::[◙]:: أدب الخيال العلمي ::[◙]::
الخيال العلمي: هو الانتقال في آفاق الزمن، على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات العلمية، وغالباً ما يطرق مؤلفو قصص الخيال العلمي science fiction أبواب المستقبل بتنبؤاتهم من دون زمن محدد. وفي قصص الخيال العلمي نظرة واسعة إلى العالم يدخل فيها العلم فيمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب، وتُرسم أحداث تنقل القارئ إلى المستقبل، أو الماضي السحيق، فتثيره وتذهله.
والرابطة بين العلم والخيال رابطة مؤطّرة متماسكة، ومن يكتب في هذا النوع من الأدب لا ينجح إلا بثقافة علمية ممتازة يستخدمها في أحداث قصصه ورواياته.
رواد الأدب العلمي
بعد الكاتب الفرنسي جول فيرن Jules Verne [ر] الأب المؤسس لقصة الخيال العلمي، وقد كتب أول أعماله «خمسة أسابيع في منطاد» في فرنسة (1863)، ثم أتبعها بروايته «رحلة إلى جوف الأرض» Journey to the Center of the Earth (1864) وبعدها كتب رائعته «من الأرض إلى القمر» (1865) التي تخيل فيها رحلة إلى القمر. ولكن هذا الخيال من الرواية تحقق بعد قرن وبالتحديد في 20 تموز 1969 إذ هبط أول إنسان على القمر.
كتب فيرن كثيراً من الأعمال في الخيال العلمي إضافة إلى ما ذكر، ومن بين ما كتب «عشرون ألف فرسخ تحت الماء» Twenty Thousand Leagues Under the Sea (1870) حكى فيها عن غواصة تنتقل تحت الماء. وفي عام 1877 كتب روايته «هكتور سيرفاداك» التي تتحدث عن مذنب يقتطع قطعة من كوكب الأرض، وترافق هذه القطعة المذنب في رحلته حول الشمس. وكتب فيرن أيضاً قبل عام واحد من وفاته روايته «سيد العالم» (1904)، وفي روايات فيرن خيال مجنح غلب عليه المنطق العلمي، وهذا ما جعله أشبه بنبوءة علمية. فقد تخيل في روايته «من الأرض إلى القمر» انطلاق محطة فضاء من الأرض إلى القمر بوساطة مدفع هائل الطول هبطت على القمر. ووصف الرواد سطحه والمناظر من فوقه وعادوا إلى الأرض حيث هبطوا بمظلة في البحر، بطريقة شبيهة بما فعله رواد المركبة الفضائية أبولو - 11. كما كتب جول فيرن عن الغواصة ووضع وصفاً لها، وكتب عن الطائرات النفاثة والصواريخ بعيدة المدى والغوص في أعماق المحيطات، وكلها تنبؤات تحولت إلى حقيقة في العصر الحالي. إلى جانب فيرن الفرنسي يعد الكاتب الإنكليزي هربرت جورج ويلز [ر] H.G.Wells شكسبير الخيال العلمي، كما وصفه النقاد. وقد ولد ويلز في بروملي وهي ضاحية من ضواحي لندن عام 1866 وكتب أول رواياته العلمية الخيالية «آلة الزمن» The Time Machine عام 1895 وتعد أعظم روايات الخيال العلمي على الإطلاق، وفيها يتخيل أن بطله صنع آلة حين يدير عجلتها يستطيع أن يقفز فوق الزمن، يعود إلى الماضي أو يخترق المستقبل لسنين بعيدة، بحسب الجهة التي يدير بها العجلة. تخيل ولز في آلة الزمن أن مصير الإنسانية التي انغمست في الدعة والسلام وقنعت بالعافية من الهموم، سيكون قاسياً، فحين ينتقل بطل الرواية إلى المستقبل بعد أن يدير عجلة آلته، فإنه يرى البشر وقد تحولوا إلى قبائل بدائية ضعيفة حركتهم خابية، وجمالهم كاذب،جندوا لخدمة قبائل «المرلوك» المتوحشة، التي تستوطن الكهوف والسراديب وشقوق الأرض، بعيداً عن الضوء. ويبلغ به الحزن حد الفجيعة وهو يرى فناء الذكاء البشري، وكيف آل أمره إلى الانتحار على يد الإنسان الذي خلد إلى حياة المذلة والنعيم.
وفي عام 1901 كتب روايته «رجال القمر الأوائل» The First Men in the Moon وكان قد كتب قبلها روايته المشهورة أيضاً «حرب العوالم» (The War of the Worlds (1898، و«طعام الآلهة» The Food of the Gods (1904) وبعدها بعام «اليوتوبية الجديدة» Modern Utopia تلتها أعماله الكثيرة المنوعة في قصص الخيال العلمي.
واتسع انتشار أدب الخيال العلمي في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة، وكثر النتاج الغث لبعض الكتّاب الذين أخذوا يكتبون من دون ثقافة علمية كتباً غلبت عليها الخرافة وشطحات المبالغة البعيدة عن المنطق العلمي، وأصبح أدب الخيال العلمي أحياناً صرعة لدى بعض الكتاب الذين رأوا فيه منفذاً إلى عوالم الجنس والحبكات البوليسية والخرافية.
ولكن تلك الكتب التجارية اصطدمت بنقاد كانوا أقسى من نقاد الفنون الأدبية الأخرى، لأنهم وجدوا فيها خطورة على الأجيال الناشئة. ومع ذلك فإن الأدب الحقيقي يظل فاعلاً وله استمراريته. ففي عشرينات القرن العشرين كتب تولستوي [ر] Tolstoy عن رحلة إلى المريخ في «آيليتا» كما كتب عن آلة جبارة تثقب الأرض وتستخرج الذهب من باطنها «هيروبوليد المهندس غارين» وكتب عن الطبقات الداخلية للأرض والنفوذ إليها وعن المفاعل النووي بوجه قريب للحقيقة.
ويحتل إسحق عظيموف [ر] Isaac Asimov مكانة وثيقة بين كتاب الخيال العلمي لخياله الواسع ومعرفته العلمية الممتازة. وقد ولد في روسية عام 1920 وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على الجنسية الأمريكية مع أهله عام 1928 وهو أحد علماء الكيمياء الحيوية اليوم إذ حصل على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم من جامعة كولومبية بمدينة نيويورك، وعمل كيمياوياً في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، وغدا عام 1949 عضواً في هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة بوسطن. ومن المشهور عنه أنه كتب قصصاً كغيره عن كائنات العوالم الأخرى،وفي إحدى محاضراته، وكان يتحدث عن الحياة في العوالم الأخرى، سألته إحدى الطالبات عن رأيه بالأطباق الطائرة وهل يعتقد أنها موجودة فأجاب: «لا يا آنسة، وأعتقد أن كل من يؤمن بوجودها هو إنسان خيالي» ويردف قائلاً: «صحيح أنني أكتب عنها ولا أنفي بكتاباتي وجودها ولكن كتاباتي مجرد خيال، خيال محض».
الخيال العلمي في السينما والتلفزة والصحافة
لعل أول أفلام الخيال العلمي التي ظهرت في السينما الفيلم الذي أخرجه جورج ميليس عام 1902، وهو فيلم صامت بطول ست عشرة دقيقة، وقد استوحى قصته من رواية فيرن «من الأرض إلى القمر» وقصة ويلز «رجال القمر الأوائل». وقد أظهر الفيلم المعارك بين القادمين من الأرض وسكان القمر وكانت أجواء القمر التي ظهرت شبيهة بالصور المنقولة حالياً عن مركبات الفضاء الدائرة حول هذا الجرم القريب من الأرض.
وتتابعت سلسلة أفلام الفضاء والخيال العلمي فظهر فيلم «الشيء» عام 1936 وفيلم «20 مليون ميل عن الأرض» عام 1957 ثم فيلم «آلة الزمن» اعتماداً على رواية ويلز الشهيرة وقد أخرجه جورج بال عام 1961. وفي عام 1968 أخرج ستانلي كوبريك فيلمه الشهير «2001 أودية الفضاء» الذي تميز بوصفه أفضل فيلم علمي خيالي أُنتج في الستينات.
وتتابعت الأفلام فظهر «حرب النجوم» Stars War لجورج لوكاس الذي تحدث عن احتمال حدوث حرب فضائية، بين الكائنات التي تسكن الكواكب، نتيجة للتطور السريع للعلوم والتكنولوجية، كما ظهر فيلم «لقاء من النوع الثالث» الذي يتحدث عن طبق طائر هبط في منطقة من الأرض وأجرى لقاء مباشراً مع سكانها، كما تحدث فيلم «سولاريس» لأندريه تاركوفسكي عن المشاكل البيولوجية والنفسية التي يمكن أن تحدث لرواد الفضاء. أما فيلم «أصداء من الفضاء» لريتشارد فيكتوريف، وهو من جزأين، فيتحدث عن رحلة فضائية كبرى يقوم بها رواد فضاء شبان صغار مدربون، يتعرضون لمشاكل في اختراقهم الفضاء، وهم يتجهون نحو كوكب في مجموعة «ذات الكرسي» ليساعدوا سكانه في حل المشاكل الخطرة التي يعانون منها. ويتحدث فيلم «E.T» لسبيلبرغ عن مخلوق هبط من الفضاء إلى الأرض يعلم الناس الحب والتسامح والسلام، على الرغم من منظره البشع. وتتابعت أفلام الخيال العلمي حتى أصبحت توجهاً جديداً في الإنتاج، بعد أن كانت محدودة، قبل أن يغزو الإنسان الفضاء ويهبط على القمر عام 1969.
انتقلت العدوى إلى التلفزيون، إذ تنافست شركات الإنتاج في إنتاج مسلسلات تتحدث عن رحلات فضائية إلى عوالم بعيدة، مثل «الغزاة» و«الفضاء عام 1999» و«رحلة النجوم» Star Trek وأغلبها من إنتاج أمريكي بسبب تنافس شركات الإنتاج الأمريكية ضمن هذا التوجه الجديد في رحلات خيالية تشد الناس إلى المستقبل، فينتقلون بأحلامهم إلى عوالم غامضة مجهولة في حكايات قد تبدو خرافية.
وقد نشطت فعاليات الخيال العلمي حتى في الصحافة إذ تنافس الكتاب في نشر القصص والروايات المسلسلة في مجلات متخصصة حتى أن بعض المجلات العلمية اختصت بالخيال العلمي مثل المجلة الأمريكية «مجلة الخيال والخيال العلمي» Magazine of Fantasy and Science Fiction .
أدب الخيال العلمي عند العرب
هل عرف العرب الخيال العلمي من قبل؟ قد لا يخطر هذا السؤال على بال الكثيرين من الناس، ربما للمسافة الزمنية التي تفصلنا عن الحضارة العربية التي بلغت أوجها في القرن العاشر الميلادي.
والجواب عن السؤال يبدو صعباً لأن الخيال العلمي لم يكن معروفاً عند الناس بهذه التسمية المحدودة. ولو تمت العودة للتاريخ في محاولة سبر الإبداعات في الأدب على اختلاف توجهاته لتبين أن أسطورة «حي بن يقظان» لابن طفيل قريبة من الأدب الذي عُرف منذ أواخر القرن التاسع عشر باسم أدب الخيال العلمي. لأن هذه القصة الأسطورة تحوي مقومات الخيال العلمي بصورة واضحة وتتحدث عن عملية التكوين الإنساني والخلق والمؤثرات الطبيعية، وترسم شكلاً واضحاً لحياة نشأت مع الطبيعة من دون مؤثرات بشرية بصورة غنية بالخيال العلمي.
لم يعرف العرب حديثاً أدب الخيال العلمي إلا في الستينات حينما نشر مصطفى محمود روايته «العنكبوت» ثم روايته «رجل تحت الصفر» وقد غلب على الأولى الأسلوب الغيبي إذ مزج الكاتب فيها بين القضايا العلمية وقضية تقمص الأرواح. أما الثانية «رجل تحت الصفر» فتمثل عالم القرن الحادي والعشرين عندما تصبح وسيلة النقل فيه صاروخاً يضيِّق الفوارق بين البلدان والمدن والأقاليم، وتسهم كل أمة بقسطها في إغناء الحضارة الإنسانية ويكون الحب هوائياً يكافح القوى المجهولة من حقد وحسد وبغضاء.
وظهرت في السبعينات محاولات أخرى لنهاد شريف في «قاهر الزمن» وهي رواية تتحدث عن فكرة السُّبات عند الإنسان بتجميد جسده لسنوات ثم إحيائه، وقد تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج كمال الشيخ، ثم مجموعة قصص بعنوان «رقم 4 يأمركم» وهي تلفت النظر بسعة خيال كاتبها ومدى فهمه الدقيق لتطور العلوم، مع أنه يحمل إجازة في التاريخ.
يتحدث نهاد شريف في قصصه عن الإنسان الآلي وإمكانية سيطرته في المستقبل إلى أن يطرد البشر ليستقل بنفسه في إدارة المصانع والآلات، ويتخيل الكاتب أن بوادر الانقراض بدأت تهدد الإنسان الآلي إذ بدأت العاطفة بالتحكم فيه. ويتحدث عن كائنات المريخ العاقلة التي تحذر البشر من خطر تكديس السلاح النووي ومن تمكن العلماء العرب من الوصول إلى كوكب المشتري حيث يقع الرواد في أسر كائنات هلامية، كما يرصد في تلك المجموعة عالم المستقبل الحافل بالمفاجآت العلمية.
وقد ظهرت لنهاد شريف رواية «مردة المجال الثاني» وظهرت محاولات في قصة الخيال العلمي للكاتب رؤوف وصفي. ولطالب عمران عدة قصص من الخيال العلمي، بينها ما هو للأطفال مثل «كوكب الأحلام» (1978) و«محطة الفضاء»، وبينها ما هو للكبار مثل «العابرون خلف الشمس» (1979) و«ليس في القمر فقراء» (1983) و «خلف حاجز الزمن» (1985).
وكما في العالم، نشط المتطفلون على هذا النوع من الأدب في الوطن العربي أيضاً، وقد رأوا فيه مرتعاً لخيالاتهم التي لا تستند إلى أسس علمية، وأخذ بعضهم يدعي انفراده بكتابة مثل هذا النوع من الأدب (مع افتقاره إلى الثقافة العلمية). وكتب بعضهم عن رحلة لمحطة تنجح في الهبوط على كوكب المشتري، وهو كوكب سائل غازي، كما تهبط فوق حلقات كوكب زحل وهي حلقات شفافة تتكون من جسيمات متباعدة وأتربة وحبات برد. وأطلق بعضهم مصعداً خرج من الطابق العاشر في بناية بعشرة طوابق وهبط فوق القمر، كما حلقت فقاعة صابون في داخلها طفلة فوق الأرض لمسافات كبيرة.
مستقبل أدب الخيال العلمي
لقد اتسع انتشار الخيال العلمي في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة، وهو يعتمد العلم محوراً فاعلاً في أحداثه وأبطاله، ويلجأ بعض الكتاب المتميزين في فن القصة والرواية إلى الاستعانة بالعلماء لكتابة رواية أو قصة من الأدب العلمي، حتى لا يساء إلى هذا الأدب وحتى يتميز العمل الأدبي بمنطقيته العلمية الضرورية.
كما توجه الخيال العلمي مؤخراً إلى الأطفال إذ تخصص بعض الكتاب بكتابة أدب الخيال العلمي الموجه للطفل. وقصة الخيال العلمي قد تكون البديل الحقيقي لكل هذا الركام المطروح على الطفل بطريقة فجة لإدخال العلم بقوالب جامدة إلى رأسه الذي لا يتقبل حشر المعلومات العلمية مما قد يؤدي إلى انصرافه عن العلم أو عدم الاهتمام به. والعلم، كما هو معروف، هو لغة العصر، والدور الحضاري لأية أمة من الأمم لا يكون إلا بالعلم وإبداعاته في مختلف جوانب الحياة.