!~¤§¦█◄ طوبى لمن إذا مات.. ماتت معه ذنوبه►█ ¦§¤~!
قال الغزالي رحمه الله: "ترويج الزيف من الدراهم في أثناء النقد فهو ظلم، إذ يستضر به المعامل إن لم يعرف، وإن عرف فسيروجه على غيره، فكذلك الثالث والرابع، ولا يزال يتردد في الأيدي ويعمم الضرر ويتسع الفساد ويكون وزر الكل ووباله راجعاً عليه، فإنه هو الذي فتح هذا الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن سنة سيئةً فعُمل بها من بعده كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً" (رواه مسلم).
وقال بعضهم: إنفاق درهم زيفاً أشد من سرقة مائة درهم؛ لأن السرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت، وإنفاق الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة سيئة يعمل بها من بعده فيكون عليه وزرها بعد موته إلى مائة سنة، أو مائتي سنة.. إلى أن يفنى ذلك الدرهم، ويكون عليه ما فسد من أموال الناس بسنته، وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسأل عنها إلى آخر انقراضها، وقال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يّـس: من الآية12]، أي نكتب أيضاً ما أخروه من آثار أعمالهم كما نكتب ما قدموه، وفي مثله قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:13]، وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره". (بتصرف يسير من الاحياء ج1ص422).
لا مزيد على ما تفضل به الشيخ رحمه الله فقد أجاد وأفاد في التحذير من آثار الأعمال السيئة، فمن الناس من يموت وتبقى بعده ذنوبه تُكتب عليه ويُعذب بها، فهو في دنياه لم يأبه بذنبه أو نظر إليه نظرة استصغار ونسي أثره السيئ الذي يبقى بعده سنوات لايعلم قدرها إلا الله تعالى فتُكتب عليه سيئات كل تلك السنوات – إلا أن يتوب الله عليه - فكم من إنسان جر قلمه في إصدار قرار أو قانون أو مرسوم كان بسببه أن ألغى حكم الشريعة وأذن بل ألزم الناس بالحكم بغير ما أنزل الله، فعليه وزر من تحاكم الى غير شرع الله ومن تأسى به في ذلك الى سنوات طويلة لا يعلم قدرها إلا الله.
وكم من إنسان جر قلمه في إصدار قرار أو قانون أو مرسوم كان بسببه إدخال الربا في بلاد المسلمين فكان عليه وزر كل من تعامل بالربا كل هذه السنوات إلى أجل لا يعلمه إلا الله.
وكم من رجل سعى جاهداً في نشر السفور بين بنات المسلمين وأعانته في ذلك امرأة بادرت بخلع جلبابها لتشجع الأخريات من بنات جنسها، فعليهما وزر من تأسى بهما فخلعت الحجاب والجلباب.
وكم من رجل زُين له سوء عمله فصّدر القرار أو القانون أو المرسوم بإباحة الاختلاط بين الرجال والنساء فيما لا حاجة فيه، فكان عليه وزر كل نظرة محرمة أو لمسة أو معصية ووزر من تبعه في ذلك.
وكم من صاحب قرار اتخذ قراره بالإذن بتناول الخمر في بلاد المسلمين بحجة اباحتها للكفارلأنهم – غير مطالبين بحكم القرآن في زعمهم - أو الترويح السياحي أو غيرها من حجج فأسدوا العباد والبلاد فعليه وزر هذا الفساد الى أمد لايعلمه إلا الله.
وكم من مالك لوسيلة إعلامية – وما أيسرها وأسرعها في زماننا هذا – فأشاع بها المنكر والفاحشة والكفر والإلحاد بحجة حرية الكلمة فعليه ذنب من ضل أو كفر أو فسد من الناس إلى سنوات طويلة.
وكم من إنسان خدعوه بقولهم "فنان" فاجتهد في أغنية ماجنة أو أفلام تغضب الرب عز وجل فتُكتب عليه سيئاته وسيئات من استمع إليها أو شاهدها حتى بعد وفاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وكم... وكم... وكم... كما قال النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» رواه البخاري، فتخيل كم من نفس قُتلت ظلماً منذ ذلك الحين إلى يوم القيامة وما تخلل بين ذلك من حروب ظالمة قُتل فيها الأبرياء، جزاءً وفاقاً، فهو الذي أراد ذلك وسعى إليه بعد أن نصحه أخوه فلم ينتصح فباء بوبال ذنبه إلى يوم القيامة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]، فأحدنا لا يتحمل ذنبه فكيف به إذا جاء يوم القيامة يحمل وزره ووزر من أضله بغير علم، قال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
فلذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يخافون أشد الخوف من آثار أعمالهم، كما ثبت عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عندما قيل له في مرض موته: «أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّى نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لاَ لِى وَلاَ عَلَىَّ لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا» رواه البخاري، وهو رضي الله عنه لم يفعل إلا خيراً ولكنه خشي أن يُخطئ من يستخلفه فتكون تبعة ذلك عليه لأنه هو الذي استخلفه فلذلك قال: لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا.
فالمرحوم من حاسب نفسه وسبر وتفحص أعماله فما وجد فيها من سيئة أو أثر سيء تبرأ منه واستغفر الله وتاب إليه وأصلح ما أفسد كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فما منّا إلا وهو راع ومسؤل عن رعيته، كما قال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخاري، فلينظر أحدنا هل أدخل في بيته أو فيما استرعاه الله تعالى ما سيسأل عن أثره السيئ يوم القيامة؟ رب عفوك!!
ولنكثر من الدعاء العظيم الذي كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو به: «رَبِّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطَايَاىَ وَعَمْدِى وَجَهْلِى وَهَزْلِى، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» رواه البخاري، فهو دعاء شامل يستغرق ذنب العبد كله.
والله تعالى أعلى وأعلم.