نوع الملكية والقيم الإخبارية
هناك نوعان من الملكية لوسائل الإعلام ، الملكية العامة أي ملكية الدولة أو القطاع العام ، وملكية الخواص أو الملكية المستقلة ، إضافة إلى وجود الملكية المشتركة بين الدولة والأشخاص ، وتتأثر الوسيلة الإعلامية بنوع الملكية ، حيث تبقى هذه الوسيلة الإعلامية والقائمين بالاتصال فيها حاملين لإيديولوجية وصورة من يسيطر على الإعلام .
قيم الأخبار في وسائل الإعلام العمومية يجب أن تعكس نظاما اجتماعيا يحقق مفهوم ومضمون الخدمة العامة أي يدل على وجود المصلحة العامة، فالأخبار التي تحمل قيمة الصراع بين الأحزاب المعارضة والحكومة لا تعتبر ذات قيمة خبرية بالنسبة لوسائل الإعلام العمومية.
وتتأثر القيم الإخبارية لوسائل الإعلام العمومية بالسلطة السياسية لأنها هي الممول الرئيس وصاحب الملكية التامة، كما أن إشهار المؤسسات الوطنية يتوجه إلى الإعلام المساند للسلطة، وتبقى الصحافة الحزبية مرهونة بوجود الحزب وغير معنية بالإشهار.
أما وسائل الإعلام المستقلة فتتأثر أيضا بمن يسيطر عليها سواء المالك أو صاحب المؤسسة أو التمويل والإشهار، حيث تصبح اعتبارات السوق هي الأولى في الإنتاج الإعلامي، وكان لذلك أثره أيضاً في الأخبار، وقد أحس بهذا الخطر أحد الصحفيين المعاصرين فكتب يقول : يرى الناشرون أن الصحفيين ليس لهم إلا حق واحد هو إنجاز إنتاج يوافق رغبات الممولين، ثم ليسكتوا... وكذلك نفس الشأن بالنسبة للإعلام السمعي والبصري.
لقد أثبتت الأحداث دوما أن وسائل الإعلام تتعرض يوميا لقوى يمكن أن تخلط المعلومة وتشوشها سواء عن طريق شركاء هذه الوسيلة أو القائمين بالإعلانات فيها أو حتى أمرائها .
ولذلك يتساءل حسني خشبة قائلاً: " إذا كانت اعتبارات السوق والمنافسة على جذب اهتمام المستهلك الإعلامي هي التي تحدد القيمة الخبرية فكيف نقنع وسائل الإعلام بإعطاء التغطية اللازمة لإحداث لها أهميتها الإنسانية والسياسية ولكنها ليست أخبارا تبيع ؟ "
ويرى حسني خشبة إن العالم اليوم تحول من عهد " الإعلام المسيّس" الذي كانت السياسة وتوجهاتها ودوافعها هي الصفة الأساسية المميزة له إلى عهد " إعلام السوق والطفرة التكنولوجية" فالنضال الطويل لوسائل الإعلام من أجل حرية التعبير ما هو إلا عطاء تدريجي ، لا يسلمها من العراقيل الجديدة فبعد التحرر من الطغيان السياسي تظهر العراقيل الاقتصادية وتحكم التمويل في السياسات الإعلامية للمؤسسات.
لقد تحوّل الإعلاميون- في عهد إعلام السوق- إلى " رجال بيع" ولم يقتصر ذلك على معدّي البرامج الاستهلاكية وصناع المواد الإعلامية المنوعة، بل إن مذيعي الأخبار والمعلقين السياسيين أيضاً أصبحوا كذلك " فالمنافسة قائمة على جذب جمهور المشاهدين لمتابعة الأخبار تماماً كما هي قائمة في كل البرامج الأخرى نظراً لأنه يتعين بيع الإعلانات لتعزيز وضع "البرنامج"... والنتيجة الحتمية لذلك هي البحث الدائب والمستمرّ من جانب معدي البرامج عن الإثارة والتشويق والحركة في تغطية الأحداث. فأين تتوفر الفرصة المواتية لذلك بأكثر مما يوفرها الكم الكبير من الأحداث اليومية الفاجعة في عصرنا هذا ؟ " .
كما يقوم إعلام السوق على مقومين أساسيين هما: الدافع التجاري، والاختيار الذاتي. وهما المقومان اللذان يريدهما صاحب الملكية أو الممول فالدافع التجاري يتمثل في الربح المنتظر من المادة الإعلامية المقدمة، والاختيار الذاتي يتمثل فيما يتفق مع مصالح المالكين والممولين وإيديولوجيتهم ، وبذلك فإن الاتجاه المتزايد نحو المواد الإعلامية الحافلة بالإثارة والمشحونة بالدراما حتى في المواد الإخبارية إنما هو استجابة طبيعية لمتطلبات السوق التجارية. تقول الدكتور جيهان رشتي: " إن الأخبار هي مجرد سلعة تجارية تعرض للبيع، وهذه السلعة يسهل ترويجها أو تسويقها كلما كانت غير مألوفة أو تتسم بطابع درامي... وعلى هذا الأساس كثيراً ما تضخم الأحداث أضعافاً مضاعفة ليس فقط لجذب القراء والمستمعين وإرضاء توقعاتهم أو لخدمة أغراض سياسية، بل أيضاً لخدمة أهداف تجارية. فهذا التضخيم سيزيد من مبيعات الصحف ويزيد جمهور الراديو والتلفزيون " .
لقد أصبح التحكم المالي في السياسات الإعلامية يؤثر في قيمها الإخبارية ويحد من حرية التعبير باستعمال سلطة المال كوسيلة لكبح حرية الإعلام كلما حاول ضرب مصالح جهة معينة، وبما أن الإشهار هو المصدر الأساسي لعائدات الصحف ووسائل الإعلام فإنه من غير المنطقي أن تقامر أي وسيلة إعلامية على هذا المصدر سواء كان من السلطة العمومية أو من الخواص أنفسهم أو الممولين، ويرى الأستاذ الطاهر بن خرف الله في هذه الحالة من سيطرة المال على الوسيلة الإعلامية بأنها ستكون – وسائل الإعلام - متأثرا (تابعة) وليس مؤثرا(مستقلة).
إذن أصبح الخطر على وسائل الإعلام لا يتوقف على السلطة السياسية فحسب وإنما هناك عوامل أخرى تتمثل في ظاهرة تصنيع الإعلام والتأثير المتزايد للمنطق الاقتصادي من خلال الملكية وسيطرة الإشهار ، حيث تحولت الحرية السياسية وحق الإعلام للمواطن إلى الحرية الاقتصادية للمتعهد أو الممول والمشهر .. وهذه العوامل الاقتصادية ذات تأثير بالغ على القيم الإخبارية للمؤسسات الإعلامية .
سابعا : تأثير الهيمنة العالمية على المعلومات :
أدت التغيرات الجديدة في البيئة الاتصالية والإعلامية الدولية إلى تكريس واقع الهيمنة الغربية على معطيات الإعلام وتوسيع نطاقها وتشديد قبضتها. ولا تقتصر هذه الهيمنة على بعد واحد يتعلق بالإنتاج الإعلامي فحسب، بل هي هيمنة ذات أبعاد متعددة. ففي مجال البنى التحتية والصناعات الاتصالية يسيطر الغرب على جزء كبير من صناعة أدوات الاتصال والوسائل الإعلامية، كما تحتكر الشركات الأوروبية والأمريكية معظم أوقات الأقمار الصناعية. في العالم العربي- مثلاً- نلاحظ تدني الصناعة الاتصالية وارتفاع الاستيراد بنسبـة قد تصل إلى أكثر من 85% من الاحتياجات العربية. أما نسبة العاملين في هذه الصناعة فهي لا تصل إلى 5% ولم يحقق العالم العربي فرصاً كبيرةً للعمل الإعلامي والصناعات ذات العلاقة بالوسائل المسموعة والمرئية أو في أجهزة الالتقاط وعموم وسائط الطباعة من ورق وصناعات لها صلة بهذا المجال قياسا بالاستثمارات العالمية.
أما في مجال الإنتاج الإعلامي فلا تزال وكالات الأنباء الغربية الأربع الرئيسية وهي ( رويتر ووكالة الصحافة الفرنسية (AFP) والاسوشيتد برس (AP) واليونايتد برس انترناشيونال (UPI) تتحكم في توزيع ما يقرب من 90% من الأخبار في العالم. وتسيطر الولايات المتحدة الأمريكية وحدها على ما نسبته 40% من الإنتاج التلفزيوني والسينمائي في السوق العالمية.
وكانت ثلاث أو أربع وكالات غربية تحتكر إنتاج وتوزيع الأخبار التلفزيونية المصورة منها وكالة فيز نيوز ووكالة روتير البريطانيان ووكالة اليونايتد برس المصورة الأمريكية ووكالة الـدي.بي.ايه (DPA) الألمانية. ويضاف إلى تلك الوكالات الآن شبكة سي.ان.ان (CNN) والشبكة الكابلية الإخبارية ( Cable News Network) فضلاً عن الشبكة الأمريكية رولد نت ( World Net) وتقوم معظم الدول العربية الناطقة بالفرنسية باستقبال إرسال القناة الفرنسية الدولية (CFI) وتستفيد القنوات التلفزيونية العربية من هذه المحطات والشبكات وتتسابق في تقليدها والإقتداء بها .
لقد نتج عن هذا الاحتكار للبُنى التحتيـة للإعلام الدولي والهيمنة على الصناعات الاتصالية والتي تحـول كثير من المؤسسـات التي تتحكم فيها إلى شركات عملاقـــة، لقد نتج عن هذه الهيمنــة ما يسميه بعولمة الصوت والصورة والكلمة ومن الطبيعي أن تكون هذه "العولمة" من نصيب الغرب. فالولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأولى المصدّرة للثورة التقنية الالكترونية، إذ تتحكم بنسبة 65% من مجمل الاتصالات الدولية من خلال ما تنتجه معالمها الثقافية، ومن خلال تقنياتها وطرقها وممارساتها التنظيمية الجديدة .
ويمكن أن نشاهد الآثار السلبية لعدم حضور وسائل الإعلام العالمية أمام الهيمنة الأمريكية واضحة في حرب الخليج 1990 ـ 1991م، ففي هذه الأزمة السياسية الدولية لم يسمح بمشاركة إعلاميي ومراسلي الدول المخالفة لدخول القوات الأمريكية، بل إن إعداد التقارير الخبرية صار حكراً على مجاميع خبرية تابعة لدول دخلت أطرافاً في النزاع ، وقد كانت وكالات الأنباء الكبرى المهيمنة هي أنجلو سكسونية : رويتر و فيس نيوزvisnews و سي أن أن cnn كانت هي السباقة في التغطية الإخبارية للانقلابات التي حدثت في شرق أوربا وأحداث منطقة الخليج بين 1989 إلى 1991 والعوامل التي ساعدت على تمركز هذه الوكالات هي تفوق اللغة الإنجليزية والسيطرة التكنولوجية عل نقل وتخزين المعلومات ووجود شبكة قوية وناجعة من المراسلين .
أما بالنسبة للدول السائرة في طريق النمو فإن وضعها يطرح إشكاليات عديدة من بينها ضعف المصداقية لكونها التاريخي المحتكر من طرف السلطات السياسية ، وضعف الإمكانيات المالية ونقص الخبرات في نقل المعلومات والاتصالات مما لا يسمح لها دائما بتغطية الأحداث المحلية أو العالمية، وينجم عن عدم التوازن هذا أن قطبية وسائل الإعلام تؤدي بكل تأكيد إلى قطبية الإعلام في حد ذاته أي التأثير على القيم الإخبارية المتداولة في الوسائل الإعلامية ، فالزلزال الذي يضرب إيران ويؤدي إلى مقتل الآلاف لا تكون له نفس القيمة الخبرية التي تكون لزلزال ضرب سان فرانسيسكو وأودى بحياة بعض الأشخاص .
كما تبرز أيضا من نتائج هذه الهيمنة تغيير القيم الإخبارية أيضا من خلال اختلاف المصطلحات واستعمالاتها، فمن خلال الترجمة يـمكن أن تصاحب المصطلحات الأجنبية القيم الإخبارية لأصحابها، وتفسيراتهم للأحداث، والتي تعكس انتماءاتهم الحضارية والمذهبية.. ومن أجل ذلك ينبغي الحذر عند ترجمة المصطلحات الوافدة من عند الشعوب الأخرى ومراعاة المعاني والقيم الإخبارية التي تحملها