تلك الواقعة منقولة من أرشيف محاضر قسم شرطة (حي الظاهر) ب(القاهرة) طيار حربي شاب يدعى (أشرف) تعرف علي فتاة تدعى (سهير) بشاطئ (ميامي) ب(الإسكندرية) في صيف 1955.. كانت تعمل مدرسة لغة فرنسية في إحدى المدارس الثانوية بمدينة (دمنهور) حيث تعيش أسرتها.. تقدم الطيار لخطبة الفتاة..ووافقت أسرتها..وتم الزواج بعد ثلاثة أشهر.. وعاش العروسان في شقتهما بإحدى عمارات شارع (شبرا) ب(القاهرة).. وقبل بداية العام الدراسي الجديد كانت كل إجراءات نقل العروس إلي القاهرة قد تمت.. وانضمت إلي هيئة تدريس إحدى المدارس الثانوية بحي (الظاهر).. وعاش العروسان في سعادة جمة لمدة شهرين.. لكن القدر كان شديد القسوة ولم يشأ أن تستمر سعادة العروسين المتحابين.. لقي العريس مصرعه أثناء قيامه بتدريب أحد الطيارين الجدد.. انفجرت الطائرة واحترقت إثر اصطدامها بالأرض..واحترق هو وتلميذه في داخلها.. وبعد انتهاء ليالي العزاء والحداد رفضت الأرملة المكلومة العودة مع والديها إلي (دمنهور).. وأصرت علي البقاء في (القاهرة) حتى نهاية العام الدراسي..خشية أن يتم فصلها..فوافق والدها علي مضض بعد أن طمأنه الجيران بأنهم سيعتنون بها ولن يتركوها وحيدة.. وقبل مرور أربعين يوما علي الحادث خلعت الأرملة ثياب الحداد.. وبعد أسبوع امتنعت عن الذهاب إلي المدرسة.. وأغلقت باب الشقة من الداخل بالمفتاح ولم تعد تفتحه لأحد.. بدأ الجيران يشعرون بالقلق.. دقوا بابها فردت بأنها لا تريد أن تلتقي بأحد.. حاولوا عدة مرات إقناعها بالخروج من اعتكافها ولكنها أبت.. فأبلغوا أسرة زوجها الراحل الذين حاولوا بدورهم إخراجها من هذا السجن الاختياري الذي وضعت نفسها فيه بلا جدوى.. كان الحوار يجري معها من خلف الباب المغلق وكان ينتهي دائما بأن تتركهم يدقون الباب حتى ييأسوا.. وذهب والد الزوج إلي أسرتها في (دمنهور).. وأخبرهم بقصة ابنتهم..وجاء معه والداها إلى (القاهرة).. وتجمع الجيران..وفي مواجهة إصرارها علي عدم فتح الباب جن جنون والدها فضرب الباب بكتفه عدة مرات حتى انفتح.. ودخلوا.. وقفت الفتاة تنظر إليهم وهي ترتعد خوفا.. كانت ترتدي قميص نوم شفافا وتحته لاشيء.. وبدت تفاصيل جسدها واضحة.. فتراجع والدها ووالد زوجها والجيران..واندفعت أمها نحوها لتستر جسدها بمفرش منضدة السفرة.. وانهارت الشابة.. أصابتها هستريا.. وراحت تصيح من خلف دموعها:
فارقت الحياة وسط ذهول الجميع
لقد حذرني من فتح الباب..لقد حذرني من فتح الباب وصرخ الأب: من الذي حذرك؟ فقالت بصوت متهدج: زوجي.. إنه يزورني يوميا.. إنه يعشقني ويلبي كل مطالبي.. وأنا مازلت أعشقه..ومازلت زوجته.. ثم برقت عيناها وهتفت: ها هو..لقد جاء يأخذني معه..سأرحل معه..وداعا.. ومدت الفتاة يدها نحو الفراغ..ثم سكتت عن الكلام..وانتفض جسدها بين ذراعي أمها الباكية.. وفارقت الحياة وسط ذهول الجميع.. واندفع والدها المكلوم كالثور الهائج يفتش في كل مكان داخل الشقة فلم يعثر علي أحد.. فقط وجد ملابس الزوج الراحل ملقاة بإهمال بجانب سرير غرفة النوم... كان حادثا مروعا عجز الأهالي عن استيعابه.. فصاروا يضربون كفا بكف..واكتفوا بالقول إنه..(عفريت)