كيف يعيش أهل مكة موسم الحج؟
كلما ذكرت مكة كان الحج أول ما يتبادر إلى الأذهان، فمكة تعيش على وقع هذه الفريضة منذ أقدم الأزمان، وأهلها ينتظرون الموسم طول العام، بعضهم يجتهد فيهلإكرام ضيوف الرحمن، وبعضهم يسعى ليستفيد من السوق الضخمة التي يفتحها هذا الموسم.
ولكن تطور الزمن ودخول رجال الأعمال في الساحة حوّل الحج بالنسبة لأهل مكة من موسم روحاني يتقربون فيه بخدمة الحجيج ويجلبون منه منافع تعم كل القاطنين، إلى موسم أعمال وتجارة لا يميز فيها الحاضر من البادي.
يقول المطوف سمير برقة إن معظم أهل مكة لم يعد لهم اليوم دور ولا وجود في الحج، لأن جهات عديدة دخلت على الساحة، ففقد الحج (وجهه العائلي الحميم) بين الحجاج وخادميهم.
المطوف
ومع أن معظم أهل مكة يخدمون الحاج منذ القدم، فقد اختصت طائفة منهم بشؤون الحج عرفوا بـ(المطوفين)، وهم الذين كانوا يستقبلون الحجاج في بيوتهم، ويعدون لهم الطعام، ويرافقونهم في المشاعر وإلى الحرم، ويلقنونهم التلبية في مسيرة تعبر حارات مكة باتجاه الحرم.
وفي مكة اليوم أكثر من 12 ألف مطوف ومطوفة، لديهم تنظيمهم المعترف به، ويعدون دورات تدريبية للحجاج، ولديهم علاقة قوية بالدولة وتنظيم الحج.
ولكن سمير برقة -الذي استقبل الجزيرة نت- يتحسر على أيام الطوافة الزاهرة، ويرى أن المطوف اليوم لم يعد يلتقي بحجاجه، فأصبحت علاقته بهم علاقة تجارية بعدما كانت (علاقة عائلية)، وأصبح (مجرد مدير مكتب)، ويتعامل مع الحجاج (وكأنهم أرقام).
وعندما يتذكر برقة أيام كانت أمه تطبخ للحجاج بيدها، يتداعى إلى ذاكرته كثير من الطرف، منها يوم طبخوا اللحم لما طلب حجاج تونس (عظمة) في الإفطار.
وكان المطوف يبني (مركازه) مكتبه، ويبني للحجاج مخيما، يشارك الحي أو الحارة في بنائه وخدمة الزوار، ويهنئون المطوف على وصول الحجاج.
ويقول برقة إن جل أهل مكة اليوم لم يعد موسم الحج يعني لهم الكثير، إذ خرج أغلبهم إلى الضواحي البعيدة عن الحرم، وأصبح مركز المدينة أبراجا وفنادق تتعامل مع الحجاج كسياح.
ونبه إلى أن بعض أهل مكة ما زالوا يحتفظون ببعض عادات الزمن القديم، ويسعون في خدمة الحجيج، بعدم مضايقتهم في الحرم، إذ يتوقف كثير منهم عن زيارته في فترة الحج وأيام رمضان.
عادات بمكة
ويتذكر مكي آخر -اسمه محمد ولكنه فضل عدم التعريف بنفسه، ورفض التصوير- يتذكر وجها آخر من أوجه الحج، أيام كان يخرج كل مكة إلى المشاعر، إما للحج وإما لخدمة الحجاج هناك، وما كان ينبغي لرجل أن يتخلف في البلد.
ولا يبقى في مكة يوم التروية وعرفة غير النساء، وأي رجل يرينه في مكة يوبخنه، في أغنيتهن المعروفة (يا قيس يا قيس.. قوم أذبح التيس، كل الناس حجوا وانت ما حجيت).
ويتجمع النساء في الحرم صائمات عرفة مع أبنائهن، وكان ذلك في الماضي لغرض نظيف، أما اليوم فيخرجن للطواف والصلاة حتى يصلين العشاء.
أما الرجال فلا يعودون إلا يوم العيد للطواف بالنسبة للحجاج، وللسلام على أهلهم قبل أن يعودوا إلى خدمة الحجاج في المشاعر بالنسبة للباقين.
أما اليوم فقد اختفت عادة خروج الرجال لتوفر خدمات الحج المنظمة من قبل الدولة، وللعمل في الوظائف والدوائر الحكومية، بل إن بعضهم ممن لم ينو الحج قد يخرج من مكة إلى الضواحي حتى ينتهي الحج.
ومن عادة أهل مكة أن يبتعدوا عن وسط المدينة ومنطقة الحرم أيام الحج ليوسعوا لضيوف الرحمن، بل إن بعضهم يغادر مكة إلى المدن القريبة، ويؤجر بيته ليستفيد من الموسم.
ورغم كل التطور الحاصل والتغير، فإن بوصلة أهل مكة تبقى مرتبطة بموسم الحج، الذي ينتظره الناس ويضبطون أمور حياتهم على أساسه، ويؤجلون راحاتهم وعقود إجاراتهم وشراء سياراتهم بانتظاره، ويعلقون عليه كل مشاريعهم الكبرى.