ミ★ミ الحكاية الشعبية ミ★ミ
الحكاية الشعبية folk-tale/conte شكل من أشكال التعبير الشفوي، تسرد سلسلة من الأحداث المتخيلة، وتفترض وجود راوٍ يقوم بقص هذه الأحداث. فالحكاية تنتمي إلى الأدب السردي وإلى عالم الخيال والمتخيل، وتتميز أحداثها بحيوية خاصة. والحدث فيها مختلق إلا أنه مروي بوضوح يمكن فهمه بسهولة، يتوضع في شرط بعيد زمنياً من دون تحديد، وهذا لا يمنع من وجود بعض الحكايات التي تتضمن شخصيات وأحداثاً تاريخية وأخرى حقيقية، عندها يكون الهدف منها أخلاقياً كما في حكايات ڤولتير[ر].
تسود الحكاية الشعبية في مرحلة ما، ويتم تناقلها شفوياً مدة طويلة من الزمن، وقد تدوَّن في مرحلة لاحقة. تتحدد في الإطار الشفهي أصالة العمل الحكائي من الطريقة التي يتفاعل فيها الراوي مع المستمعين. وهناك عدة نظريات عن أصول هذا النوع، ظهرت خاصة في العصر الإبداعي[ر] (الرومنسي)، فمن الباحثين من يربط الحكاية بروح الشعب، أي إن الشعب هو الذي يبتكرها وتنتشر بين أفراده حتى الأميين منهم، وأن نقلها شفوياً يحفظها ويجعلها تستمر، رغم أنها غير مكتوبة.
يمارس النقل الشفوي للحكايات نوعاً من الانتخاب، حتى لا يبقى في السرد الشفوي إلا الحكايات المهمة والمبنية جيداً، أي لا يمكن حذف أية مرحلة من مراحلها، ولأن هذه الحكايات شفوية، فقد أخذت قالباً محدداً يصنفها إلى نماذج، وهذا ما عمل عليه الباحثون في الفولكلور[ر].
تتكرر في الحكاية الشعبية الصيغ التعبيرية الطقسية منها والجاهزة بإيقاع معين، فقد تبدأ الحكاية مثلاً بصيغة «كان يا مكان» مما يضع الحدث في ماض غير محدد لا يتوافق مع الماضي التاريخي. وتنتهي بصيغة «توتة توتة خلصت الحدوتة». وتتميز لغة الحكاية العربية مثلاً بالسجع والطباق والجناس مما يعطي إيقاعاً للسرد. وشفوية الحكاية تدفعها للاعتماد على الصيغ الكلامية لتقوية الذاكرة، إذ توجد فيها عبارات متوازية أو متعارضة، وشخصيات تميل إلى النمطية، وتكتسب أبعاداً بطولية أحياناً، وهي شخصيات عجيبة تكون معيناً للذاكرة، مثل العملاق ذي العين الواحدة. ولكي تضمن الحكاية الشعبية أهميتها وقابليتها للحفظ توضع في صيغ تعبيرية تساعد على تذكرها، مثل: الأميرة الجميلة بدلاً من الأميرة، الفارس الشجاع، الشيخ الحكيم، شجرة السنديان العالية...، إن وجود الصيغ يساعد في ترسيخ المعنى في الذاكرة. ووجود العدد في صيغ الحكاية يعين كذلك على التذكر مثل: الأخوات الثلاث، علي بابا والأربعين حرامي.
إن قواعد البناء في الحكاية الشعبية محددة، بحسب رأي الباحث الدنماركي أكسل أولريك A.Olrik الذي حدد القوانين الملحمية للأدب الشعبي؛ فهو يرى:
1ـ إن الحكاية الشعبية لا تبدأ فجأة بالحركة، كما أنها لا تنتهي فجأة، بل هناك «قانون للبداية» و»قانون للنهاية» تسير بحسبهما بداية وخاتمة الحكاية.
2ـ إذا أرادت الحكاية الشعبية أن تبرز حادثاً كررته.
3ـ قانون التناقض: تصور الحكاية الشعبية دائماً النقيضين: الكبير والصغير، الغني والفقير، الشاب والكهل، الشيطان والإنسان.
هناك نوع من الحكايات يمتاز ببنيته التكرارية، بمعنى أن كل مقطع فيها يولِّد مقطعاً آخر، يشبه الأول ببنيته، لكن الاختلاف يكون على صعيد الفكرة أو الموضوع، والحكاية هنا سرد قصير لا ترد فيه سوى التفاصيل المهمة. مثل «موسوعة الأطفال وحكايات البيوت» للأخوين غريم[ر] (1842) في ألمانيا، فالحكاية فيها تتألف من لوحات، وكل مرحلة تحتوي على لوحة فيها وصف اللباس أو أي شيء آخر، وهناك دائماً ما يميز مرحلة عن أخرى.
وهناك بعض الحكايات التي تتميز ببنية التضمين، أي أن الحكاية الواحدة تتضمن حكايات أخرى، مما يكسب هذه الحكاية طولاً معيناً، مثل حكايات «ألف ليلة وليلة» وتسمى «الحكاية الإطار»، وهي ذلك السرد المركب من قسمين بارزين ولكنهما مترابطان: أولهما حكاية أو مجموعة حكايات ترويها شخصية واحدة أو أكثر، وثانيهما تلك المتون وقد رويت ضمن حكاية. والحكاية الأولى أقل طولاً وإثارة، مما يجعلها تؤطر تلك المتون كما يحيط الإطار بالصورة مثل «حكاية شهرزاد وشهريار». في هذه الحكايات يتوالد السرد، وهو توالد عن طريق احتواء كل حكاية لحكاية أخرى تحتوي حكاية ثالثة. وقد درس الباحث البلغاري تزيفتان تودورف T.Todorov هذه الظاهرة، واستخدم لشرحها مصطلح التضمين enchassement وهو مصطلح يعني حالة خاصة من الترابط، ففي كل مرة تظهر شخصية جديدة تستدعي معها حكاية جديدة، يتم تضمينها في السابقة.
تتواجد الحكاية الشعبية بعدة روايات أو صيغ، وغالباً تتراكب عناصرها بعدة أشكال، وهذا ما تناولـه الباحث الروسي بروب V.Propp في بحثه «مورفولوجية الحكاية الخرافية» Morphologie du conte حيث حلل التراكب أو التمفصل (الموضوعاتي) للحكاية ومنطقها، واكتشف قواعد المتن الحكائي المشتركة، التي تشكل هيكل البنية، أما الباحث الفرنسي في مجال الأنتروبولوجيا كلود ليفي شتراوس C.Lévi-Strauss فطبق ذلك على حكايات الهنود الحمر في أمريكا.
فالحكاية الشعبية سرد قصير يقدم عالماً متخيَلاً، ويخضع لأشكال متنوعة، مما يجعل من الصعب وضع تعريف محدد للحكاية، لكن يمكن التمييز بين حكاية وأخرى على مستوى شكل السرد، والفئة الجمالية التي تنتمي إليها . والمعيار لذلك هو الطريقة التي يتم بها تصور ماهية العالم المتخيل بحسب الحالات الثلاث الآتية:
1ـ الحالة الأبسط، هي التي تجري فيها أحداث الحكاية في عالم يشبه عالمنا، ويخضع للقوانين الطبيعية نفسها. لكن الأحداث فيها تكون أكثر جنوحاً نحو الفانتازيا، وأكثر أسلبة، والشخصيات فيها تتحول إلى أنماط.
2ـ تجري أحداث الحكاية في عالم لا يشبه عالمنا ويخضع لقوانين مختلفة، كالحكايات التي تتكلم فيها الحيوانات، وهذه توجد في كل مكان وخاصة في إفريقيا، ومنها انتقلت إلى أمريكا، وفي هذه الهجرة تم إعداد الحكايات بحسب الجمهور الجديد. وضمن هذه الفئة حكايات تروي تحولات خارقة، يتحول فيها الكائن إلى كائن آخر.
3ـ تمتلك الحكاية ثنائية ومجاوزة بين الطبيعي والخارق، مثل حكايات الأقزام والعمالقة، وحكايات الشياطين والأشباح ومصاصي الدماء والوسطاء الروحيين بين عالم الأحياء والأموات، وحكايات القديسين التي تنتهي بمعجزات.
انتشرت الحكاية الشعبية في أنحاء العالم كله، وبثّت الشعوب تعاليمها فيها. ويفوق الهنود الشعوب الأخرى في بناء الحكاية وربط أجزائها، وفي تعدد الموضوعات ومقابلة بعضها ببعضها الآخر، ومن خصائص الحكايات الهندية أنها غالباً ما تُضمِّن في إطار الحكاية الواحدة عدداً كبيراً من الحكايات، وهي وسيلة فنية مماثلة لتلك التي عرفها الأدب المصري القديم، واستخدمها فيما بعد بوكاتشو[ر] وقد ظهرت سابقاً في إنتاج الإغريق والرومان وفي فنهم، ووصل هذا التأثير أيضاً إلى الشرق الأقصى وأوربا.
ارتبطت الحكاية الشعبية في الصين بالطبيعة، وبالمراحل الحضارية الأربع[ر: الصين] من الناحيتين الدينية والدنيوية. ويتميز الصينيون في حكاياتهم الشعبية بالبراعة في فن التصوير، إذ تبرز الصور المفزعة، وصور الأنواء والبرق والرعد والروعة السماوية.
وتعد الحقبة ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر في ألمانيا حقبة ازدهار الحكاية الشعبية.
عُرفت الحكاية الشعبية في التراث العربي في وقت مبكر، إذ تحتشد كتب الطبري[ر] والأصفهاني[ر] والمسعودي[ر] وابن كثير[ر] وغيرهم بالكثير من هذه الحكايات التي عرفت في العصر الجاهلي وما تلاه. وقد منح الإسلام الحكاية الشعبية شرعية الدخول إلى ميدان الأخبار المعروفة آنذاك، واقترنت الحكاية بالأسمار والمسامرة، ويمكن القول إن الموجهات الخارجية للقص العربي تركت أثرها الكبير في الحكاية، سواء في هيمنة قالب الإسناد على متونها، أم في إكسائها قالباً اعتبارياً، الأمر الذي جعل الحكاية حقلاً خصباً يغذي موقفين متناقضين، أولهما انتماؤها إلى إنتاج المتخيَّل، وثانيهما خضوعها للإسناد الذي يفترض صحة انتساب القول لقائله. ولتجاوز معضلة التناقض هذه وجعلها ميزة من ميزات هذا النوع السردي، أصبحت الحكاية الشعبية مثالاً لكل ما هو متخيل ووهمي، ويُنسب إلى رواة لا وجود لهم. وأصبح هذا من الخصائص المميزة للحكاية، مما جعلها، في تاريخ الثقافة العربية، تندرج ضمن مرويات الأسمار، فامتزجت فيها المأثورات وأخبار الملوك، فضلاً عما ترسب في الذاكرة الجماعية من أخبار ووقائع قديمة. ومن المعروف أن الحكاية الشعبية تشكلت في البدايات في أوساط العامة فلم يُعن بها أحد من الخاصة، إلا بوصفها نوعاً من الأسمار اللطيفة. وفي القرن الثاني الهجري استأثرت باهتمام الإخباريين والشعراء والكتاب، وخاصة في العصر العباسي حيث ترجم ابن المقفع[ر] كتاب «كليلة ودمنة» وازداد الاهتمام بالأمر في القرنين الثالث والرابع، وذكر المؤرخ حمزة الأصفهاني أنه كان في عصره من كُتب السمر التي تتداولها الأيدي ما يقرب من سبعين كتاباً، كذلك ظهرت كتب حول أحاديث «السندباد» و«السنور والفأر» في المدة التي جرى فيها نقاش واسع حول دخول حكايات «ألف ليلة وليلة» في الموروث العربي.
ومن المعروف أن الإسلام أعاد إنتاج المأثورات الجاهلية بما يوافق رؤيته، ولاشك أن تلك الرؤية قد عملت على تغيير الحكايات الشعبية الأعجمية أيضاً في القرون اللاحقة بما يضفي عليها سمات البنية الثقافية الجديدة.