!~¤❂¦* الانتخاب *¦❂¤~!
الانتخاب election هو أسلوب ديمقراطي غير مباشر يؤدي إلى تسمية نواب للشعب يمارس بهم الشعب سلطته. وكانت الأسرة في العصور القديمة الخلية الأولى للدولة ثم نمت الأسر وتطورت إلى العشيرة فالقبيلة، ثم القرية فالمدينة، وأخيراً الدولة. وفي هذه المجتمعات البشرية كان تنصيب القائمين على السلطة في مظاهرها الثلاثة، التشريعي والتنفيذي و القضائي يتسم بالطابع الفردي المسيطر. ثمّ تطورت أساليب تنصيب القائمين على هذه السلطة على مر القرون حتى عصرنا هذا وفق مفهومات أساسية متناقضة.
ففي المفهوم الأول كان القائمون على السلطة يفرضون أنفسهم اعتماداً على مكانتهم الدينية أو العرقية تارة، وعلى نفوذهم أو قوتهم وسيطرتهم تارة أخرى؛ وهذا ما غلب في المجتمعات البشرية القديمة. والمفهوم الثاني نشأ عن تطور أنظمة الحكم الفردي التي انتهت إلى النظام الديمقراطي، الذي يعني «سلطة الشعب»، أي أن يمارس الشعب وحده السلطة بوصفه صاحب السيادة في الدولة. فكان يعهد بها في الديمقراطيات القديمة إلى شخصيات من الوجهاء والأعيان. ولتحاشي انحراف بعضهم كان تكليفهم يحدد بمدد معينة، تقبل التجديد أو لا تقبله. وكان انتقاء هؤلاء يجري إما بالقرعة وإما بمعرفة المجموعة المشرفة على الإدارة. أما المفهوم الثالث فإن الشعب يمارس سلطته غير المباشرة هذه بأن يختار نواباً عنه يتولون السلطة باسمه، وذلك عن طريق انتخابهم، من بين الذين يجدهم أهلاً لهذه المهمات. وبطريقة الانتخاب هذه تتحقق الديمقراطية غير المباشرة. وقد اختارت الديمقراطيات الحديثة هذا الأسلوب الأخير.
إن أغلبية الدول لم تقصر نظام الانتخاب على المسار السياسي فحسب، بل وسعت دائرته ليشمل التعيين في المناصب القضائية ، وهو المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في تعيين قضاة بعض المحاكم الاستثنائية في فرنسة وليشمل أيضاً مؤسسات شبه عامة، كالنقابات المهنية وغرف التجارة والزراعة وغيرها، وكذلك بعض الشركات المساهمة وسواها .
الانتخاب والاستفتاء
إن السلطة التي يمارسها الشعب عملياً ذات شقين، يتناول أولهما تسمية الأشخاص الذين يقومون على إدارة دفة الحكم، والثاني وضع الأسس التي يسير عليها هؤلاء والقوانين والأنظمة التي يطبقونها ويشرفون على حسن أدائها. ففي الشق الأول، ينتخب الشعب الأشخاص الذين ينوبون عنه في تسيير أمور البلد. وفي الشق الثاني إما أن يقوم ممثلو الشعب المنتخبون بوضع هذه الأنظمة والقوانين وإقرارها، وإما إن يستفتى فيها الشعب فتكون له الكلمة في إقرارها أو رفضها. فالشعب يمارس سلطته بأسلوبين: أولهما الانتخاب (الديمقراطية غير المباشرة)، وثانيهما الاستفتاء[ر] (الديمقراطية المباشرة)، والفرق بينهما واضح، فالانتخاب ينصرف إلى تسمية نواب الشعب في ممارسة السلطة. والاستفتاء référendum ينصرف إلى إقرار القوانين والأنظمة التي تسوس البلد، كما يدخل في مفهوم الممارسة المباشرة ما أقرته دساتير بعض الدول من تسمية رؤسائها من قبل الشعب مباشرة بطريقة التصديق الشعبي plébiscite الذي انتهى العرف إلى دمج مفهومه مع الاستفتاء.
الانتخاب والبيعة
ثمة شبه بين الانتخاب ونظام البيعة[ر] عند العرب، فالبيعة وردت في لغة العرب بمعان عدة، أهمها في هذا الموضوع الطاعة على أمر أو العهد (وكل ما بين العباد من مواثيق فهو عهد). والبيعة هي طريقة تولية رئيس الدولة فلا يتولى الخلافة إلا من تمت له بيعة الانعقاد من الأمة بالرضا والاختيار، فالبيعة إذاً إثبات لحق الأمة في تنصيب الحاكم، وهي بالبيعة تخلع عليه مظاهر السلطان لأنها هي صاحبة السلطان، وبهذا تلتقي الديمقراطية مع نظام الانتخاب. وعند ابن خلدون: «البيعة هي العهد على الطاعة». إلا أنه مع التزام الأمة الطاعة يبقى لها الحق في استخدام سلطانها في محاسبة الحاكم إن هو خرج عن حدود البيعة.
إن أنظمة الانتخاب وضعت شروطاً وأحكاماً مفصلة لإجراءات الانتخاب، وليس شيء من ذلك في نظام البيعة، فلم تحدد الأعراف والعادات الصفات و الوسائل التي كان يتم بها أخذ البيعة، إنما تصح بأي وسيلة تؤدي إلى عقدها فقد كانت تعطى بالمصافحة باليد رجلاً لرجل، أو كتابة، أو مشافهة من دون مصافحة (بيعة النساء بعد فتح مكة). ولا تشترط لها ألفاظ معينة وإنما تكفي الألفاظ التي تفيد التزام الطاعة والنصرة لرئيس الدولة، والتزام هذا الرئيس العدل بين أفراد الأمة والمساواة بينهم.
وكانت تجري لرئيس الدولة بيعتان: الأولى بيعة الانعقاد - من قبل أهل الحل والعقد الذين يتيسر اجتماعهم - وبها يصبح المبايَع له رئيساً للدولة، والثانية بيعة الطاعة أو بيعة العامة وهي بيعة الجمهرة لمجرد إعلان الطاعة. وتباينت الأقوال في عدد أهل الحل والعقد الذين يجب اجتماعهم وسماهم ابن حزم «فضلاء الأمة»، والرأي الراجح هو أن البيعة فرض كفاية، ويكتفى بالذين يتيسر اجتماعهم على أن يتحقق في المبايع له رضا الأمة بأي أمارة تصدر عنها. وهذا الأسلوب قريب من طريقة الهتاف التي كانت متبعة في إسبارطة Sparte الإغريقية حيث كانت تتلى على من يجتمع من الناخبين أسماء المرشحين تباعاً، وتعد نسبة ارتفاع الهتاف لكل منهم معياراً للفوز.
أنواع الانتخاب
للانتخاب أنواع متعددة وصور وطرق شتى، يقوم بعضها على نظريات ومبادئ مختلفة، هي:
الانتخاب العام والانتخاب المقيد: إن ممارسة الانتخاب يمكن أن تكون حقاً لكل فرد في المجتمع أو أن تكون وظيفة تقتصر على الفئة المؤهلة لها من الشعب .
وعلى النظرية الأولى، الانتخاب حق، يقوم الانتخاب العام suffrage universal في حين يقوم الانتخاب المقيد على نظرية الانتخاب وظيفة. وهذه النظرية الثانية قامت على أساس أن المواطنين فئتان، النشيطون الإيجابيون من جهة، والسلبيون غير المبالين الذين يجب إبعادهم عن ساحة الانتخاب من جهة أخرى. وقد عدت الثورة الفرنسية الكبرى جميع أفراد الشعب متمتعين بحق المواطنية، أمَّا حق الانتخاب فيقتصر على الأكفياء منهم الجديرين بهذه المهمة. والمعايير كانت تختلف بين بلد وبلد وبين زمان وزمان. فكانت تقوم تارة على الملكية العقارية أو مقدار الثروة أو انتماء المواطن إلى طبقة معينة، وتارة أخرى على القدرة المالية التي يدعمها رسم التصويت، الذي يؤديه الراغبون في ذلك. ثم اقتصرت الشروط على أن يتوافر لدى الناخب حد أدنى من المال أو حد أدنى من التعليم أو كلاهما. وفي ظل الثورة الفرنسية كان السياسي بارناف Barnave يؤكد أن مهمة الناخب وظيفة عامة يؤديها وأنها ليست حقاً مكتسباً لأحد. لم تعمِّر نظرية الانتخاب وظيفة طويلاً وتلاشت وحلت محلها نظرية الانتخاب حق وذلك من واقع أن سلطة الشعب يجب أن يتمتع بها المواطنون جميعاً، فقيرهم وغنيهم، المتعلم منهم وغير المتعلم. وأن رغبة الشعب تتحقق في الانتخاب العام لأن جميع أفراده في المواطنية و الوطنية سواء، وأن النواب المنتخبين إنما يمثلونهم جميعاً، وأنه بقدر ما يكون الانتخاب عاماً يكون التمثيل صحيحاً وصادقاً.
إن قصر الانتخاب على فئة من المواطنين أو جعله حقاً لهم جميعاً يقود إلى البحث في شخص هذا المواطن الذي يمارس الانتخاب والشروط التي يجب توافرها فيه، وبديهي استبعاد الصغار. وتُعَدُّ السنَّ المؤهلة للاقتراع، غالباً، الثامنة عشرة أو الواحدة والعشرون. وتقصر أنظمة الانتخاب ممارسته على الذين يحملون جنسية البلد دون الأجانب. وبعضها يحجب هذا الحق عن الذين يكتسبون جنسية البلد ما لم ينقضِ زمن معين على تجنسهم. كما يحجبه عن المحرومين من الحقوق المدنية أو السياسية، بموجب أحكام قضائية. وهذه الشروط التي تُبعد عن صناديق الاقتراع عدداً كبيراً من المواطنين لا تتعارض مع نظرية الانتخاب العام حتى في المجتمعات التي تنكر على المرأة حق الانتخاب. وكان التساؤل يطرح دوماً، كيف يمكن للانتخاب العام أن يكون عاماً بالفعل وواقعياً إذا كانت المرأة التي تؤلف نصف المجتمع مبعدة عن صناديق الاقتراع. وقد تطلب الاعتراف للمرأة بهذا الحق سنين كثيرة، وكانت البلاد الإنكلوسكسونية السباقة إلى ذلك بدءاً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتبعتها باقي البلاد منذ مطلع القرن العشرين. أمّا سويسرة فلم تأخذ به إلا في عام 1971، وكانت فنلندة أول بلد أقر للمرأة بحق الانتخاب، في عام 1863 في مجال بلديات الريف، أما على الصعيد السياسي فقد أقرت لها به في عام 1906، وأقرت به الدنمارك في عام 1915، وتأخرت بريطانية في ذلك حتى 1918، وجاءت بعدها كندا وألمانية وبلجيكة في عام 1919، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في 1920، أمّا فرنسة فتأخرت بإقراره حتى 1944، وقد منحت بعض الدول العربية المرأة حق الانتخاب وكانت سورية ومصر سباقتين إلى ذلك (في منتصف الخمسينات) وسبقتا بذلك بعض بلدان أوربة كسويسرة.
الانتخاب المباشر وغير المباشر: الانتخاب المباشر هو قيام الناخبين بانتخاب ممثلي الشعب مباشرة من بين المرشحين من دون وساطة، ويطلق عليه الانتخاب على درجة واحدة، وهو الشائع في أغلبية دساتير العالم. أما الانتخاب غير المباشر فيقتصر دور الناخبين فيه على انتخاب مندوبين عنهم، ويتولى هؤلاء انتخاب حكام الشعب ونوابه، ويطلق عليه الانتخاب على درجتين، وقد يكون على أكثر من درجتين. وكان هذا الأسلوب متبعاً في كثير من البلاد، منها سورية التي رجعت عنه فيما بعد، ومازال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ينتخب على درجتين. ويعرف الانتخاب غير المباشر بأن الذين يتولونه في النتيجة هم أشخاص أكثر دراية وأهلية من عامة الناخبين، ويرى دوغي Duguit أن هذا الأسلوب يؤدي إلى اختيار أفضل وأنه يخفف من حدة الصراعات الانتخابية ويضفي كثيراً من الاتزان على الحركات الفكرية العنيفة، ولاسيما في البلاد غير الناضجة سياسياً واجتماعياً.
إلا أن الانتخاب المباشر أكثر تمشياً مع الديمقراطية وأكثر ضماناً لحرية الانتخاب وصدق النتائج التي تعبر عن الرغبة الحقيقية للشعب وعدم الضغط على الناخبين في حين يكون التأثير أيسر على الناخبين في الدرجة الثانية لأن عددهم محدود. فضلاً عن أن الانتخاب غير المباشر يبعد الصلة بين الحاكم والمحكوم. ولذلك يتسع نطاق الانتخاب المباشر يوماً بعد يوم، ولاسيما في البلاد المتقدمة في النضج السياسي والثقافي.
الانتخاب السري والعلني: يقوم الانتخاب السري على مبدأ حرية الناخب وعدم إحراجه ووجوب توفير الجو الذي يكفل له هذه الحرية، وأن خير سبيل لذلك هو سرية الانتخاب التي تبعد عن الناخب تدخل السلطات العامة أو ضغطها أو تأثير الجماعة الدينية أو السياسية أو المذهبية التي ينتمي إليها ووعد أنصار بعض المرشحين أو وعيدهم.
إن تجارب الحملات الانتخابية وما كان يرافقها من محاولات لإفساد الناخبين كانت وراء دفاع مونتسكيو Montesquieu عن الانتخاب السري بقوله «إن الانتخاب العلني يمهد للأعيان وسراة القوم فرض رغباتهم على الناخبين». أما في ظل الأنظمة الثورية فإن الانتخاب العلني هو الذي كان غالباً، وأكثر الانتخابات التي جرت إبان الثورة الفرنسية جرت علناً. وزعموا أن هذه العلنية هي وسيلة لإذكاء الشجاعة السياسية في سلوك الناخبين، لكن خصوم الانتخاب العلني قالوا إن التصويت الذي كان يجري عن طريق رفع الأيدي إنما كان ليضمن إيجابية النتائج وفقاً لرغبات السلطة، مذكرين بكلمة أحد زعماء الثورة الفرنسية روبسبيير Robespierre «إن العلنية هي حارسة الشعب». ولعله يعني أنها حارسة الثورة. وقد أقرت جميع الأنظمة الدستورية في البلاد العربية وفي غالبية الدول الأخرى مبدأ الانتخاب السري، وهو الأقرب إلى روح الديمقراطية والأكثر ضماناً لحرية الناخبين.
الانتخاب الإلزامي والانتخاب الاختياري: إن نظرية الانتخاب وظيفة تلزم الناخب تأدية هذا الواجب. وقال دوغي: «إن هذا الالتزام حي في وجدان الناس وسوف تتبنى القوانين في المستقبل هذا النظام». ولم يتحقق هذا التكهن وإنما غلبت نظرية الانتخاب حق، الأمر الذي يترك للمواطن حرية استعماله أو إهماله ويبعد عنه أي ضغط قد يجره إلى التصويت لغير الجديرين، فضلاً عن الصعوبة العملية في جعل الانتخاب إلزامياً. إذ حتى لو اقتصر المؤيد على معاقبة المتخلفين بالغرامة فإن ملاحقتهم وهم كثر ومتابعة طرق التغريم ثم تحصيل الغرامة فيها من الصعوبة والإرهاق والكلفة ما يجعل الأسلوب عقيماً، وكان هذا من جملة الأسباب في استبعاد إلزامية الانتخاب.
الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة: في الانتخاب الفردي تقسم أرض الدولة إلى عدد من الدوائر مساو لعدد النواب ويمثل كل دائرة منها نائب واحد، ويصوت كل ناخب في دائرته لواحد من المرشحين فقط. أما في الانتخاب بالقائمة فتقسم الدولة إلى عدد صغير من الدوائر يمثل كلاً منها عدد معين من النواب، ويقدم كل ناخب قائمته بهذا العدد من بين المرشحين.
من خصائص الانتخاب الفردي تسهيل مهمة الناخب، فهو قادر على حسن اختيار مرشح واحد، لكنه يكون أكثر تعرضاً للضغوط لصغر الدائرة. وتقتصر حملة المرشح على دائرة صغيرة وعدد محدود من الناخبين فتخف عنه الأعباء والكلفة ويتمتع باستقلاله كاملاً. إنما يلتزم دوماً مسايرة الناخبين حرصاً على كسب أصواتهم في الانتخابات القادمة. أمَّا في الانتخاب بالقائمة فإن تعدد المرشحين يجعل الناخب في حيرة، فقد لا يتسنى له معرفة عدد كاف من المرشحين ليمكنه المفاضلة بينهم فتفوته الدقة في الاختيار. إلا أن التأثير على الناخبين صعب لكثرة عددهم واتساع رقعة الدائرة. كما أن الفائزين في الاقتراع يكونون أقل التزاماً حيال ناخبي دائرتهم. ويلجأ المرشحون عادة إلى التكتل بحسب اتجاهاتهم أو انتماءاتهم الحزبية في قوائم يطرحونها على الناخبين، ليكسب كل منهم مؤيدي شركائه في القائمة. وللانتخاب بالقائمة عدة صور:
ـ القائمة الجامدة أو المغلقة bloquée يكون على الناخب أن يختار من القوائم المطروحة إحداها كما هي.
ـ القائمة التفضيلية préférentielle وللناخب أن يبدل في ترتيب الأسماء في القائمة التي يختارها.
ـ القائمة المختلطة panachée ولا يتقيد النائب بقائمة كما هي إنما يؤلف قائمته من المرشحين كما يشاء.
ـ القائمة الناقصة incompléte ويقتصر الناخب على عدد من الأسماء يقل عن المطلوب انتخابهم. وبعض الأنظمة تسمح للناخب بذلك وبعضها الآخر لا يسمح به.
الانتخاب بالأغلبية: يكون الفوز في نظام الأغلبية للمرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات. وتظهر هذه الأغلبية في ثلاث صور:
ـ الأغلبية النسبية أو الضئيلة: وفيها يفوز المرشح الذي يسبق غيره. وفي الانتخاب بالقائمة، تفوز القائمة التي تسبق غيرها في عدد أصوات المقترعين.
ـ الأغلبية المطلقة: يشترط في المتفوق - مرشحاً أو قائمة - الحصول أيضاً على أكثر من نصف الأصوات، وإلا أعيد الاقتراع ولو مراراً. وفي عام 1953 عند انتخاب رئيس للجمهورية الفرنسية تكررت إعادة الاقتراع ولم يعلن الفوز إلا بعد الجولة الثالثة عشرة، لتعدد المرشحين وتشتت الأصوات. وبسبب المتاعب التي تنشأ عن تكرار الإعادة وتناقص عدد المقترعين المرة بعد الأخرى، جرى تطوير هذا النظام بأن أبعد عن الجولة الثانية المرشحون الذين لا يحصلون على نسبة معينة من الأصوات في الجولة الأولى. وفي انتخاب رئيس الجمهورية أو في الانتخاب الفردي قصرت الإعادة في الجولة الثانية على اللذين يحصلان في الجولة الأولى على أكبر عدد من الأصوات، إذ لابد من أن ينال أحدهما أكثر من النصف مهما تقاربت بينهما النتائج. وذهب بعض الأنظمة إلى الاكتفاء في الجولة الثانية بالأغلبية النسبية.
ـ الأغلبية المئوية: وذلك عندما يشترط حصول المرشح - أو القائمة - على نسبة مئوية معينة من الأصوات كأن تكون ثلاثين أو أربعين وربما ستين أو سبعين في المئة أو غير ذلك.
التمثيل النسبي: عاب فريق من رجال الفقه على الانتخاب بالأغلبية أن الفائزين فيه لا يمثلون الشعب تمثيلاً صادقاً. وقال دوغي: «يكفي أن يميل شخص واحد إلى نصف عدد المواطنين ليوليهم القيادة السياسية ويبقى النصف الآخر على هامشها». وحرصاً على أن يكون التمثيل أقرب إلى الحقيقة ابتكر نظام التمثيل النسبي لجعل التمثيل شاملاً جميع فئات الشعب قدر الإمكان.
ويقوم هذا النظام على قاعدة «حاصل القسمة» quotient وهو الحاصل من تقسيم عدد المقترعين في الدائرة على عدد المقاعد المخصصة لها. - مثال ذلك دائرة خصص لها 12 مقعداً وعدد المقترعين 240 ألفاً يكون حاصل القسمة فيها20 ألفاً، أي يقابل كل 20 ألف صوت مقعد واحد - وتفوز كل قائمة بمقعد واحد عن كل «حاصل قسمة» من الأصوات التي نالتها. وفي المثال السابق تفوز القائمة التي تحصل على 40 ألف صوت بمقعدين والتي تحصل على 60 ألفاً بثلاثة مقاعد وهكذا.
إلا أن ثمة مشكلة حسابية تعترض هذه الطريقة وهي مصير الكسور الزائدة كما لو حصلت قائمة على 47 ألف صوت إذ تبقى 7 آلاف من دون مقابل. ومجموع كسور القوائم يقابله عدد من المقاعد لا يجوز بقاؤها شاغرة. وتفتقت الأذهان عن طرق حسابية متعددة لتخصيص المقاعد الباقية تتضمن إجراءات حسابية مطولة ومعقدة. وخير هذه الطرق وأسهلها هي طريقة «التخصيص لأعلى الكسور». فإذا بقي مقعدان من دون تخصيص مثلاً أعطيا للقائمتين صاحبتي أعلى الكسور. لا ريب في أن التمثيل النسبي أقرب إلى العدالة إذ تتمثل فيه جميع الاتجاهات والأحزاب بأعداد تتناسب وعدد مؤيديها. كما أنه مدعاة لتنشيط المعارضة وبعث الحرارة في صفوف الأكثرية الحاكمة وحثها على العمل المنتج. ولم يكتب لهذا النظام الانتشار، وقليلة هي الدول التي أخذت به. ولم يأخذ به أي بلد عربي. وبقي في الطليعة نظام الأغلبية الذي يرى فيه إسمن Esmein الاستقرار في العمل التشريعي والإدارة التنفيذية في حين يرى في التمثيل النسبي الفوضى والمهاترات.
نظم الانتخاب والأحزاب
في نظام الأغلبية المطلقة يصعب جداً حصول إحدى القوائم على نصف الأصوات إذا تعددت الأحزاب. وقد جرت هذه الأحزاب على أن يتقدم كل منها مستقلاً بقائمته في الجولة الأولى لجس نبض الناخبين ومعرفة نصيب كل حزب من المؤيدين. وفي ضوء النتائج تجري الاتصالات فيما بينها سعياً وراء تكتلات ترجح لها الفوز. وتقوم المناورات والتنازلات المتقابلة بدورها للوصول إلى تنظيم قوائم مشتركة تطرح في الجولة الثانية. ويعيب كثيرون على هذه الأساليب أنها غير أخلاقية. وهذا المحذور بعيد عن نظام التمثيل النسبي الذي يشجع على ازدياد عدد الأحزاب إذ يأمل الحزب الصغير أن يحظى ولو بمقعد واحد إذا بلغ عدد أصواته حاصل القسمة، أو قاربه بما يمنحه أحد مقاعد كسور الأصوات. ولا يخفى ما ينشأ عن كثرة الأحزاب من نزاعات داخل المجالس التشريعية تنعكس على العمل التشريعي. فضلاً عن صعوبة حصول أحدها على أغلبية تؤهله للحكم ما لم يتكتل مع غيره ويخضع لشروطه. ويمكن لحزب صغير ترجيح كفة أحد الحزبين الكبيرين مقابل تنازلات ينالها بعد المساومات.
والأحزاب اليسارية تحارب نظام الانتخاب الإلزامي وتريده اختيارياً. ولعل من دوافع هذا المنهج أن المتقاعسين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع هم عادة من المحافظين الحريصين على «بقاء القديم على قدمه» ولا يميلون إلى أي تجديد. فإذا ما ألزموا بالانتخاب مالوا إلى أمثالهم من المرشحين. في حين تحرص الأحزاب اليمينية على استقطاب هؤلاء «الصامتين» ولذلك تميل إلى إلزامية الانتخاب، التي لم يكتب لها البقاء.
إن الهدف القومي من الانتخابات هو مجيء أشخاص يمثلون الرأي العام في جميع اتجاهاته وتأليف أغلبية قادرة على إدارة البلاد. ويكون ذلك ناجحاً بقدر ما يكون عدد الأحزاب قليلاً، فحين تكثر الأحزاب تكثر الصراعات ويصعب الاستقرار. ولذلك تعمل الدول عادة على وضع العقبات أمام ازدياد عدد الأحزاب.
التمثيل التشريعي
يرى بعض رجال الفقه أن من ينتخبهم الشعب يمثلون عادة الاتجاهات السياسية في حين أن الجانب السياسي ليس كل شيء للمواطنين وإنما لهم مصالح وفعاليات اقتصادية واجتماعية متعددة يقتضي أن تكون ممثلة في المجالس التشريعية بالأكفياء من أصحاب هذه الفعاليات مثل الأطباء والمهندسين والتجار وسائر الحرفيين إضافة إلى التمثيل السياسي. ويرى آخرون اقتصار التمثيل على هذه الفعاليات فقط. وترى فئة ثالثة قيام مجلسين أحدهما للتمثيل السياسي والثاني للتمثيل الاقتصادي والاجتماعي.
وقد تعرض هذا النوع من المشاركة في التمثيل للانتقاد، فالمهن والحرف كثيرة ومتنوعة، وممثلوها سوف ينصرفون إلى الصالح الخاص بالدرجة الأولى، خلافاً للانتخابات السياسية إذ يكون النائب ممثلاً للشعب بأكمله وليس لفئة مهنية أو حرفية معينة. ولم يكتب لهذه النظريات النجاح وأهملت. وقد أخذت بعض الدول بتطعيم المجالس التشريعية بنسبة معينة من العمال والفلاحين لأنهم يمثلون نسبة كبيرة من المواطنين. إن نظام الانتخاب بطابعه الديمقراطي لم يعد قاصراً على المجالس التشريعية بل اتبعته الإدارات و المؤسسات وسائر الهيئات العامة والخاصة، كما تبنته سائر الغرف والنقابات التي تمثل مختلف الفعاليات والمصالح.