~¤¦¦۞¦¦ المحامي ¦¦۞¦¦¤~
منذ أن وجد القضاء في المجتمعات المتحضرة وجدت المحاماة والمحامي avocat، أي وجد الدفاع عن أصحاب الحقوق أمام القضاء. وليست المحاماة وليدة العصر الحديث كما يرى بعضهم، وإنما ترجع إلى عهد الامبراطور الروماني جستنيان (527- 567) الذي استعان بأساتذة القانون بمدرسة بيروت وبرجال المحاماة فيها وفي القسطنطينية، وجمع القوانين في مجموعة واحدة كما جمع الاجتهادات مسترشداً بالقوانين الفرعونية وقانون حمورابي، وأصبحت المحاماة في عهده في غاية الأهمية لا يعمل بها إلا كل من حصل على قسط كبير من الثقافة القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
وهذا ما حدا الدول الحديثة في الغرب على اقتباس كثير من الإجراءات والقواعد التي وردت بمدونة جستنيان، فعندما قامت الثورة الفرنسية عام 1789 ظهر على مسرح السياسة عدد من رجال القانون ينادون بالحرية والمساواة والإخاء، لكن نابليون بعد استيلائه على السلطة، شعر بأهمية القانون والدور الذي يقوم به المحامون في تثبيت دعائم الحرية والعدالة، ووضع في 2 نيسان/إبريل 1810 قانوناً جديداً لتنظيم السلطة القضائية وأعاد تشكيل اتحاد المحامين، واشترط للتعيين في الوظائف القضائية أن يكون الشخص حاصلاً على ليسانس في القانون وأن يكون قد أمضى سنتين على الأقل تحت التمرين في المحاماة.
وكان ذلك أول تقنين للمحاماة اشترط فيه على كل من يريد العمل بهذه المهنة أن يكون فرنسي الجنسية وحاصلاً على ليسانس في القانون، وعليه قبل مزاولة المهنة أن يحلف اليمين أمام محكمة الاستئناف بألا يقول أو ينشر أو يدلي برأي مخالف للقوانين واللوائح وحسن الأخلاق وأمن الدولة والسلام العام. ولايزال هذا اليمين واجب التأدية من كل من يريد مزاولة هذه المهنة حتى اليوم.
وفي أول كانون الأول/ديسمبر 1900 صدر قانون يبيح للمرأة حق مزاولة مهنة المحاماة، وفي 26 حزيران/يونيو 1942 عدل قانون المحاماة وأصبح لزاماً على كل من يريد العمل بالمحاماة أن يؤدي امتحان قبول لمهنة المحاماة، وعليه أن يمضي فترة تمرين بمكتب أحد المحامين المقيدين أمام محكمة الاستئناف لمدة ثلاث سنوات على الأقل، ويلتزم في أثنائها حضور المحاضرات القانونية التي تلقى بالمحكمة الابتدائية تحت إشراف نقيب المحامين كما يشترك في الندوات الأسبوعية التي تنظمها النقابة لمناقشة إحدى الموضوعات القانونية وبعد ذلك يقبل في جدول المحامين أمام محكمة الاستئناف، وإذا كان معلوماً أن مهنة المحاماة تتطور بتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع فإن هذا يعني ارتباطها بالدفاع عن الاتجاهات الفكرية والأنظمة السياسية التي أقرها المجتمع، بيد أن طبيعة المهنة لا تختلف في أي دولة عن الأخرى مهما كان النظام السياسي أو الاقتصادي الذي تتبعه الدولة.
وقد عرف القرن العشرون تطبيقات لأنظمة شمولية لم يكن القاضي يلتزم فيها اتباع المنطق القانوني إذا ما تعارض ذلك مع الاتجاهات العامة للحزب كما عبر عن ذلك فيشنسكى في كتابه «الإجراءات الجنائية في الاتحاد السوفياتي» سنة 1934 حيث قال: «إنه يجب على المحامي أن يتأكد من سلامة الدفاع ويعبر عن الحقيقة مراعياً في ذلك مصالح الدولة الاشتراكية ولو تعارضت مع مصالح موكله». وفي بريطانيا يُختار القاضي من بين المحامين اللامعين الذين قضوا عشر سنوات في المحاماة على الأقل.
وينقسم المحامون إلى صنفين: محامو المرافعة وهم الوحيدون الذين يحق لهم أن يترافعوا أمام المحاكم ولكنهم لا يقبلون التوكيل، ومحامو التوكيل ولا يحق لهم الترافع أمام المحاكم ولكن مهمتهم تنحصر في تسجيل الصكوك (كاتب بالعدل) وفي قبول التوكيل حيث يقومون بتكليف أحد محامي المرافعة لملاحقة الدعوى، ولا يشترط لمحامي التوكيل أن يكون قد درس القانون في الجامعة.
وفي الولايات المتحدة يعد أمر تنظيم الاحتراف القانوني من اختصاص الولايات التي تطبق معايير مختلفة. وفي أغلب الحالات يتوجب على المرشح أن يمضي ثلاث سنوات في كلية الحقوق تسبقها دراسة جامعية أولى يحصل الخريج على أثرها على درجة الإجازة في القانون أوما كان يسمى L.L.B وأصبح يسمى J.D وبعد ذلك يتقدم لامتحان نقابة المحامين في الولاية التي يود الممارسة بها يسمى Bar association examination يجاز بعدها ليمارس المهنة.
وتاريخ نظام المحاماة في سورية - كنظام مدني- قديم يرجع الى الأحكام الشرعية إذ العلاقة بين المحامي وموكله هي علاقة مدنية تقوم على أساس عقد التوكيل.
وقد كان صدر أول قانون للمحاماة في العهد العثماني إلا أنه كان قاصراً على محامي الأستانة، أما في الولايات الأخرى ومنها حلب، فقد تألفت فيها نقابات على أساس قانون الجمعيات.
وفي عهد حكومتي دمشق وحلب صدر قراران بتنظيم نقابات المحامين أحدهما يتعلق بنقابة حلب وثانيهما بنقابة دمشق، واستمر النظام على هذه الصورة إلى أن صدر قانون المحاماة بالقرار 2127 إبان الانتداب الفرنسي الذي قام على مبادئ عديدة، منها حصر مهنة المحاماة لمن يقدم ضمانات علمية وأخلاقية، وجعل الإشراف على شؤون النقابة من اختصاص وزارة العدل، وقام بتنظيم النقابة على أساس وجود ثلاث نقابات أولاها في دمشق، وتضم كل المحافظات باستثناء حلب واللاذقية اللتين يوجد في كل منهما نقابة في حدود المحافظة.
وقد بقي هذا النظام مع تعديلاته حتى صدر المرسوم التشريعي ذو الرقم 51 المؤرخ في 13/8/1952 الذي ألغى القرار 2117، واستمر العمل بهذا المرسوم التشريعي إلى أن تم إلغاؤه بالقانون رقم 14 لعام 1972 الذي وحَّد النقابات الثلاث في نقابة واحدة.
ثم أُلغي هذا القانون بموجب قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 39 تاريخ 21/8/1981 الذي أورد في أسبابه الموجبة مبررات هذا القانون الجديد والغايات التي تسعى إليها النقابة رابطاً ذلك بتلازم مع العمل من أجل المساهمة في تعميق التحولات الاشتراكية وتطويرها، وإفساح المجال أمام المحامين للعمل على أساس تعاوني.
وعدّ القانون أن المحاماة مهنة علمية وفكرية حرة مهمتها التعاون مع القضاة على تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الموكلين وفق أحكام القانون. ويؤلف المحامون العاملون في الجمهورية العربية السورية المسجلون في جدول النقابة نقابة واحدة مركزها مدنية دمشق ولها فروع في المحافظات.
واشترط القانون في من يمارس المحاماة أن يكون اسمه مسجلاً في جدول المحامين، ويشترط في طالب التسجيل أن يكون كامل الأهلية وحائزاً إجازة في الحقوق، وثمة شروط أخرى نص عليها القانون.
كما أوجب على المحامي أن يحلف أمام محكمة الاستئناف بحضور رئيس مجلس الفرع اليمين الآتية: (أقسم بالله العظيم أن أمارس مهنتي بأمانة وشرف وأن أحافظ على سر المحاماة وأحترم القوانين). ومن الشروط المطلوبة لزوم تمرين المحامي مدة سنتين في مكتب محامٍ مضى على تسجيله أستاذاً مدة خمس سنوات على الأقل ومراعاة شروط التدريب.
وقد عالج القانون الأسس التي تقوم عليها النقابة كما عالج حقوق المحامين وواجباتهم ومالية النقابة والسلطة التأديبية وانتخابات مؤسساتها والطعن في قراراتها وحل المؤتمر العام ومجالس النقابة، ونص على إعفاء أموال النقابة وممتلكاتها من جميع الرسوم والضرائب والتكاليف المالية الأخرى. وكان قد صدر القانون رقم (53) بتاريخ 31/12/2791 والخاص بتقاعد المحامين، كما صدرت عدة أنظمة عن المؤتمر العام للنقابة تتضمن النظام الداخلي للنقابة والأنظمة الأخرى المتعلقة بالمهنة من جميع نواحيها.