صقر طيبة
عضو مبدع
الجنس : العمر : 46 طيبة الطيبة التسجيل : 08/09/2011 عدد المساهمات : 242
| موضوع: .::][ الاحتباس الحراري.. قنبلة موقوتة ][::. الأربعاء 16 نوفمبر 2011, 12:15 am | |
|
.::][ الاحتباس الحراري.. قنبلة موقوتة ][::.
على مدار التاريخ الإنساني عرفت الأرض العديد من التغيرات المناخية التي استطاع العلماء تبرير معظمها بأسباب طبيعية، مثل: بعض الثورات البركانية أو التقلبات الشمسية، إلا أن الزيادة المثيرة في درجة حرارة سطح الأرض على مدار القرنين الماضيين (أي منذ بداية الثورة الصناعية) وخاصة العشرين سنة الأخيرة لم يستطع العلماء إخضاعها للأسباب الطبيعية نفسها؛ حيث كان للنشاط الإنساني خلال هذه الفترة أثر كبير يجب أخذه في الاعتبار لتفسير هذا الارتفاع المطرد في درجة حرارة سطح الأرض أو ما يُسمى بظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming.
وفي إطار دراسة تطور تأثيرات هذه الظاهرة وزيادة الوعي العام بها للحد من زيادتها يعقد حاليًا في الفترة من 13 إلى24 نوفمبر في هولندا الدورة السادسة لمؤتمر تغيرات المناخ الذي يقام تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي يحضره أكثر من عشرة آلاف عضو من مختلف دول العالم، ويرفع المؤتمر في هذه الدورة شعار التفعيل لما سبق اتخاذه من قرارات "Work it out "؛ لمحاولة تخفيض المنبعث من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك لحماية هذا الكوكب من تطورات هذه الظاهرة التي قد تعوق الحياة عليه كلية.
ظاهرة الاحتباس الحراري
يمكن تعريف ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming على أنها الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض؛ كنتيجة لزيادة انبعاثات غازات الصوبة الخضراء greenhouse gases منذ بداية الثورة الصناعية، وغازات الصوبة الخضراء والتي يتكون معظمها من بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز والأوزون هي غازات طبيعية تلعب دورًا مهمًا في تدفئة سطح الأرض حتى يمكن الحياة عليه، فبدونها قد تصل درجة حرارة سطح الأرض ما بين 19 درجة و15 درجة سلزيوس تحت الصفر، حيث تقوم تلك الغازات بامتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض كانعكاس للأشعة الساقطة على سطح الأرض من الشمس، وتحتفظ بها في الغلاف الجوي للأرض؛ لتحافظ على درجة حرارة الأرض في معدلها الطبيعي.
لكن مع التقدم في الصناعة ووسائل المواصلات منذ الثورة الصناعية وحتى الآن مع الاعتماد على الوقود الحفري (الفحم و البترول و الغاز الطبيعي) كمصدر أساسي للطاقة، ومع احتراق هذا الوقود الحفري لإنتاج الطاقة واستخدام غازات الكلوروفلوركاربونات في الصناعة بكثرة؛ كانت تنتج غازات الصوبة الخضراء greenhouse gases بكميات كبيرة تفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض، وبالتالي أدى وجود تلك الكميات الإضافية من تلك الغازات إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الحرارة في الغلاف الجوي، وبالتالي من الطبيعي أن تبدأ درجة حرارة سطح الأرض في الزيادة.
بالتأكيد نظام المناخ على كوكبنا أكثر تعقيدًا من أن تحدث الزيادة في درجة حرارة سطحه بهذه الصورة وبهذه السرعة، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في درجة حرارته؛ لذلك كان هناك جدل واسع بين العلماء حول هذه الظاهرة وسرعة حدوثها، لكن مع تزايد انبعاثات تلك الغازات وتراكمها في الغلاف الجوي ومع مرور الزمن بدأت تظهر بعض الآثار السلبية لتلك الظاهرة؛ لتؤكد وجودها وتعلن عن قرب نفاد صبر هذا الكوكب على معاملتنا السيئة له.
آخر ما تم رصده من آثار الظاهرة ومن آخر تلك الآثار التي تؤكد بدء ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل فعلي والتي تم عرضها خلال المؤتمر:
ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات خلال الخمسين سنة الأخيرة؛ حيث ارتفعت درجة حرارة الألف متر السطحية بنسبة 0.06 درجة سلزيوس، بينما ارتفعت درجة حرارة الثلاثمائة متر السطحية بنسبة 0.31 درجة سلزيوس، ورغم صغر تلك النسب في مظهرها فإنها عندما تقارن بكمية المياه الموجودة في تلك المحيطات يتضح كم الطاقة المهول الذي تم اختزانه في تلك المحيطات.
تناقص التواجد الثلجي وسمك الثلوج في القطبين المتجمدين خلال العقود الأخيرة؛ فقد أوضحت البيانات التي رصدها القمر الصناعي تناقص الثلج، خاصة الذي يبقى طوال العام بنسبة 14% ما بين عامي 1978 و 1998، بينما أوضحت البيانات التي رصدتها الغواصات تناقص سمك الثلج بنسبة 40% خلال الأربعين سنة الأخيرة، في حين أكدت بعض الدراسات أن النسب الطبيعية التي يمكن أن يحدث بها هذا التناقص أقل من 2% .
ملاحظة ذوبان الغطاء الثلجي بجزيرة "جرين لاند" خلال الأعوام القليلة الماضية في الارتفاعات المنخفضة بينما الارتفاعات العليا لم تتأثر؛ أدى هذا الذوبان إلى انحلال أكثر من 50 بليون طن من الماء في المحيطات كل عام.
أظهرت دراسة القياسات لدرجة حرارة سطح الأرض خلال الخمسمائة عام الأخيرة ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمعدل درجة سلزيوس واحدة ، وقد حدث 80% من هذا الارتفاع منذ عام 1800، بينما حدث 50% من هذا الارتفاع منذ عام 1900.
أظهرت الدراسات طول مدة موسم ذوبان الجليد وتناقص مدة موسم تجمده؛ حيث تقدم موعد موسم ذوبان الجليد بمعدل 6.5 أيام /قرن، بينما تقدم موعد موسم تجمده بمعدل 5.8 أيام/قرن في الفترة ما بين عامي 1846 و1996، مما يعني زيادة درجة حرارة الهواء بمعدل 1.2 درجة سلزيوس/قرن.
كل هذه التغيرات تعطي مؤشرًا واحدًا وهو بدء تفاقم المشكلة؛ لذا يجب أن يكون هناك تفعيل لقرارات خفض نسب التلوث على مستوى العالم واستخدام الطاقات النظيفة لمحاولة تقليل تلك الآثار، فرغم أن الظاهرة ستستمر نتيجة للكميات الهائلة التي تم إنتاجها من الغازات الملوثة على مدار القرنين الماضيين، فإن تخفيض تلك الانبعاثات قد يبطئ تأثير الظاهرة التي تعتبر كالقنبلة الموقوتة التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ متى ستنفجر، وهل فعلًا ستنفجر!!
كشفت دراسة حديثة أن عدد الأعاصير المدمرة مثل كاترينا وأندرو قد تزايد خلال العقود القليلة الماضية وعزت سبب هذا التزايد إلى ظاهرة الاحتباس الحراري, كما بينت أن عدد الأعاصير الشديدة قد ارتفع من 11 إعصارا سنويا إبان السبعينيات إلى 19 إعصارا منذ العام 1990, واستنادا للمبدأ القائل بأن المحيطات هي سبب التغيرات المناخية التي تحدث على اليابسة قال بيتر وبستر من معهد جورجيا للتكنولوجيا أن بخار الماء الناتج من ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات هو بمثابة الوقود الذي يعجل من سرعة الأعاصير, وأعلن أن معدل درجة حرارة مياه أسطح البحار قد ارتفعت درجة مئوية بين العامين 1970 و2004, وحذر غريغ هولاند من المركز القومي لأبحاث المناخ بأن من المحتمل أن تشهد السنوات المقبلة تزايدا في أعاصير تشبه في خطورتها وقوتها الإعصار كاترينا والإعصار أندرو, وأجمع الباحثون على أن ارتفاع درجات الحرارة على أسطح البحار سببها الاحتباس الحراري, ولاحظوا أن 171 إعصارا شديدا قد ضربت المنطقة شرق الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1975 و1989 وأن العدد ارتفع إلى 269 في الفترة الممتدة من عام 1990 إلى عام 2004, وقد اعترفت كذلك أكاديمية العلوم الوطنية الأمريكية بوجود علاقة بين النشاط البشرى الذي يؤدى إلى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وبين ظاهرة الانحباس الحراري وما تسببه من آثار مدمرة للبيئة, وأصدرت كل من وزارتي الطاقة والتجارة الأمريكيتين تقريراً مشتركاً يتضمن اعترافاً صريحا بالأضرار التي يمكن أن تلحق بكوكب الأرض بسبب الاحتباس الحراري, وتشكل أوربا واليابان وأمريكا الشمالية مجتمعة ما يقرب من 15 % من سكان العالم إلا أنهم مسئولون عن حوالي ثلثي (66 %) غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تطلقه المصانع, وأما الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يزيد عدد سكانها عن 5 % من سكان العالم فهي مسئولة وحدها عن ربع تلك الكمية (25 %), أي أن أقل من 20 % من سكان العالم يتسببون في إطلاق أكثر من 90 % منها, ولكن العواقب الوخيمة تنال الكل على حد سواء ولا تميز بين من أطلقها ومن لم يطلقها. وإذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب نتيجة لتراكم مخلفات المصانع خاصة في البلدان المتقدمة تلك فمن المحتمل أن تزداد حرارة سطح المحيطات في المناطق الاستوائية فتتضاعف الأعاصير وتزداد عنفا وضراوة ويذوب جليد القطبين ويرتفع مستوى سطح البحر ليدمر مدن الشواطئ، وقد أصبح تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو حاليا أعلى بحوالي 32 % مما كان عليه قبل بداية الثورة الصناعية حوالي عام 1750, وقد تضاعفت موجات الحر في معظم بلدان العالم في أواخر القرن العشرين بما لم يسبق له مثيل طوال الألفية الماضية, ووفقا لسجلات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية شهد عام 2003 موجة حر قاسية, وشهد عام 2002 موجة حر أشد قسوة, وأما موجة الحر عام 1998 فلم يشهدها صيف خلال السنوات الألف الماضية منذ عام 1861, ويقدر معدل ارتفاع درجة الحرارة في الفترة منذ عام 1976 حتى عام 2005 بثلاثة أمثال معدله للسنوات المائة الماضية, ووفقا لتقرير اللجنة الدولية للتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة قد ارتفع مستوى مياه البحار من 9 إلى 21 سم (0.3-0.7 قدم) في مقابل ارتفاع في درجة الحرارة يتراوح بين 0.4 إلى 0.8 درجة مئوية, واعتبر ذلك أعلى ارتفاع لدرجة الحرارة تعرض له كوكب الأرض منذ ألف عام مما ينذر بتوالي الكوارث بنسق متصاعد. ويتوقع الخبراء أن يزداد ارتفاع سطح البحر إلى 88 سنتمتراً بحلول عام 2100 الأمر الذي يهدد حياة 100 مليون إنسان يعيشون على أراضي منخفضة, ناهيك عن تزايد الإصابة ببعض الأمراض كالملاريا نتيجة لتزايد تكاثر البعوض الناقل لها في الجو الحار, وقد نبهت هذه التحذيرات الدول للتداعي إلى الاجتماع في محاولة لتجنب الخطر من خلال اتفاقيات ملزمة كان أبرزها معاهدة كيوتو Kyoto Protocol الذي وافقت عليه كل الدول الصناعية الكبرى إلا الولايات المتحدة الأمريكية ذات المسئولية الأعظم في تخريب المناخ, ولكن مع توالي الأعاصير وتزايد عنفها يوما بعد آخر يدفع سكانها الأبرياء الثمن, وكل ذي حس إنساني تؤلمه المشاهد المروعة يواسي المنكوبين وينتظر غد تتكاتف فيه أيدي الجنس البشري جميعا للعيش بسلام وبناء عالم يخلو من العنصرية والأطماع والهيمنة والاستكبار, ويأمل على الأقل اليوم أن يُستجاب لتحذيرات الخبراء, والعجيب أن تلك التحذيرات تتفق تماما مع ما سبق وقرره القرآن من أن الفساد في البر والبحر قد ينجم عن النشاط البشري في قوله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم : 41). | |
|