بعد أن امتلكت القوى الكبرى في العالم مقدرات الناس على الأرض انطلقت لتبسط يدها على أجواء الفضاء ممتطية صهوة المؤسسات الدولية،فقامت بتقسيم مناطق النفوذ في مدارات الفضاء خاصة فيما يتعلق بالمدار الاستوائي الثابت المخصص لأقمار البث الإعلامي والذي قام الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) بتقسيم مداراته إلى قطع دائرية،خصصت للدول بحسب قدراتها التكنولوجية والاقتصادية.
وعلى سبيل المثال فإن دولة مثل كندا خصصت لها القطعة الدائرية من خط 104,5 درجة غرب وحتى خط 117,5 درجة غرب،وقد قامت كندا بوضع خمسة أقمار في هذه القطعة الدائرية على المدار، ومن أمثلة الأقمار الصناعية التي تم وضعها في هذا المدار القمر الصناعي المصري الأول والثاني. و لمعرفة سبب هذا التقسيم لابد من الإلمام بعض الشيء بالمدارات الفضائية ، ولتوضيح ذلك نتذكر أن المدار هو مسار القمر الصناعي حول الأرض، وهذا المدار قد يأخذ أشكالًا مختلفة، ويتحدد اختيار المدار حسب المهمة المطلوبة من القمر الصناعي، فإذا كانت مهمة القمر إعلامية مثل القمرين المصري والبرازيلي فإن على الدولة المطلقة أن تلتزم بالقطعة الدائرية المخصصة لها، أما إذا كانت المهمة غير ذلك؛ فالفضاء مفتوح لكل من يرغب في استثماره.
وفي هذا المقال نأخذ جولة في مدارات الفضاء لنعرف خصائص كل منها والأقمار التي تدور فيها ولنبدأ بأكثر تلك المدارات استخداما وهو:
(1) المدار الدائري الاستوائي الثابت بالنسبة للأرض: (Geostationary orbits):
في هذا النوع من المدارات يكون القمر الصناعي ثابتًا بالنسبة للأرض، وبالتالي فإن القمر الصناعي يظل فوق نقطة معينة فوق سطح الأرض دائمًا؛ ولذلك تستخدم هذه الأقمار في أغراض الاتصالات والبث الإعلامي، ولتوضيح سبب ثبوت القمر بالنسبة للأرض نتذكر أن سرعة القمر الصناعي في المدار الدائري تتناسب عكسيًّا مع ارتفاع المدار عن سطح الأرض فكلما زاد ارتفاع المدار عن سطح الأرض تقل سرعة دورانه حول الأرض حتى نصل إلى ارتفاع 36000كم عن سطح الأرض حيث تكون سرعة دوران القمر الصناعي في المدار مساوية تمامًا لسرعة دوران الأرض حول نفسها، وبالتالي فإن القمر يظل ثابتًا بالنسبة للأرض؛ ويجب ملاحظة أن هذا المدار يقع في المستوى الاستوائي للأرض، وهو المستوى العمودي على محور دوران الأرض.
عند وضع الأقمار الصناعية في هذا المدار يجب مراعاة ألا تقل المسافة عن حد معين حتى لا يحدث تداخل بينها في الموجات المنقولة من وإلى الأقمار الصناعية المتجاورة لذا قامت الهيئة الفيدرالية للاتصالات بالولايات المتحدة الأمريكية(FCC) بتحديد هذه المسافة بأن لا تقل عن درجتين على خطوط الطول وذلك للأقمار التي تستخدم النطاق الترددي C &Ku والتي تتعامل مع محطة أرضية وحيدة أما الأقمار التي تتعامل مع محطات استقبال فتكون المسافة بينها 9 درجات على خطوط الطول، وتتم عملية إطلاق القمر الصناعي إلى مداره الدائري الاستوائي الثابت بالنسبة للأرض على عدة مراحل؛ حيث إنه لا يمكن إطلاق صاروخ من على الأرض يمكنه الوصول إلى هذا الارتفاع الشاهق (36000كم).
وتبدأ عملية الإطلاق باستخدام صاروخ إطلاق يقوم بوضع القمر الصناعي في مدار دائري قريب من الأرض، يتراوح ارتفاعه من أقل من 500كم إلى ما يزيد على 1000كم. بعد استقرار القمر الصناعي في هذا المدار القريب من الأرض تقوم أجهزة الدفع الموجودة داخل القمر الصناعي نفسه بإعطاء دفعة قوية للقمر الصناعي، تنقله من هذا المدار الدائري القريب إلى مدار بيضاوي أقل ارتفاع له هو المدار الدائري القريب، وأقصى ارتفاع له هو 36000كم. وبعد استقرار القمر الصناعي في هذا المدار البيضاوي،وعندما يكون القمر الصناعي على ارتفاع 36000كم تقوم أجهزة الدفع مرة أخرى بإعطاء دفعة أخرى للقمر الصناعي تنقله من المدار البيضاوي إلى المدار الدائري الاستوائي.
وقد أطلقت كل من مصر والبرازيل قمرًا صناعيًّا؛ لأغراض البث الإعلامي في السابع عشر من أغسطس الماضي،وقد تم إطلاق القمرين على صاروخ واحد من طراز آريان، ولعل أهم ما يميز هذا النوع من الأقمار هو أنها جميعا تطلق في مدار واحد في الفضاء المحيط بالأرض بخلاف الأنواع الأخرى من الأقمار والتي قد يطلق أي منها في أي مدار حول الأرض. وبالتالي أصبح هذا المدار الوحيد محلا للتسابق عليه.
(2) المدارات الدائرية المنخفضة الارتفاع: (Low Earth Orbits):
وخلال هذه المدارات يطير القمر الصناعي في مدار على شكل دائرة يقع مركز الأرض في مركز هذه الدائرة، ويتراوح ارتفاع القمر الصناعي عن سطح الأرض ما بين 200كم وحتى 1000كم. وتستخدم الأقمار الصناعية التي تدور في هذه المدارات في أغراض تصوير الأرض للاستشعار عن بعد أو للتجسس أو للأبحاث العلمية، ويتميز هذا النوع من المدارات بأن سرعة دوران القمر الصناعي أكبر من سرعة دوران الأرض حول نفسها، وبالتالي فإن القمر الصناعي لا يثبت فوق مكان بعينه على سطح الأرض، وإنما يمر فوق هذا المكان كل فترة معينة يتم اختيارها وتحديدها أثناء تصميم مهمة القمر الصناعي، فمثلاً من الممكن اختيار متغيرات التصميم لمهمة القمر الصناعي بحيث يمر القمر الصناعي في مثل هذه المدارات فوق مكان معين كل ثلاثة أيام، وأثناء مرور القمر الصناعي فوق هذا المكان يقوم القمر الصناعي بتصوير هذا المكان أو إرسال واستقبال بيانات من وإلى محطة أرضية في هذا المكان. وبالتالي من الممكن لمثل هذا القمر أن يقوم بالتقاط صورة لمكان معين، ثم إعادة إرسالها لمحطة أرضية في مكان آخر! في هذه الحالة يلتقط القمر الصناعي صورة لنفس المكان كل فترة معينة ولتكن ثلاثة أيام، وللحصول على صور يومية يمكن إطلاق ثلاثة أقمار، يقوم كل منها بالتصوير في يوم مختلف لأيام تصوير القمرين الآخرين، وهو ما يسمى بتشكيلات الأقمار الصناعية، وفي تشكيلات الأقمار الصناعية يتم إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية لتقوم مجتمعة بأداء مهمة معينة، كالتصوير من أجل التجسس أو للأبحاث العلمية أو للاستشعار عن بعد.
وحديثًا بدأ الاتجاه نحو استخدام تشكيلات الأقمار الصناعية لأغراض الاتصالات.
ومن أمثلة الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في مدارات دائرية منخفضة الارتفاع: القمر UOSAT1 والقمر UOSAT5 اللذان أنتجتهما جامعة Surry الإنجليزية؛ وكذلك القمر الكوري Kitsat1؛ والأقمار الثلاثة السابقة تستخدم لأغراض تصوير الأرض.
(3) المدارات البيضاوية: (Elliptic Orbits):
وخلال هذه المدارات يطير القمر الصناعي في مدار بيضاوي الشكل، يقع مركز الأرض في إحدى بؤرتي هذا الشكل البيضاوي؛وبالتالي فإن القمر الصناعي يكون قريبًا جدًّا من سطح الأرض على ارتفاع حتى 200كم في أقرب نقطة على المدار من سطح الأرض، ثم يأخذ القمر الصناعي في الارتفاع عن سطح الأرض أثناء سيره في المدار؛ حتى يصل إلى أقصى ارتفاع له والذي قد يصل إلى عشرات الألوف من الكيلو مترات، ثم يأخذ في الانخفاض حتى يصل إلى أقل ارتفاع له وهكذا.
وتستخدم مثل هذه المدارات لأغراض مختلفة؛ فيمكن إطلاق أقمار في مدارات بيضاوية لأغراض الاتصالات، ويمكن استخدام هذا المدار كمدار انتقالي ينتقل خلاله القمر الصناعي من مدار ذي ارتفاع منخفض إلى مدار ذي ارتفاع أعلى.