رسالة للمتأخرين عن الإنجاب
المتأخرون عن الإنجاب بغير قصد
الأبناء والبنات من زينة الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ (الكهف: ٤٦)، لذا فإن من تزوج ولم يرزق بأولاد فإنه يعمل المستحيل من أجل إنجاب الأولاد، ومن رزق بالبنين فإنه يتمنى أن يكون له بنات، ومن رزق بالبنات فإنه يتمنى أن يكون له بنين، وتلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولكن الله سبحانه بحكمته وتدبيره قسم بين العباد، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، قال سبحانه: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ (الشورى: ٤٩ – ٥٠).
الأسباب المهمة لعلاج مشكلة هذا القسم:
السبب الأول: الرضا بالقضاء والقدر والصبر على ذلك:
من المعلوم أن الرضا بالقضاء والقدر من أركان الإيمان الستة، التي لا يتم إيمان عبد إلا بتحقيقها جميعا، وإن الواجب على المسلم والمسلمة الاستسلام لقضاء الله وقدره والرضا بحكمه سبحانه، والحمد والشكر لعطائه ومنعه، والحذر كل الحذر من التبرم من قسمة الله، فبعض الناس هداهم الله خاصة حينما لا يرزقون إلا بنات يتبرمون من ذلك، وربما آذوا نساءهم، والمعطي والمانع هو الله لحكمة بالغة، فليس ذلك بيد المرأة ولا الرجل، بل المرأة محل الحرث والنسل.
ومن عرف طبيعة الدنيا وما جبلت عليه من الكدر والمشقة والبلاء هان عليه ما يلاقي فيها من أنواع المكاره والمصائب.
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدار
وكما قيـل: الشيء من معدنـه لا يستـغرب. وهــذا مصداق قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ (البلد: ٤)، وعدم الإنجاب من مشاكل الحياة ومصائبها، والتي أخبرنا عنها ربنا بقوله: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ (البقرة: ١٥٥)، فإنك لو تأملت أحوال الناس فإنك لن تجد فيهم من سلم، إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، فعليك بالرضا بقدر الله، والثقة واليقين بعظيم الجزاء من الله كما وعدك ربك، فقال: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ (الزمر: ١٠)، وثق بقرب الفرج، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا، ومن ليل المحنة يشع فجر المنحة، كما قال سبحانه: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ (الشرح: ٥ – ٦).
السبب الثاني: الدعاء سلاح المؤمنين:
الدعاء عبادة عظيمة من أشرف العبادات مرتبة، وأقربها إلى الله منزلة، وبه تكون حياة القلوب، وتفريج الكروب، وإغاثة اللهفات، وتنزل البركات.
قال ابن القيم -رحمه الله-: (الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل).
وكان - عليه الصلاة والسلام - يربي صحابته الأخيار على أن يكونوا موصولين بالله تعالى في كل مناسبة، وكم من القرآن العظيم من الدعوات الكريمة لخيار خلق الله وصفوته من عباده، يستعينون به على تحصيل المطالب ودفع المعاطب.
وإن المصيبة والخذلان أن يحال بين المرء وبين الدعاء عندما ينزل بلاء أو يشتد كرب أو تعظم حاجة.
وهو عبادة سهلة ميسرة، لا يقيدها زمان ولا مكان، ومن أخذ به فإنه قد أخذ بسبب عظيم من أسباب رفع البلاء ودفع الشقاء، وكم من بلاء رفع بسبب الدعاء، وكم من بلية ومحنة وقعت دفعها الله بالدعاء، فهو حرز للنفس من الشيطان، وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة من نصر وعز وتمكين ورفع درجات في الدنيا والآخرة استجلبت بسبب الدعاء، فلله ما أعظم هذا السلاح والكنز العظيم الذي غفل عنه الكثيرون اليوم بسبب الإغراق في الحياة المادية:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه وتنسى ما فعل الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
وإذا كانت هذه الفضائل كلها لهذه العبادة الجليلة فحق علينا أن نعرف آدابها، والأسباب التي تجعل من اتصف بها حريًّا بالإجابة، والموانع التي يجب على العبد الحذر منها حتى لا ترد دعوته، وسأذكر ذلك بشيء من الإيجاز مع ذكر دليله من القرآن والسنة.
أولا: آداب الدعاء:
1 - استقبال القبلة، كما فعل - عليه الصلاة والسلام - في غزوة بدر.
2 - رفع اليدين عند الدعاء، لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ) إن ربكم حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (.
3 - تقديم الحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله - عليه الصلاة والسلام -: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) عجلت أيها المصلي ( ثم علمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
4 - إخفاء الدعاء، قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (الأعراف: ٥٥).
5 - تكرير الدعاء والإلحاح فيه، كما فعل - عليه الصلاة والسلام - في غزوة بدر.
6 - الإتيان بجوامع الدعاء من القرآن والسنة.
7 - ختم الدعاء بما يناسب حال الداعي، فإن سأل الله الولد ـ مثلا ـ فيستحب أن يختم دعاءه بصفة من صفات الله المناسبة لهذا الطلب كالرزاق والوهاب والجواد وغيرها.
ثانيا: أسباب قبول الدعاء:
1 - حضور القلب: ) واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه (.
2 - العزم في الدعاء: ) لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له (.
3 - التوسل بالأعمال الصالحة، كما في حديث الثلاثة النفر الذين انطبق عليهم الغار، وفيه: ) انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها، لعل الله يفرجها عنكم (.
4 - اغتنام الأوقات والأحوال والأماكن الفاضلة، وهذا باب عظيم يجب على الداعي أن يتعرف على هذا من خلال الأدلة الشرعية، وهو كثير، ولكن أذكر منه على سبيل المثال لا الحصر.
فالأوقات الفاضلة: كشهر رمضان وخاصة العشر الأخيرة منه، وساعة الجمعة، وفي الأسحار، وفي جوف الليل الآخر.
والأماكن الفاضلة: كمكة، وفي بعض المشاعر لمن كان حاجًّا.
والأحوال الصالحة: بعد الوضوء، بين الآذان والإقامة، وعند إقامة الصلاة، وحال السفر والصيام، وفي السجود، ودعوة الوالد، ودعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المظلوم.
ثالثا: موانع الإجابة:
1 - الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: ) لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء (.
2 - أكل المال الحرام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) أيها الناس إن الله طيب... ( وذكر الحديث وفيه: ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك (.
3 - الاعتداء في الدعاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: ) إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء (.
وقال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (الأعراف: ٥٥).
4 - الاستعجال في الدعاء: ) يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل (.