال حقوقَهم كلُّ العبيد.
- حدث به اقْتُلع حبُّ الدنيا منَ القلوب، ونال المؤمنون حب علاَّم الغيوب.
- حدث به تأسَّست دولة التوحيد، في مقابل دولة الشرك والجحود.
- حدث به عزَّت نفوس المسلمين، وتحقَّقتْ به كرامة المؤمنين.
- حدث به عظمتِ الأفكار، فأقيمتْ دولة، ولها فكرة، وجيش يَحْمي، ودعوة سائرة.
- حدث به أُرْهِبَ الكفَّار، وعزَّ المهاجرون والأنصار.
- إنه حدث خَطَّ بِجُذوره أعماق التاريخ طولاً وعرضًا، قديمًا وحديثًا.
وليس أدل على ما أقول مِن تخليد هذه الذكرى؛ لتكونَ بداية السنة المقابلة للعام الميلادي، فكان التأريخ الهجري.
بين الأمس
تعذيب، واضطهاد، وتشريد، وإيذاء.
لا أمن، ولا أمان، ولا سلامة، ولا اطمئنان.
عبادة يُخَافُ فِعْلُها، ودين يُرهَبُ إظهاره.
و..... اليوم
تكريم، واستقرار، وتَفَتُّح، وإبَاء.
كل الأمان، وجُلُّ السلامة والاطمئنان، مع النبي العدنان.
شوقٌ للعبادات، وإظهار للتعبُّد، وتلذُّذ به زمانًا ومكانًا، وهكذا تدور الأحداث لتحوِّلَ الأمور، وتغيِّر الظروف.
لماذا الهجرة؟
1- كانتِ الهجرة المبارَكة لفتح مجالات جديدة في الدعوة إلى الله - تعالى.
2- لفتح أرض وقلوب من جديد، بلا معاكَسة أو تعطيل.
3- لتظهرَ البطولات والتضحيات، وتُوَظَّف الطاقات.
4- تربية على التخلُّص من علائق الدنيا، وربط القلوب بربِّها.
5- لتربية النفوس على جزء منَ الجهاد، وطرف منَ السمع والطاعة.
6- ليكون النبي - صلى الله عليه وسلم - مُشرِّعًا، حتى في أسوء الظروف؛ لتلائم دعوتُه كلَّ الظروف.
إنَّ النفوس المؤمنة تعي جيدًا أنه لا يكون في مُلك الله إلاَّ ما شاء الله وأراد، وعندها تعلم النفوس الكبار والجماعة المسلمة أنها لن تتعلَّم بدون تضحيات، فلا بُدَّ إذًا من دفع ضريبة الانتماء للدعوة، يدفعها الداعية، فليصبر دُعاة العصر، وليتحمَّل رجال اليوم، فتلك أحداث كانت نتيجتُها تركَ البلاد؛ ولكن لم تُتْرَك الأفكار والمعتقدات، ولم يُضيع المسلمون الهدف؛ ولذا تحقَّقَتِ الغاية المرجوة مِن رضا المحبوب.
ولأنَّ أحداث التاريخ متجَدِّدة المعنى، فلقد كثُرَت الكتبُ والمؤلَّفات، وكَثُر حديث العلماء والدعاة حول الهجرة، كحدث مليء بالدروس والعِبَر، وفي كلِّ عام تتجَدَّد الذكرى، ويتجدد معها في كل عام معانٍ جديدة، ترتبط بأحداث الزمان والمكان، وتلك ميزة رسالة الإسلام: الصلاحية للتطبيق في كل زمان ومكان.
أدوار ظاهرة وبادية:
ومن خلال هذه الرحلة، ظهر أنها رحلة للأمة كلها؛ بل والمخلوقات كلها، هِجْرتُها كي يُقام شرع الله، وينتصر الدعاة إلى الحق والصراط المستقيم، فلقد ظهر:
- دور المرأة كداعية ومجاهِدة وباذِلة، المرأة المسلمة رمْزٌ للصمود والصبر، والتحمُّل والتضحية، فهذه أسماءُ نموذج ومثال لكل امرأة مسلمة، فهي حامِلة الرسالة كالرجل، وحملتْ - يوم حملتْ حِمل الرسالة - همَّ الدعوة، وتحقيق الغاية.
- ظهر دور الفَتَى والشاب الصغير، الذي يفهم أنه مسلم، وعليه واجب فلا يكسل، ولا يقعد، ولا يخاف، ولا يتكاسل؛ بل يتميَّز ويتفَوَّق، ويدافع عنِ الإسلام بأيِّ شيء، ولو كان هذا الشيء هو البدنَ، أو الوقت، أو المال.
- ظهر دور الصاحب والصديق في حبِّه لصاحبه، والحرص عليه، ودفع الأَلَم عنه، وخوفه من أن ينالَ صاحبه أذًى، ومِن ثَمَّ فقد ظهر حبُّ الدعاة، والسير على طريقتهم.
- والغريبُ أنه ظهر دور الجماد؛ كالجبل الذي أوى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، وظهر دور الحيوان كشاة أمِّ معبد، لمَّا غيَّر الله ناموسًا كانت عليه من عدم إدرار اللبن؛ لكن من أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلبتْ لبنًا خالصًا، فكانت مهاجِرة ومُضَحِّية بإرادة الله، وهذا تسخير الله لأوليائِه.
أدوار وأدوار، علَّمتِ المسلمين سننَ السير على النَّهج، والكل له دورُه، فما من مسلم ولا مسلمة إلا وله ولها فائدة وحاجة، وعند ذلك فلا يستَقِلّ أحد جهدَه في خدمة الرسالة.
أتت الذكرى في ظروف صعبة:
لقد أتت هذه الذكرى هذه الأيام، وتلك الواقعة التاريخية المتجددة المعاني، أتت علينا هذا العام وأمَّتنا ما زالت جراحاتها تنزف، داخليًّا وخارجيًّا، كنَّا نودُّ أن تأتيَ الذكرى علينا، ونحن أحسن حالاً؛ ولكن تأبَى الجراح أن تندمل.
- جراحات مِن فساد وعريٍ فاضح، وتجرُّد من أيسر معاني الإسلام.
- جراحات تنزف لإقصاء الشريعة عنِ التطبيق، ومحاولة تشويه صورتها.
- جراحات تنزف من خيانة الخائنين، وغدر المقرَّبين، وسطوة الظالمين.
- جراحات تنـزف، ودماء تقطر، في بلادنا المنتهَكة سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا.
- جراحات في أرض الله المبارَكة - أرض التين والزيتون - ولكن سيأتي الأوان حتمًا.
أتتِ الهجرة لتربِّي الأمة على الصبر والتضحية، وعلى معانٍ كثيرة ومتعددة، سنقف معها في هذا المقال؛ يقول الله - تعالى -: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، نعم، نصرُه قريب، فذلك وعدُه ولا بدَّ، وفَرَجُه آتٍ، ولكن مع التضحية والعطاء، فإذا أردت أن تحيي هذه الذكرى، وتُعطر أيام حياتك بعطرها، وتُبيِّض سواد الظروف بنور ضوئها الهادي.
معانٍ ودروس:
فإليك - أيها المسلم - هذه المعانيَ لتحييها في قلبك، وقلب أهلك وذَوِيك، وجيرانك ومجتمعك، واعمل على نشرها؛ لتحيا الذكرى من جديد، ولتبقى ذكريات الإسلام خالدة رائدة، وصالحة للتطبيق وهي كذلك، ومنَ المعاني التي نستلهمها من هذه الرحلة العظيمة ما يأتي:
المعنى الذي نستلهمه شرحه بإجمال
التربية على الصبر هكذا تعلِّمنا رحلة الهجرة: التضحية الجادة، والصبر على البلاء الذي يصيب الإنسان في الحياة، ولقد ظهرتْ أمثلة ونماذج وبطولات فذَّة، تعلِّمنا الصبر على أي بلاء.
الصحبة الصالحة للصحبة أثرها في صلاح الحال والمآل، فهذا أبو بكر يصاحب ويدفع عن صاحبه، حتى إنه أمَّن له الطريق، وأمَّن له الغار حتى لدغته حيَّة، ولم يخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بما حدث، ولم يوقظه من نومه؛ تضحيةً مِن أجل من يحبُّه، وهكذا يكون الحب في الله، وتحقيق أعلى معاني الصحبة والصداقة.
الأخلاق دعوة صامتة لقد كان لموقف أهل المدينة، عندما أحسنوا واستبشروا باستقبال الرسول في المدينة - وجهُ غرابة، وأسأل: ما الذي دفع أهل المدينة إلى حسن استقبال رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟
ونجيب: لعلَّهم سمعوا عن أخلاقه، وتأكدوا منها بأنفسهم، ورأوها في سفيره مصعب بن عمير، فأحسنوا استقباله، فكانت أخلاقه دعوةً صامتة إلى الدين، وهو الصادق الأمين.
التواضع سَمْتُ المتقين فبينما يدخل أبو بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، حتى إن أهل المدينة ظنُّوا أن أبا بكر هو الرسول محمد؛ وذلك لما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تواضعه في مشيته، وعدم التكبر؛ كعادة الرؤساء أو الفاتحين الجهَّال، والتواضع يرفع ويُعْلِي به الله مَن تمسك به.
التخطيط سبيل الإصلاح لقد خطَّط النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرحلة تخطيطًا عجيبًا، دفع كل العلماء أن يقفوا مع التخطيط على أنه سبيل التغيير والإصلاح، فالتخطيط طبيعة الفاهمين للدين، والتسيُّب والتواكل سَمْت العاطلين والخاملين.
توظيف الطاقات إن مما أضاع المجتمعات سوءَ توظيف الطاقات، ولعلم رسول الله بخطورة هذا التسيُّب، كانت هجرته العظيمة تقسيمًا للأدوار، وتوظيفًا للطاقات؛ وذلك لأنه سيبدأ تأسيس دولة، فليُرَبِّ أتباع الرسالة على العمل، وانظر رحمك الله لعِظَمِ التخطيط:
- عليٌّ ينام في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الهجرة.
- اختيار الصَّديق قبل الطريق، فأحسنَ الاختيار.
- إعداد الراحلة سابقًا، وبِسِرِّية تامة وكاملة.
- أسماء تأتي بالطعام.
- ابن أبي بكر يأتي بالأسرار، وقد يسأل سائل: ولِمَ لَمْ يُوَحِّد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دور أسماءَ في أن تأتيَ بالطعام والأسرار معًا، قالوا لأسبابٍ، منها:
1- أن أسماء امرأة، والمرأة أحيانًا تأخذها العاطفة، فتزيد في نقل الأخبار والأسرار، وذلك لن يُجْدي كثيرًا.
2- أن أسماء امرأة، والمرأة الحرَّة ما كانت تخرج إلاَّ قليلاً، فكيف تتعدَّد خروجات أسماء، وهى الحرُّة الأبِيَّة.
3- أن أسماء لن تستطيع أن تدخل جلسات رجال قريش، بعكس أخيها، وهو رجل، فصلاة وسلام عليك يا سيد المخططين والمتقين.
4- عامر بن فهيرة: يزيل آثار الأقدام بالغنم، ويسقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه اللبنَ.
5- دليلٌ مشرك - عبدالله بن أريقط - يُعِين النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق، ويخرج بهم من طريق غير معهود.
وبعد الأخذ بالأسباب لا بد أن تعلمَ أن الله هو المسبِّب، وأنه هو الرب، فرغم كل ما بذله النبي من تخطيط، إلا أن المشركين وصلوا للغار، ونجَّى الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه.
أداء الأمانات إلى أهلها فلقد استبقى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا بمكة، ولم يهاجر مع النبي، ليؤدي الأمانات إلى أهلها؛ لأنها أمانات يجب أن تؤدَّى، وتلك عظمة الإسلام والرسالة.
معية الله سبيل النجاة ((لا تحزنْ إن الله معنا)): تلك معيَّة الخالق للمخلوق؛ ولكنها لا تأتي بفهلوة، ولا اجتهاد؛ بل هي محض هبة ومنحة منَ الله العليِّ لأوليائه، ومَن كان مع الله، كان الله معه، ومن كان معه ربه، فمن يكون عليه؟!
الخذلان كل الخذلان لأهل الباطل فرغم إرسال العيون والجواسيس للإتيان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - حيًّا أو ميتًا، ورغم وصولهم الغار، إلاَّ أن الله خذلهم، وخَذَّل عن نبيِّه المصطفى ورسوله المجتبى، فليطمئن أهل الحق إلى أن الله سيرينا فيهم آياتِه، وينصرنا عليهم، ويُظهر لنا عظيم قدرته.
الحكمة ضالة المؤمن وهذا حديث عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه الإمام أحمد في "المسند"، وهذا درس نأخذه من استفادة النبي من خبرة الدليل الذي ساعده على الخروج من مكة إلى المدينة، عبر طرق وَعِرة لا يستطيعها المشركون، ولا يتوقعوا السير فيها، وهذا التقليد وأخذ الخبرات واكتساب المهارات - وإن كانت من غير مسلم – أخذناها؛ من مواقف كثيرة في السيرة؛ كاتخاذ المنبر، وقد صنعه له نجَّار رومي، وفكرة الخندق من رجل فارسي.
تجميع الجهود
هو الحل نعم، تجميع الجهود لعموم وخواص المسلمين هو الحل، هو الحل في نجاح المشروع الإسلامي، فلنجتمع على أصول ديننا من عقيدة وشريعة وأخلاق، ونجمل هذا بالفهم، ونَمْتَثِل أمر الدين في الاعتصام، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
وإيانا منَ التنازع، فإنه فشل وندامة؛ {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
ولقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - جهود الجميع في رحلة الهجرة، حتى نجحت، وكانت ضربة قاضية للمشركين؛ حيث فوَّت عليهم وعلى غيرهم من الأعداء فرصة تفريق الجهود.
الله يحمي دعوته ما بقيت الحياة جنود الله كثيرة، وقد ظهر جزء من جنوده في هذه الرحلة، التي تعدَّدت جنودها؛ فهذا تراب يوضع في العيون، فتفقد حاستها الأساسية – البصر - وهذه غنمة أو شاة ما كانت تُدِرُّ لبنًا، فدرَّت من أجل الدعوة، ومن أجل رسول الله لبنًا خالصًا، وهذا جبل يأويه وصاحبَه، واللهِ، ما أعظمَ هذه الرحلة العجيبة، والتي كان جنودها سببًا من أسبابها.
الدعوة تؤتي ثمرتها في أي مكان ها هو - صلى الله عليه وسلم - ينتقل من مكة للمدينة، نعم، انتقل من مكة، وقد نَبَذه أهلها، فلم تكن في وقتها مؤهلة لحمل الرسالة، فبدَّل الله النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أرضًا أخرى تستقبل الدعوة، وتحميها، وتساندها بكل ما تستطيع، حتى أتى دور مكة، فهكذا تعلِّمنا الهجرة من خلال الانتقال أو الوقوع تحت أي ظروف: أن الدعوة لا بد أن تسيرَ مهما وقف أمامها، من شخص، أو أرض، أو مكان.
هجرة الأعضاء نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قد هاجَرَ من مكان لمكان من أجل دعوة ربِّه ورسالته التي حملها، فما علينا إلا أن نهاجرَ على الأقل بأعضائنا ونوايانا؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "والهجرة فرض عين متعيِّنة على كل مسلم، كما هاجر رسول الله، والهجرة نوعان: هجرة بالجسد من بلد إلى بلد، وتلك هى التي فعلها رسول الله، وهجرة القلب إلى الله، وهذه فريضة عامة لا يُعذر منها مسلم".
هجرة للأعضاء؛ ليكون للذكرى أثر في الحياة والتغيير إلى الأفضل:
- فتهجر أعينُنا النظر إلى الحرام، وتتخلق بخُلُق النبي الكريم العفيف، والذي كان يغضُّ بصره دومًا وأبدًا عنِ الحرام.
- وتهجر أسماعُنا الإنصات إلى الحرام، أو التلذُّذ بكلمات خبيثة نابية، فلا تستمع إلاَّ إلى الحلال الطيب، وهكذا كل أعضائنا تجتهد أن تهاجر إلى الله ربها.
وهجرة للنوايا والقلوب، بأن ينوي الإنسان أنه مهاجر إلى الله من الذنوب إلى التوبة، حتى إذا أدركته المنيَّة، فليقع أجره على الله.
وأخيرًا: ملمح التغيير
والإصلاح هنا أُلَمِّح أخيرًا إليك - أخي القارئ - أنَّ رحلة الهجرة كانت للتغيير والإصلاح، ولن تنقطعَ معانيها هذه أبدًا، فلماذا لا نتغيَّر؟! ولماذا لا نصلح من أنفسنا وأهلينا؟!
ما المانع أن نجدِّد معنى الهجرة في حياتنا؟!
وبهذه المعاني مجتمعة تحيا الذكرى في حياتنا وقلوبنا، ويظهر أثرها على أفعالنا وأعمالنا وعلاقاتنا.
والله المستعان والموفق.