الزعيم
عضو مبدع
الجنس : العمر : 45 المدينة المنورة التسجيل : 21/10/2011 عدد المساهمات : 177
| موضوع: ::¦¦★¦¦:: القدس : الموقع والتاريخ والحضارة ::¦¦★¦¦:: الخميس 22 ديسمبر 2011, 1:28 pm | |
|
القدس : الموقع والتاريخ والحضارة
الموقع القدس مدينة عربية من المدن المعروفة منذ أقدم عهود التاريخ ويبلغ عمرها نحو 35 قرناً ، وقد أقيمت نواتها الأولى على بقعة جبلية، هي جزء من جبل القدس التي تمثل السلسلة الوسطى من العمود الفقري للأراضي الفلسطينية, ترتفع نحو 750م عن سطح البحر ونحو 1150م عن سطح البحر الميت، وهي ذات موقع جغرافي هام لأنها نشأت على هضبة القدس والخليل وفوق القمم الجبلية وهي حلقة من سلسلة تمتد من الشمال إلى الجنوب فوق القمم الجبلية للمرتفعات الفلسطينية ، وترتبط بطرق رئيسية تخترق المرتفعات من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب وهناك طرق عرضية تقطع الطرق الرئيسية لتربط وادي الأردن بالساحل الفلسطيني ومن بينها طريق القدس - أريحا وطريق القدس يافا وتبعد مسافة 22 كم عن البحر الميت و52 كم عن البحر المتوسط . وترجع هذه الأهمية أيضاً الى مركزية موقع القدس بالنسبة الى فلسطين والعالم الخارجي. ينتمي مناخ القدس الى إقليم البحر المتوسط، ويتأثر بالعامل الطبوغرافي وبعامل القرب من البحر المتوسط ويتراوح معدل الحرارة الشهري ما بين 7-9 درجة في شهر كانون الثاني و25 درجة في شهر آب، ومعدل سقوط الأمطار على مدينة القدس 551 ملم في السنة. ويتركز نحو 70% من الأمطار السنوية في فصل الشتاء (كانون الأول وكانون الثاني وشباط). ويتراوح المتوسط الشهري للرطوبة النسبية في القدس ما بين 38% في شهر نيسان و 72% في شهر كانون الثاني.
التاريخ القدس الأولى أسسها العموريون في الألف الثالث قبل الميلاد ، وسكان القدس هم العموريون وهم سكان كنعان الأصليين، ولغة العموريين هي الكنعانية وان الكنعانيين انبثقوا من العموريين . وأول اسم ثابت لمدينة القدس هو (اوروسالم ) أو (أوروشالم ) وهي تعني اسسها (سالم). وقد تلى العموريين في سكنى المدينة (اليبوسيون) خلال النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد وأطلق على (اوروسالم) اسم يبوس وهو الإسم الثاني لمدينة القدس. وأن اليبوسيين هم بطن من الكنعانيين وهم الذين بنوا في (يبوس) قلعتها التي سموها (قلعة صهيون) وصهيون كلمة كنعانية تعني (مرتفع)، لذلك نجد الإسم يطلق على اكثر من مرتفع في سوريا القديمة .
وقد كانت (يبوس)، (سالم)، (اوروسالم)، واحدة من المدن الكنعانية الكثيرة التي نشأت في ارض كنعان، والصورة الشاملة لحضارة فلسطين القديمة في الألفي سنة التي سبقت ظهور العبرانيين على مسرح الأحداث هي صورة الحضارة الكنعانية. وكان اليبوسيون قد بنوا هيكلاً لإلههم (شالم) في مدينتهم قبل هيكل العبرانيين بأكثر من الف عام وهم أول من جعلوا المدينة مقدسة.
ويتكرر اسم(وورشاليم) في العصور التاريخية حتى بعد ان استولى عليها اليهود في الالف الاول قبل الميلاد. كما تردد ذكراسمها بعد ان فتحها (نبوخذ نصر) الكلداني عام 586 ق.م.ودمرها وسبى اليهود الى بابل ( السبي البابلي). وكذالك بقي اسمها على ما هو عليه بعد دخول (الاسكندر المقدوني) عام 332 ق. م. وخلفائه البطالمة والسلوقيين. الى ان جائها الرومان ودمروا المدينة عام 63 ق.م. بقيادة (بومبى). ومرة اخرى تم حرقها على يد القائد الروماني (تيتس) سنة 70م. ومرة ثالثة زمن(هارديانوس) سنة 135م, دمرها واسس مكانها مستعمرة اطلق عليها (ايليا كابيتوليا). ثم قامت والدته (هيلانة), ببناء الكنائس فيها وأعادت اليها اسمها(اورشاليم).
اما اسم القدس او(بيت المقدس), فقد بدأ عندما دخلها المسلمون عام 636م وتسلمها الخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه), بعد ان اعطى اهلها الامان على دينهم وممتلكاتهم. وعرفت في التاريخ باسم (الوثيقة العمرية). التي دلت على تسامح الدين الاسلامي, مع الطوئف المسيحية. وقد جاء في الوثيقة (هذا عهد مني انا عمر بن الخطاب...ليكن الامان عليهم وعلى كنائسهم وديانتهم وكافة ديارهم التي بيدهم داخلا وخارجا. وهي القيامة وبيت لحم مولد عيسى عليه السلام, الكنيسة الكبرى والمغارات ذات الابواب الثلاث, وبقية اجناس النصارى الموجودين هناك. وهم الكرج والحبش والذين يأتون من الافرنج والقبط والسريان والارمن والنساطرة واليعاقبة والموارنة...وكل من قرأ مرسومنا هذا من المؤمنين وخالفه, من الان الى يوم الدين فليكن لعهد الله ناكثا ولرسوله الحبيب باغضا"). وأخذ العنصر العربي ينمو وينتشر بسرعة وعاد الى المدينة طابعها العربي.
احتل الفرنجة (الصليبييون) القدس سنة 1099 م وارتكبوا فيها المجازر البشعة الأمر الذي يتناقض تناقضاً صارخاً مع تسامح عمر بن الخطاب عندما دخل المدينة ولم يبق حكم الصليبيين في القدس أكثر من 88 سنة الى ان انهارت مملكتهم في معركة حطين سنة 1187 على يد صلاح الدين الأيوبي ودخل القدس وسمح للفرنجة بمغادرتها بسلام. وامتازت معاملة صلاح الدين بالإنسانية وسمح للمسيحيين الشرقيين بالبقاء في المدينة. وبعد صلاح الدين دخلت القدس تحت سيطرة المماليك سنة 1253 م الى ان دخلها العثمانيون وأنهى السلطان سليم العثماني حكم المماليك بعد ان انتصر عليهم في معركة (مرج دابق) سنة 1516 م .
وبقيت القدس تحت الحكم العثماني حتى عام 1917 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أدت الى هزيمة تركيا ودخلت فلسطين في ذلك العام تحت الحكم البريطاني. وبدأ التغلغل الاستعماري في البلاد وجرّ معه ازدياد الهجرة اليهودية وتفاقم عدد اليهود في القدس تدريجياً وهيأ الحكم البريطاني الظروف لسيطرة الصهاينة على الجزء الاكبر من فلسطين.
الحضارة شهدت مدينة القدس تطوراً حضارياً متصاعداً وعلى جميع الأصعدة رغم النكبات المتتالية التي لحقت بها جراء الغزوات. وقد عاشت المدينة اوج حضارتها خلال العهد الاسلامي, ودخلت في عصرها الذهبي, واصبحت ابرز المناطق الهامة في الامبرطورية الاسلامية. التي امتدت من الاطلسي الى السند. وكانت السند الديني والموقع الاقدس في اعين الخلفاء, حيث سادت فيها الحركة الدينية الكاملة, وازدهر العمران والتطور الاقتصادي وانتشرت فيها المساجد وتم بناء المسجد الاقصى وقبة الصخرة.
وبنايات القدس القديمة متلاصقة تفصل بين مجموعاتها حارات او شوارع مرصوفة بالحجارة ومسقوفة بعقود تربط المباني على جانبيها, أما سقوف المنازل مبنية من الحجر الخالص بشكل أقواس أو قباب. بدأ البناء يمتد خارج السور منذ أواخر القرن الماضي وأخذت المدينة تنمو في اتجاه الشمال الغربي ونحو الغرب باتجاه مدينة يافا.
بعد نكبة 1948 وانفصال القدس الجديدة عن القديمة، اتسعت المدينة القديمة بسرعة نحو الشمال الشرقي وامتدت الحياة مع شرايين الطرق الرئيسية واستأثرت طريق القدس - رام الله بالأحياء الراقية (الشيخ جراح, شعفاط، بيت حنينا). في حين امتدت الأحياء الشعبية شرقاً على طريق القدس - عمان وجنوباً على طريق القدس - بيت لحم. أما القلب التجاري فإنه تركز في شارعي باب العمود وصلاح الدين. وقد تعرض كثير من المباني في القدس القديمة للتدمير بعد احتلال عام 1967 على يد سلطات الإحتلال. أما القدس الجديدة فإن نموها اصبح مقصوراً على الإتجاه نحو الغرب وبنيت فيها العمارات الضخمة الاسمنتية التي تخلو من عبق التاريخ, لاستيعاب اكبر عدد من المهاجرين الصهاينة ، وخطط المركز التجاري ليزحف نحو الشمال الغربي في اتجاه حي (روميما) في حين خطط للدوائر الرسمية ان تكون امتداداً للحي التجاري نحو الجنوب التي تضم الجامعة العبرية والمكتبة العامة والمتحف والمؤسسات الأخرى وهناك حزام أخضر من الأشجار والمنتزهات والملاعب بالضواحي من الجهة الغربية .
لقد تنوع التركيب الوظيفي والحضاري لمدينة القدس ، عبر العصور فقد جمعت بين الوظائف الإدارية والأبنية السياحية والتجارية والزراعية وغيرها. وسنتناول هذه الوظائف ببعض التفصيل:
1- الوظيفة الإدارية: اتخذت القدس عاصمة سياسية وروحية منذ أقدم عهود التاريخ منذ عهد اليبوسيين مروراً بالرومانيين فعلى سبيل المثال في العهد العثماني كانت مركزاً لسنجق القدس. واتخذت كعاصمة لفلسطين في عهد الانتداب البريطاني ومركزاً لقضاء القدس، وبعد عام 1948 أصبحت القدس العربية العاصمة الروحية للأردن ومركزاً لمحافظة القدس في حين جعلت إسرائيل القدس الجديدة عاصمة لها وفي عام 1967 أخضعت المدينة كلها للاحتلال الذي أعلنهاعاصمة له.
2- الوظيفة الدينية: مارست القدس وظيفتها الدينية منذ نشأتها الأولى عندما قام اليبوسيون ببناء معابدهم لممارسة شعائرهم الدينية ، وفي عام 335م جاءت الى القدس الملكة هيلانة أم قسطنطين الإمبراطور الروماني وبنت كنيسة القيامة التي يحج إليها المسيحيون من مشارق الأرض ومغاربها، وتنتشر في جبل الزيتون (الطور) الكنائس والأديرة مثل كنيسة (الجثمانية) ومغارة الجثمانية، وكنيسة الصعود وكنيسة مريم، وتمر بجبل الزيتون المواكب الدينية المسيحية أثناء احتفالات عيد الفصح المجيد التي تبدأ من قرية بيت فاجه وتنتهي في كنيسة القيامة مروراً بطريق الآلام، وفي القدس ما يقرب من مائة بناء أثري وديني فيها المساجد والمدارس والزوايا والتكايا والترب والتحصينات، وقد نشأت هذه المخلفات الحضارية في المدينة في العصور الإسلامية فقد كانت القدس قبلة المسلمين الأولى ومنها كان معراج الرسول. ان قبة الصخرة اقدم المباني وأنفسها وأكثرها جمالاً بناها عبد المللك بن مروان الخليفة الأموي عام 691م .
ان وجود العدد الكبير من المدارس والزوايا والتكايا والحدائق التي يرجع تاريخها الى القرن السابع والثامن والتاسع للهجرة يدل دلالة واضحة على ان مدينة القدس كانت في تلك الأزمنة مركزا للثقافة الإسلامية فضلاً عن مكانتها الروحية فالمسلمون كانوا يفدون اليها من جميع الأقطار الإسلامية وكانوا يأتون اليها بدافع العلم والمعرفة. وقد اهتم مؤسسوهذه المباني بوقف الأراضي والعقارات لينفق ريعها على هذه الدور والمعاهد والمؤسسات بما يضمن استمرارها وبقائها.
3- الوظيفة السياحية: المدينة المقدسة محط أنظار سكان العالم اجمع يؤمها السياح من مختلف أنحاء العالم لزيارة المقدسات والآثار. وقد انتعشت الصناعة السياحية التي تدر ربحاً على العاملين فيها من سكان المدينة وكانت هذه الصناعة قبل 1967 تساهم بقسط وافر في الإيرادات السياحية للأردن وهي الآن مورد رئيس هام للاقتصاد الإسرائيلي.
4- الوظيفة الصناعية: تقوم في القدس العربية صناعة خفيفة واهمها صناعة خشب الزيتون السياحية بالإضافة الى صناعة الغزل والنسيج والخزف والحلويات والمشروبات والأثاث والبلاستيك والسجائر، وبعد الاحتلال عام 1967 لجأت سلطات الاحتلال الى منع إنشاء صناعات عربية جديدة, والى المشاركة في رأسمال المشروعات الصناعية العربية الكبيرة خدمة للاقتصاد الإسرائيلي. وقامت في القدس ثلاث مناطق صناعية الأولى في جبل الزيتون والثانية في شمال شرق المدينة (في عناتا) والثالثة في قلنديا.
5- الوظيفة التجارية: استفادت القدس من موقعها الجغرافي الذي جعلها مركزاً تجارياً عبر العصور التاريخية وساهمت الحركة السياحية في تنشيط الحركة التجارية.
ان الحفاظ على التراث المعماري الاسلامي في مدينة القدس هو تجسيد لاصرار الامة الاسلامية والعربية على البقاء في ركب الحضارة الانسانية العالمية. وهي بهذه المحافظة تترك للعالم حضارة عظيمة, ومدرسة معمارية مميزة على مدى التاريخ. ففي القدس ثروة معمارية وحضارية لا تقدر بثمن. فكل حجر في القدس يحكي تاريخا عربيا مجيدا.
ونتيجة لمكانة القدس الدينية والتاريخية, فقد تم ضم القدس القديمة ضمن قائمة التراث العالمي المهددة بالخطر, بسبب ممارسات سلطات الاحتلال في المدينة المقدسة. وأصبح واجبا على منظمة(اليونسكو) بموجب اتفاقية حماية التراث العالمي, مد يد العون المادي والمعنوي لترميم المعالم التاريخية المهددة بالخطر.
| |
|