الأحاديث الواردة في تمر المدينة
363- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر).
رواه البخاري - واللفظ له -، ومسلم، والحميدي، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأبو داود، والبزار، والنسائي في (الكبرى)، وأبو يعلى، وأبو عوانة، وأبو نعيم، في (الطب)، والبيهقي).
كلهم من طريق هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه به. زاد أبو نعيم في رواية: (من تمر العالية).
ورواه الإمام أحمد من طريق عبد الله بن نمير عن هاشم عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها به.
قال الدارقطني: ((يرويه هاشم بن هاشم، واختلف عنه، فرواه أبو أسامة - يعني حماد بن أسامة - عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن سعد.
وخالفه ابن نمير، فرواه عن هاشم عن عائشة بنت سعد عن أبيها، وكلاهما ثقة، ولعل هاشماً سمعه منهما. والله أعلم)).
وسئل أبو زرعة الرازي عن حديث هاشم عن عائشة، فقال: ((هكذا قال ابن نمير، وقال مروان بن معاوية وأبو أسامة وأبو ضمرة: عن هاشم بن هاشم عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح)).
ويضاف إلى من ذكرهم أبو زرعة: مكي بن إبراهيم، وشجاع بن الوليد، وأحمد بن بشير، حيث رووه عن هاشم عن عامر، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى مسلم، والإمام أحمد، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وأبو بكر الباغندي، وأبو عوانة، وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي.
كلهم من طريق عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة الأنصاري، عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سم حتى يمسي). واللفظ لمسلم.
وعند أحمد من طريق فليح بن سليمان عن أبي طوالة بلفظ: (من أكل سبع تمرات عجوة مما بين لابتي المدينة على الريق لم يضره يومه ذلك شيء حتى يمسي).
قال فليح: وأظنه قال: (وان أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح). وفليح: ((صدوق كثير الخطأ))، ولم أجد من تابعه على الزيادة الأخيرة، فهي ضعيفة من هذا الوجه، والحديث في الصحيحين بدونما كما تقدم.
364- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في عجوة العالية شفاء - أو أنها ترياق - أول البكرة).
رواه مسلم - واللفظ له -، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهوية، والإمام أحمد، والنسائي في ((الكبرى))، وأبو عوانة.
كلهم من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عبد الله بن أبي عتيق عن عائشة به.
وفي رواية للإمام أحمد بلفظ: ((في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سم)).
وروى البخاري في ((تاريخه))، والطبراني في ((المعجم الصغير))، وأبو نعيم في ((الطب))، والخطيب البغدادي في ((التلخيص)) و ((الموضح)).
كلهم من طريق صفوان بن سليم، عن سليمان بن عطاء، عن خبيب بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أكل سبع تمرات عجوة من تمر العالية حين يصبح لم يضره سم ولا سحر حتى يمسي).
وفي إسناده ((سليمان بن عطاء))، قال فيه الحافظ ابن حجر: ((مقبول))، يعني إذا توبع، وقد تابعه معمر بن راشد، ذكره البخاري في ((تاريخه)) من طريق عبد الرازق، عن معمر عن خبيب بن عبد الله به.
لكن قال البخاري: ((معمر لم يسمع من خبيب)).
ورواه أبو نعيم في ((الطب)) من طريق عبد الله بن إسحاق بن الفضل الهاشمي، عن أبيه، عن صالح بن خوات بن صالح بن خوات، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أنس بن مالك، عن عائشة به.
وزاد: (ومن أكلهن ليلاً لم يضره سم ليلته).
وعبد الله بن إسحاق قال فيه العقيلي: ((له أحاديث لا يتابع منها على شيء)).
وصالح بن خوات قال فيه الحافظ ابن حجر: ((مقبول)) يعني إذا توقع، وقد خولف في هذا الإسناد، خالفه سليمان بن بلال ومحمد بن عمارة، وغيرهما حيث رووه عن أبي طوالة عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه كما تقدم.
وروى ابن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينفع من الجذام أن تأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة كل يوم تفعل ذلك سبعة أيام).
والحاصل أن حديث عائشة رضي الله عنها ورد من أربع طرق:
الأولى: طريق عبد الله بن أبي عتيق عند مسلم وغيره.
الثانية: طريق خبيب بن عبد الله، وهي حسنة بمجموع الطرق ولها شاهد من حديث سعد رضي الله عنه.
الثالثة: طريق أنس وهي ضعيفة. الرابعة: طريق هشام بن عروة عن أبيه، وردت مرفوعة وموقوفة، والمرفوعة ضعيفة والموقوفة صحيحة.
365-عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة).
رواه أبو عوانة الإسفرائيني من طريق يزيد بن هارون عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد به.
وإسناده صحيح.
ورواه أبو نعيم في ((الطب)) من طريق شهر بن حوشب عن عبد الملك بن عمير به وزاد: (وهي شفاء من السم).
والجملة الأولى من الحديث في الصحيحين من طريق شعبة، وفي مسلم أيضاً، من طريق محمد بن شبيب، قال: سمعته من شهر حوشب، فسألته فقال: سمعته من عبد الملك، فحدثني عن عمرو بن حريث به. دون قوله: (والعجوة من الجنة.....).
366- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وهي شفاء من السم).
رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والنسائي في ((الكبرى))، والعقيلي من طريق شهر بن حوشب.
ورواه ابن ماجه، وأبو نعيم في ((الطب)) من طريق أبي نضرة المنذر بن مالك العبدي.
ورواه العقيلي أيضاً من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى.
وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي من طريق عطية بن سعد العوفي.
كلهم عن أبي سعيد به.
وقال شهر: ((عن أبي سعيد وجابر))، وقد اختلف في هذا الحديث على شهر بن حوشب اختلافاً كثيراً، ذكر ذلك الدارقطني في ((العلل)، والمزي في ((تحفة الأشراف)) وشهر ((صدوق كثير الإرسال والأوهام)).
وقال البوصيري: ((هذا إسناد حسن، شهر مختلف فيه)).
وفي حديثه عن ابن ماجه: (... والعجوة من الجنة، وهي شفاء من الجنة).
وقوله: ((من الجنة)) غلط والصواب: ((من السم)) كما في باقي الطرق.
وعطية العوفي: ((صدوق يخطئ كثيراً وكان شيعياً مدلساً)) ولم يصرح بالتحديث عن أبي سعيد، والراوي عن عطية: الحسن بن عمارة ((متروك)).
لكن الحديث صحيح بمجموع الطرق الأخرى المتقدمة، وقد ذكره ناصر الدين الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه))، فقال: ((صحيح بلفظ)): ((..... وهي شفاء من السم)).
367- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم).
رواه أبو داود الطيالسي، والإمام أحمد، والدارمي، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في ((الكبرى))، وأبو يعلى، وأبو نعيم في ((الطب)).
كلهم من طريق شهر بن حوشب، عن أبي هريرة به.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن)). ورواه الحميدي من طريق شهر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وزاد فيه: (نزل بعلها من الجنة) وهذه الزيادة منكرة، لم ترد في الطرق السابقة لهذا الحديث.
ورواه الإمام أحمد من طريق شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي هريرة.
واختلف في هذا الحديث على شهر اختلافاً كثيراً، وقد بين أوجه الاختلاف عليه الدارقطني في ((العلل))، وشهر متكلم فيه من جهة حفظه، لكنه توبع على هذا الحديث.
فرواه الترمذي، وأبو نعيم في ((الطب)) من طريق سعيد بن عامر الضبعي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة به.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب، وهو من حديث محمد بن عمرو، ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو)).
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو نعيم في ((الطب)) من طريق عباد بن منصور الناجي عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة.
وعباد مدلس، ولم يصرح بالتحديث.
ورواه العقيلي من طريق عبد الأحد بن عبد الرحمن السلمي، عن أسباط بن محمد عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة به.
وعبد الأحد لم أقف له على ترجمة.
فهذه الطرق يقوي بعضها بعضاً فالحديث صحيح بمجموعها، وصححه أحمد شاكر، وناصر الدين الألباني.
368- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وهي شفاء من السم).
رواه الطبراني في ((الأوسط)) و ((الصغير))، وفي ((الكبير)) الجملة الأولى منه. من طريق الحسن بن غليب المصري، قال: حدثنا مهدي بن جعفر الرملي، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
قال الطبراني في ((الصغير)): ((لم يروه عن ابن خثيم إلا ابن جريج، ولا عن ابن جريج إلا عبد المجيد، تفرد به الحسن بن غليب عن مهدي بن جعفر)).
وقال الهيثمي: ((رواه الطبراني في ((الثلاثة)) وفيه مهدي بن جعفر الرملي وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات)).
وابن جريج مدلس ولم يصرح بالتحديث، فالإسناد ضعيف لكن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، والمتن صحيح.
369- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس في الأرض من الجنة إلا ثلاثة أشياء: غرس العجوة، وأواق تنزل في الفرات كل يوم من بركة الجنة، والحجر).
رواه الخطيب البغدادي من طريق محمد بن أبان، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن أبي هريرة به.
والحديث ضعفه المناوي. وذكره ناصر الدين الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة))، وقال: ((ضعيف))، ثم قال: ((هذا إسناد غريب، رجاله ثقات، ليس فيهم من ينظر في حاله غير اثنين:
الأول: الحسن بن سالم، فلم أر من ذكره غير ابن أبي حاتم من رواية جمع عنه، وروي عن ابن معين أنه قال: ((صالح)).
والآخر: محمد بن أبان، وهو بلخي، وهما اثنان من هذه الطبقة:
الأول: محمد بن أبان بن وزير البلخي، وهو ثقة من رجال البخاري.
والآخر: محمد بن أبان بن علي البلخي وهو مستور كما قال الحافظ ولعله علة هذا الحديث الغريب، فإنه لم يترجح لي أيهما المراد الآن...)).
وقد ذكر المزي أبا معاوية في شيوخ الأول، وهذا يرجح أنه هو المراد في هذا الإسناد.
ويحتمل أن تكون العلة من جهة أبي معاوية محمد بن خازم الضرير حيث تكلم بعض النقاد في روايته عن غير الأعمش، فقال الإمام أحمد: ((أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظاً جيداً))، وكذا قال محمد بن عبد الله بن نمير، وقال عثمان بن أبي شيبة: ((أبو معاوية حجة في حديث الأعمش وفي غيره لا)). وهذا الحديث من روايته عن غير الأعمش.
370- عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العجوة من فاكهة الجنة).
رواه الإمام أحمد، ومحمد بن هارون الروياني - مطولاً، ورواه ابن عدي، واللفظ له.
كلهم من طريق صالح بن حيان القرشي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه به.
وصالح بن حيان: ((ضعيف)).
ورواه الإمام أحمد أيضاً من طريق زهير بن معاوية، عن واصل بن حيان عن عبد الله بن بريدة به، وقد أخطأ زهير في قوله: ((واصل بن حيان)).
قال يحيى بن معين: ((زهير بن معاوية الجعفي يخطئ عن صالح بن حيان يقول: واصل بن حيان. ولم ير واصل بن حيان)).
وقال الإمام أحمد: ((انقلب على زهير بن معاوية اسم صالح بن حيان فقال: واصل بن حيان)).
وقال الدارقطني: ((روى عنه زهير، وسماه واصلاً، وهم في اسمه...)).
فعاد الحديث إلى صالح بن حيان، وهو ((ضعيف)) كما تقدم. فالحديث ضعيف بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي: ((رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الإمام أحمد قال: سمع زهير من وصال بن حيان، وصالح بن حيان فجعلهما واصلاً)).
ثم قال الهيثمي ((واصل ثقة، وصالح بن حيان ضعيف وهذا الحديث من رواية واصل في الظاهر. والله أعلم.
كذا قال رحمه الله، وتابعه السمهودي، فقال: ((وروى أحمد برجال الصحيح...)) فذكره.
ولا يجوز الحكم على هذا الحديث بالنظر إلى ظاهر إسناد زهير بن معاوية، بعد العلم بكلام الأئمة المتقدم.
371- عن رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الشجرة والعجوة من الجنة).
رواه الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم في ((المعرفة))، وعز الدين ابن الأثير.
كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن المشمعل المزني قال: حدثني عمرو بن سليم المزني أنه سمع رافع بن عمرو به.
ورواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم في ((المعرفة)).
من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن المشمعل به، إلا أنه قال: (العجوة والصخرة من الجنة).
وعند ابن ماجه قال عبد الرحمن: ((حفظت الصخرة من فيه)) يعني: من في المشمعل.
ورواه الإمام أحمد، والحاكم، وأبو نعيم.
من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن المشمعل به بلفظ: (العجوة والصخرة - أو قال - العجوة والشجرة - في الجنة)، شك المشمعل.
واللفظ للإمام أحمد، وعند أبي نعيم: (من الجنة)، ولفظ الحاكم: (العجوة والصخرة من الجنة)، كلفظ عبد الرحمن بن مهدي.
وفي رواية أخرى للحاكم عن عبد الصمد أيضاً: (العجوة والصخرة والشجرة من الجنة). قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه)). وسكت عنه الذهبي. وقال الحاكم في الموضعين الآخرين: ((هذا حديث صحيح الإسناد)). وأقره الذهبي. وقوله الأول: ((على شرط مسلم)) وهم منه - رحمه الله -، فإن عمرو بن سليم والمشمعل لم يرو لهما مسلم.
وقال البوصيري: ((هذا إسناد صحيح - رجاله ثقات)).
وقال ابن القيم: ((كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى)).
وقال ناصر الدين الألباني : ((وكل هؤلاء الرواة عن المشمعل ثقات حفاظ، وقد اختلفوا عليه في هذه اللفظة، وذلك يدل على أنه لم يكن قد حفظها، فكان يضطرب فيها، فتارة يقول: (الصخرة)، وتارة (الشجرة)، وتارة يتردد بينهما ويشك، والاضطراب دليل ضعف الحديث كما هو مقرر في المصطلح، والله أعلم)).
وقال في موضع آخر: ((وأما حديث العجوة والصخرة من الجنة، فهو ضعيف لاضطرابه...)).
372- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكمأة من المن، وماؤه شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم).
رواه ابن عدي من طريق حسان بن سياه، قال: ثنا ثابت عن أنس به.
وأورد ابن عدي عدة أحاديث بهذا الإسناد، ثم قال: ((وهذه الأحاديث عن ثابت عن أنس عامتها لا يرويها عن ثابت غير حسان بن سياه)).
ثم قال ابن عدي: ((وحسان بن سياه له أحاديث غير ما ذكرته، وعامتها لا يتابعه غيره عليه، والضعف يتبين على رواياته وحديثه)).
وقال الذهبي: ((ضعفه ابن عدي والدارقطني))، وقال ابن حبان: ((يأتي عن الأثبات بما لا يشبه حديثهم)).
فالحديث ضعيف بهذا الإسناد.
373- عن سعد رضي الله عنه قال: مرضت مرضاً، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعودني، فوضع يده بين ثديي، حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال: (إنك رجل مفؤود، ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف، فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة، فليجأهن بنواهن، ثم ليلدك بهن).
رواه ابن سعد عن الواقدي، وأبو داود والخطابي عن إسحاق بن إسماعيل.
وأبو نعيم الأصبهاني في ((الطب)) و ((المعرفة)) من طريق قتيبة بن سعيد، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن سعد به.
ولم ينسب سعد في رواية إسحاق بن إسماعيل وقتيبة، ونسبه الواقدي فقال: ((عن سعد بن أبي وقاص)).
ورواه الطبراني، وأبو نعيم في ((المعرفة)) من طريق يونس بن الحجاج الثقفي، عن سفيان بن عيينة به، فقال: ((عن سعد بن أبي رافع)).
قال الحافظ ابن حجر: ((أورد المصنف - يعني المزي - هذا الحديث في ((الأطراف)) - تبعاً لابن عساكر - في مسند سعد بن أبي وقاص، لكنه عند أبي داود ((عن سعد)) غير منسوب، وقد نسبه يونس وهو ثقة)).
كذا قال الحافظ رحمه الله ولم أقف على مستنده في توثيق يونس إلا ذكر ابن حبان له في ((الثقات))، وابن حبان معروف بتساهله في توثيق المجاهيل، ثم إن يونس هذا قد خالف الثقات في متن الحديث وفي إسناده، فقال في المتن: (فليأخذ خمس تمرات)، وفي رواية إسماعيل وقتيبة: (سبع تمرات)، وقال في الإسناد: ((سعد بن أبي رافع))، ولا يعرف سعد بن أبي رافع في الصحابة إلا بما ورد في هذا الحديث.
وقال ابن أبي حاتم في ترجمة الحارث بن كلدة: ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص أن يأتيه يستوصفه، ولم يصح له إسلام)).
وذكر ابن الأثير، والمنذري، وغيرهما أن سعداً هو ابن أبي وقاص، ويؤيد ذلك أن القصة المذكورة لها أصل عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: فقد روى أبو نعيم في ((الطب)) و ((المعرفة)) من طريق ابن إسحاق عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: ((مرض سعد بن أبي وقاص، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما أراني إلا لما بي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن يشفيك الله حتى يضر بك قوم، وينفع بك آخرين)، ثم قال للحارث بن كلدة الثقفي: (عالج سعداً مما به)، فقال: والله إني لأرجو أن يكون شفاؤه مما معه في رحله، هل معكم من هذا التمر العجوة شيئ؟، قالوا: نعم، قال: فصنع له الفريقة، خلط له التمر بالحلبة، ثم أوسعها سمناً، ثم أحساها إياه، فكأنما نشط من عقال)).
ورواه أبو نعيم أيضاً من وجه آخر عن ابن إسحاق عن إسماعيل عن أبيه عن سعد بمعناه.
وابن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث، فالإسناد ضعيف. وأصل القصة في الصحيحين دون ذكر الحارث بن كلدة، وأشار ابن حجر إلى حديث ابن إسحاق، ثم قال: (فإما أن يكون يونس وهم في قوله ابن أبي رافع أو تكون القصة تعددت)).
والأقرب إلى الصواب أن يونس وهم فيه، وما تقدم يؤيد قول من قال أن سعداً المذكور في حديث مجاهد هو سعد بن أبي وقاص، ومجاهد لم يسمع منه، ولذلك قال ناصر الدين الألباني في حديث مجاهد السابق: ((ضعيف)).
374- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم).
رواه ابن عدي، وأبو نعيم في ((الطب)) واللفظ له.
كلاهما من طريق المنذر بن زياد الطائي، عن محمد بن المنكدر عن جابر به.
قال ابن عدي: ((وهذا أيضاً لا أعلم يرويه عن محمد بن المنكدر غير المنذر بن زياد)).
والمنذر قال فيه عمرو بن علي الفلاس: ((سمعت المنذر بن زياد وكان كذاباً)).
وقال ابن حبان: ((كان ممن يقلب الأسانيد وينفرد بالمناكير عن المشاهير فاستحق ترك الاحتجاج به إذا انفرد)).
وقال الدارقطني: (متروك)).
فهذا الحديث ضعيف جداً بهذا الإسناد.
وقد ورد هذا الحديث عن جابر أيضاً من طريق شهر بن حوشب، قال: عن جابر وأبي سعيد الخدري، وقد تقدم الكلام عليه.
375- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان أحب التمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العجوة).
رواه أبو نعيم في ((الطب)) من طريق عون بن عمارة القيسي، عن حفص بن جميع، عن ياسين بن معاذ الزيات، عن عطاء، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد ضعيف جداً مسلسل بالضعفاء، فعون بن عمارة وحفص وياسين كلهم ضعفاء لا تقوم بهم حجة.
والأحاديث الواردة في هذا الفصل كلها ذكرت نوعاً خاصاً من تمر المدينة وهو العجوة.
قال الجوهري: ((العجوة: ضرب من أجود التمر بالمدينة، ونخلتها تسمى لينة)).
وقال الزمخشري: ((هي تمر بالمدينة من غرس النبي صلى الله عليه وسلم )).
وقال أبو موسى المديني: ((قيل: هي تمر نخلة مدينية ليست بأجودها، وقيل: عجوة العالية أجود تمرها)).
وذكر الأزهري أن العجوة أنواع فقال: ((العجوة التي بالمدينة هي الصيحانية، وبها ضروب من العجوة ليس لها عذوبة الصيحانية ولا ريها ولا امتلاؤها)).
وقول الزمخشري: ((من غرس النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر، فقد كانت العجوة معروفة في المدينة قبل ذلك، وقد عقب السمهودي على هذا القول بقوله: ((ويبعد أن يكون المراد أن هذا النوع إنما حدث بغرسه صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما يوجد منه من غرسه، كما لا يخفى)).
وقال النووي في شرح حديثي سعد وعائشة السابقين: ((وفي هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها وفضيلة التصبح بسبع تمرات منه، وتخصيص عجوة المدينة دون غيرها وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات ونصب الزكاة، وغيرها، فهذا هو الصواب في هذا الحديث...)).