الأمر أشبه بتناول البطاطا المشوية،حيث يستطيع جسمك هضم النشويات الموجودة في البطاطا وتحويلها إلى طاقة . وبالطريقة نفسها، تستطيع بعض الميكروبات المتخصصة هضم المواد الكيميائية، مثل البترول الموجود في بيئتها، وتحويلها إلى مركّبات إيجابية، مثل ثاني أكسيد الكربون والماء.
هاناهان بلدة أميركية صغيرة ونموذجية وهادئة بولاية ساوث كارولينا، كانت كذلك حتى عام 1975 عندما تسرب 80 ألف غالون من وقود الطائرات من مرفق عسكري مجاور باتجاه أراضيها. ومع أن السلطات بذلت جهودا كبيرة لإزالة النفط المتسرب، فإنها لم تتمكن من احتوائه.
وبحلول عام 1985، كان النفط المتسرّب قد انتشر ببطء ووصل إلى المناطق السكنية في البلدة، متغلغلا في جزء كبير من التربة وإمدادات المياه. وعندما ناقش المهندسون أفضل الطرق لإزالة التلوث من المنطقة، اصطدموا بعوائق عدة. غير أن هؤلاء المهندسين لم يكونوا، حينئذ، على علم بوجود طاقم تنظيف فعال جدا، ولا تكشفه العين البشرية. من هو هذا الفريق؟ إنه فريق من الميكروبات.
مباشرة أعمـــــــال الصيانــــــــة لقد بدأت كائنات حيّة مجهرية، تتكون بشكل طبيعي ردا على الخطر الذي شكله التسرّب النفطي على بيئتها الطبيعية، بالتهام المركّبات السامة المشتقة من البترول، محولة إياها إلى مركّبات غير مضرة من ثاني أكسيد الكربون. وقد علم فريق من الباحثين من مصلحة المسح الجيولوجي الأميركي أنه يمكن تسهيل عمل هذا الفريق الناجح من خلال إضافة مغذيات مختلفة.
وهذا ما فعلوه عام 1992. فقد بدأ علماء مصلحة المسح الجيولوجي الأميركي عملية التنظيف الرسمية من خلال إضافة مغذيات إلى المنطقة الملوثة.
وبعد سنة، تمكنوا من الحد من التلوث بنسبة 75%. وأصبحت المياه الجوفية والتربة، التي كانت غير ملائمة للبشر، قابلة للاستعمال من جديد. وعادت هاناهان الصغيرة بلدة أميركية نموذجية من جديد، لكنها لم تعد هادئة كما كانت عليه؛ فقد بدأت حركة المعالجة الحيوية.
ومع أن عبارة المعالجة الحيوية تبدو معقدة، فإن تعريفها بسيط: إنها عملية تستخدم النباتات والكائنات الحية الدقيقة لهضم النفايات الخطيرة وتحويلها إلى منتجات طبيعية غير مضرة.
يقول ستيفن كونيسبرغ، نائب رئيس قسم الأبحاث والتنمية في شركة المعالجة الحيوية "ريجينيسيس" ومقرها في كاليفورنيا: " الأمر أشبه بتناول البطاطا المشوية، يستطيع جسمك هضم النشويات الموجودة في البطاطا وتحويلها إلى طاقة ". وبالطريقة نفسها، تستطيع بعض الميكروبات المتخصصة هضم المواد الكيميائية، مثل البترول الموجود في بيئتها، وتحويلها إلى مركّبات إيجابية، مثل ثاني أكسيد الكربون والماء.
وتعود جذور المعالجة الحيوية إلى مدينة مانشستر في إنكلترا، وهي بلدة شهيرة بفريق كرة القدم مانشستر يونايتد أكثر منها بميكروباتها. فقد بدأت المدينة عام 1914 بمعالجة مياه الصرف بشكل فعال بواسطة الميكروبات.
ومع أن المعالجة الحيوية بقيت في حالة خمود حوالي 70 عاماً، فإن ثمانينات القرن الماضي شهدت تسربات عديدة للمواد الخطرة والسامة في أنحاء العالم وإعادة إحياء المعالجة الحيوية، التي تسارعت وتيرتها وصولا إلى يومنا هذا.
ومع أن حجم الميكروبات صغير، فهي تستطيع مواجهة شتى أنواع التسربات. بدءاً من تسربات النفايات السامة كالنفط، والمذيبات المكلورة ووصولا إلى فرط المواد التي تهدد التوازن البيئي مثل الطحالب، فإن ميكروبات المعالجة الكيميائية هذه صلبة وعنيدة وقادرة على تنظيف البيئة وإعادة التوازن إليها.
فوائد المعالجة الحيويـــــــــــة لقد أصبحت المعالجة الحيوية بديلا مغريا لطرق مكلفة تحتاج إلى عمالة كثيفة لتنظيف المواقع، مثل إزالة التربة وإحراقها بالكامل.
يقول كونيسبرغ: "يمكنك إنفاق ما بين نصف مليون إلى مليون دولار لتنظيف موقع صغير نسبيا، لنقُل بطول 100 قدم وبعرض 40 قدما. ما تمكنّا من القيام به هو تخفيف الكلفة والمساعدة على تنظيف موقع بحوالى عشر الثمن السابق، وبالتالي زيادة معدلات المعالجة إلى حد كبير". لو أرادت الولايات المتحدة تنظيف كل مواقع النفايات السامة بواسطة المعالجة الكيميائية، لاستغرقها ذلك عقودا وكلف أكثر من مليون مليار دولار. فالأمر غير ممكن بكل بساطة، وليست إزالة النفايات التقليدية باهظة الثمن فحسب، بل غالبا ما تؤجل المشاكل من خلال نقل المواد الخطرة من مكان إلى آخر.
إن المعالجة الحيوية وسيلة لإزالة المواد الخطرة كليا، سواء في المنطقة الملوثة أو في مرفق معالجة خارج الموقع. كما أن تدني كلفة وتكنولوجيا المعالجة الحيوية يعني أنه يمكن استخدامها لمعالجة المشاكل البيئية في المزيد من المواقع في كل أنحاء العالم، لا سيما تلك التي تفتقر إلى القوى العاملة والمال.