الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011عدد المساهمات : 288
موضوع: 〖〗تطوّر المعادن〖〗 الأربعاء 16 نوفمبر 2011, 3:36 am
〖〗تطوّر المعادن〖〗
عند النظر إلى المملكة المعدنية عبر الزمن الطويل، تتبدّى لنا نتيجة مذهلة: وهي أن معظم أنواع المعادن مَدينَةٌ بوجودها للحياة. <M.R.هازين>
مفاهيم أساسية
توجد دستة من المعادن (مركبات متبلورة) فقط بين مكوّنات النظام الشمسي قبل 4.6 بليون سنة، أما اليوم، فالأرض تحوي أكثر من 4400 نوع من المعادن.
لقد تطور التنوع في معدنية الأرض عبر الدهور، وذلك من خلال تدخّل عمليات جديدة مكونة للمعادن.
ومن المثير حقا، أن أكثر من نصف معادن الأرض مَدينَةٌ بوجودها للحياة التي بدأت بتحويل أو تشكيل جيولوجيّة الأرض قبل أكثر من بليوني سنة مضت.
في الماضي السحيق، لم يكن هناك أي معدن mineral في الكون. ولم تتكون أي مادة صلبة في الفترة الساخنة جدا التي أعقبت الانفجار الأعظم the big bang. وقد احتاج الكون إلى نصف مليون سنة منذ بدء خلقه حتى تنشأ أولى ذرات الهدروجين والهيليوم والقليل من الليثيوم. ومن ثم، انقضت ملايين أخرى من السنين، حوّلت الثقالة gravity فيها هذه الغازات البدائية إلى السُّدُم(1) الأولى التي بدورها انهارت مكونة النجوم الأولى الساخنة الكثيفة المتوهجة.
ولم تتكوّن العناصر الكيميائية الأخرى إلا عندما انفجرت بعض النجوم العملاقة متحولة إلى أولى المستعرات الأعظمية supernovas التي بعثرت هذه العناصر في الفضاء. ولم تتكوّن أولى القطع المعدنية الصلبة إلا في الأغلفة النجمية الغازية الباردة المتمددة. وحتى في هذه الأثناء، كانت معظم العناصر ومُركباتها نادرة جدا ومبعثرة أو شديدة التطاير، الأمر الذي لا يؤدي إلى إمكانية وجودها إلا على شكل ذرات أو جزيئات متفرقة في الغاز والغبار المتكوّن حديثا. وبسبب عدم تكوّن بلورات، ذات تركيب كيميائي مميز وذرات منتظمة في وحدات متكررة بانتظام، فقد فشلت هذه المادة في التأهل على شكل معادن.
وقد كان أول المعادن التي يُحتمل أنها تكونت، بلورات ميكروية من معدني الألماس والگرافيت، وهما شكلان نقيان من أشكال عنصر الكربون الموجود بكثرة. ثم انضم إليهما بسرعة دستة أو أكثر من بلورات ميكروية تتضمن معادن موسانيت (كربيد السليكون) وأسبورنيت (نتريد التيتانيوم) وبعض الأكاسيد والسليكات. وقد ظلت هذه الأنواع القليلة من المعادن - المعادن الكونية الأولى- لعشرات ملايين السنين، البلورات الوحيدة في الكون.
وعلى النقيض من ذلك، فاليوم يوجد في الأرض أكثر من 4400 معدن معروف والكثير الذي يُنتظر اكتشافه. فما الذي تسبب في هذا التنوع اللافت، من دستة إلى آلاف الأشكال المتبلورة؟ للإجابة عن هذا السؤال قُمت حديثا مع سبعة من زملائي، بعرض مخطط هيكلي جديد «لتطور المعادن» يختلف عن التفكير التقليدي القديم لعلم المعادن، حيث ينظر إلى المعادن على أنها أجسام قيّمة ذات تركيب كيميائي وصفات فيزيائية محددة، ولكنها غير مرتبطة بالزمن - وهو البعد الرابع الحرج في الجيولوجيا. وكبديل لذلك، فإن أسلوبنا يعتمد التاريخ الجيولوجي كإطار لفهم المعادن والعمليات التي أدت إلى نشأتها.
وقد بدا لنا بسرعة أن قصة تطور المعادن قد بدأت بنشوء الكواكب الصخرية؛ لأن الكواكب هي آلات تصنيع المعادن. نرى ذلك عبر 4.5 بليون سنة (عمر الأرض) حيث مرت الأرض بمجموعة من المراحل، في كل مرحلة منها ظواهر جديدة أدت إلى تغيير أو إغناء مثير لمعدنية سطح كوكبنا.
وتعد بعض تفاصيل هذه القصة موضع اختلاف شديد، غير أنه مما لا شك فيه أنها ستتغير مع الاكتشافات المستقبلية، ولكن النصر الساحق لتطور المعادن جعله علما راسخ البنيان. لا أُقدّم وزملائي بيانات جديدة خلافية أو نظريات جديدة ثورية حول ما حدث في كل مرحلة من تاريخ الأرض. ولكننا، بالأحرى، نعيد صياغة القصة الكبرى لهذا التاريخ في ضوء تطور المعادن كمفهوم مرشد.
وعلى أي حال، فإنني أريد تأكيد بصيرة مثيرة للاهتمام: فمعظم آلاف المعادن الأرضية مَدينَةٌ بوجودها لتطور الحياة على كوكبنا. فإن تصورت جميع عالم الجمادات مرحلة أدت فيها الحياة مسرحيتها التطورية، فلتفكر مرة أخرى. فقد جدد الممثلون مسرحهم على طول الطريق. ولهذه الملاحظة أيضا مضامين في السعي إلى إيجاد إشارات للحياة في عوالم أخرى. فالمعادن القوية الثابتة وليس البقايا العضوية الهشة هي التي يمكن أن تقدم للحياة أقوى الإشارات وأكثرها استدامة.
[سياق زمني]
لقطات في نشوء المعادن(**)
في أثناء 4.6 بليون سنة انقضت منذ نشأة النظام الشمسي، تطورت مجموعة المعادن الموجودة من بدايات متواضعة - دستة معادن تقريبا في السديم السابق للشمس- إلى أكثر من 4400 معدن موجودة في الأرض الآن. لقد مرّ كوكبنا عبر سلسلة من المراحل (موضحة في اليسار وفي الصفحات الآتية) على شكل لقطات متضمنة عمليات متنوعة مولّدة للمعادن. وقد ولّد بعض هذه العمليات معادن جديدة كلية، بينما حولت بعض العمليات الأخرى وجه كوكبنا من خلال تحويل النادر منها إلى شائع.
قبل 4.6 بليون سنة، تكوّنت ملايين الكويكبات الصغيرة في قرص الغبار والغاز حيث بقيت حول الشمس المشتعلة حديثا (في الخلفية) وتصادمت لتنشأ عن ذلك الأرض (الأرض المتوهجة). وقد تطور أكثر من 200 معدن في مرحلة الكويكبات الصغيرة من ضمنها معدنا الأوليڤين والزركون، وذلك بسبب انصهار موادها وتصادمها وتفاعلها مع الماء. وقد وُجد الكثير من هذه المعادن في النيازك الكوندريتية.
نشأة الأرض(***)
تنشأ الكواكب في سدم كونية بها بذور المادة التي نتجت من انفجارات النجوم المستعرة. تنجذب معظم كتلة السديم إلى داخله مكونة نجما مركزيا، بينما تشكل المواد المتبقية من السديم قرصا عظيما يدور حول النجم. تتجمع هذه المواد المتبقية باطراد في كتل أكبر وأكبر: مثل حبات الرمل والحصى وكرات بحجم قبضة اليد مكونة من الغبار الأولي الذي يحوي دستة تقريبا من المعادن القديمة مع مجموعة من الذرات والجزيئات المختلفة.
ومن ثم، تحدث تغيرات مثيرة عندما يشتعل النجم الوليد ويغمر تجمعات الغبار والغاز القريبة بنار صاقلة. وفي نظامنا الشمسي، حدث الاشتعال النجمي قبل 4.6 بليون سنة تقريبا. وقد صهرت نبضات الحرارة الآتية من الشمس الوليدة العناصر وخلطتها وأنتجت بلورات تمثل مجموعة من المعادن الجديدة. ومن بين البلورات الجديدة التي تكونت في هذه المرحلة الأكثر قدما في مراحل التطور المعدني أولى سبائك الحديد والنيكل، والكبريتيدات والفوسفيدات مع حشد من الأكاسيد والسليكات. وقد وجدت هذه المعادن في النيازك الأكثر بدائية على شكل «كريات كوندريولية» chondrules: وهي قطيرات مُبرّدة بسرعة من صخر كان مصهورا. (تقدّم هذه النيازك الكوندريتية chondritic أيضا الدليل على المعادن الكونية الأولى التي سبقت في تكونها الكريات الكوندريولية. يجد علماء المعادن تلك المعادن الكونية الأولى على شكل حبيبات نانوية nanoscopic أو ميكروية في النيازك).
وفي النظام الشمسي القديم، تتجمع الكريات الكوندريولية في كويكبات صغيرة جدا، قد ينمو قطر بعضها إلى 100 ميل، وهو حجم كاف لأن تنصهر جزئيا وتتمايز في طبقات على هيئة البصلة مكونة من معادن مميزة متضمنة لُبا كثيفا غنيا بالفلزات. وفي جوار الشمس المزدحم، أدت التصادمات الكثيرة إلى صدمات قوية ومزيد من الحرارة، مما أدى إلى تغيير المعادن في الكويكبات الأكبر حجما. وقد كان للمياه أيضا دورها، فقد كان الماء موجودا منذ البداية على شكل حبيبات جليد في السديم السابق للشمس، وفي الكويكبات الصغيرة انصهر الماء المتجمد وتجمع في الشقوق والكسور. وقد نتجت معادن جديدة من التفاعلات الكيميائية مع هذه المياه.
أرض سوداء
4.4 بليون سنة: في عصر الهاديان، كان سطح الأرض بلا حياة ويتكون أساسا من بازلت أسود، وهو صخر تكوّن من الصهارة والحمم lava أو اللابة. وفي بليوني سنة التي أعقبت ذلك، أُنتج ما يقارب 1500 معدن. وقد أدت عملية الانصهار الجزئي للصخور إلى تركيز عناصر نادرة ومتفرقة من مثل عنصر الليثيوم (في معدن لپيدوليت) والبرليوم (في معدن البريل) والبورون ( في معدن التورمالين). كما تسهم في ذلك أيضا التفاعلات الكيميائية والتجوية للمحيطات الأولية وجو عدم التأكسد anoxic atmosphere. أما المعادن التي تنشأ تحت الضغط العالي مثل معدن الجاديت؛ فقد وصلت إلى سطح الأرض بتكتونية الصفائح.
.تورمالين
وكنتيجة لهذه العمليات الدينامية، فلربما تشكل 250 معدنا. تعد هذه المعادن الــ 250 المواد الخام التي كوّنت الكواكب الصخرية، وجميع هذه المعادن ما زالت موجودة في المجموعات المتباينة للنيازك التي تسقط على الأرض.
أرض سوداء(****)
نمت الأرض البدائية أكبر وأكبر. فقد ابتلعت الكويكبات الكبيرة آلاف الكويكبات الصغيرة حتى بقي متنافسان اثنان في المنطقة: الأرض الأولية والمريخ الأصغر كثيرا (يعرف أحيانا باسم «ثِيا» وهو أم إلهة القمر عند الإغريق). وفي عملية عنيفة ونهائية غير متخيلة، صدم «ثيا» الأرض الأولية جانبيا فبخر طبقاتها العليا وفجر 100 مليون تريليون طن من أبخرة صخرية ملتهبة إلى الفضاء ليتشكل منها القمر. ويفسر هذا السيناريو الزخم الزاوي العالي لنظام الأرض - القمر، كما يفسر الكثير من المظاهر غير العادية على القمر التي منها أن التركيب (الكيميائي) الكلي للقمر يشبه تركيب ستار الأرض(2) (وهو طبقة يبلغ سمكها نحو 2000 ميل وتنحصر بين لب الأرض المكون من الحديد والنيكل وقشرة الأرض التي يتراوح سمكها بين 3 و 30 ميلا).
أدى تكرار عملية الانصهار الجزئي للگرانيت إلى تركيز عناصر نادرة متنافية.
عقب هذا التصادم الذي أنتج القمر قبل 4.5 بليون سنة تقريبا، دخلت الأرض في عملية تبريد ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا. ومع أن سطح الأرض قد حوى مجموعة من عناصر نادرة - مثل اليورانيوم والبريليوم والذهب والزرنيخ والرصاص والكثير غيرها - كانت قادرة على تكوين مجموعة متنوعة من المعادن، إلا أن تصادم «ثيا» كحادثة كونية خلط الأوراق. فقد خلطت طبقات الأرض الخارجية خلطا جيدا، أدى إلى بعثرة شديدة لتلك العناصر الأقل شيوعا بحيث أصبحت غير قادرة على تكوين بلورات معادن مستقلة. وقد كان كوكبنا معزولا وعدائيا يُقذف بشكل متواصل ببقايا السديم ومغطى بشكل كبير بطبقة رقيقة من البازلت الأسود، وهو نوع من الصخور يتكوّن حتى الآن عندما تتصلب الحمم (اللابة ــ Lava).
أرض حمراء
2 بليون سنة: أعطت الكائنات الحية القادرة على التركيب (التمثيل) الضوئي غلاف الأرض الجوي نسبة قليلة من الأكسجين، مغيرة بشكل مثير دوره الكيميائي. فتأكسدت معادن الحديد الثنائي التكافؤ (Fe2+) الشائعة في البازلت الأسود إلى مركبات الحديد الثلاثي التكافؤ ( Fe3+) بحمرة الصدأ. وقد مهدت «ظاهرة الأكسدة العظيمة» الطريق لظهور أكثر من 2500 معدن جديد منها معدن الرودونيت (الذي يوجد في مناجم المنغنيز) والتوركواز. وقد رسّبت الكائناتُ الدقيقة (اللون الأخضر) طبقات رقيقة من المادة تدعى ستروماتوليت مكونة من معادن مثل كربونات الكالسيوم.
.رودونيت
وقد ازداد التنوع المعدني للأرض في أثناء دهر الهاديان ذي الاسم المناسب (قبل 4 بلايين سنة تقريبا)، وذلك من خلال تعاقب الانصهار والتصلب لقشرة الأرض الصلبة ومن خلال تفاعلات التجوية مع المحيطات المبكرة والغلاف الجوي. وعبر عدد لا يحصى من الدورات؛ فإن الانصهار الجزئي وإعادة التصلب لحجوم من الصخور والتفاعلات المتبادلة بين الصخور والماء مثل إذابة مركبات مختارة، جميع ذلك أدى تدريجيا إلى تركيز عناصر غير شائعة بقدر كاف لنشأة جيل جديد من المعادن الدخيلة أو الشاذة exotic minerals.
في مرحلة جيولوجية، أدى التمثيل الضوئي, الذي قامت به أنواع جديدة من الطحالب، إلى حدوث الأكسدة العظيمة.
لا يمتلك كل كوكب هذا الإمكان العظيم لتكوين المعادن. فعطارد الصغير اللامائي وقمر الأرض الجاف تجمدا قبل أن يحدث انصهار مهم فيهما. ومن ثم، فإننا نُقدّر أن عدد المعادن في هذين الجرمين لا يزيد على 350 معدنا. أما المريخ، بميزانيته المتواضعة من المياه، فقد لاقى بعض النجاح كنتيجة لأنواع المعادن المائية مثل معادن الطين والتبخريات التي تتشكل عند تبخر المحيطات كلية. ونقدر أن مسابير «ناسا» قد تكون قادرة في النهاية على تحديد 500 معدن مختلف على هذا الكوكب الأحمر.
إن الأرض أكبر وأسخن وأكثر رطوبة، ومن ثم، فإن لديها حيلا أخرى في تكوين المعادن. وقد شهدت جميع الكواكب الصخرية نشاطا بركانيا صبّ البازلت فوق سطوحها، غير أن الأرض (وربما الزهرة التي لها حجم مساو تقريبا) لديها حرارة باطنية كافية لإعادة صهر هذا البازلت لتكوّن مجموعة من الصخور النارية تدعى گرانيتويد (عائلة الگرانيت الكبرى) التي تتضمن الگرانيت المألوف كحجارة جوانب الطرق وأسطح المناضد ذات اللون اللحمي أو الرمادي. والگرانيت صخر خشن الحبات مكون من خليط من المعادن التي تتضمن الكوارتز (حبات الرمل الأكثر وضوحا على الشاطئ) والفلسپار (الأكثر شيوعا بين المعادن في قشرة الأرض) والميكا (الذي يكوّن رقائق معدنية لمّاعة). وقد أُنتجت جميع هذه المعادن في وقت سابق في الكويكبات الكبيرة ولكن بكميات صغيرة، ولكن أول ظهور لها، بكميات كبيرة في السجل الجيولوجي للأرض، كان مصاحبا للعمليات الأرضية المكونة للگرانيت.
أرض بيضاء
700 مليون سنة: أدى التغير المناخي إلى تغطية سطح الأرض جميعه ملايين السنين بمعدن واحد هو الجليد. وفي النهاية، أحدث غاز ثاني أكسيد الكربون المنطلق من البراكين احترارا عالميا، وأصبح كوكبنا يدور بين المناخ الحار (البيت الحار) والمناخ الجليدي (كرة الجليد). ففي المناخ الحار، أضافت عملية التجوية إلى سطح الأرض كميات كبيرة من المعادن الطينية الدقيقة التحبب مثل الكاولينين. وترسبت، في المحيطات الضحلة الدافئة، «كربونات الغطاء» التي بها بلورات طولها 6 أقدام.
كربونات الغطاء
على الأرض، أدى الانصهار الجزئي المتكرر للگرانيت إلى تركيز عناصر نادرة غير قادرة على إيجاد مكان ملائم بلوريا في بنية المعادن الشائعة. وقد شهدت الصخور الناتجة وجود أكثر من 500 معدن تتضمن بلورات عملاقة لأنواع من المعادن غنية بعناصر الليثيوم والبريليوم والبورون والسيزيوم والتنتاليوم واليورانيوم ودستة أخرى من عناصر نادرة. وقد أخذت بعض هذه العناصر وقتا طويلا للوصول إلى تركيزات مكونة للمعادن - يقدر بعض العلماء ذلك بأكثر من بليون سنة. قد تكون الزهرة، توأم الأرض، بقيت نشطة وقتا طويلا كافيا لتصل إلى ما وصلت إليه الأرض، غير أن المريخ وعطارد لم تُظْهِر سطوحهما إشارات مهمة إلى حدوث عملية تكوّن الگرانيت.
وقد كسبت الأرض المزيد من التنوع المعدني من خلال عملية شملت الأرض جميعها، وهي عملية تكتونية الصفائح التي تولّد قشرة جديدة على طول سلسلة من البراكين بينما تُبتلع القشرة القديمة في مناطق الغوص، حيث تنزلق صفيحة تحت أخرى وتعاد إلى ستار الأرض. تغوص كميات هائلة من الصخور الرطبة المتنوعة كيميائيا من القشرة حيث تنصهر جزئيا متسببة في تركيز آخر لعناصر نادرة. وقد أُنتجت المئات من المعادن في رواسب الكبريتيدات الضخمة التي تزودنا اليوم ببعض أغنى خامات العناصر على الأرض. وقد ظهرت مئات أنواع المعادن الأخرى أول مرة على سطح الأرض عندما رفعت القوى التكتونية مناطق من صخور عميقة وكشفتها وما تحويه من معادن مميزة تكوّنت تحت ضغط عال من مثل معدن جاديت ( واحد من معدنين يعرفان بشكل أفضل باسم الحجر الكريم «جاد» jade).
أرض خضراء
400 مليون سنة: ظهرت الكائنات العديدة الخلايا، واستعمرت النباتات اليابسة تبعتها بعد ذلك الحيوانات. وقد أدى التحلل الذي قامت به النباتات والفطريات إلى تزايد تجوية الصخور وإنتاج المعادن الطينية (خليط من معادن مائية) مرات عدة. ولأول مرة، أخذ سطح الأرض مظهره الحالي - والتوزيع الحديث للمعادن. تُنتج الحياة مباشرة أنواعا من المعادن مثل الأراگونيت والكالسيت (توجد في كل شيء من الترايلوبيت حتى هياكل البشر)، وكذلك بعض المعادن الشديدة الندرة مثل معدن هيزنيت الذي ترسب بفعل الميكروبات.
هيزنيت
حصيلة كل ذلك، فإن 1500 معدن وُجدت على سطح الأرض أو قريبا منه، ربما تكون تولّدت بعملية دينامية قشرة الأرض وستارها في أول بليوني سنة من عمر الأرض. غير أن علماء المعادن قد رصدوا أكثر من 4400 نوع معدني. فما الذي حدث ليُضاعف التنوع المعدني ثلاث مرات؟
أرض حمراء(*****)
الجواب هو الحياة. يُميّزُ الغلافُ الحيوي الأرض من جميع الكواكب والأقمار المعروفة، وقد حوّل الغلاف الحيوي بشكل نهائي بيئة ما حول سطح الأرض ـ وبشكل أكثر وضوحا المحيطات والغلاف الجوي ولكن أيضا الصخور والمعادن.
لا يمكن لأقدم تجلّيات الحياة - كائنات بدائية وحيدة الخلية تغذّت بالطاقة الكيميائية من الصخور - أن يكون لها دور مهم في التنوع المعدني للأرض. ومن المؤكد أن الجيولوجيين قد وجدوا تكوينات صخرية تكوّنت بوساطة عمليات حيوية عمرها 3.5 بليون سنة، من ضمنها شعاب من كربونات الكالسيوم وتكاوين الحديد المخططة (حيث احتبست أكاسيد الحديد، على ما يبدو، أول أكسجين ولّدته الحياة). ولكن الأرض ما زالت جرداء، فالغلاف الجوي ما زال يفتقد الأكسجين، والتجوية السطحية بطيئة، وأشكال الحياة الأولى لم تقدم شيئا يذكر في عدد المعادن الموجودة أو في توزيعها.
وقد تغير هذا الوضع في لحظة جيولوجية مع التزايد السريع للأكسجين في الغلاف الجوي بالظهور الجديد لنوع من الطحالب قادرة على التمثيل الضوئي. وما زال النقاش دائرا حول هذه المرحلة الانتقالية التي تدعى حادثة الأكسدة العظيمة. وعلى وجه الخصوص، لم يتفق الباحثون على بدايتها الزمنية وسرعة حدوثها بشكل دقيق. ولكن، وعند 2.2 بليون سنة مضت، ارتفعت نسبة الأكسجين الجوي أكثر من 1% مقارنة بنسبته الحالية ـ وهي كمية صغيرة ولكنها كانت كافية لتحويل معدنية سطح الأرض بشكل نهائي.
وقد دلت النمذجة الكيميائية التي قمت بها مع زملائي أن حادثة الأكسدة العظيمة قد مهدت الطريق لظهور أكثر من 2500 معدن جديد أكثرها منتجات تجوية بالتميه hydraction والأكسدة لمعادن أخرى. لا يحتمل تكوّن بلورات هذه الأنواع المعدنية في بيئة مختزلة، ومن ثم، فإن عمليات الأرض البيوكيميائية هي المسؤولة، على ما يبدو، بشكل مباشر أو غير مباشر عن أنواع المعادن الـ 4400 المعروفة.
وقد وُجدت معظم هذه المعادن الجديدة على شكل أغلفة رقيقة أو قشرة من مادة متغيرة على سطح الصخور. ولم يُعرف الكثير من أنواع المعادن النادرة إلا من خلال عدد محدود من بلورات قيّمة وزنها أقل من غرام واحد. غير أن حادثة الأكسدة العظيمة لها نتائج معدنية عالمية كذلك. ومن أبرز ذلك، أن الأرض قد صدأت - فعبر الكرة الأرضية، انقلب البازلت الأسود الذي ساد سطح الأرض في فترة سابقة إلى الأحمر عندما تأكسد الحديد الثنائي التكافؤ (Fe2+) الموجود في معادن البازلت الشائع إلى مركبات الحديد الثلاثي التكافؤ (Fe3+). قد تبدو الأرض من الفضاء قبل بليوني سنة حمراء كالمريخ، مع المحيطات الزرقاء والغيوم البيضاء، معطية تباينا لونيا مثيرا.
كانت الأكسدة سبب حمرة المريخ أيضا، غير أن أكسجين المريخ قد نتج من تفكك المياه بأشعة الشمس في أعلى الغلاف الجوي وإفلات الهدروجين إلى الفضاء الخارجي. وقد كوّنت هذه العملية كمية كافية من الأكسجين ليصدأ سطح الكوكب الصغير نوعا ما، ولكنها غير كافية لخلق آلاف المعادن التي نشأت على الأرض العالية الأكسدة والأكثر نشاطا جيولوجيا.
أرض بيضاء(******)
بعد بلايين السنين التي انقضت منذ حادثة الأكسدة العظيمة، حدث القليل مما يهمنا معدنيا، على ما يبدو. هذه الفترة التي تدعى «المحيط الأوسط»، أو بالاسم الغريب «البليون الممل» the boring billion، تبدو كفترة ركود نسبي حيويا ومعدنيا. ويشير لفظ «الأوسط» في الاسم أعلاه إلى مستويات الأكسجين: مياه المحيطات حول السطحية كانت مؤكسدة، غير أن المياه العميقة بقيت مختزلة. وقد ازداد عمق السطح الفاصل بين الكُتلتين المائيتين تدريجيا، ولكن لم تظهر أشكال رئيسية جديدة للحياة، ولا ظهرت أنواع معادن جديدة كذلك.
وعلى النقيض من البليون الممل، أظهر بضع مئات ملايين السنين التي أعقبته تغيرات بارزة على سطح الأرض. وعند 800 مليون سنة مضت تقريبا، تجمعت معظم قارات الأرض في عنقود (قارّي) ضخم قرب خط الاستواء يدعى رودينيا Rodinia. قامت قوى تكتونية الصفائح بتكسير هذه الكتلة القارية الكبيرة منتجة المزيد من خطوط الشواطئ وأمطارا أكثر وحتا صخريا أسرع - وهي عمليات امتصت ثاني أكسيد الكربون الجوي المحتبِس للحرارة. ومع ضعف تأثير ظاهرة الدفيئة greenhouse effect وتبريد المناخ اتسع جليد الأقطاب.
عكست المساحات النامية من الجليد والثلج المزيد من ضوء الشمس إلى الفضاء، مقللة بذلك من تأثير التسخين الشمسي. وكلما ازدادت مساحة الجليد أصبحت الأشياء أبرد. ولمدة 10 ملايين أو أكثر، تحولت الأرض إلى كرة جليد عملاقة باستثناء بعض البراكين النشطة من خلال الغطاء الأبيض الرقيق. وتشير بعض التقديرات إلى أن معدل درجة حرارة الأرض نزل إلى 50- درجة سيلزية.
غير أن الأرض لا يمكن أن تبقى حبيسة الجليد إلى الأبد. فقد استمرت البراكين بقذف غاز ثاني أكسيد الكربون، ومع عدم وجود المطر والقليل من التجوية اللذين يعملان على إزالة غازات الدفيئة ازدادت مستوياتها (غازات الدفيئة) باستمرار وببطء فبلغت مئات المرات ما هي عليه الآن، مما أحدث في النهاية دورة احترار دفيئية. فانصهر الجليد الاستوائي، وربما لا تكون فترة الاحترار هذه دامت أكثر من بضع مئات من السنين تحولت الأرض فيها من صندوق جليد إلى بيت دافئ.
وفي مدى الـ 200 مليون سنة التالية، دارت الأرض بين هذين الوضعين المتطرفين ربما دورتين إلى أربع دورات. ويبدو أن ظهور بعض المعادن الجديدة أمر قليل التوقع، في أثناء هذه الفترة المضطربة، وعلى الرغم من ذلك، فقد حدث تغير جذري في توزيع المعادن السطحية في كل دورة جليدية جديدة. وفي أثناء فترات البيت الدافئ، ازداد بشكل حاد إنتاج المعادن الطينية الدقيقة التحبب إضافة إلى نتاج عمليات التجوية من سطح الأرض الصخري العاري المنحوت. وفي المناطق الضحلة من المحيطات المسخنة، ترسبت معادن الكربونات على شكل مراوح بلورات عملاقة.
وقد كان لدورات كرة الجليد/البيت الدافئ آثار عميقة في الحياة. فقد أغلقت العصور الجليدية جميع الأنظمة البيئية تقريبا، بينما شهدت الفترات الدافئة زيادات مفاجئة في الإنتاج الحيوي. ومع نهاية آخر عصر جليدي كبير، على وجه الخصوص، ازداد الأكسجين الجوي من مجرد بضع نسب مئوية إلى15% تقريبا، أُنتجت جزئيا من خلال ازدهار طحلبي ساحلي واسع الانتشار. يعتقد كثير من علماء الحياة أن هذه المستويات المرتفعة من الأكسجين كانت مقدمة ضرورية لنشأة الحيوانات الكبرى وتطورها بسبب ارتفاع متطلباتها الأيضية. وبالفعل، فإن أول ظهور للكائنات الحية العديدة الخلايا في السجل الأحفوري حدث بعد 5 ملايين سنة من نهاية آخر فترة جليدية عالمية كبرى.
استمر الغلافان الأرضي والحيوي بالتطور سوية، خاصة بعد أن عرفت الميكروبات والحيوانات المتنوعة كيف تبني أصدافها أو قواقعها المعدنية الواقية. وقد قادت عملية إبداع صنع الهياكل الكربوناتية إلى ترسيب شعاب عظيمة من الحجر الجيري الموجودة في مواقع لا تحصى في الجروف والأنهار. ولم تكن هذه المعادن جديدة، لكن سيادتها لم تكن مسبوقة.
أرض خضراء(*******)
كانت اليابسة غير مأهولة طوال معظم تاريخ الأرض. فالأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس تدمر الجزيئات الحيوية الأساسية وتقتل معظم الخلايا. ومع ارتفاع مستوى الأكسجين الجوي، تطورت طبقة واقية من الأوزون عملت كدرع لليابسة تحتها تحميها من الأشعة فوق البنفسجية، ما يكفي لجعلها ملاذا لغلاف اليابسة الحيوي.
لقد استغرقت الحياة وقتا حتى ازدهرت على اليابسة. ربما تكون الفرشات الطحلبية algal mats قد عاشت في مناطق مستنقعية عقب مرحلة كرة الجليد، وكان على التحول القاري الأكبر أن ينتظر حتى تطوّر الحزازيات mosses - أول نبات قاري حقيقي - قبل 460 مليون سنة تقريبا. ومن ثم استغرق الاستعمار الواسع لليابسة 10 ملايين سنة أخرى حتى ظهرت النباتات الوعائية التي تخترق جذورها الأراضي الصخرية للتثبت وجمع الماء.
وقد جاءت النباتات والفطريات بطرق بيوكيميائية سريعة لتفتيت الصخور، ما أدى إلى تسريع معدلات تجوية الصخور السطحية كالبازلت والگرانيت والحجر الجيري بنسبة أعلى. وقد ازدادت كمية المعادن الطينية ومعدل تكون التربة بشكل كبير، ما زود النباتات والفطريات المتنامية بموطن يتسع باستمرار.
وربما قبل 400 مليون سنة أي في العصر الديڤوني, تطور سطح الأرض ليصبح لأول مرة وبشكل لافت شبيها بما هو عليه الآن - حيث ازدهرت الغابات الخضراء المأهولة بأنواع متنامية باضطراد من الحشرات ورباعيات الأقدام ومخلوقات أخرى. وبفضل التأثير القوي للحياة، فإن معدنية ما حول سطح الأرض أيضا قد وصلت إلى مرحلة التنوع والتوزيع الحديث.
مستقبل تطور المعادن(********)
إن النظر إلى معدنية الأرض كقصة دينامية متغيرة، يشير إلى فرص بحثية مثيرة. وكمثال، فإن كواكب مختلفة قد أنجزت مراحل مختلفة من التطور المعدني. فالعوالم الصغيرة الجافة كعطارد وقمرنا لهما سطحان بسيطان بتنوع معدني منخفض. أما المريخ الصغير الرطب؛ فقد تقدّم أفضل قليلا. غير أن الكواكب الأكبر كالأرض والزهرة وبمستودعاتها الأكبر من المواد الطيارة والحرارة الباطنية، يمكن أن تتقدم أبعد من ذلك من خلال تكوّن صخور الگرانيتويد.
قد يكون للمعادن قيمة مساوية لقيمة البقايا العضوية من أجل تعرف بصمة الحياة على عوالم أخرى.
ولكن أصل الحياة والتطور الناتج المتوازي للحياة والمعادن، يضع الأرض وحيدة. وكما لاحظت سابقا، قد يكون للمعادن قيمة مساوية لقيمة البقايا العضوية organic remains في تعرُّف الحياة في عوالم أخرى. فمثلا، تلك العوالم التي بها حياة هي فقط التي يحتمل أن تكون مؤَكسَدة على نطاق واسع.
قد تخضع العوالم المختلفة التركيب هي أيضا لتطورات معدنية مختلفة جدا. فقمر المشتري أيو Io ، الغني بالكبريت, وقمر زحل تيتان المتجمد المفعم بالمواد الهيدروكربونية، لا بد أن يكون بهما حصيلة مختلفة من المعادن. ويحتمل أن يكون كذلك صحيحا بالنسبة إلى قمري يوروپا وإنسيلادوس (قمري المشتري وزحل على الترتيب)، حيث يعتقد أنهما يحتويان على محيطات من الماء السائل تحت سطحيهما الجليديين، ما يجعلهما من المواقع الرئيسية لوجود حياة غير أرضية عليهما.
كما أن النظرة إلى المعادن في سياق تطوري توضح أيضا موضوعا أكثر عمومية في تطور الأنظمة في الكون جميعه. فالحالات البسيطة تتطور إلى حالات أكثر تعقيدا في سياقات كثيرة: تطور العناصر الكيميائية في النجوم، وتطور المعادن في الكواكب، وتطور الجزيئات التي قادت إلى نشأة الحياة، والتطور الحيوي المألوف عبر الانتقاء (الانتخاب) الطبيعي الدارويني.
ومن ثم، فنحن نعيش في كون مؤسس على التعقيد(3): فذرات الهدروجين تُشكّلُ أو تُكوّنُ النجوم، والنجوم تُشكّلُ أو تُكوّنُ عناصر الجدول الدوري وهذه العناصر تُشكّلُ أو تُكوّنُ الكواكب، وهي بدورها تُشكّلُ أو تُكوّنُ المعادن بكثرة. تتوسط المعادن في تكوين الجزيئات الحيوية، والتي أدت إلى نشأة الحياة على الأرض. وتمثل المعادن، في هذا السيناريو الكاسح، خطوة لا رجعة عنها في تطور الكون الذي يتعلم كيف يفهم ذاته.