الصحابي الشاعر حميد ابن ثور الهلالي ومحبته للخليفة عثمان رضي الله عنهما
هو حميد (بالتصغير) بن ثور بن حزن بن عمرو بن عامر بن ابي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة القيسي المضري العدناني ...... ابو المثنى وهو شاعر مخضرم عاش في عصري الجاهلية والاسلام وعندما اسلم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال شعراً مشهوراً بحضرته تقوله الركبان في حلهم وترحالهم:
اصبح قلبي من سليمى مقصداً
ان خطأ منها وان تعمدا
حتى ارانا ربنا محمدا
يتلو من الله كتاباً مرشدا
فلم نكذب وخررنا سجدا
نعطي الزكاة ونقيم المسجدا
وعده ابن سلام في الطبقة الرابعة من الشعراء الفصحاء المخضرمين وقد غلب كل من هجاه في الجاهلية وكان في إسلامه له الدور المعلى في الدفاع عن الإسلام والمسلمين وناضل في شعره كل من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعراء المشركين .
توفي الشاعر المجيد والصحابي الجليل حميد الهلالي في حدود السبعين للهجرة النبوية على اصح الاقوال وقد بلغ الثمانين عاما او تجاوزها ويؤيد ذلك ما ذكره في شعره:
اتنسى عدواً ساراً نحوك لم يزل
ثمانين عاماً قبض نفسك يطلب
مكانة عثمان الخليفة رضي الله عنه عند الشاعر حميد الهلالي !!!
عثمان !! وما ادراك ما عثمان وما مكانته عند الشاعر حميد بن ثور الهلالي , هي نفس مكانة عثمان عند النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته له ولا تقل هذه المنزلة والمكانة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الجميع يكنون له حب وتقدير واحترام وقد علموا ان محبتهم لعثمان هي من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وان حبه ايمان وبغضه نفاق كما ورد في الاحاديث الشريفة الكثيرة في الصحابة الكرام .
عثمان !! في حكم خلافته الطويل الذي دام زهاء 12 سنة والذي فاق حكم من كان قبله ومن جاء بعده من الخلافاء الراشدين المهديين بالحق ابي بكر وعمر وعلي رضوان الله عليهم اجمعين هذا الحكم الذي توج باشرف الاعمال واجلها والذي جثم على صدور اعداء الاسلام جميعاً وبخاصة الفرس المجوس حتى خنقهم وقطع انفاسهم فاغاظهم وحنقوا عليه .. فهو الذي حكم الاكاسرة والقياصرة في البر والبحر حتى امتدت فتوحاته المجيدة الى نصف العالم القديم الى بخارى وسمرقند شرقاً والى قبرص وشمال افريقيا غرباً...
عثمان الذي تألبت عليه قوى الحشر والبغي والعدوان من السبأيين والمنافقين والمغرر بهم والحاقدين عليه من الجواسيس والغرباء والدخلاء من وراء الحدود والذين خاضوا معهم بجهل مع الخائضين .
عثمان !! رجل السلام الشجاع لا الضعيف الجبان كما كان يروج ذلك من مزوري التاريخ اهل الأهواء من الدجاجلة الشعوبيين والمخدوعين بهم هذا الخليفة الذي ابى ان تسفك دماء المسلمين من اجله كما صرح وامر هو بذلك وهو الذي منع ابطال الصحابة ان يشهروا سيوفهم للدفاع عنه وعلى راسهم سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه الذي لم يطمئن الى حالة حصاره الظالم من قبل هؤلاء فارسل ولديه وفلذه كبديه الحسن والحسين ليراقبوا الوضع عن كثب. ولكن ارادة الله حكمت ولا راد لحكمه ... كان موقف سيدنا علي وحميد بن ثور وغيرهما من الصحابة الكرام استجابة واطاعة لامر الخليفة المطاع في قول المولى تعالى : ( يا أيها الذين أمنو اطيعو الله وأطيعو الرسول وأولي الأمر منكم ) وكتب الله لعثمان الشهادة سنة 35 هجرية وكتب الله للغوغاء المتمردين الغادرين سوء العاقبة والمصير
خصائص شعر حميد بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه :
اشتهر شاعرنا حميد بن ثور الهلالي برثائه الصادق لسيدنا ذي النورين عثمان رضي الله عنه بعد استشهاده وهو يقرأ القرآن في حدث مأساوي شنيع بكاه شعراً يفيض باصدق المشاعر ولا يقل رثاءه هذا عن صدق مشاعر الخنساء في جاهليتها نحو اخيها صخر .
وهو يعلم ان امير المؤمنين ذهب ضحية فتنة دبرها المغامرون المغرر بهم ومن وراءه اليهود حيث تألبت عليه جميع عناصر الشر المعادية وتحزبت ضده واخذت تؤلب المسلمين من سكان الانصار المختلفة عليه الى ان كانت حكاية الخطاب السري المزور فحاصره المتمردون ودخلو عليه وهو يقرأ القران وقد صام يومه وقد منع هذا الخليفة المسالم انصاره من الصحابة ان يشهروا سيوفهم ليدافعوا عنه خشية ان تتسع دائرة الفتنة فيذهب الكثيرون ضحيتها بسبه .. ولما وقعت الواقعة المفجعة التي ختمت باستشهاده حزن المؤمنون الصادقون واسترجعوا وحوقلوا ورثاه كثير من شعراء الصحابة ومنهم الشاعر حميد الهلالي بمرثية تعتبر من اروع ما قيل في الشعر العربي فهو بعدما عدد مناقب الخليفة الشهيد وتحدث عن صفاته النادرة التي لا تصلح لاحد سواه من الجود والكرم المفرط في سبيل الله فهذا حميد الشاعر يبدأ بالقسم على انه لم ينكر معروف عثمان على الامة الإسلامية ويلتفت الى اهل يثرب مقرعاً اياهم بانهم غير طريق الهدى سلكوا فظعنت الخلافة عنهم وولت وسيرت الى غيرهم جزاء ما اقترفت يداهم وفعلو ما فعلو بصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة المسلمين عثمان فيقول :
ان الخلافة لما اظعنت ظعنت
عن اهل يثرب اذ غير الهدى سلكوا
صارت الى اهلها منهم ووارثها
لما راى الله في عثمان ما انتهكوا
السافكي دمه ظلماً ومعصية
اي دم لا هدوا من غييهم سفكوا
ويدافع حميد بعد ذلك عن الخليفة ويصف ما قام به المتمردون الغادرون بانه ظلم ومعصية فيقول:
اني ورب البرايا في مشاعرها
وحيث يقضي نذور الناس والنسك
ورب كل منيب بات مبتهلاً
يتلوا الكتاب اجتهاداً ليس يترك
ويشير الشاعر في هذه القصيدة الى مقولة ابن عباس رضي الله عنه التي قالها بعد استشهاد عثمان : (والله !! قد سل سيف في الاسلام لا يغمد الى قيام الساعة) وبهذا المعنى يقول :
والفاتحي باب قفل لا زال به
قتل بقتل الى دهراً ومعترك
والخيل عابسة نضح الدماء بها
تنعي ابن اروى على ابطالها الشكك
قد نالها جلهم حصر بمحصرة
ونال فتاكهم فتك بما فتكوا
رواية شعر حميد :
لقد مر شعر حميد قبل تدوينيه في عدة مراحل مثله مثل اي شعر أخر ويرجع لاهتمام بتدوين شعر حميد الهلالي الى أواخر القرن الثاني الهجري وحفظت لنا كتب القرنين الثالث والرابع الهجريين طائفة كبيرة من شعره وأخباره فتناقل الرواد شعر حميد بن ثور ومنهم : الأصمعي وابن السكيت والمفضل الضبي ويونس ابن حبيب وخلف الأحمر وحماد الراوية وغيرهم فرضي الله عن حميد الشاعر الصحابي المجاهد وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين وخليفتهم عثمان كل خير وحشره الله مع من احب من النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا..