█◄₪« البلورات السائلة »₪►█
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يعد أحد يعير إهتماما يذكر للأحرف والأرقام التى تومض وتخبو بسرعة لا تتجاوز الأجزاء من الثانية على شاشات العرض وكأنها كتابة أشباح خفية.
ومع أن العالم لم يعرف هذه الظاهرة إلا من حوالي عقد ونصف العقد من الزمن، فإن إتساع إنتشارها جعل منها أمرا عاديا بسرعة هائلة، حيث يستخدم ملايين البشر هذه التكنولوجيا يوميا في مجالات عديدة: بشكل ساعات يدوية رقمية، أو حاسبات أو لوحات عدادات السيارات، أو ألعاب الجيب الكمبيوترية أو لوحات الاعلام عن المواعيد في المطارات ومحطات السكك الحديدية... الخ.
ومع ذلك، فإن كل هذا الذى نراه ليس إلا تطبيقات الجيل الأول من تكنولوجيا تمهد الطريق أمام ثورة وشيكة في عالم التلفزيون. وقد أطلق العلماء إسم العرض بالبلورات السائلة Liquid Crystal Display على النظام الجديد للعرض الالكتروني للأحرف. ولهذا النظام تاريخ طويل وشاق.
منذ زمن بعيد قياسا بتطور التكنولوجيا الحديثة، وتحديدا في العام 1888، كان عالم النبات النمساوى فريدريك راينيترز قد اكتشف المادة المسماة (بنزول الكوليستيريل)
ولاحظ أن لهذه المادة الغريبة صفة تتسم بالشذوذ، إذ أنها تنصهر في حرارة تبلغ 145 درجة مئوية، ولكنها لا تصبح سائلا لا لون له إلا عندما تصل الحرارة الى 179 درجة مئوية وفي هذه الحالة الوسيطة تكون المادة حليبيبة غير شفافة.
وقام الفيزيائي أوتوليهمان بدراسة هذا الشذوذ فاكتشف أن بنزول الكوليستيريل يمر بحالة ثالثة هى بين الحالتين الصلبة (أو الجامدة) والسائلة، واخترع ليهمان لهذه الحالة تسمية "البلورات السائلة" مما فجر خلافا عنيفا داخل الأوساط العلمية التى أظهرت إهتماما فوريا بهذه الظاهرة.
وسرعان ما راحت الصناعة الكيميائية الألمانية تعمل على استطلاع حقائق البلورات السائلة من دون أن تكون لديها أى فكرة واضحة عن الطريقة التى يمكن استعمالها بها. وكانت شركة "ميرك" هى الرائدة في هذا الميدان، إذ أنزلت ما أسمته بالبلورات السائلة والمائعة إلى الأسواق منذ عام 1904 وفي السنة نفسها نشر أوتوليهمان في كارلسروه دراسة عن هذا اللغز، ولم تمض ثماني سنوات إلا وبدأت مبادرة شركة "ميرك" تعطى ثمارها المربحة، وقد قامت هذه الشركة الرائدة في عالم البلروات السائلة بدراسة خصائص عدة مئات من المواد البلورية السائلة.
وفي عام 1968 اكتشف جورج هيلماير في مدينة برنستون الأمريكية أنه إذا ما تعرضت البلورات السائلة إلى شحنة كهربائية فإنها تكسر الضوء بشكل مغاير لذلك الذى تكسره فيها البلورات نفسها إذا لم تكن واقعة داخل حقل كهربائي، وكانت هذه ملاحظة شكلت نقطة إنطلاق عظيمة بالنسبة لفريق أبحاث شركة "ميرك"
وكان هذا الفريق قد درس سلوك الجزئيات في سلسلة كاملة من البلورات السائلة وسرعان ما استطاع التحقق من ماهية المركبات التى تظهر خواص كسر الضوء التى اكتشفها هيلماير أكثر من غيرها.
واستطاع الفريق كذلك بتوجيهه شحنة كهربائية إلى مناطق معينة ايجاد مناطق ضوء وعتمة متناقضة فيما بينها. وشكلت هذه الخطوة بداية ثورة البلورات السائلة التى يمكن توضيحها كما يلي:
عندما تسخن المواد الصلبة أو معظمها فإن جزئياتها تعيد ترتيب نفسها بأنماط عشوائية، أما جزئيات البلورات السائلة الشبيهة بالعصيات فترتب نفسها على شكل مجموعات منتظمة عندما ترتفع الحرارة إلى درجة الانصهار وعلى العموم، فإن نمطا واحدا من أنماط التشكل هذه يبدو مفيدا للعلم، أى عندما ترتب الجزئيات أنفسها طوليا بحيث تسمح لأشعة الضوء بالمرور من خلالها. وعندما تتعرض هذه الجزئيات لشحنة كهربائية فإنما تدور حول نفسها بمقدار تسعين درجة، وهذا يعنى إمكانية التحكم بدرجة نفاذ الضوء عبرها، مما يؤدى بالتيار الكهربائي إلى أنه ينتج تداعيا سريعا للضوء والعتمة في مناطق على شاشة العرض.
ويمكن للمرء أن يلاحظ هذه الظاهرة على شاشة الساعة الرقمية، مثلا حيث يكون كل رقم مكونا من شريط النقاط المنفصلة احداها عن الأخرى والمعرضة أفراديا لشحنة كهربائية.
وإذا كان التقدم الذى تحقق أخيرا في ميدان الميكروالكترونيات قد جعل هذا ممكنا فإن فريق أبحاث شركة "ميرك" ما زال يعمل على تحسين نظام العرض الرقمى ، وقد قام بخلط مركبات جزيئية تتألف من 12أو 15 مادة مختلفة أو أكثر لهذا الغرض.
وفي مطلع السبعينات عثر العالمان الألمانيان شتادت وهالفريش على طريقة لتحقيق الكمال في هذا المجال إذ اكتشفا تفنية معقدة ومتطورة لفتل مجموعات أو تكثلات من البلورات السائلة، تماماكما تفعل سيدة البيت عندما تعصر منشفة مبللة لتجفيفها. وعند كل نهاية من نهايتى مجموع الجزئيات تقوم مرشحات (فلترات) بصرية بصد كل تردد إلى أشعة الضوء بإستثناء ترددات معينة. مما يعزز التباين أو التناقض بين الضوء والعتمة.
الجيل الثاني والمستقبل
وأدى هذا الاختراع إلى فتح الطريق مباشرة أمام "الجيل الثاني" من العرض بالبلورات السائلة وهو الجيل الذى أصبح يمتلك اليوم درجة عالية من السرعة ومن إمكانية الاعتماد عليه، وخلال سنوات قليلة أنتجت شركة "ميرك" سلسلة جديدة من العارضات بالبلورات السائلة مستخدمة مركبات مؤلفة من مئات الجزئيات المفضلة على المقاس، وأنزلت هذه العارضات إلى الأسواق.
وهناك شركات ألمانية أخرى تعمل الآن في صناعة أنظمة عرض أكثر فأكثر تعقيدا وطموحا، وقد أدت مشروعات ألمانية-يابانية مشتركة إلى إنتاج أجهزة مذهلة، مثل التلفزيونات التى لا تزيد في حجمها عن حجم ساعة اليد، وإن كانت غير ملونة.
وكذلك فقد تم تطوير مبرقة كاتبه (تلبرنتر) ذات عارض بالبلورات السائلة لرصد البث والاستقبال، ويمكن لهذا الجهاز أن يلحق بآلة طباعة عادية إذا كان المطلوب هو تأمين طباعة منتظمة.
وكان آخر الاختراعات في الثمانينات في مجال العارضات بالبلورات السائلة عبارة عن جهاز تلفزيون ملون غاية في ضآلة الحجم أنتجته شركة "سايكو" اليابانية بالاعتماد على نظام لعرض الألوان حصلت عليه من شركة "ميرك"كما تم أخيرا إطلاق برنامج واسع للأبحاث يهدف على العثور على المواد الكيميائية اللازمة للعرض الملون بواسطة البلورات السائلة، بإعتبار أنه قد تم فعلا العثور على طريقة للحصول على عدد من الألوان، منها الأصفر والأحمر والأزرق والأخضر والبرتقالي، فإنه يمكن القول بأن إنتاج الألوان الأخرى الهامشية أصبح ممكنا.
وكانت إحدى العقبات الرئيسية الأخرى هى مشكلة تنظيم الآلاف من نقاط الصورة مرتبة في صفوف أفقية وعمودية على شاشة كبيرة مسطحة. وكان التنظيم الافرادى لهذه النقاط يعنى إضافة كمية هائلة من أسلاك الربط ولكن إحدى المعالجات لتجاوز هذه المشكلة بدأت الآن بالبروز فيما يسمى بالتقنية التعاقبية multiplex technique التى تجعل من الممكن تنظيم ما يصل إلى 128 صفا بإستخدام منفذ واحد. وبالمقارنة مع أنبوب الشعاع المهبطى فإن شاشة العرض بالبلورات السائلة تبدو مضغوطة إلى أقصى الحدود، إذ لا تتجاوز سمك الأصبع كما أنها لا تحتاج إلى أكثر من تيار كهربائي لا يزيد من جزء من الواط.
وهذا كله يفتح الباب أمام توقع إمكانية أن تصبح شاشات العرض بالبلورات السائلة أجهزة منزلية في وقت أقصر مما يظن الكثيرون، ولا شك في أن هنالك مسافة من الطريق لا بد للتكنولوجيا من أن تقطعها قبل أن يبدأ إنتاج هذه الشاشات على نطاق واسع وجماهيرى، ولكن الخبراء يؤكدون أن البلورات السائلة وشاشاتها هى تقنية تلفزيون المستقبل.
البلورة السائلة: هى سائل غير متجانس، ثنائي الانكسار يبدى أنماط تداخل في الضوء المستقطب، وينجم هذا السلوك عن ثوالي الجزئيات بصورة متوازية فيما بينها في تجمعات كبيرة.
العارض بالبلورات السائلة Liquid Crystal Display (LCD)
هو عبارة عن عارض رقمى مكون من صفحتين زجاجيتين تفصلهما مادة بلورية سائلة محكمة بينهما وشفافةعادة ، ويكون السطح الخارجي لكل سطح مطليا بطلاء ناقل وشفاف كأكسيد القصدير أو أكسيد الأنديوم، أما كسوة السطح المرئي فقد حضرت عليها قطع مشكلة للأحرف تمتد وصلاتها إلى أطراف العارض وعندما يتم تطبيق جهد معين بين كسوتى المسرى الأمامية والخلفية يعطل الترتيب الأساسى للجزئيات ويصبح السائل معتما بدرجة كافية لتشكيل أحرف مرئية بالرغم من عدم توليد أى ضوء معين.