۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
إبن سينا

عضو مبدع  عضو مبدع
إبن سينا


الجنس : ذكر
العمر : 47
الموقع صفحات التاريخ
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 297

♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  Empty
مُساهمةموضوع: ♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦    ♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  Icon_minitimeالثلاثاء 15 نوفمبر 2011, 9:24 pm



♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦


إن السباق، الذي واكب أفول هذا القرن، للوصول إلى درجات حرارة تقارب الصفر المطلق قاد إلى اكتشاف غير متوقع للتيارات التي تسري من دون مقاومة.
Rudolf de Bruyn Ouboter


تعتبر الموصلية الفائقة ـ التي تعني اختفاء المقاومة في تيار كهربائي ـ واحدة من أغرب ظواهر الطبيعة. ففي الشهر 3/1987، التقى مئات من العلماء في تجمع عالمي فيما دعاه البعض «مهرجان وود ستوك للفيزياء»(1) في قاعة الرقص بفندق هلتون في مدينة نيويورك لتسلُّم تقارير عاجلة عن الموصلية الفائقة عند درجات حرارة أكثر ارتفاعا مما كان قد سُجِّل قبل ذلك على الإطلاق. وقبل ذلك بثلاثين عاما وضع <J. باردين> و< N.L. كوپر> و <R.J. شريفر> الأساس النظري الذي فَسَّر بشكل جيد الموصلية الفائقة. وفي خضم البحث عن النظرية وعن المواد التي تتمتع بالموصلية الفائقة عند درجات حرارة أعلى، كاد يُنْسى العمل الذي قام به الفيزيائي التجريبي اللامع< هايك كامرلنگ أونز> مكتشف الموصلية الفائقة.


♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  SCI98b14N6-7_H08_007984


كان أونز رجلا شغوفا بالبرودة، ومما لا شك فيه أن حضوره إلى ستوكهولم في ذلك اليوم البارد من الشهر 12/1913 لتسلم جائزة نوبل في الفيزياء أضاف إلى فرحته متعة وبهجة. لقد كان هدفه البحثي الأول أن يصف بصورة كمية سلوك الغازات عند درجات حرارة شديدة الانخفاض، ولقد قاده البرنامج التجريبي، الذي مكّنه من الوصول إلى درجات أخفض، إلى اكتشاف الموصلية الفائقة.

ولد أونز في گروننجن بشمال شرقي هولندا عام 1853، كان والده صاحب مصنع لصناعة القرميد المستخدم في الأسقف. لكن مزاج والدته ذا النزعة الفنية كان له على ما يبدو تأثير في العائلة. وقد أصبح أخوه وابن أخيه رساميْن مرموقين، وتزوجت أخته من الفنان المشهور <F. ڤرستر> من مدينة ليدن، أما أونز فكان يهوى الشعر وهو فتى. ويمكن العثور على آثار النزعة الشعرية عند أونز في شعار مختبره، Door meten tot weten: الذي يعني «التجربة طريق إلى المعرفة» Through measurement to knowledge. إلا أن عبقرية أونز لم تتأجج إلا بمثابرته ومتابعته الأخيرة في فيزياء درجات الحرارة المنخفضة.

وفي عام 1870 دخل اسم أونز في سجلات جامعة گروننجن لدراسة الفيزياء. كان أونز يستمتع بالسفر والترحال على ما يبدو، وتجلى ذلك في انتقاله إلى جامعة هايدلبرگ في ألمانيا في السنة التالية، حيث درس مع الكيميائي <R. بنزن> ـ وهذا الاسم مألوف لدى كل من أشعل مصباح (أو موقد) بنزن في مختبر الكيمياء بالمدارس الثانوية ـ والفيزيائي <G. كرشوف>. وفي عام 1873 عاد أونز إلى گروننجن، حيث دافع بعد خمس سنوات عن أطروحته في الدكتوراه، التي كانت حول تأثير دوران الأرض في نواس قصير. وتزعم التقارير أنه لدى إعطاء الحكم النهائي على ذلك الدفاع اندفعت لجنة التحكيم بالتصفيق.


♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  SCI98b14N6-7_H08_007985
يقف هايك كامرلنگ أونز أمام الجهاز الذي يستخدمه لإيصال الهليوم إلى جوار الصفر المطلق ومن ثم إسالته. وكنتاج جانبي لهذا البحث للوصول إلى حرارة مفرطة في الانخفاض، اكتشف أونز مصادفة ظاهرة أطلق عليها اسم «الموصلية الفائقة». وفي السنوات الأخيرة، رفعت الموصلية الفائقة عند درجات حرارة متزايدة باستمرار من التوقعات في التوسع بإمداد السوق بالنبائط التي تستغل هذه الظاهرة. (في الأعلى) فني مشغول في بحث كهذا وهو يفحص ملفا مغمورا في سائل الآزوت رخيص الثمن عند درجة حرارة تبلغ 77 كلڤن.


وعندما كان أونز على وشك الانتهاء من عمله في تحضير الدكتوراه تعرَّف <D.J. ڤاندر ڤالس>، الذي صار بعدئذ أستاذا للفيزياء في جامعة أمستردام. لقد كان سلوك الغازات معروفا على وجه التقريب منذ القرن السابع عشر، عندما بيَّن العالم الأنكلوإيرلندي <R. بويل> أن الضغط يتناسب عكسيا مع الحجم عند أي درجة حرارة معطاة. وكانت المعادلات الناتجة التي تصف سلوك غاز ما تنطبق على غاز مثالي تخيلي لا تشغل جزيئاته حجما ولا يؤثر الواحد منها في الآخر بأي قوة. وعندما تقدمت تقنيات القياس، بدأ الكيميائيون والفيزيائيون يلاحظون انحرافات عن سلوك الغازات المثالية.


♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  SCI98b14N6-7_H08_007986


بدأ ڤاندر ڤالس يطور وصفا مترابطا (منسجما) للغازات الحقيقية، آخذا بعين الاعتبار الفراغ الحقيقي الذي تشغله جزيئات الغاز الحقيقي، وكذلك القوى التي تؤثر بها بعض هذه الجزيئات في بعضها الآخر. وفي عام 1873 نجح في صياغة قانون ڤاندر ڤالس، الذي يصف سلوك الغاز الحقيقي لغازات منفردة، وبعد سبع سنوات نشر قانونه للحالات المقابلة: وهو معادلة واحدة تدخل في الحسبان سلوك جميع الغازات الحقيقية. وعلى الرغم من أن عمل أونز في الميكانيك كان نموذجيا، فإنه وجد نفسه أكثر اهتماما بالانقياد وراء ڤاندرڤالس والتحري عن سلوك الغازات.


التسلسل نحو الهيدروجين السائل

في عام 1882 عُيِّن أونز أستاذا للفيزياء بجامعة ليدن. وعلى الرغم من أن التقنيات الكمية كانت القاعدة في أبحاث الميكانيك والكهرمغنطيسية فإن الدراسات عن المادة فضلا عن القوى كانت في الأغلب كمية تماما. ومن ثم فقد شرع أونز في وضع تحليل كمي شامل حيث كانت الدقة الرياضياتية أمرا جوهريا بالنسبة للمسائل العلمية التي يهتم بها.

لقد كانت الطريقة الوحيدة لاختبار أفكار ڤاندر ڤالس هي قياس سلوك الغازات في شروط مفرطة. فعند درجات حرارة مفرطة في الانخفاض، على سبيل المثال، ينحرف جزيء غاز معين عن قوانين الغاز المثالي بشكل أعظم، متبعا بدلا من ذلك توقعات ڤاندر ڤالس للغازات الحقيقية. إن الحاجة إلى شروط تبريد مفرطة قادت أونز إلى تأسيس مختبر لدرجات الحرارة المنخفضة (مختبر قرّي). وفي عام 1932 أعيد تسمية المنشأة باسم مختبر كامرلنگ أونز. كما أن الحاجة المقابلة إلى حرفيين مهرة كي يبدعوا أجهزة معقدة وحساسة ضرورية لعمل التبريد قادته إلى تأسيس جمعية تدريب لصانعي الأجهزة. تمكنت هذه المدرسة ضمن الجامعة من تخريج الفنيين المهرة لدرجة عالية، ومن بينهم نافخو الزجاج الذين سيصنعون الأجهزة له وللعديد من الباحثين في أنحاء العالم.


♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  SCI98b14N6-7_H08_007987
جهاز متسلسل (a) بناه أونز في عام 1892 يستطيع أن ينتج لترا من الهواء السائل في الساعة. كان الهواء السائل ضروريا لتشغيل مسيّل الهيدروجين (b) الذي صنعه بإتقان عام 1906. ينتقل غاز الهيدروجين عبر المنظومة إلى حمام من الهواء السائل ومن ثم إلى صمام تمدد في النهاية، يسمح لغاز الهيدروجين بالتمدد ويتحول إلى سائل. يجمع الهيدروجين السائل، في حين يعاد الغاز إلى الضاغط. طوّر أونز أول مسيِّل للهليوم (c) في عام 1908. وفي (d) يظهر أونز واقفا مع أستاذه
<D.J. ڤاندرڤالس> أمام الجهاز في عام 1911، في حين يظهر في (e) بعد عقد من الزمن مع رئيس مساعديه <G. فليم>.


وفي عام 1877 نجح كل من الفيزيائي الفرنسي <P.L. كيليتيت> والعالم السويسري <P.R. پيكتيت> على حدة في إسالة (تمييع) الأكسجين والآزوت. وقبل ذلك الإنجاز، كان العديد من العلماء يفترضون بأن تلك الغازات، إضافة إلى الهيدروجين، ربما كانت خارج نطاق الإسالة (على الرغم من أن الهليوم كان قد شوهد في الطيوف الشمسية، فإن ذلك الغاز لم يكتشف على الأرض إلا بحلول عام 1895.) كانت المشكلة تتمثل في الوصول إلى درجات حرارة مفرطة في الانخفاض تلزم لتكثيف هذه الغازات. وكانت كميات السائل التي سينتجها كيليتيت وپيكتيت صغيرة جدا، لكن أونز كان يحتاج إلى مقادير أكبر ليتابع بحثه.

وخلال عام 1892 نجح أونز في تطوير جهاز قادر على إنتاج كميات كبيرة من السائل. استفادت المنظومة مما صار يدعى العملية المتسلسلة cascade process، وهي سلسلة من الغازات بدرجات حرارة تكثيف أخفض، تُضغط وتبرَّد إلى نقطة السيولة ثم تترك لتتمدد، ويقوم البخار القادم من السائل المتبخر بتبريد البخار المضغوط الذي يليه في السلسلة. ابتدأ أونز بكلوريد الميتيل، الذي يتكثف عند الدرجة +21 سيلزية تحت ضغط يساوي خمسة ضغوط جوية (5atm)، فكثف على التتابع الإيثيلين (87 ـ درجة سيلزية عند ضغط يساوي ثلاثة ضغوط جوية 3atm) ثم الأكسجين (145 ـ درجة سيلزية عند ضغط 17atm)، وأخيرا الهواء (193 ـ درجة سيلزية وضغط قدره 1atm).

أما من أجل إسالة الهيدروجين فإن درجة الحرارة اللازمة ستكون قريبة بشكل ملحوظ من الصفر المطلق، مما يجعل بناء الجهاز أكثر حساسية، وبموجب القوانين التي تحكم سلوك الغاز المثالي عند حجم ثابت، فإن الضغط ينخفض مع انخفاض درجة الحرارة. ونظريا يصبح الضغط صفرا عند الدرجة 273.15 - سيلزية (وإن تكن الغازات الحقيقية قد تم إسالتها قبل ذلك). تعين هذه الدرجة من الحرارة الصفر على مقياس (سلم) كلڤن، وتدعى الصفر المطلق لأنها أخفض درجة حرارة يمكن التوصل إليها.

وفي عام 1898 تفوق الفيزيائي الاسكتلندي <J. ديوار>، الذي يعمل في مجال درجات الحرارة المنخفضة، على أونز في إسالة الهيدروجين مستفيدا من ظاهرة ترموديناميكية تعرف باسم تمدد جول ـ طومسون: في هذه الظاهرة تتغير درجة حرارة غاز، هابطة نحو الأسفل في الغالب، لدى تمدد الغاز عبر صمام. لقد استُعْمل تمدد جول ـ طومسون كجزء من العملية المتسلسلة، فقد جعلها ديوار رئيسية لمسعاه في إسالة الهيدروجين، لأنه إذا ما برد إلى حرارة دون 80 درجة سيلزية، ثم مُدِّد بعد ذلك فإن حرارته ستنخفض أكثر. (من اللافت للنظر أن نرى الهيدروجين يسخن إذا ما تُرِك يتمدد عند درجات حرارة أعلى من 80 - سيلزية الأمر الذي يفسر تسمية هذه النقطة بدرجة حرارة الانقلاب) وبهذه الطريقة نقل ديوار الهيدروجين إلى درجة إسالته البالغة 253 - سيلزية أو 20 كلڤن.

لم ينتج جهاز ديوار سوى كميات قليلة من الهيدروجين السائل. وقد لا تكون تلك النتيجة مخيبة لآمال أونز. ومع ذلك، ففي الوقت الذي كان الدافع لأعمال أونز هو مراقبة سلوك الغاز عند درجات حرارة منخفضة، كان هدف ديوار بكل بساطة الوصول إلى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق. وعلى الرغم من ذلك فإن أونز هو الذي صار يعرف «بسيِّد الصفر المطلق».


♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦  SCI98b14N6-7_H08_007988
إن ضاغط كيليتيت (a) ـ اخترعه< .P.L كيليتيت> الذي أسال الأكسجين والآزوت ـ كان مفيدا إلى أبعد الحدود بالنسبة لأونز أثناء بحثه نظرا لعدم فقد أي غاز أثناء الانضغاط أو التمدد، فقد كان الجهاز ملائما للعمل بغازات نقية ومكلفة. ويظهر في الشكل (b) أنبوب شعري على شكل الحرف W فيه سلك من الزئبق لدى اختبار مقاومة الزئبق عند درجات حرارة منخفضة. قبل أن يبدأ أونز تحقيقاته وتحرياته، كان السلوك المتوقع للمعادن (c) مختلفا تماما عما وجده في الواقع. اكتشف أونز أن الهبوط الحاد في المقاومة (d) يصاحب درجات حرارة متناقصة للزئبق ولعدد من المعادن الأخرى.

كان أونز مهتما بإنتاج كميات من الهيدروجين السائل أكبر بكثير من الكميات التي أنتجها ديوار، وهذا أحد الأسباب التي جعلته لا يُقدم على إسالة الهيدروجين إلا بعد مضي ثماني سنوات على إسالة ديوار له. وكان هناك عامل آخر هو مجتمع ليدن المذعور، ففي عام 1807 وأثناء احتلال نابليون لهولندا، انفجرت سفينة ذخيرة في قنال بوسط ليون. شُيد مختبر أونز على أنقاض الجزء المدمر من المدينة. وفي عام 1896 عندما اكتشف مجلس المدينة أن المختبر يشتمل على كميات لا بأس بها من الهيدروجين المضغوط (وهو غاز قابل للاحتراق بشدة) وكانت الذكريات التاريخية لانفجار السفينة لاتزال ماثلة في ذاكرة المجلس، هب مذعورا، وعينت السلطات هيئة لدراسة القضية. ولكن على الرغم من وجود ڤاندرڤالس في تلك الهيئة ووجود رسالة من ديوار تناشد المجلس أن يسمح باستمرار البحث، فقد أوقف عمل أونز على الهيدروجين لمدة سنتين.


الهليوم يصبح الجائزة

مع حلول عام 1906 كان أونز وفريقه قد طوروا جهازا قادرا على إنتاج كميات كبيرة نسبيا من الهيدروجين السائل من خلال تمدد جول طومسون بضغط غاز الهيدروجين، ثم إمراره عبر منطقة مبردة بالهواء السائل وبعد ذلك يُسمح له بالتمدد، وبهذه الوسيلة يتم تبريد الهيدروجين تبريدا يكفي لإسالة جزء منه على الأقل. هذا ويتم جمع أي هيدروجين غازي متبق وإعادته إلى المنظومة لإجراء محاولة أخرى. وفي البداية استطاع الجهاز أن ينتج أربعة لترات من الهيدروجين السائل في الساعة الواحدة، وبعد إجراء تحسينات لاحقة وصل إنتاجه إلى 13 لترا.

وفي عام 1895، وبينما كان أونز وديوار يحاولان إسالة الهيدروجين، اكتشف <W. رامزي > في إنكلترا الهليوم على الأرض. والهليوم أخف الغازات الخاملة، فالقوى التي تؤثر بها ذراته بعضها في بعض ضعيفة جدا، وتلك التفاعلات الضعيفة هي السبب في انخفاض درجة تكثيفه إلى هذه الدرجة المنخفضة جدا. وبعد أن كان البحث والكفاح منصبا على الهيدروجين السائل صار الآن منصبا على الهليوم السائل. وقد كتب أونز قائلا: «لقد عزمت على أن يكون هدفي المباشر هو المضي إلى نهاية الطريق.»

كانت الخطوة الأولى هي الحصول على كمية كافية من غاز الهليوم المكتشف حديثا. ولحسن الحظ فقد كان شقيق أونز يعمل مديرا لمكتب الاتصالات التجارية في أمستردام، وكان باستطاعته تدبير كميات كبيرة من رمل المونازايت monazite الذي يحتوي على الهليوم، المطلوب شراؤه من كارولينا الشمالية. وقد تمكن أونز من استخلاص نحو 300 لتر من غاز الهليوم (عند ضغط قدره atm1) من شحنة الرمل.

كان توافر إمدادات الهيدروجين السائل هو مفتاح محاولة إسالة الهليوم. فقد قام أونز بتصميم جهاز جديد مستخدما هواء سائلا ثم في النهاية هيدروجينا سائلا كمبردات. ومرة أخرى جُرِّب تمدد جول ـ طومسون لتكثيف الهليوم والحصول على بضع قطرات نفيسة (ثمينة) من السائل. وتم بناء المنظومة وبدأت العمل يوم 10/7/1908، وانتشر النبأ في أرجاء الجامعة وتجمع بعض العلماء ليشاهدوا ما حدث.

وفي عصر ذلك اليوم تدفق غاز الهليوم في الدارة، ولكن سائل الهليوم لم يشاهد حتى المساء. ولم ينخفض مقياس الحرارة دون درجة 4.2 كلڤن. وتصادف وجود أستاذ في الكيمياء هو <F. شراينميكرز> في المكان، فاقترح أن توقُّف قراءة ميزان الحرارة عن الهبوط ربما يعود لأن الهليوم السائل كان هناك بالفعل مسبقا، لكن رؤيته كانت صعبة. وشرع أونز بإضاءة وعاء التجميع من الأسفل. وروى أونز فيما بعد أن هذه اللحظة كانت رائعة، فسطح الهليوم السائل يصبح فجأة واضحا على جدار زجاج وعائه كطرف سكين، وأنه كاد يطير فرحا وسرورا وهو يتيح لڤاندرڤالس فرصة رؤية الهليوم السائل. ومع إنقاص الضغط تمكن أونز من خفض درجة الحرارة إلى 1.7 كلڤن مقتربا من الصفر المطلق لتلك الأيام. وقد استخدموا موازين حرارة تعمل بغاز الهليوم لقياس تلك الدرجات من الحرارة المفرطة الانخفاض. (عند حجم ثابت وضغط منخفض، يسلك الهليوم في ميزان الحرارة سلوكا قريبا جدا من سلوك الغاز المثالي الخيالي مما يسمح بقياس درجة الحرارة، ومعروف أن حاصل ضرب الضغط في الحجم يتناسب مع درجة الحرارة، وعليه فإن قياس الضغط عند حجم ثابت يصبح مقياسا لدرجة الحرارة.)

وعلى مدى السنوات الثلاث التالية كرس أونز نفسه لتطوير جهاز أفضل لاستعمال الهليوم السائل في البحث. فمجرد نقل السائل من الوعاء الذي يتكثف فيه الهليوم إلى وعاء تخزين يشكل تحديات تقنية كبيرة. وأخيرا، وفي عام 1911 أصبحت كريوستات (قريّات)(2) cryostat الهليوم التي تحافظ على السائل عند درجة حرارة منخفضة ثابتة، جاهزة لدراسة سلوك المواد عند درجات حرارة الهليوم السائل.


البرودة والتيار

كان من المعروف جيدا في ذلك الحين أن المقاومة الكهربائية في معدن تتناقص مع درجة الحرارة، بيد أن ما يمكن أن يحدث فعلا للمقاومة عندما تقترب درجة الحرارة من الصفر المطلق كان مثارا للجدل والمناقشات الحامية. فاللورد كلڤن كان يعتقد بأن جريان الإلكترونات، الذي يتحسن مع تناقص درجة الحرارة كما دلت عليه المقاومة الأخفض، قد يتوقف نهائيا، إذ تصبح الإلكترونات متجمدة في مواضعها. وهكذا فالمقاومة عند درجة الصفر المطلق ستكون عالية بلا حدود. أما أونز وديوار وغيرهما فقد افترضوا أن التناقص في المقاومة مع هبوط درجة الحرارة سيستمر باطراد، حتى يصل في النهاية إلى الصفر عند نقطة درجة الصفر. (في عام 1905 بيَّن <W.H. نرست> من ألمانيا أن قوانين الترموديناميك تمنع الوصول إلى الصفر المطلق تجريبيا. وقد تم الوصول إلى درجات حرارة تبلغ 0.3 كلڤن باستعمال نظير الهليوم 3 النادر، كما أدت عملية فقد المغنطة لنويات الذرات إلى درجات حرارة وصلت إلى 0.00001 كلڤن.) إن ما حدث فعلا كان مذهلا، إذ قدم في عام 1911 فهما للمادة على المستوى الذري لم يكن متوقعا إطلاقا.

ولما كان وجود الشوائب في معدن ما يمكن أن يعيق التيار الكهربائي ويؤدي إلى تشوش النتائج التجريبية، فقد قرر أونز أن يتعامل مع الزئبق. واستطاع أن يقطر الزئبق السائل مرارا وتكرارا عند درجة حرارة الغرفة، وبذلك حصل على عينة شديدة النقاوة لتجاربه في درجات الحرارة المنخفضة. كان الزئبق معبأ في أنبوب شعري من الزجاج على شكل الحرف U، وله قطبان في طرفيه يمكِّنان من قياس التيار المار فيه وهو لا يزال سائلا. وأخيرا بُرِّد الزئبق حتى صار سلكا صلبا. وقد وجد فريق أونز التناقص النظامي المتوقع في المقاومة عند جميع درجات الحرارة المقيسة. أما عند درجات الهليوم السائل والتي لا تزال أعلى بصورة محسوسة عن الصفر المطلق، فقد بدا وكأن المقاومة اختفت نهائيا.

وقد أنجز هذه التجارب أونز و<G. فليم> الذي يعمل رئيسا للكادر الفني، والعاملان معهما <G. هولست> و <C. دورسمان>. وكان أونز وفليم معنيين بجهاز توليد درجات الحرارة المنخفضة الذي كان يبرد فيه الزئبق، في حين جلس هولست ودورسمان في غرفة مظلمة تقع على بعد 50 مترا، يسجلان قراءات المقاومة من مقياس غلڤاني.

وحديثا، قام <J .دي نوبل> (وهو باحث في مختبر درجات الحرارة المنخفضة في ليدن) بإعادة تقييم القصة التي سمعها من فليم عندما وصل إلى هناك في عام 1931 وهو فتى (من البديهي، أن يكون المرء حذرا في أخذ هذه التقييمات بصورة حرفية، بسبب مرور زمن طويل عليها، ولأن القصة منقولة عن ثلاثة.) أشارت جميع المحاولات المتكررة إلى مقاومة صفرية عند درجات حرارة الهليوم السائل. وقد افترض العاملون أن يكون قصرٌ ما في الدارة هو المسؤول عن ذلك واستبدلوا بالأنبوب U أنبوبا آخر على شكل الحرف W مزودا بأقطاب عند طرفيه وعند الانحناءات (الفتلات) ليتوفر بذلك أربعة أجزاء مختلفة للتجربة. وفي هذه المرة أيضا كانت المقاومة صفرية ولم يعثر على أي قصر في الدارة أو أي جزء منها.

واستمر هؤلاء بإعادة التجربة. وكان هناك طالب من مدرسة صانعي الأجهزة مكلف بمراقبة قراءات مقياس الضغط الموصول بالجهاز. وكان ضغط بخار الهليوم في الكريوستات يحتاج إلى تخفيض قليل عن الضغط الجوي لكي يستطيع الهواء أن يندفع من خلال أي شق أو ثقب من الثقوب الرفيعة، فيتجمد ثم يغلق تلك الثقوب. وأثناء إحدى التجارب أعطى الطالب إيماءة. ارتفع الضغط ببطء، كما ارتفعت درجة الحرارة. وعندما مرت درجة الحرارة بالدرجة 4.2 كلڤن، رأى هولست قراءات المقياس الغلڤاني تقفز فجأة عندما عاد ظهور المقاومة.

وحسب رواية دي نوبل كان هولست قد شاهد عن غير قصد، التحول الذي آل إليه الزئبق من سلوكه من التوصيل الطبيعي إلى الحالة التي يرغب أونز في أن يسميها الموصلية الفائقة والعكس. وقد أقنعت المحاولات المتكررة أونز بأن الفقد المفاجئ لمقاومة الزئبق عند الدرجة 4.2 كلڤن كان حقيقة. نشر أونز اكتشافه في الشهر 11/1911 بالصيغة «حول التحول المفاجئ في معدل اختفاء مقاومة الزئبق.» وجاءت الاختبارات اللاحقة لكل من القصدير والرصاص فبينت أن الموصلية الفائقة كانت صفة تتمتع بها معادن عديدة إذا بُرِّدت تبريدا كافيا.

ومع حلول عام 1914 وطَّد أونز تيارا دائما أو ما دعاه تيارا فائقا مستمرا a persist Supercurrent في ملف (وشيعة) من الرصاص فائق التوصيل. وضع الملف في الكريوستات عند درجة حرارة منخفضة، حيث حرض التيار بوساطة حقل مغنطيسي خارجي. ومع غياب المقاومة، كانت الإلكترونات في الملف حرة في مواصلة تدفقها بصورة غير محدودة. وبعد أن رأى الفيزيائي النمساوي ـ الألماني <P. إيهرنفست> التيار، كتب إلى الفيزيائي الحائز جائزة نوبل <H. لورنتز> في هولندا: «إنه لأمر خارق أن نرى تأثير هذه التيارات (الدائمة) في إبرة مغنطيسية. ويمكنك أن تلمس بصورة حسية واقعية كيف تدور حلقة الإلكترونات في سلك مرات ومرات، ببطء ومن دون احتكاك.»

لكن أونز أصيب بخيبة أمل عندما اكتشف أنه يمكن إخماد الموصلية الفائقة بوساطة حقل مغنطيسي ولو ضئيل. كانت تلك الحساسية تعني أنه لا يمكن أن تمر إلا تيارات صغيرة في المواد فائقة التوصيل على الرغم من فقدان المقاومة ـ أي إن الحقول المغنطيسية المرافقة للتيارات لها شدة كافية لإخماد الموصلية الفائقة. وظلت هذه المشكلة هي العقبة الكبرى أمام التطبيقات العملية لاكتشاف أونز طوال حياته. وكان لا بد من مرور نصف قرن قبل أن تكتشف مواد وتتم معالجتها بطرق تسمح بالحصول على تيارات كبيرة مع حقول مغنطيسية مرافقة لها. إن نبائط (أدوات) التصوير بالرنين المغنطيسي (MRI) التي أضحت الدعامة الأساسية للطب التشخيصي كانت أفضل التطبيقات المهمة المعروفة للتقدم الذي طرأ على الموصلية الفائقة في النصف الثاني من القرن الحالي.

وفي عام 1926 توفي هايك كامرلنگ أونز. إن جميع إنجازاته متميزة علما بأنه كان يعاني التهاب الشعب الهوائية، الأمر الذي أجبره على ترك المختبر فترات طويلة للاستشفاء في سويسرا. لكن غيابه الجسدي ظاهريا لم يمنعه من قيادة العاملين في مختبره ـ بل حتى إن الموت لم يوقفه. وحسب أسطورة من ليدن تقول بأن مراسيم جنازته طالت أكثر مما هو متوقع، مرغمة الموكب على الإسراع عبر المدينة ليصل في الوقت المحدد للدفن بالقرب من قرية فورشوتن. وعندما كان الموكب مسرعا قيل إن فليم علَّق قائلا «ذلك هو الرجل العجوز بلا ريب ـ يجعلنا الآن نركض حتى بعد موته.»

وعلى الرغم من أن الموصلية الفائقة ظلت مجالا للبحث العلمي الذي لا يقدم عليه إلا نخبة قليلة فإن أونز كان خلال حياته يعتقد اعتقادا راسخا بأن التيار الذي لا يعاني أي مقاومة سيفسح المجال في النهاية أمام صنع عدد كبير من الأجهزة العملية. وتعد القطارات المرفوعة في الهواء وخطوط نقل الكهرباء ذات الموصلية الفائقة مثالَيْن لأكثر التطبيقات الممكنة التي ذكرت باستمرار. إن متابعة البحث لاكتشاف مواد جديدة ذات موصلية فائقة عند درجات حرارة أكثر ملاءمة قد تجعل من اكتشاف أونز جزءا من الحياة اليومية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
♦◊♦ اكتشاف هايك كامرلنگ أونز للموصلية الفائقة ‏♦◊♦
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ►]|◙|[◄ اكتشاف مغارة عمرها أكثر من 50 ألف سنة ►]|◙|[◄
» ㊣ اكتشاف رسومات أرضية عملاقة في السعودية ㊣
» ҉ اكتشاف غاز جديد يمتص الأشعة الكونية ҉
» ⋐☜ اكتشاف جزئ دقيق لا يخضع للنظريات المعروفة ☞⋑
»  اكتشاف نبات عشبي بماليزيا يكافح الإيدز والسرطان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات العلمية ۞ ::  ₪ العلوم والتقنية ₪-
انتقل الى: