وسائل الإعلام والإعلان .. وصف نظري للعلاقة والتأثير
لا أحد يجادل في وقتنا الحاضر، الذي يوصف بعصر المعلومات وتقنيات الاتصال عالية التطور والكفاءة والفعالية، في قوة تأثير وسائل الإعلام على الناس أفراداً وجماعات وشعوباً وأمماً.
ومع الاختلاف الظاهري ما بين وسائل الإعلام ووسائل الإعلان فيما يختص بالدوافع والأهداف، إلا أن العلاقة بينهما وثيقة، بل هي علاقة عضوية، بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا يعمل بدونه. فما هي وسائل الإعلام؟ وما هو الإعلان؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟ وما هي النظريات المفسّرة لهذه العلاقة؟
ونظراً لاتساع هذا المجال وتشعب مساراته، فإن بحثه يستدعي تركيزه على وسائل الإعلام الرئيسية الثلاث، وهي الصحف، والإذاعة (الراديو)، والتلفزيون، وبجانب كل منها الإعلان، الذي يعتبر تخصصاً قائماً بذاته، له منظريه ومبدعيه، ومئات الآلاف من العاملين في حقله وميدانه، وفنونه ذات الفاعلية العالية. بل إن هناك من يعد الإعلان أكبر صناعة في العالم، نظراً لما يدور في فلكه من صناعات مساندة أو مكملة تنتشر منتجاتها في كل مكان، إبتداءً من الحاسبات، وأجهزة الراديو، والتلفزيون، والأشرطة، والتسجيلات، وانتهاءً بالأقمار الصناعية، واستوديوهات الإنتاج العملاقة. لكن المهم هنا هو نتيجة كل هذه العلاقات المتداخلة والمتطورة باستمرار، أو بعبارة أخرى الأثر الذي تتركه في المحصلة النهائية.
وظائف وسائل الإعلام الرئيسية
يمكن تحديد وظائف الاتصال الأساسية، ومنها وسائل الإعلام الرئيسية الثلاث، في الإعلام والتثقيف والترفيه والتربية والتعليم. وكل واحدة من هذه الوظائف تتفرع إلى العديد من التخصصات الدقيقة حسب أهداف الاتصال وحاجات المتلقين.
الصحف
قوة اجتماعية واقتصادية هامة في المجتمع، وهي قوة رئيسية في تشكيل الرأي العام، وبالتالي تؤثر بشدة على الجهود الوطنية والدولية من أجل التقدم الوطني والتفاهم العالمي. وقد تطورت الصحف من ورقة واحدة توزع محلياً إلى إنتاج متعدد الصفحات يوزع دولياً.
وقد ظهرت الصحف الأولى في ألمانيا في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي. ومع بداية القرن العشرين ظهرت الجمعيات المهنية الصحفية، وبدأ التطور التدريجي للصحف المملوكة من قبل الشركات المساهمة الكبرى، وتحولت الصحف إلى مؤسسات متكاملة، وظهرت وكالات تجميع الأخبار مثل يونايتد برس UNITED PRESS INTERNATIONAL، وأسوشيتد برس ASSOCIATED PRESS، ورويترز REUTERS. واعتمدت الصحف على مواردها من الإعلان في كل مراحل تطورها، إلا أن التلفزيون استولى على الحصة الأكبر من سوق الإعلان مما أثر على دخل الصحف التي تداركت الأمر وتمكنت من تطوير أساليبها في إنتاج وإخراج الإعلان، مما أعاد لها قيمتها الإعلانية المميزة.
وجمهور الصحف يتميز بكونه (غير أمي) لكن الصحف تنظر إلى القراء من خلال (مقروئيتها) أي أن القارئ الحقيقي في نظرها ليس من يجيد القراءة الهجائية، وإنما هو من يقرأ الصحيفة، وبالذات من يشتريها ليقرأها، لأنه في هذه الحالة سيدقق في محتواها باهتمام وتفاعل.
ا
لإذاعة (الراديو)
من الوسائل التي تخاطب حاسة واحدة بدرجة عالية الوضوح. ويصنف الراديو بأنه من الوسائل الساخنة التي تنجح في استثارة المستمع وتفاعله مع المادة أو الشخصية المذاعة. والراديو مثل الصحيفة يدعم الألفة بين المستمع والمحتوى، لأن مناخ الاستماع يخلق للمستمع عالماً خاصاً به... كما أن غياب مشاهدة الوقائع والأحداث والاعتماد على ما تنقله الوسيلة، يثير الخيال ليرسم الصورة الغائبة.
ويرى بعض الخبراء أن جمهور الراديو ليس متنوعاً كجمهور التلفزيون، فعندما اختفت شبكات الإذاعة الشبيهة بشبكة محطات التلفزيون الحالية بسبب استحواذ التلفزيون على أغلب النجوم والبرامج الجذابة، اختار الراديو التجزئة إلى محطات تخاطب جماهير محلية لكي يحافظ على بقائه.
وقامت المحطات بشكل منفرد بتطوير أنماط معينة من البرامج الموجهة إلى مجموعات مستهدفة من المستمعين.
التلفزيون
تعني كلمة تلفزيون المكونة من شقين TELE أي بُعد، VISION أي رؤية، الرؤية عن بُعْد، ويعد إمتداداً طبيعياً للعين، كما ويعد الراديو امتداداً طبيعياً للأذن.
ومن أهم خصائص التلفزيون انتفاء الحاجز اللغوي، حيث تصبح الصورة هي اللغة، والصورة بطبيعة الحال تخاطب مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية، إلا أن هذا الجهاز لا يخلو من ضعف، فهو يُعوِّد المتلقي على السلبية، ويقدم له الخبرة جاهزة، ولا يتيح له فرص التفكير وخوض التجارب بنفسه، كما أنه فرض ديكتاتورية التذوق، وخضع لضغوط مؤسسات المال وجماعات المصالح، والنظم المالكة له.
ويمكن للتلفزيون أن يمزج بين قدرات الأداء المسرحي الحي, وإمكانيات الفيلم الميكانيكية، وصوت الراديو، وتوجيه الجمهور، بالإضافة إلى قدراته الإلكترونية الخاصة. وبذلك يمكنه أن يستخدم أفضل الإمكانيات التي توفرت لوسائل الإعلام الأخرى، ويمزج التلفزيون بين الموضوعية والذاتية فيما يتعلق بالجمهور، فبوجود الكاميرا ومختلف الوسائل الإلكترونية، يستطيع كل من الكاتب والمخرج توجيه اهتمامات ومشاعر الجمهور وفق رؤيتهما الذاتية نحو حافز معين.
الإعلان
وظيفة الاتصال هي تحقيق الذيوع أو الانتشار أو الشيوع أو المألوفية لفكرة أو موضوع أو سلعة أو خدمة أو قضية، عن طريق انتقال المعلومات أو الأفكار أو الاتجاهات من شخص أو جماعة إلى أشخاص أو جماعات، باستخدام رموز ذات معنى موجود ومفهوم بنفس الدرجة لدى الطرفين، وهو ما لا يتم إلا إذا تحقق حد أدنى من التداخل بين مجال خبرة المرسل (المعلن) والمستقبلين يؤدي إلى إيجاد الفهم المشترك الموحد لمعنى الرسالة الاتصالية بين المرسل والمستقبل، والى إحداث الاتصال الحقيقي المبني على المعرفة المتبادلة المشتركة للرسالة بين طرفي عملية الاتصال.
وتبعاً لأهمية استخدام الإعلان عبر وسائل الاتصال الجماهيري، فإن المستفيدين منه طوروه وسخروه لتحقيق أهدافهم كل في مجاله. لذلك نجد أن أكثر المستخدمين له هم السياسيون والتجار, السياسيون في الإعلان السياسي، والتجار في الإعلان التجاري.
الإعلان السياسي
يعرف الإعلان السياسي بأنه العملية الاتصالية التي يدفع فيها المُعْلِن ثمناً مقابل ما يتاح له من فرصة في وسيلة إعلامية ليعرض فيها على الجماهير رسائل سياسية ذات هدف محدد ومقصود من أجل التأثير على مواقفهم وأفكارهم وسلوكهم.
ويعد الإعلان السياسي أكثر أنواع الاتصال السياسي تأثيراً على الشعوب والمجتمعات، حيث وظَّف كثير من القادة والساسة وسائط الاتصال لخدمة أهدافهم وتحقيق غاياتهم. ولذلك يُتَّهم هذا النوع من الاتصال بأنه السبب المباشر في كثير من المشكلات التي عانت منها الشعوب مثل؛ ظهور النازية التي نجحت في توظيف الإعلان السياسي والدعاية السياسية لخداع الجماهير، ومثل تسويق المرشحين كما تُسوَّق الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، والمبالغة في إعطائهم صفات لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
الإعلان التجاري
ويعرِّفه أحد الباحثين بأنه نشاط إداري منظم، يستخدم الأساليب الابتكارية لتعميم الاتصال الإقناعي التأثيري المتميز، باستخدام وسائل الاتصال الجماهيرية، وذلك في زيادة الطلب على السلعة المعلن عنها، وخلق صورة ذهنية IMAGE طيبة عن المنشأة المعلنة تتسق مع إنجازاتها وجهودها في تحقيق الإشباع لحاجات المستهلكين، وزيادة الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.
النظريات المفسِّرة للعلاقة والتأثير
اتفق كثير من علماء الإتصال على تقسيم المراحل التاريخية التي مر بها الفكر والتنظير عن تأثيرات وسائل الإعلام إلى ثلاث مراحل
مرحلة وسائل الإعلام قوية التأثير وتمتد من مطلع القرن العشرين حتى نهاية عقد الثلاثينات منه, حيث شاع الاعتقاد بأن وسائل الإعلام تتمتع بدرجة قوية من التأثير على جماهيرها, فإليها تُعزى قوة تشكيل الآراء والإعتقادات والاتجاهات, ولها القدرة على تغيير العادات, وتشكيل سلوك وتصرفات الجماهير حسب آراء القائمين على وسائل الإعلام. ولم يكن هذا الاعتقاد قائماً على أساس من البحث العلمي, وإنما كان قائماً على ملاحظة الشعبية المتزايدة لوسائل الإعلام السائدة في ذلك الوقت (
الإذاعة, والصحافة, والأفلام
ففي أوروبا كان استعمال الأنظمة الدكتاتورية لوسائل الإعلام خلال الحرب, وكذلك استخدامها من قبل النظام الثوري في روسيا بعد الحرب شاهداً على صدق ذلك الاعتقاد, وهو أن وسائل الإعلام ذات قوة جبارة, وهذا الاعتقاد هو سبب بداية البحث العلمي لتحديد تأثيرات وسائل الإعلام على الجماهير, باستخدام أبحاث علم النفس الاجتماعي وطرقها ومناهجها ونتائجها.
مرحلة اختبار قوة تأثير وسائل الإعلام حرصت الدراسات على معرفة الآثار الضارة المحتملة لوسائل الإعلام, خاصة فيما يتعلق باحتمال تشجيع الإعلام للإنحراف والجريمة والتعصب العرقي والعدوان والانحلال والإباحية. وفي البداية اهتم الباحثون بالتمييز بين أنواع التأثيرات الإعلامية الممكنة على الجماهير وذلك تبعاً لخصائصهم وصفاتهم النفسية والاجتماعية ثم تلا ذلك مرحلة اهتم فيها الباحثون بتأثير العوامل الوسيطة في العملية الإعلامية مثل دور الاتصال الشخصي ودور البيئة الاجتماعية للجمهور. أما المرحلة الأخيرة فقد أولى فيها الباحثون عنايتهم لدور وتأثير الأنواع المختلفة من الحوافز التي تحث أفراد الجمهور على استخدام وسائل الإعلام.
مرحلة إعادة اكتشاف قوة تأثير وسائل الإعلام حيث شكك عدد من الباحثين في نتائج الدراسات السابقة, وأكدوا أن لوسائل الإعلام تأثيرات اجتماعية هامة, وأنها وسيلة هامة لبسط النفوذ السياسي والاجتماعي في المجتمع. وقد كان أحد أهم أسباب عودة قوة تأثير وسائل الإعلام هو ظهور التلفزيون على الساحة الإعلامية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين كوسيلة إعلامية جماهيرية جديدة وقوية تتمتع بشعبية جماهيرية كبيرة تفوق سابقاتها من الوسائل الإعلامية الاخرى.