«•¤* السماء الحمراء *¤•»
لا يوجد شيء جميل مثل غروب الشمس خاصة في الشتاء عندما تكون الشمس كرة برتقالية في سماء باردة وتكون الأرض مغطاة بالثلوج ، لكن حتى غروب الشمس تغير كثيرا في التاريخ المعاصر وإذا كان بإمكاننا العودة إلى ما قبل مئة سنة سوف نرى ظاهرة أو مشهدا مختلفا عما نراه اليوم حيث تكون الشمس الغارية صفراء براقة وتكون السماء حولها ملونة بألوان برتقالية ومع غرق الشمس تحت الأفق تتغير الألوان الملاصقة لها ببطء من اللون البرتقالي إلى الأخضر الشاحب ثم إلى الأزرق الداكن حيث تستمر الغيوم المنخفضة في عكس نور الشمس لمدة من الوقت قبل اختفائها نهائيا .
ولا يزال بإمكاننا مشاهدة حالات مماثلة لهذا الغروب اليوم لكن يجب علينا السفر بعيدا لمشاهدتها نحو البقاع القليلة الباقية على الأرض والخالية من التلوث .
فالتلوث إذن هو مشكلة غروب الشمس اليوم قد يبدو هذا الغروب رائعا لكنه في الحقيقة يعكس مستويات متنامية من التلوث في الغلاف الجوي للأرض وفي المناطق الصناعية حيث الغلاف الجوي مليء بمواد التلوث على شكل حلالات ( ضباب ) هوائية aerosols تكون الشمس الغاربة برتقالية إلى حمراء وتظهر المساء المحيطة بها مختلف الألوان القريبة من الأحمر بحيث تشير أحزمة اللون إلى كثافة التلوث في الغلاف الجوي للأرض وإذا كان مستوى التلوث مرتفعا كثيرا تظهر الشمس على شكل قرص باهت قد يختفي قبل أن يلامس الأفق .
ومع ذلك نعترف بأن ليس كل حالات الغروب الحمراء ناتجة عن التلوث الذي يصنعه الإنسان ففي 28 مارس سنة 1982 انفجر بركان شيشون في جنوبي المكسيك فجأة قاذفا ما يكفي من الحطام البركاني إلى الغلاف الجوي بحيث أثر في المناخ العالمي على مدى سنوات وبرز هذا التأثير على غروب الشمس الذي أصبح ( مشتعلا ) بفعل الغازات البركانية على ارتفاع 25 كلم في الغلاف الجوي الزمهريري ولقد انتجت الكثير من الانفجارات البركانية في التاريخ المدون تأثيرات مشابهة .
وأحد أبرز هذه الانفجارات البركانية هو ذلك الذي حصل في 27 أغسطس سنة 1883 عندما انفجرت الجزيرة البركانية كراكاتاو في مضيق سوندا بين حزيرتي جادا وسومطرة في أندونيسيا وكانت قوة هذا الانفجار البركاني تعادل ألف طن من المواد المتفجرة وعلى مدى الأشهر التالية لهذا الانفجار شهد الناس في كل أنحاء العالم مشهد غروب الشمس باللونين الأزرق والأحمر وكان ذلك ناتجا عن الجزئيات الدقيقة للرماد البركاني المنجرف .
وتحتوي الغيوم الصناعية ( الدخان الخارج من المصانع ) على جزئيات مشابهة للرماد البركاني وهي عبارة عن غبار وحلالات هوائية وهذه الجزئيات مع الزمن تستقر في طبقات بحيث تكون الجزئيات الكبيرة منها الطبقات الاكثف والأقرب إلى الأرض ومع غرق الشمس عبر هذه الطبقات يتبدد ضوؤها تدريجيا ويتخذ لونا برتقاليا مائلا إلى الأحمر .
ويحصل ذلك لأن هذه الجزئيات ( تبعثر ) نور الشمس وفي الجو الصافي غير الملوث ينتج تبعثر الضوء عن جزيئيات الأوكسجين والنيتروجين التي هي أصغر من الموجات الطولية للضوء المرئي المكون من ألوان الطيف الشمسي وهي البنفسجي والأزرق والأخضر والنيلي والتي تتم تنقيتها بفعل الجزئيات المختلفة ليصبح لون الشمس ظاهريا أصفر .
ويفقد نور الشمس الذي يمر عبر طبقات كثيرة من الغيوم الصناعية ( أو الدخان الصناعي ) المزيد من حدته كذكلك يتبعثر اللون الأصفر أيضا تاركا الجزء البرتقالي الأحمر من الطيف الشمسي مرئيا للعين المجردة .
ويمكن لأي شخص أن يكتسب فكرة جيدة عن مدى تواجد التلوث في الهواء بمراقبة غروب الشمس وفي بعض الأحيان وتماما قبل التقاء الشمس بالأفق يمكننا ان نرى توهجا أحمرا براقا محيطا باللون الأحمر الباهت في قرص الشمس هذا التوهج الذي يسمى ( هالة ) aureole ناتج عن جزئيات غبارية كبيرة تعوم في طبقة كثيفة قريبة من سطح الأرض وفي حال وجود رذاذ من المطر قبل الغروب يختفي التوهج لأن الرطوبة تكون قد أنزلت تلك الجزئيات إلى الأرض .
كذلك يعد شروق الشمس مؤشرا جيدا إلى مستوى التلوث الموجود في الغلاف الجوي للأرض ويكون الضوء المبعثر مرئيا قبل ظهور الشمس فوق الأفق ويخضع لونها عندها لأحوال الغلاف الجوي وتشير ألوان الأصفر البراق أو الأرجواني أو الأزرق القاتم في السماء قبل شروق الشمس إلى أن الغلاف الجوي في الشرق خال نسبيا من التلوث ، وعندما تشرق الشمس تصبح معظم السماء زرقاء مع حزام برتقالي أصفر ضيق قريب من الأفق .
والتلوث في الجوهر الذي أنهي القول القديم المتعلق بالسماء الحمراء في الليل لأن هذا القول يعود إلى أيام ما قبل التلوث الصناعي عندما كانت تنتج السماء الحمراء عن جزئيات الغبار القائمة من الأرض على تيارات من الهواء الدافئ وكانت تلك علامة على استمرار الطقس الجيد والسماء الحمراء في الصباح من ناحية أخرى ناتجة عن قطرات ماء تبعثر ضوء الشمس المشرقة مما يشير إلى مجيء طقس سيئ .
واليوم تعد السماء الحمراء علامة أخرى بأننا نخنق عالمنا ببطء حتى الموت .