{؛«◙»؛} الثورة Revolution {؛«◙»؛}
الثورة Revolution: أسلوب من أساليب التغيير الاجتماعي تشمل الأوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعملية التغيير لا تتبع الوسائل المعتمدة في النظام الدستوري للدولة وتكون جذرية وشاملة وسريعة، تؤدي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد.
ويُفرِّق البعض بين الثورة، وبين الانقلاب[ر]، على أساس أن الثورة تهدف إلى إحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بينما يهدف الانقلاب إلى إعادة توزيع السلطة السياسية بين هيئات الحكم المختلفة أو الأشخاص القائمين به.
ويترتب على نجاح الثورة، سقوط الدستور، وانهيار النظام الحكومي القائم ولكنها لا تمس شخصية الدولة، ولا تؤدي إلى انتهاء العمل بالتشريعات السابقة عليها.
واستخدم «مصطلح الثورة» أول مرة عام 1450م. ولكن هذا المصطلح عُمِّمَ وانتشر في العالم بعد عام 1600م.
دوافع الثورات
برزت آراء مختلفة ومتعددة لدى علماء السياسة والاجتماع المهتمين بدراسة علم الثورة Revolutionology لتفسير الدوافع المؤدية للثورة وتحديدها. ومن أهم هذه التفسيرات هي:
1- التفسير النقدي الارتقائي المتفائل: برز هذا التفسير في القرن التاسع عشر بين الأحزاب اليسارية ومفكريها، وتبلور وتحدد فيما بعد في إطار النظرية «الماركسية اللينينية» وعرف بالتفسير «المادي للتاريخ». وينطلق هذا التفسير من أن الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع، تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية تتحدد في التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، وشكل التملك الاحتكاري الخاص. ويؤدي ذلك إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد بقية فئات الشعب. وتؤدي هذه التناقضات إلى «أزمة سياسية» عميقة، تحمل معها نشوء حالة «ثورية» تتجسد بنشاط الجماهير السياسي الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل الاضطرابات، والمظاهرات والاجتماعات والانقلابات.
إنَّ الحالة الثورية هي تعبير عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل هي ذروة تفاقمها. وفي معرض الحديث عن أسباب الثورة، ذكر ماركس في مقدمته «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» أنه في مرحلة معينة من تطور المجتمع تدخل القوى المنتجة في تناقض مع العلاقات الإنتاجية، التي كانت حتى ذلك الحين تتطور في إطارها. وتتحول هذه العلاقات المختلفة من صيغة لتطور القوى المنتجة إلى عوامل معوقة لتطوّرها، وعندئذٍ يحصل عصر الثورة. وعليه فإن الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة يشكل الأساس الموضوعي الاقتصادي للثورة. وإنَّ تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة، واستبدالها بعلاقات جديدة، لا تحدث تلقائيَّاً وإنَّما من خلال توحيد القوى التقدمية كافة التي تعمل على إنهاء النظام الاجتماعي القديم.
وتشير النظرية «الماركسية اللينينية» إلى أهمية الحزب الثوري ودوره في توحيد القوى الثورية وتنظيمها، وأهمية العوامل الذاتية في توعية الجماهير وقيادتها. وتشكل وحدة الظروف الموضوعية والذاتية، عند لينين، القانون الأساسي للثورة.
والثورة تحلّ جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، إنَّها تهدم القديم وتبني الجديد. ومن القضايا الهامة والبارزة التي تواجهها الثورة هي «قضية انتقال السلطة إلى أيدي الطبقة الثورية». وكما يرى لينين فإن سلطة الدولة هي المسألة الرئيسية في أية ثورة. ويرتبط ذلك بجوهر الدولة، بوصفها أداة خاصة أقامتها الطبقة الحاكمة، كوسيلة للسيطرة والتحكم والحفاظ على النظام القائم. ويرتبط بالمهام التي يترتب على الثورة تنفيذها، من خلال مقاومة القوى الاجتماعية المالكة السابقة. ونتيجة ذلك تركز «الماركسية اللينينية» على أهمية الفهم الصحيح للعلاقة بين «الثورة والسلطة». فالثورة مقدمة ووسيلة لاستلام السلطة. واستلام السلطة شرط ضروري للتغييرات الجذرية التي يجب تحقيقها في المجتمع من خلال السلطة الجديدة التي تجسد مصلحة الجماهير وتعمل لتحقيق أهدافها.
ورأى لينين فيما بعد أن السيطرة الاستعمارية وما يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحرري ضد الدول الاستعمارية. وعرفت هذه الثورات بـ«ثورات التحرر الوطنية». ورأى أن المرحلة الإمبريالية لابد أن تؤدي إلى توسيع هذه الثورات وبالتالي إلى حتميتها أيضاً، وحتمية حروب الطبقة العاملة ضدَّ «الطبقة البرجوازية»، وحتمية الجمع بين كلا هذين النوعين من الحروب الثورية.
2- التفسير البنائي الوظيفي: ظهر هذا التفسير للثورة على يد مجموعة من الباحثين في أوربة الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. ومن أبرز هؤلاء «سينموند نيومان» و«كرين برينتون». ويرى أصحاب هذا التفسير أن الأسباب المؤدية للثورة، والعوامل الدافعة لها ليست واضحة ومحددة، ومن الصعب تمييزها. فالثورة تحدث دون مقدمات، باعتبارها طفرة في مسار التطور التاريخي. نتيجة ضغوطٍ ومصاعب متزايدةٍ، يؤدي تفاعلها إلى تغييرٍ أساسيٍ في التنظيم السياسي والبنيان الاجتماعي، والتحكم في الملكية الاقتصادية. والثورة حسب هذا التفسير تشكل انكساراً رئيساً في المسار العام لتطور المجتمع. وتأتي في إطار العنف التحرري العادي الذي يستهدف تحرير الإنسان من الظلم والقهر، بعد أن تكون الوسائل الأخرى قد فشلت في إنجاز ذلك. وهي الوسيلة الفاعلة لتحقيق الطفرات التاريخية القادرة على بناء مجتمعاتٍ متقدمةٍ تغني مسيرة التاريخ الإنساني بالإنجازات المتطورة. وبذلك تعدّ الثورة إنجازاً حضارياً كبيراً يحمل المنفعة للمجتمع البشري.
وهذا التفسير لا يفرّق بين الثورة والثورة المضادة. ولهذا يصف «برينتون» الانقلاب الفاشي في إيطالية، والانقلاب النازي في ألمانيا بأنهما ثورتان. ويرى أن الثورة المضادة هي الاستمرار المنطقي للثورة.
3- التفسير المحافظ التشاؤمي: برز هذا التفسير إبّان الثورة الفرنسية (1789) وعبَّر عنه بعض المفكرين الذين تأثروا بالفكر الإقطاعي التقليدي اللاهوتي أو الملكي. وتمثل خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر في مفكرين أمثال «نيتشه» و«غوستاف لوبون»، وهؤلاء يرون أن الثورات هي انفجارات طارئة خارجة عن السيطرة، تحدث نتيجة انفعالات جماهيرية مدمرة متناقضة وغير واعية لما يحدث. ويشارك فيها اللاشعور الجمعي لشعب من الشعوب بكل ما يحتويه من مظاهر تقدمية ورجعية.
وينطلق هذا التفسير من أن كل ما في الثورة «فوضى» لأنها تعبر عن سيكولوجية الحشد. ويقارنونها مع «الارتدادات» التي تُعبِّر عن عقلية بدائية يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي العام.
4- التفسير الوضعي الاجتماعي: ويرى أن اصطلاح الثورة يعبر عن تغييرات فجائية وجذرية وعنيفة تحدث في المجتمع دون وجود أيَّ أسباب أو عوامل دافعة ومؤدية إليها. وأن الثورة تحمل معنى وصفياً وشكلياً، ولا تحمل أي مضمون أو قيمة اجتماعية محددة. وطبقاً لهذا التفسير فإن كل تغيير جذري وفجائي وعنيف في نظام الحكم والمجتمع يشكّل ثورةً حقيقيةً، طالما أن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي قامت بالثورة تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب.
أنماط الثورات
للثورات أنماط متعددة، وترتكز عملية تحديد نمط الثورة على طبيعة التغيير الذي يتحقق في المجتمع وحجمه. ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للثورات:
1- إذا كان التغيير يشمل جزءاً من المجتمع، أو حقلاً من حقول المعرفة فيه، فالثورة ترتبط بهذا الجزء، وتسمى باسمه. مثل الثورة الصناعية، والثورة العلمية، والثورة الثقافية إلى غير ذلك. وهذا النمط من الثورات لا يؤدي لأي تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة. ولكنَّه يُحقِّق بشكل تراكمي إمكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى. فالثورة الصناعية التي برزت في القرن الثامن عشر حملت معها العوامل والمرتكزات التي أدت إلى الثورات التي شهدتها القارة الأوربية في القرن التاسع عشر.
2- إذا كان التغيير جذرياً، ويشمل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة. فالثورة اجتماعية. وتشكل تغييراً جذرياً شاملاً في المجتمع يؤدي إلى إحلال تشكيلة اجتماعية اقتصادية بأخرى أرفع مستوى وأكثر تقدماً. إنها تغيير جذري للنظام القديم، وإقامة نظام جديد ومؤسسات جديدة. إنها في الإطار العام قفزة للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدُّماً وتطوراً.
والثورات الاجتماعية ذات أنماط متعددة، وتحدث في ظروف تاريخية متباينة، وتختلف في طبيعة قواها المحركة. وتتحدد طبيعة الثورة الاجتماعية ومضمونها وأهدافها العامة، من خلال طبيعة الفئات والطبقات الاجتماعية التي تقود الثورة، وطبيعة الأهداف التي تعمل لتحقيقها، وطبيعة الوضعية الاجتماعية التاريخية التي تقوم الثورة فيها. ومن أبرز أنماط الثورات الاجتماعية الثورة البرجوازية، الثورة الاشتراكية، ثورات التحرر الوطني:
1- الثورة البرجوازية: نمط من الثورة الاجتماعية. قادتها الطبقة البرجوازية الناشئة في المدن. وكانت القوى المحركة لهذه الثورات جماهير الفلاحين والفئات الفقيرة من سكان المدن والطبقة العاملة الناشئة. ونظراً لعدم الانتظام في التطور التاريخي، قامت الثورات البرجوازية في مراحل تاريخية مختلفة. وكانت موجهة ضد الأنظمة والحكومات الإقطاعية، والملكية، بهدف تحرير المجتمع من سيطرة هذه الفئات، وإلغاء الألقاب والامتيازات الموروثة، وتحرير الاقتصاد من العقبات التي كانت تقف أمام تطوره، وإقامة نظام سياسي اقتصادي جديد يرتكز على الحرية، ويعتمد الإنجاز سبيلاً للارتقاء في سلم التمركز الاجتماعي. وأسهم التقدم الفكري، والوعي السياسي والاجتماعي بدورٍ كبيرٍ في نجاح هذه الثورات من بإبرازه طبيعة النظام الإقطاعي القديم ومضمونه وأساليب عمله وأهدافه، وإبرازه مبررات تغييره.
وعند النظر إلى الثورات البرجوازية نمطاً تاريخياً من الثورة الاجتماعية ينبغي تأكيد الفوارق العميقة في طبيعة هذه الثورات. ففي بريطانية انتهت الثورة البرجوازية، باتفاق بين الإقطاع والبرجوازية، أبقى على النظام الملكي صفة لإدارة الدولة. وفي فرنسة تمَّ إنهاء النظام الإقطاعي ومؤسساته، وكذلك النظام الملكي من خلال ثورة 1789.
شكَّلت الثورات البرجوازية خطوةً متقدمةً، وانتصاراً كبيراً لنظام اجتماعي سياسي اقتصادي بديلٍ من النظام الإقطاعي القائم. وامتدت الثورات البرجوازية من القرن السابع عشر حتَّى القرن التاسع عشر. وتعدُّ الثورة البرجوازية الديمقراطية نمطاً من أنماط الثورة البرجوازية، وتتميز بمشاركة جماهيرية واسعة إلى جانب الطبقة البرجوازية بهدف إقامة نظام اجتماعي جديد يحقق لها الحرية والمساواة. وتعدُّ الثورة الروسية (1905-1907) مثالاً واضحاً على ذلك. وفي ظروف محددة قد تتحول الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية كالتطورات التي شهدتها روسية وأدَّت إلى ثورة 1917، بقيادة الحزب الشيوعي الروسي، وكذلك التطورات التي شهدتها بعض دول آسية وإفريقية وأمريكة اللاتينية وبعض دول أوربة الشرقية. وأسهمت التحولات الديمقراطية في هذه الدول في انتقال الثورة وقيادتها من الطبقة البرجوازية إلى العمال والفلاحين والقوى الديمقراطية الأخرى في المجتمع لتحقيق تغييرات سياسية واقتصادية لمصلحة هذه القوى.
2- الثورة الاشتراكية: هي نمط من الثورة الاجتماعية، تؤدي إلى تغييرات جذرية وشاملة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسهم في تغيير التكوين الطبقي للمجتمع، والسير به على طريق النظام الاشتراكي. وتحدث الثورة الاشتراكية نتيجة للتناقضات الموجودة في المجتمع، ولتطور نضال الجماهير ضد الفئات المسيطرة نتيجة اتساع وعيها وزيادة تنظيمها.
والمحتوى الأساسي للثورة الاشتراكية هو إقامة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي جديد، يُسهم في تغيير السيادة الاجتماعية، وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية، وتغيير شكل السلطة القائمة، وأساليب عملها، وإقامة طراز جديد للدولة يعبر عن مصالح الأكثرية من أفراد الشعب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء قاعدة واسعة من الديمقراطية الشعبية، وإطلاق قدرات الجماهير من خلال توعيتها وتنظيمها، وإغناء حياة مجموع الناس في المجتمع، وتحرير العلاقات الإنسانية من الاستغلال، وإحلال المساواة المعنوية والمادية، وتوسيع مساهمة مجموع الناس في بناء المجتمع الجديد. وثمة مدراس مختلفة من حيث نظرتها إلى الثورة الاشتراكية.
فالماركسية ترى أن الثورة الاشتراكية نتاج طبيعي لتطور المجتمع، ونمو الطبقات الاجتماعية، خاصة الطبقة العاملة القادرة على القيام بالثورة الاشتراكية، وتقويض الدولة البرجوازية، وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة. مع ما يرافق ذلك من إلغاءٍ للملكية الفردية، وتصفية للطبقات المالكة القديمة. ويعد ذلك مقدمةً لانتشار الثورة الاشتراكية عالمياً تمهيداً لبناء الشيوعية الأممية وإلغاء الدولة وتطبيق مبدأ «من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته».
وطوَّر لينين هذه النظرية من خلال تحليله للنظام الرأسمالي ورأى إمكانية قيام الثورة في الحلقة الإمبريالية الأضعف. وضرورة العمل لبناء الاشتراكية في بلد واحد أو عدة بلدان، واتباع سياسة التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة، وذلك بهدف حماية الثورة الاشتراكية وتوفير عوامل تطورها. وذهب لينين إلى إمكانية تحول الثورات الوطنية البورجوازية الديمقراطية إلى ثورات اشتراكية.
أمَّا مفكرو اليسار القومي وأنصار الثورة الاشتراكية في الدول النامية فيرون أن الثورة الاشتراكية حصيلة النضال للتحرر من السيطرة الاستعمارية الخارجية، والاستغلال الداخلي بهدف تحقيق العدالة والمساواة وإطلاق قدرات الجماهير من خلال الديمقراطية الشعبية، وتحويل الدولة إلى أداة للتغيير الثوري. وتأميم وسائل الإنتاج الرئيسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخطيطه، وتطوير التربية والتعليم والثقافة والإعلام بهدف نشر الثقافة الثورية على أوسع نطاق بين الجماهير. وتعد ثورة تشرين أول 1917 في روسية مثالاً واضحاً على هذا النمط من الثورات.
ثورات التحرر الوطني: نمط خاص من أنماط الثورة الاجتماعية هدفها إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في حياة الدول والشعوب التي كانت خاضعة للسيطرة الاستعمارية وإقامة الدول الوطنية المستقلة. ونمت هذه الثورات على أرضية تطور حركة التحرر الوطني واتساعها وتقويتها نتيجة ضعف الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز التنظيم الدولي، وانتشار الأفكار المنادية بالحرية وحق تقرير المصير وإنهاء السيطرة الاستعمارية. وتتحدد المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورات، بطبيعة الظروف الداخلية لكل دولة أو شعب، وبطبيعة المرحلة التاريخية التي تحدث فيها.
والمسألة الأساسية في هذه الثورات كما في كل ثورة اجتماعية هي مسألة السلطة السياسية. حيث يتم نقل السلطة إلى القوى الوطنية والديمقراطية. والقوى المحركة لهذه الثورات من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة، والبورجوازية الوطنية، والمثقفين والضباط الوطنيين.
وشهد القرن العشرون ثورات تحرر وطني واسعة ومتعددة ضد السيطرة الاستعمارية وخاصة في قارات آسية وإفريقية وأمريكة اللاتينية. وانتقلت بعض هذه الثورات من النضال في سبيل التحرر الوطني إلى النضال لتحقيق تحولات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تنهي من خلالها مظاهر الاستغلال والسيطرة، وترسخ مظاهر التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية.
نماذج من الثورات الكبرى
شهد المجتمع البشري مجموعة واسعة من الثورات السياسية والاجتماعية التي تركت نتائج ومنعكسات هامة سياسية واقتصادية وفكرية على الصعيد العالمي. وهناك عدد من الثورات كانت في نظر المفكرين المعاصرين نماذج أساسية لأنواع الثورات وهي:
1- الثورة الأمريكية 1783: ثورة على الاستعمار البريطاني، قادتها الفئات الاجتماعية الصاعدة من ملاكي الأراضي والتجار والبورجوازية الوطنية. وانتهت بإقامة دولةٍ جديدةٍ باسم الولايات المتحدة الأمريكية، وحكمٍ رئاسي منتخبٍ، يتمثل في رئيس الجمهورية «السلطة التنفيذية» والكونغرس «السلطة التشريعية»، بديلٍ للحكم الاستعماري الخارجي «بريطانية». وتعد هذه الثورة من نمط الثورات المناهضة للاستعمار التي يقوم بها بورجوازية وطنية.
2- الثورة الفرنسية 1789: قادتها الطبقة البرجوازية الصاعدة بمساعدة بقية الفئات الاجتماعية خاصة الفلاحين ضد الحكم الملكي المطلق الذي يستند إلى «الحق الإلهي» وإلى تأييد الأرستقراطية والإقطاعية الفرنسية.
أقامت سلطة بورجوازية جديدة وأعلنت مبادئ الحرية وسيادة الشعب والمساواة بين أفراده، وحقوق الإنسان[ر]. وأسهمت الثورة في نشر هذه المبادئ في جميع أنحاء العالم. وفتحت الطريق أمام التغييرات الإيجابية التي شهدتها القارة الأوربية وغيرها من المناطق خارج القارة. وهي تمثل نمط الثورة البورجوازية على الحكم الملكي المطلق، والأرستقراطية المحلية.
3- الثورة الروسية 1917: قامت في روسية وأنهت النظام القيصري المطلق الذي كان يستند إلى الحق الإلهي وإلى تأييد الطبقتين الأرستقراطية والإقطاعية اللتين كانتا تمارسان ملكية الأقنان. وأقامت سلطة جديدة ديكتاتورية الطبقة العاملة، التي يقودها حزب ثوري طليعي واحد يمثل الفئات الكادحة من الجماهير وكانت أول مثال لثورة ذات مرحلتين:
المرحلة الأولى: الثورة البرجوازية. التي قادتها الطبقة البورجوازية مع باقي فئات الشعب. وكان هدفها إنهاء النظام القائم، وسلطة الإقطاع.
المرحلة الثانية: الثورة التي قادها الحزب الشيوعي الروسي «البلاشفة»[ر] وشارك فيها جميع الفئات الكادحة. وكان هدفها إسقاط البورجوازية وإقامة نظام سياسي اشتراكي جديد يرتكز على سلطة العمال والفلاحين، وينهي الاستغلال، ويحقق العدالة والمساواة.
4- الثورة الإيرانية 1979: ثورة شعبية قامت في إيران ضد نظام الشاه الذي كان يستند إلى الحق الإلهي وتأييد الإقطاعية والبورجوازية المحلية، والأجهزة الأمنية والدعم الخارجي. قاد الثورة رجال الدين والقوى الإسلامية بزعامة «الإمام الخميني»، وشاركت فيها مجموع الجماهير الشعبية، وأقامت سلطة جديدة بزعامة دينية، وحقَّقت تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لصالح مجموع الشعب. وهي تمثل نمط الثورة الجماهيرية الإسلامية على الحكم الملكي المطلق، على الفئات الاجتماعية المرتبطة به من الإقطاع والبرجوازية.