الجنس : العمر : 41 المدينة المنورة التسجيل : 16/01/2012عدد المساهمات : 33
موضوع: ⋐[❖]⋑ تعدد الصفات لموصوف واحد في القرآن ⋐[❖]⋑ الأحد 05 فبراير 2012, 12:25 am
⋐[❖]⋑ تعدد الصفات لموصوف واحد في القرآن ⋐[❖]⋑
تغيّر الأوصاف في القرآن لموصوف واحد مثل ( أجر عظيم ، أجر كبير، أجر كريم ، أجر حسن )
لماذا تتغير الأوصاف مع أن الموصوف واحد ؟
قال بعض العلماء أن هذا يتعلق بالفاصلة القرآنية ، لكن هذا الكلام في الحقيقة غير صحيح ، والصحيح أن الفاصلة القرآنية تابعة للمعنى ، ولمّا يكون المعنى محتاج للفظة عظيم يأتي بها سواء وافقت ما قبلها وما بعدها أو لم توافق ، وهي في الغالب توافق.
ومثال ذلك في سورة الأحزاب التي تقطع أن مسألة الفاصلة مقصودة لذاتها فإذا استعرضنا الآيات نجد أن الفواصلة القرآنية فيها جاءت على هذا النحو في الآيات 73 (حكيما، خبيرا ، وكيلا، رحيما، مسطورا ، أليما، الظنونا، غرورا ، فرارا ، قليلا، نصيرا ، كثيراً ، تسليما، تبديلا، عزيزا ، فريقاً، قديرا، جميلاً، كريماً، عظيما، معروفا، تطهيرا، خبيرا، مبينا، مفعولا، مقدورا، حسيباً، عليما، اصيلا، نذيرا، منيرا، حليما، رقيبا، عليماً، شهيدا، تسليما، مهينا، تقتيلا، سعيرا، الرسولا، وجيها، سديدا، جهولا، غليظا، بصيرا، شديدا، مسؤولا، يسيرا، ثم السبيلا) الا في الآية الرابعة من السورة (وهو يهدي السبيل) كان يمكن أن يقول في هذه الآية السبيلا لكنه قال السبيل فالمسألة ليست مسألة فاصلة لكن المعنى هو المقصود فلماذا جاءت السبيل على خلاف الفاصلة ؟
السبيلَ فيها امتداد لكن كأن القرآن يريد أن يقول أن سبيل الله مستقر ثابت حتى في اللفظ والصوت (وهو يهدي السبيل) إذا وقفنا على نهاية الآية نلفظها (السبيل) ساكنة وإذا وصلناها بما بعدها فلن نمدّها بالفتح لأن ما بعدها اي الدال ساكن فسترجع للسكون بدون مدّ { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ } .
عندنا أماكن في القرآن إذا وقفت عليها تُمدّ وإذا وصلت لا تمدّ لكن الأمر ليس على هذا النحو في الآية الرابعة من سورة الأحزاب لأن كلمة السبيل أريد لها أن تكون مستقرة (وهو يهدي السبيل) .
اما الآية الأخرى { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)} السبيلا تتناسب مع صراخهم لأنهم كانوا يصطرخون { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)} كأنهم يصرخون { ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } كأنه فيها صراخ فناسب أن تكون كلمة السبيلا ممدودة أما كلمة السبيل في الآية الرابعة فهي تناسب المعنى من أن سبيل الله تعالى مستقر ثابت ولهذا ضحّى بالفاصلة هنا وكان يمكن أن يأتي بها مناسبة مع الفاصلة.
في سورة الضحى قال تعالى { ما ودّعك ربك وما قلى } لماذا لم تأتي وما قلاك ؟ هذه مختلفة { ما ودعك ربك وما قلى } بعد التوديع الذي هو أمر سهل ربطه بالكاف للمخاطب (ودعك) لكن القلى والبغضاء لا تتناسب مع كاف المخاطب للرسول وإن كان القلى منفياً وهذا لإعلاء مكانة الرسول فلم يقل (وما قلاك).
لما نأتي الى كلمة الأجر في القرآن نجد أن الأجر العظيم وردت في القرآن بحسب الاحصاء في كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وردت كلمة أجر عظيم وعظيما في 18 موضعاً وكلمة أجر كبير وكبيرا 5 مرات وأجر كريم و كريما 4 مرات وأجر حسناً مرتين. ونظرت في الآيات التي وردت فيها هذه الصفات للأجر وانتهيت الى خلاصة أن الأجر له مراتب في حقيقته والمرتبة الدنيا للأجر هي مرتبة الأجر الحسن ثم الكريم تأتي بعد الحسن وقد تكون أعلى منها قليلاً لأن فيها لمسة حنان ثم فوق ذلك الكبير لمناسبتها ثم العظيم.
في سورة الأحزاب آيتان { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} مرتين قال عظيما ومرة قال كريما. المفروض أن الأجر العظيم أعلى من الأجر الكريم والكريم فيها لمسة حنان
في قوله تعالى { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} مع هذه الارادة (الله، رسوله، الدار الآخرة) وهنّ محسنات يلائم ان يكون الأجر عظيماً. وكذلك عندما يذكر الصفات الكثيرة في الآية { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)} كل هذه الصفات تلائمها صفة العظمة فجاءت أجراً عظيما. أما في قوله تعالى { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} اختلف النسق في هذه الآية ففيها لمسة حنان وفيها رحمة وسلام تقتضي الأجر الكريم الذي فيه كرم مع الرحمة.
نموذج آخر من سورة الفتح { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} وفاء العهد شيء عظيم يناسب الأجر العظيم وفي نفس السورة في آية أخرى قال تعالى { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)} لم يقل عظيماً لأن هؤلاء مخلّفون لكنهم إذا اطاعوا الرسول فلهم أجر حسن لم يقل عظيما أو كريما.
ونموذج في سورة الحديد { آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} مع الانفاق يكون الأجر كبيراً ومع الاقراض يكون الأجر كريماً { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)} لأن الذي يُقرض هو كريم في الحقيقة أما الذي ينفق فهو ينفق ابتغاء الحسنات والأجر فالأجر كبير لكن مع الاقراض سيضاعف له وهو كريم.
وُصِف الفوز في القرآن الكريم بأنع عظيم وكبير ومبين وكذلك الفضل وُصِف بأنه عظيم وكبير ومبين وبعد الأجر الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة يمكن أن يكون الانسان فائزاً أو ينال الفضل من الله تعالى. فالفوز والفضل كلاهما وُصِفا بالعظيم والكبير والمبين. ونبدأ بكلمة الفضل وأوصافه في القرآن.
وبالعودة الى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم نجد أن الفضل وُصِف بالعظيم في ثماني آيات في القرآن كله ووصف بالكبير في ثلاث آيات ووصف بالمبين في آية واحدة والخلاصة التي نقدمها في هذا الموضوع ابتداء قبل استعراض الآيات هي أن الوصف إذا كان بلفظ العظيم فيكون متصل الاسناد مباشرة باسم الجلالة (الله) ويكون الوصف متعدداً وعندما تكون الاشارة الى فضل من الله تعالى بغير اسناد مباشر للفظ الجلالة (الله) يوصف الفضل بالكبير وعندما يكون الأمر دنيوياً ويكون شيئاً مباشراً ظاهراً ملموساً يستعمل كلمة مبين في وصف الفضل. وسنقف عند التعريف والتنكير لكلمة الفضل قد جاءت كلمة الفضل في القرآن معرّفة وجاءت نكرة ايضاً فإذا كان ما قبلها معرّفاً جاءت معرّفة وإذا كان ما قبلها نكرة جاءت نكرة. ونستعرض الآيات التي جاء فيها لفظ ( الفضل العظيم ) :
في الآية الأولى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) } البقرة . اسم الجلالة (الله) مبتدأ و(ذو الفضل) انتسب الفضل الى الله تعالى فالله هو صاحب الفضل (ذو هو خبر (الله) أضيف الى الفضل وبما ان ذو الفضل مضاف ومضاف اليه وهما كالكلمة الواحدة قكأن الفضل أُخبِر به عن الله تعالى، ذو الفضل خبر للمبتدأ الذي هو اسم الجلالة (الله) وجاءت كلمة العظيم وصفاً للفضل لأنها مسندة بشكل مباشر لله تعالى فلما كان الفضل متصلاً بخبر اسم الجلالة كان استعمال كلمة العظيم للفضل. هذا من حيث الاسناد أن الفضل اسند لله تعالى (ذو الفضل) خبر للفظ الجلالة والعظيم صفة للفضل حصراً وهي تُقرأ الفضلِ العظيمِ في القراءات العشر المتواترة هذا من حيث التركيب أما من حيث المعنى فلو نظرنا الى الآيات في قوله تعالى { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } ذكر اختصاص الرحمة التي هي شيء واسع { ورحمتي وسعت كل شيء} فلما يكون الشيء واسعاً تستعمل كلمة العظيم وعندما يكون الشيء منحصراً تستعمل كلمة الكبير.
وفي الآية الثانية في سورة آل عمران { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)} الفضل كذلك منسوب مباشرة ومسند الى الله تعالى فجاء بلفظ العظيم وكذلك ذكر الرحمة الواسعة فذكر العظيم.
في الآية الثالثة في سورة الانفال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} تعدد الفضل وذكر منه: يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم إذن فهذا فضل متعدد وأُسند مباشرة الى الله تعالى فاستعمل كلمة العظيم.
وفي آية سورة الجمعة { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أيضاً تعدد الفضل: بعث في الأميين رسولاً منهم، إكراماً لهم ليتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فلما تعدد الفضل وكان مسنداً الى الله تعالى مباشرة ذكر كلمة العظيم.
وفي آيتي سورة الحديد { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29))} الفضل متعدد من الله تعالى { يؤتكم كفلين من رحمته، يجعل لكم نوراً، ويغفر لكم } وذكر الرحمة والفضل منسوب ومسند الى الله تعالى مباشرة فجاء لفظ العظيم لوصف الفضل.
وهذه الأمثلة كلها جاءت بلفظ العظيم معرّفاً لأن ما قبلها معرّفاً ويأتي بالتنكير عندما يكون قد سُبِق بالتنكير (عظيم) كما في آيتي سورة آل عمران { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) } آل عمران . وسورة النساء { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)} فضل جاءت نكرة فجاء لفظ عظيم نكرة ايضاً.
جاء ذكر الفضل الكبير في القرآن في مواضع ثلاثة وهي :
1. { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) } الاحزاب 2. { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) } فاطر 3. { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) } الشورى آية سورة فاطر { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} (ظالم لنفسه، مقتصد، سابق الخيرات) سابق بالخيرات بإذن الله والسبق بالخيرات هو فضل من الله تعالى لكن لم يذكر اسم الجلالة (الله) وإنما قال (ذلك) أي ذلك السبق هو الفضل الكبير فجاء بلفظ الكبير لأن الفضل لم يسند الى لفظ الجلالة اسم الله تعالى مباشرة هو من فضل الله تعالى لكنه لم يُنسب ولم يُسند الى لفظ الجلالة (الله) مباشرة لذا جاءت (ذلك هو الفضل الكبير) ولم يقل العظيم.
وفي آية سورة الشورى { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)} ما هم فيه فضل من الله تعالى وهو فضل كبير وهذا الفضل ليس متعدداً على عكس وصف الفضل العظيم وسبق أن قلنا في الحلقة السابقة أن صفة الكبير هي دون صفة العظيم في ترتيب الصفات.
وفي آية سورة الأحزاب { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} بشارة للمؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً هي مجرد بشارة وليست أموراً متعددة فلم يقل الفضل العظيم لأنه الفضل ليس متعدداً في هذا الآية وكان يقتضي أموراً متعددة كثيرة. وهذا الأمر مضطرد في القرآن جميعاً وهذا ليس من كلام البشر وإنما هو كلام الله تعالى فالآية التي نزلت في أول الرسالة والآية التي نزلت بعد 23 سنة التزمت بهذا السياق وهذا النسق.
آية واحدة تتعلق بأمور الدنيا وهي الآية 16 في سورة النمل { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) } النمل . استعمل فيها لفظ الفضل المبين والمبين يعني الظاهر لأنه في أمر الدنيا ظاهر أمامهم يرون سليمان u يكلم الطير وأوتي من كل شيء فقال تعالى { إن هذا لهو الفضل المبين} وهذه هي المرة الوحيدة التي ذكر فيها وصف المبين للفضل وصحيح أن في الآية تعدد وقد يسأل سائل لماذا لم يقل العظيم طالما هنالك تعدد فنقول أن هذا التعدد لأمور دنيوية ثم إنه ليس منسوباً ومسنداً الى لفظ الجلالة (الله) مباشرة فلم يصفه بالعظيم وإنما بالمبين. وفي قوله تعالى { عُلّمنا منطق الطير} بناء الفعل للمجهول هو للتعظيم لعظمة المعلِّم والبناء للمجهول يستعمل ايضاً للإيجاز وفي اسلوب الايجاز لا يفصّل ولذا قال { وأوتينا من كل شيء} فقد ذكر أنه أوتي من كل شيء ولكنه لم يفصّله وهذا على عكس التفصيل الذي جاء في قصة موسى u عندما سأله تعالى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) طه) قال هي عصاي { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) } طه
نعود الى الآيات مرة أخرى لننظر ما فيها. آية سورة البقرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)} كلمة راعنا هي من المراعاة وفيها النظر يقال ارعى فلاناً أو انظره فلِم هذا التغيير؟ هذا التغيير ليس من أجل الجوانب البلاغية لأن راعنا وانظرنا متقاربتان في المعنى لكن الأمر له علاقة بسبب نزول الآية وأحياناً بعض الألفاظ يكون لها معنى خاص أو معيب عند أقوام معينين خلاف اللغة وكلمة راعنا كان لها دلالة خاصة عند اليهود وكان اليهود يقولون كنا نخاف أن نشتم محمداً وأما وقد نزلت الآية فيمكن أن نشتمه جهاراً ونقول له راعنا وكان اليهود يضحكون أن المسلمين يستعملون كلمة فيها دلالة مهينة عندهم لذا نزلت الآية { لا تقولوا راعنا وقلنا انظرنا } والله تعالى أعلم رسوله بهذه الآية وأعلم المؤمنين أن اليهود يسخرون بهذه اللفظة وينبغي على المؤمنين أن يتجنبوها ولهذا يرتب المفسرين على هذه الآية المفاصلة في المصطلحات أي لا ينبغي أن نستعمل مفردات إذا كان لها دلالة خاصة بلغة أقوام آخرين. واختلاف دلالة كلمة ما بين الشعوب حاصل والأمثلة على ذلك كثيرة.
وفي آية سورة آل عمران { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)} وفي هذه الآية طريفة تُذكر وفيها فائدة وهي أن الكسائي وكان من أحد القُرّاء وعالم نحو كان مؤدباً لأولاد الرشيد وكان ذا صوت جميل فيقول صلّيت بالرشيد يوماً فأعجبتني نفسي (إذا أحب الله عبداً ينبهه الى خطئه) والاعجاب بالنفس قد يُحبِط العمل قال والله أخطأتُ خطأ لا يخطئه الصبيان قرأت (يرجعين) فتهيّب الرشيد أن يردها عليّ فلما انتهيت قال الرشيد يا كسائي قراءة مَنْ هذه؟ قلت يا أمير المؤمنين قد يكبو الجواد فقال فنعم. وهذا نوع من التربية فينبغي للانسان أن لا تعجبه نفسه فيؤدّب.
لماذا قال القرآن (طائفة)؟ يستعمل القرآن الكريم لفظ طائفة وفريق وفرقة والقرآن لا يجعل الكلام عاماً وهذا ما يسمى بالروح العلمي في التعبير فلا نعمم ونقول قال جميع الناس أما اذا كان العموم يقولون وعرقت ذلك فيمكنك ان تقول كما قال سعد بن معاذ للرسول صلى الله عليه وسلم ان الناس يتكلمون لأن رؤساء قومه قالوا له كلاماً ان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي قومه.
وهناك فرق بين كلمة طائفة وفريق أو فرقة ولكل كلمة من هذه معناها فالفرقة هي جماعة عددها كثير وسُمّيت فرقة كأنها فرّقت جمعاً أما الطائفة فهي الجماعة البارزة التي كأنها تطفو على السطح ظاهرة وهي أقل من الفِرقة وهؤلاء كأنهم ظاهرين بارزين لأنه كان لديهم مخططاً وهو أن يدخلوا في الاسلام صباحاً ثم يرتدوا في المساء حتى يقول الناس لا بد أنهم رأوا ما لا ينبغي فيرتدوا ايضاً. وليست كل طائفة تخطط وإنما الطائفة هم قوم ظاهرون كما في قوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } لم ينزع عنهما صفة الايمان ويقال أن الصهيونية لها قيادة مستمرة على مدى الفي عام تنقل تجاربها الذين هم (حكماء صهيون) كلما هلك واحد دخل واحد آخر في هذه العصبة او القيادة فتجاربهم مستمرة متواصلة وخبراتهم متراكمة ومن خبراتهم في ذلك الزمان أنهم يكلّفون بعضهم بالدخول في دين الله في الصباح (الكلام في آية سورة آل عمران عن اليهود) ثم يرتدوا في المساء ليرتد الآخرون.
في آية سورة الأنفال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} لماذا ذكر التكفير مع السيئات ولم يذكر شيئاً مع المغفرة ؟ بالعودة الى قوله تعالى { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) } النساء. وإذا رجعنا الى حيث ما وردت كلمة الغفران بكل صيغها (يغفر، نغفر،وغيرها) والتكفير (يكفّر عنكم) وجدنا أن التكفير خاص بالسئيات والغفران خاص بالذنوب ولم يستعمل واحدة مكان الأخرى في كل القرآن. كلمة كفر وكلمة غفر متسابهتان وتختلفان في الكاف والغين والغين هي أنصع وهي مجهورة أما الكاف فهي مهموسة وهذا يعني أن الغين أقوى من الكاف فالغفران أقوى من التكفير والذنب أشد من السيئة فالسيئات هي التي تُكفّر إذا اجتنبت الكبائر وفي الكلمتين (كفر وغفر) معنى التغطية والقطع. ولننظر في استعمال كفّر وغفر نجد أنه قد شُدّدت كلمة (كفّر) ولم تشدد كلمة غفر مع أنه جائز لغة وتشديد كلمة (كفّر) لأن السيئات أو صغائر الأمور هي كثيرة عند الناس وكثيراً ما يقع الانسان في الصغائر لكن عليه الانتباه وأن لا يستهين بالسيئات لأن الانسان لا يدري ما الذي يُدخله النار، لكن الوقوع في الكبائر نادر عند المؤمن أما اللمم فكثيرة لذا استعمل صيغة التكفير مع السيئات (نكفر عنكم سيئاتكم) ولم يقل (غفّر) لأن المغفرة تكون للذنوب والذنوب ينبغي أن تكون قليلة. الذنب كبير والسيئة هي الشيء الذي يسيئك ويسيء اليك وقد يكون طارئاً أما الذنب ففيه معنى الالتصاق ومنه أُخِذ ذَنَب الحيوان لالتصاقه به فالسيئة سريعة المحو أما الذنب فيلتصق ولذلك الغفران فيه معنى القطع.