لا شك أن المستثمر السعودي اليوم واقع في حيرة : أين يوجه استثماراته المالية ؟
فبعد ما حصل من ضربات موجعة لرواد سوق الأسهم، فإن المستثمر اليوم يبحث عن ملاذ أكثر أمناً لاستثماراته...
ومن الطبيعي أن يجد الغالبية في العقار المرشح الأول بين الخيارات المتاحة.
لكنه وبالنظر إلى دخول مستثمرين من الخارج بمشاريع ضخمة وخبرات متقدمة للسوق العقاري السعودي.. فإنه يبعث على الحيرة!
وبداية يجب التفريق بين الاستثمار العقاري في المباني السكنية وبين الاستثمار في الأراضي الخام التي لم تصلها الخدمات وبين والاستثمار في قطع الأراضي داخل الأحياء السكنية.
فهناك الأراضي الخام التي لم تصل إليها الخدمات.. وهذه وإن كانت تُعرض بأسعار مناسبة جداً، وتكون المكاسب فيها خيالية مقارنة بمتوسط العائد السائد على رأس المال، إلا أن من المعتاد ان المخاطر فيها تكون عالية.
كما أنها تحتاج إلى رأس مال ضخم والمستثمر فيها يضطر للانتظار طويلاً ودون الاستفادة من رأسماله حتى تصلها الرغبة، أو يأتي من يملك السيولة الضخمة للانفاق على تطويرها (تخطيط وتوزيع وسفلتة وإيصال خدمات)...
وهذا النوع من النشاط كان في السابق يمول بمشاركة الجمهور، بما يسمى المساهمات العقارية. يوم كان الباب مفتوحا لقفزات من هب ودب!.. يوم كان رئيس المساهمة يوزع القطع الكبيرة على الشوارع الرئيسية لتكون بمساحات لا يستطيع شراءها إلا هو.. ولتكون من نصيبه بثمن بخس.
أما اليوم فالأمر تحكمه أنظمة وقوانين، ولا بد أن يمر المشروع عبر وزارة التجارة والبلديات وهيئة سوق المال، وكأننا بصدد طرح شركة مساهمة للاكتتاب العام. وبالتالي جفت مصادر تمويل الأراضي المساهمة وبقيت الحاجة لرأس المال الضخم... والمخاطرة بقيت عالية كما كانت.
أما النوع الثاني من الأراضي فهي القطع السكنية أو الخام المتوسطة المساحات، التي تقع داخل أو مجاورة للأحياء المغطاة بالخدمات.
فهذه هي المجال الأرحب للاستثمار في الأراضي الخام، لأنها سهلة في التصريف. والأهم من ذلك أن المشتري اليوم أربح من البائع (كما يقول العامة). لأنه من الناحية الاقتصادية فإن دخل الفرد السعودي متوقع له أن يرتفع، لأن قيمة الريال مربوطة بالدولار والاقتصاد السعودي مرتبط باقتصادات العالم... ومن يملك السلع يتوقع أن يكون أوفر حظاً ممن يبقى يحتفظ بالريال.
النوع الثالث من مجالات الاستثمار العقاري وهو السكني. فهو الأكثر أماناً وإن انخفض فيه نمو السعر مقارنة بالأراضي. لكنه يبقى يعطي ريعاً من الإيجار يفوق تكلفة رأس المال. والمسألة هنا يمكن تصورها بسهولة، فمن يشتري عمارة مستخدمة اليوم متوقع له مزيد من الريع، لأن تكلفة اجارات السكن يتوقع لها أن تزداد.
أما من يرغب في بناء عمارات سكنية جديدة، فإنه سيدفع الثمن غالياً لأن تكلفة جميع مواد البناء وكذلك العمالة قد تضاعفت بسبب المعوقات التي فرضتها وزارة العمل على استقدام العمالة بحجة السعي للسعودة، ورجال الأعمال ينادون بالإنصاف (ولا مجيب) وكأن الشباب السعودي مستعد لحمل أكياس الإسمنت والبطحاء ولم يجد له فرصة للعمل فيها... ناهيك من ارتفاع تكلفة شراء الأراضي.
ولذلك يمكن القول بأن مستقبل أسعار العقار بعيدة عن احتمالات الانخفاض، إلا في حالة حصول حدث ما يؤدي إلى ركود اقتصادي عام. وهنا لن ينخفض سعر العقار وحده، وإنما انكماش شامل وتقل السيولة في أيدي الناس.
ولذلك يمكن القول إن العقار السكني سيكون الأربح، لأن مالك المبنى يستطيع تأجيره ولو بسعر أقل ويأكل من ريعها.
بعكس مالك الأراضي الخام البعيدة يبقى يتفرج عليها، ولا يأتيه من يطلبها بأي سعر