الموت وحسن الختام
الحمدُ لله القادر القدير، من له الحكم والقضاء وله الأمر والتدبير، وله ملكوت كل شىء وهو بعباده خبير،
ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء وهو يبدىء ويعيد، ويُجزي من شاء ويتجاوز عمن يشاء وما ربك بظلام
للعبيد. والصلاة والسلام على نبيِّنا محمَّد مصباح التَّوحيد.
أمابعد، فقد قال تعالى:
كلُ نفسٍ ذائقة الموت وإنما توفَّون أجورَكُم يَوْمَ القيامة فَمَنْ زُحْزِحَ عنِ النارِ وأدخِلَ
الجنَّة فقد فاز وما الحياة الدُّنيا إلا متاع الغرور.
ويقول عز وجل:
يا أيُّها الّذين ءامنوا اتَّقوا اللهَ حقَّ تقاتِه
ولاتموتُنَ إلا وأنتم مسلمون.
وقال سبحانه:
واعبُد ربَك حتى يأتيك اليقين،
وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
إنما الأعمال بخواتيمها.
فالآية الأولى فيها بيان لنا أننا لا شك صائرون إلى الموت،
والثانية أمرٌ بالوفاة على الإسلام،
والثالثة أمرٌ بالعبادة حتى الموت.
والحديث يبيّن أن الأعمال بخواتيمها,
فهنيئا لمن خُتِمَ له بالإيمان والسعادة،
والخسران لمن خُتِمَ له بالكفر والشقاوة.
فمن وفـّق في أول عمره وازداد توفيقا حتى لاقى ربَّه على حال حسن فهو من أهل العناية ومن كان في
شبابه على خير ثم انقلب قبل الموت إلى سوء وضلال ثم مات على ذلك فهذا من أهل الحرمان. وأما من
سَبَق له أن كان في أول عمره في فسق وكفر وفجور فأدركته العناية واستقام ومات على الإسلام بعد ذلك،
فهذا موفَّقٌ وناج يوم العرض والحساب من غضب ربِّ العباد، فالعبرة بالخواتيم.
وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها
إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. رواه البخاري ومسلم.
ومما يروى: كان أحد المشايخ قوي الحجة سريع البديهة لكن لم يكن صادق النية فأُرسل لمناظرة الرهبان (كفار)
في بلاد الروم فكسرهم بالحجة والبرهان فخشوا منه أن يسلم الناس على يده فطلبوا من ملكهم أن يزيّن له ابنته
ويغريه بها فتضعف نفسه فيطلب الزواج منها فلا يُعطى طلبه حتى يخرج عن دينه، وحصل ذلك فافتتن بها وخرج
عن دينه لكن سرعان ما ابتلاه الله بمرض سئم منه أولئك الكفرة الفجرة ورَمَت به تلك المرأة خارج قصرها، واشتد
المرض ومرت الأيام وما زال يقاسي ما يقاسي حتى مرَّ رجُل من بغداد بقربه فقال له: وكأني رأيتك قبل ذلك أأنت
العالم الفلاني الذي كان يدرس في بغداد فقال : أنا هو. فقال له : ما حصل لك. فقص عليه قصته ثم بعد ذلك قال
له ذلك الرجل: ما يمنعك أن تعود للإسلام؟ فسكت، فقال: أما زلت تحفظ شيئا من كتاب الله؟ فقال:
آية واحدة. فقال له: ما هي؟
فأجاب المرتد:" رُبَّما يَوَدُّ الّذين كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُؤْمِنين". ثم مات.
ومما يُروى أن رجلا مسلما أحبّ امرأة كافرة وشغف كل منهما بالآخر، ولم يتمكنا من الزواج حتى مرضا
مرضًا شديدا. وكان بينهما وسيط ينقل لهما أخبارهما. فماذا كان من أمرالرجل؟ قال للوسيط: أخشى أن
أموت على الإسلام فلا ألقاها في الآخرة (فارتدّ) ومات بعدها مباشرة، فحزن الوسيط عليه وذهب إلى تلك
الفتاة فبادرته: ما أخبار صاحبنا فسكت. فخافت وبادرت بالقول: اعلم ياهذا، أخشى إن أنا مت على غير
الإسلام أن لا ألقاه في الجنة، فأشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله ثم ماتت.
انظروا إلى الخاتمة .
واعلموا أنّ بعض من كَتَبَ الوحي قد ارتد عن دين الله ومنهم من عاد للإسلام ومنهم من مات على الكفر.
فنسأل المولى السلامة.
فحافظوا على إيمانكم بالله من غير تشبيه ولا تمثيل ولاتعطيل.