عوامل تدفع وبقوة إلي ازدهار الصحافة الإلكترونية في مقابل عوامل ومشكلات كثيرة تواجه الصحافة المطبوعة فهل تكون هذه مؤشرات أكيدة لمرحلة جديدة في تاريخ الاتصال؟
حول هذا الموضوع المهم قدم لنا د.محمد عهدي فضلي، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، كتابا قيما يجمع بين الخبرة العملية لمؤلفه والدراسة الأكاديمية في مجال الصحافة الإلكترونية محاولا من خلاله أن يستشرف معالم هذه الصحافة وأشكالها المختلفة والإشكاليات والقضايا التي تطرحها. وعبر ما يقرب من 600 صفحة صال بنا المؤلف وجال حول قضايا علي درجة عالية من الأهمية، حيث تناول البيئة التكنولوجية للصحافة والأوضاع الراهنة للصحافة في العالم مركزًا علي التحديات التي تواجه الصحافة المطبوعة في مختلف دول العالم، ثم انتقل لمناقشة المفاهيم المختلفة للصحافة الإلكترونية وسماتها والتطورات التي أدت لظهورها ونموها، متناولا تفصيلا صحافة الإنترنت، منتديات الحوار، المدونات الإلكترونية، صحافة المحمول.
ولم يكتف بذلك بل ناقش عمليات تحرير الصحف الإلكترونية وتصميم الإعلان فيها، وقدم بعض التجارب في هذا المجال.
واختتم كتابه العميق بمحاولة الإجابة علي السؤال الحيوي: هل يقضي البث الإلكتروني علي الصحافة المطبوعة؟
وقد بدأ د.عهدي فضلي مناقشته لكل هذه القضايا والإشكاليات بتقديم عرض فيه للتأثير المتزايد لصحافة الإنترنت، حيث قدم العديد من الأمثلة علي ذلك مثل التغطية الإخبارية الحية والمباشرة التي قدمها موقعا تويتر و»يوتيوب للتفجيرات التي وقعت ببومباي بالهند وكذلك الدور الذي لعبه الإنترنت في الحملة الدعائية للرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، والتي طرح من خلالها آراءه وأفكاره ونشرها علي العالم كله مستفيدا من الشبكة الاجتماعية التي أسسها المتحمسون له علي الإنترنت.
وأشار المؤلف إلي أن هناك مجموعة من المشكلات والتحديات تواجه الصحافة المطبوعة في العالم من أهمها:
1- انخفاض معدلات قراء الصحف الورقية خلال الخمسين عاما الماضية.
2- ارتفاع نفقات وتكلفة إنتاج الصحف.
3- تناقص إقبال المعلنين علي الإعلان بها.
4- ارتفاع تكلفة توزيع الصحف الورقية.
5- انخفاض نفقات إنتاج الصحف الإلكترونية.
6- الدور المميز للقارئ العادي في إنتاج الصحف الإلكترونية من خلال التفاعل أولا ثم إنتاج المحتوي ثانيا.
وأضاف أيضًا أن هناك تناقصا في أعداد القراء من الأجيال القديمة الذين كانوا يحتفظون بولاء للصحف الورقية، مقابل زيادة اتجاه الأجيال الجديدة إلي أشكال أحدث من الاتصال، فضلاً عن تدفق المعلومات علي الجمهور من مصادر متنوعة وبأشكال مختلفة، مما يتطلب من الصحف الورقية إعطاء مزيد من الاهتمام بالعمق في تحليل المواد الصحفية، وابتكار أساليب جديدة في التغطية الصحفية وصياغة الأخبار والاتجاه نحو التفسير، ومحاولة إرضاء الاهتمامات المتنوعة للقراء.
ورغم أن المؤلف أشار إلي أن معدل توزيع الصحف علي المستوي العالمي سجل ارتفاعا بنسبة 2٪ في عام 2006، حيث بلغ أكثر من 510 ملايين نسخة، وارتفع عدد الصحف الجديدة التي صدرت في العام نفسه إلي أكثر من 11 ألف عنوان، كما استحوذت الصحف المطبوعة علي نسبة 42٪ من العائدات الإعلانية، إلا أنه مما يثير الاهتمام ويحتاج لوقفة أن صحيفة مثل الكريستيان سانيس مونيتور الأمريكية، والتي بلغ عمرها قرنا من الزمان تحولت خلال عام 2009 إلي النشر علي الإنترنت بشكل يومي، مع الاكتفاء بطبعة ورقية أسبوعية، وسبقها إلي ذلك مجلة لايف وفي مصر صدرت صحيفة (اليوم السابع) يومية علي الإنترنت وأصدرت طبعتها الورقية بشكل أسبوعي.
وتظهر الدراسات والبحوث الأحدث إلي أن الإنترنت أصبح منافسا قويا وشرسا لكافة وسائل الإعلام الأخري بما فيها التليفزيون كمصدر رئيسي لاستقاء الأخبار المحلية والدولية بالنسبة للشباب.
وقد تطورت تكنولوجيات شبكة الإنترنت وتطبيقاتها بسرعة كبيرة وظهرت مواقع لوكالات الأنباء علي الإنترنت إلي إذاعات الإنترنت، البث التليفزيوني عبر الإنترنت، خدمة الأخبار بالهاتف المحمول، خدمة الواب، وهو نظام إلكتروني يحول صفحات الإنترنت المصممة للكمبيوتر ليجعلها صغيرة لتناسب شاشات الهواتف المحمولة أو الأجهزة الإلكترونية المحمولة الأخري، فضلاً عن النشر الإلكتروني للصحف والمدونات ومواقع المعلومات.
ويوضح المؤلف د. عهدي فضلي إن الإعلام الرقمي يجعلنا أمام وسيلة إعلام واحدة تستخدم مختلف الوسائط مقروءة ومسموعة ومرئية وصولاً إلي استخدام الهاتف، وإذا كانت الوسائل التقليدية يقوم شخص واحد بإعدادها لتصل إلي الملايين ليقرأونها، فإن الإعلام الرقمي يقوم بإعداده الملايين ليصل ويتم تبادله مع الملايين، كما أن هذا الإعلام تفاعلي يسمح للمتعامل معه بكتابة وتحرير الخبر، وإتاحة الفرصة له لإبداء رأيه ونقده والحوار حوله من خلال منتديات الحوار، مما يفتح آفاقًا أكبر للإعلام من مجرد نقل الأخبار، وبهذا فإن هذه التكنولوجيا الجديدة حولت المواطنون من مجرد متلقين سلبيين للمواد الإعلامية إلي مشاركين إيجابيين في العمليات الإعلامية والاتصالية والتفاعل معها.
وأشار الكتاب إلي أشكال الإعلام الإلكتروني من مواقع الإنترنت، النشرات البريدية، المجموعات البريدية، المنتديات، المراصد الإعلامية، وهي مواقع إنترنت مزودة بخدمات إضافية تجمع مواد عن موضوعات تهمها وتعيد نشرها وبثها.
إلي جانب المواقع الشخصية، المدونات، غرف المحادثة الصوتية ويطرح د. عهدي فضلي ميزات الإعلام الإلكتروني والتي يلخصها في أنه إعلام حي يتغير باستمرار تفاعلي قابل للأرشفة متاح للبشرية كلها حر بدرجة كبيرة ولا يعترف بقيود الإعلام التقليدي، ومن أهم سماته: 1- إعلام متعدد الاتجاهات.
2- يرتبط بصحافة المواطن الذي يلعب دورا فعالا في عمليات جمع وتصنيف وتحليل وصياغة المعلومات والأخبار.
3- إعلام نمط الحياة.
4- تراجع إمكانيات التقييم.
5- المنافسة والمصداقية.
وتشهد البشرية الآن مرحلة الإعلام الجديد في New Media والتي تتسع للإعلام علي الإنترنت وصحافة الفيديو والمدونات الشخصية، المحتوي الخاص بأجهزة الجوال، الفيديو حسب الطلب.
وهذا الإعلام الجديد يسمح بتوسيع المشاركة الشعبية في صناعة الإعلام وتعزيز الفردية، إعطاء دفعة قوية لاقتصادات المعرفة، وهذا كله يطرح تحديات علي الإعلام القديم أو التقليدي.