~*¤ô❀ô¤*~ العنصرية ~*¤ô❀ô¤*~
العنصرية racism هي اعتقاد بأن طائفة أو جنساً أو عرقاً هو أعلى وأرقى من الطوائف والأجناس والأعراق الأخرى، ويسمى الذين يعتقدون بذلك «عنصريين».
وهم، إذ يفترضون أنهم أرفعُ مقاماً من غيرهم، يعتقدون بضرورة حصولهم على حقوقٍ وامتيازاتٍ خاصة، ولا دليلَ علميَّاً قَطٌّ يساند دعاوى التفوق هذه، ويؤكد علم الاجتماع أنه لا توجد لهما بيئتان متماثلتان في جميع النواحي؛ ومن هنا فإن كثيراً من الاختلافات التي توجد بين الجماعات ترجع بالدرجة الأولى إلى اختلاف البيئات، وقد ناقش العلماء الأهمية النسبية للوراثة والبيئة في تحديد هذه الاختلافات.
والعنصرية واسعة الانتشار، وكانت ولا تزال سبباً في خلق مشكلاتٍ اجتماعيةٍ كثيرةٍ مستخدمةً دعاوى التفوُّق العنصري لتسويغ التمييز العنصري والفصل الاجتماعي والنزعة الاستعمارية وحتى الإبادة الجماعية genocide.
تفسِّر العنصريةُ التاريخ على أنه صراع بين الطوائف والأجناس والأعراق. وترى الأمم في منظارها غير متساوية؛ لهذا تتمسك العنصرية بنظرية الدارديئية التي تؤمن بالانتقاء الطبيعي والتنازع من أجل البقاء، وأن البقاء للأصلح والأقوى. وتعدّ العنصرية «قوانين الدارديئية» أزلية، أي إن حقَّ الحياة يتوافر للكائنات القوية.
وعندما تكون الاختلافات واضحة أو كبيرة، كتلك التي تكون في العبادات أو لَوْن البشرة، يصبح الارتياب ما بين الطوائف والأجناس والأعراق كبيراً؛ ففي البلاد التي يشكِّل فيها البيض أكثريةً، تطبَّقُ العنصريةُ على الأقليَّاتِ الأخرى، فتتعرض هذه للتعصب والتمييز في المجالات المختلفة، مثل الإسكان والعمل والتعليم، كمثل ما جرى في جنوبي إفريقيا حينما سيطرت أقليَّةٌ بيضاءُ على الحكم (1948ـ 1994)؛ إذ فرضت هذه الحكومة مجموعةً عنصريةً من القوانين التي عُرِفَتْ باسم «الفصل العنصري apartheid».
يميّزُ علماء الاجتماع بين العنصرية الفردية والعنصرية المنظَّمة، وتشير الأولى إلى المعتقدات التَّحَيُّزِيَّة والتصرفات التمييزية التي تمارسها أكثرية ما ضدّ جماعاتِ الأقليَّات الأخرى. وهي، في الحالات جميعها، تَنْبَنِيْ على فرضيات عنصرية. أما العنصرية المنظَّمة فتشير إلى التمييز الذي تمارسه المجتمعات والمدارس والمؤسسات التجارية وغيرها ضد جماعات الأقليات الأخرى.
ويعدّ الاستعمار سبباً اجتماعياً وإيديولوجياً وسياسياً لنشأة العنصرية. فالاستعمار يبغي تسلُّطَ شعبٍ أو بلدٍ على شعبٍ أو بلدٍ آخر؛ فقد تمكن الأوربيون في القرون (من 16 حتى 20) فَرْضَ سيطرتهم على أجزاء كبيرة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
على الرغم من أن معظم أشكال الاستعمار وسياساته كانت قد انتهت، أو أُنْهِيَتْ وتمَّ القضاء عليها في النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أنَّ آثارها على بعض أنحاء العالم مازالت باقيةً إلى اليوم، ولاسيما أنها تعود ثانيةً للظهور في بعض أنحاء الوطن العربي.
وإذا كان الاستعمار سبباً من أسباب تكُّون العنصرية، فإن هناك أسباباً اجتماعية وإيديولوجية واقتصادية كثيرة لتكِّون هذه الظاهرة ونشأتها، كمثل وضع البِيْضِ في الولايات المتحدة، منذ القرن (17حتى القرن 19)، كثيراً من السود تحت نير الاسترقاق الذي كان سبباً رئيساً في قيام الحرب الأهلية الأمريكية (1861ـ 1865). ومع أن تحرير الرق تمّ في القرن 19فقد استمر العزل الاجتماعي والتمييز العنصري ضد السود في معظم القرن العشرين.
ومن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية تشجُّع كثيرٍ من الفئات المطحونة اجتماعياً واقتصادياً على التمرد والثورة وعلى سَنِّ قوانين لمقاومة العنصرية وتأكيد المساواة، وذلك في المجتمعات التي تُمارس فيها العنصرية، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1945وحتى اليوم مجموعة كبيرة من القرارات والإعلانات والاتفاقيات لهذا الغرض، ولاسيَّما فيما يتعلق بالمساواة بين الدول والشعوب. واستناداً إلى هذا التوجّه العالمي أصدرت بعض الدول قوانين حرَّمت فيها التمييز على أساس اللون أو الجنس أو العقيدة ولاسيما في مجالات السكن والعمل والتعليم، ومنعت التحريض على الكراهية. ويُشار في هذا الشأن إلى مجموعة القوانين التي أصدرتها الحكومات البريطانية في النصف الثاني من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وتحمل اسم «قوانين العلاقات العرقية» بشأن حماية الأفراد من حرمانهم من السكن أو العمل أو التعليم.
يعد «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948 المرجع الرئيس لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري؛ فهذا الإعلان يضع المبادئ الرئيسة للحقوق المهنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحريات الفردية، وإن تلته مواثيق دولية أخرى (عهود) تتعلق بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعوب، وينصُّ الإعلان على أن كل الناس يولدون أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق، وقد سبق الإسلام جميع هذه الوثائق الدولية، فأحقّ للإنسان حقوقه، وأقرّ لبني البشر حياة كريمة لا ظلم فيها ولا عنصرية ولا إجحاف.
والفصل العنصري، بوصفه أحد فروع العنصرية، هو عزل جماعاتٍ من الناس بالقانون أو بالعرف، على أساس الاختلاف في الدين أو الجنس أو العرق أو الثروة أو الثقافة أو غير ذلك. وهو يُمارَس في مختلف مجالات الحياة، ولاسيما في السكن والعمل والتعليم والمطاعم والفنادق ووسائل النقل وغير ذلك من المرافق العامة. وجدير بالذكر أن من أسباب قيام منظمة الوحدة الإفريقية[ر] ثم الاتحاد الإفريقي هو مكافحة الاستعمار والعنصرية والفصل العنصري وغيره من فروع العنصرية.
سُمِّيتِ السياسات العنصرية، ولاسيما التفرقة العنصرية في جنوبي إفريقيا، باسم «أبارتيد» وكانت تهدف إلى تحقيق التمييز العنصري بين سكانها من البيض المحتلين وسكانها السود أو من أصحاب البلاد الأصليين (1948ـ 1994)، وذلك بتحقيق تنمية منفصلة خاصة بالمجموعات العرقية التي يتكّون منها السكان تكون أقل كلفةً وتنوعاً من التنمية المخصصة للعرق الأبيض الذي يسيطر عليه أحفاد المستوطنين الهولنديين الذين يعرفون باسم «الأفريكانيين». وكانت مدارس الدولة معزولة عزلاً عنصرياً، ولم يكن لغير البِيْضِ العمل في الوظائف والأعمال المخصصة للبيض.
وفي سياق مناهضة العنصرية وفروعها المختلفة، قد تَشْرَعُ جماعتان أو أكثر، مختلفتان عقائدياً أو عرقياً، في التصرف إزاء بعضهما بطريقة ودّية وبتسامح. وحينما يكتمل ذلك نكون قد وصلنا إلى مرحلة «الاندماج الاجتماعي». وتعد بعض قوانين الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بتنظيم العلاقات الاجتماعية من أكثر القوانين تقدماً في مجال مناهضة العنصرية وفروعها. والجدير بالذكر، أنه برزت في الولايات المتحدة في ستينات القرن العشرين ظاهرة «الفصل الاجتماعي الواقعي»؛ ولهذا أعلنت المحكمة العليا عدم دستورية القوانين التي تحقق ممارسات الفصل الاجتماعي، التي كمنت وراء كثير من الاضطرابات التي شهدتها آنذاك بعض المدن الأمريكية.
والصهيونية حركة عنصرية، سياسية، استعمارية، أسبغت على اليهود صفة القومية والانتماء العرقي إلى جانب الانتماء الديني، وعارضت اندماج اليهود في أوطانهم الأصلية ودفعتهم إلى الهجرة إلى فلسطين، وتزعم الصهيونية أن لليهود حقوقاً تاريخية ودينية في فلسطين، وقد تلاقت مطامع الصهيونية وأهداف الاستعمار في إقامة دولة يهودية على أساس أن اليهود ـ حسب زعم الصهيونية ـ يشكلون أمةً، وعندما انتدبت عصبة الأمم[ر] بريطانيا على فلسطين، كان عدد اليهود في فلسطين يومذاك (56 ألفاً)، وحينما غادرت بريطانيا فلسطين في أيار/مايو 1948 كان في فلسطين 750 ألف يهودي يشكلون مالا يزيد على ثلث سكان هذا البلد العربي على الرغم من أن هجرة غالبيتهم إليه غير مشروعة، ومع هذا تم تقسيم فلسطين وأُقِيْمَتْ دولة إسرائيل في 14ـ 15/5/1948.
والصهيونية استعمار استيطاني إحلالي، وتستند في مزاعمها إلى «الوعد الإلهي بأرض الميعاد» وإلى مقولتي «شعب الله المختار» و«أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ولاتزال الصهيونية عنصرية في سياساتها وتصرفاتها ورغبتها في التوسع والاستعمار؛ فقد سعى الكيان الصهيوني (إسرائيل) إلى تطويع أوضاع العرب في الكيان نفسه وفيما احتله من الأراضي الفلسطينية في عدوان 5/6/1967. فاحتفظ ببعض قوانين الانتداب البريطاني، وأصدر قوانين جديدة تحقق عنصرية الصهيونية، كقانون العودة، وقانون الجنسية، والقوانين الخاصة بمصادرة الأراضي والغابات والاستيلاء عليها، وقوانين الاعتقال الإداري والسجن والنفي، وقوانين تقييد حرية التنقل والإقامة الجبرية، ومنع الكتابة ومنع الخطابة، وغيرها من القوانين.
وقد حوّل الكيان الصهيوني العنصرية إلى نظام متكامل مبنّي على أسس، ولأن الصهيونية عنصرية فقد تعاونت مع النازية، وكان بينهما وشائج فكرية؛ فإيمان الزعيم النازي أدولف هتلر بأن المجال الحيوي للنازية يقع في أوربا دفعه إلى تشجيع الهجرة الصهيونية من أوربا إلى فلسطين، ومن هنا جاء تشجيع النازية لعقد اتفاقية «همعفراه» مع الوكالة اليهودية، وإلى جانب التعاون المنظم بين النازية والصهيونية[ر] ثمة تشابه بنيوي وفلسفي بينهما؛ فالنازية تفوِّق العنصر الآري، والصهيونية تجعل اليهود وحدهم «شعب الله المختار» وتحتقر «الأغيار» فهم «منحطون». ثم إن بين التوسعية الصهيونية و«المجال الحيوي» علاقة وشيجة. وتشترك العقيدتان في الدارديئية ومبدأ «البقاء للأصلح» أيما الأقوى، وتاريخ النازية والصهيونية وكيانها(إسرائيل) يثبت اعتناق هاتين العقيدتين العنصرية.
وتتجسد عنصرية الصهيونية وكيانها (إسرائيل) في رفض (إسرائيل) حق العودة، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 194 في 11/12/1948، وقد أصبح عدد اللاجئين الفلسطينيين اليوم أكثر من 5 ملايين لاجئ، وتتجسّد عنصرية الكيان الصهيوني (إسرائيل) في استمرار احتلال جيش الكيان ما تبقى من أراضٍ فلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس العربية) وفي اغتيال الفلسطينيين مقاومين ومدنيين وفي محاصرة جيش الاحتلال الشعب الفلسطيني ومنعه من العمل والإنتاج وتجريف الأراضي المزروعة. وتدمير بيوت المقاومين وخلق جميع الظروف والشروط التي تجبر الشعب الفلسطيني على تحقيق «الترانسفير» أي طرد الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه وإجباره على اللجوء.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قرارها ذا الرقم 3379 في 10/11/1975، وفيه قررت بعد ديباجة طويلة «أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»؛ ذلك أن الصهيونية تنكر على يهود الشتات حقهم في الانتماء إلى الدول التي يعيشون بين ظهرانيها، وفي الوقت نفسه تنكر الصهيونية على الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير في وطنه فلسطين. ويطبّق الكيان الصهيوني (إسرائيل) التمييز العنصري بين عناصر المجتمع الإسرائيلي نفسه، فهو يفرّق تمييزاً بين اليهود الغربيين وبين اليهود الشرقيين في الحقوق والواجبات. كما يفرّق تمييزاً بين الفلسطينيين العرب حاملي الجنسية الإسرائيلية وبين اليهود أنفسهم في مختلف المجالات، ولاسيما في السكن والعمل والتعليم.
لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة ألغت قرارها هذا بقرار آخر رقمه 46/86 في 16/12/1991. وما كان لقرار الإلغاء أن يصدر لولا الدور الذي أدتّه الولايات المتحدة بضغوطها الاقتصادية والدبلوماسية على كثير من الدول. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن وصم الصهيونية بالعنصرية هزّ الأنظمة والعقائد العنصرية والاستعمارية.
وكان الكيان الصهيوني (إسرائيل) تعاون تعاوناً وثيقاً مع النظام العنصري (أبارتيد) الذي كان قائماً في جنوبي إفريقيا. وقد انتهى هذا التعاون في العام 1994حين استلم سكان البلاد الأصليون الحكم في البلاد وانهار النظام العنصري.