₪♥₪ التعامل في البورصة.. المباح والمحظور ₪♥₪
تُعدّ البورصة من أهم المؤسسات العاملة في سوق رأس المال، بل من أهم المؤسسات المؤثرة في اقتصاد الدول الرأسمالية، وهي المرآة التي تعكس اقتصاد البلاد. والبورصة في معناها العام هي المكان الذي يتم فيه التعامل على حاصلات أو أوراق مالية تحت إشراف السلطة العامة.
وحتى تنجح البورصة في أداء وظائفها لا بد من:
- سياسة اقتصادية رشيدة بعيدة عن العبث والسفه وإهدار المال.
- أوضاع سياسية واقتصادية وقانونية مستقرة.
- اقتصاد منتعش ووفرة في المدخرات.
- هيكل متكامل من البنوك والمؤسسات المالية.
- شفافية كاملة؛ حيث لا تدليس ولا محاباة.
- سياسية ضريبية مستقرة.
شرعية التعامل في البورصة
تتلخص الرؤية الشرعية للتعامل في البورصة في عدد من العناصر، أهمها:
1 - الأشكال الإدارية والتنظيمية التي تتخذها الشركات والمؤسسات، مثل شركة مساهمة أو بيت خبرة وخلافه، وهذه الأشكال تحكمها السياسة الشرعية التي يقررها ذو الشأن على حسب ما تقتضيه المصلحة العامة ويدفع المفسدة.
وعمومًا ليس هناك ثمَّة نص شرعي يمنع اتخاذ هذه الأشكال أو التنظيمات، أو يفرض قيودًا عليها إلا قيد المصلحة التي تحققها والمفسدة التي تمنعها. والسياسة الشرعية عند الفقهاء هي: ما كان الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم ينزل به وحي ولم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو حلال.
2 - التعامل في الأوراق المالية:
الأوراق المالية إما أن تكون أسهمًا أو سندات أو صكوكًا، وحكمها على النحو التالي:
أولاً: الأسهم:
الأسهم هي الورقة التي يتمثل فيها حق المساهم في تملك جزء من الشركة، ويخول له حق الإدارة عن طريق عضويته في الجمعية العمومية للمساهمين، أو عن طريق مجلس الإدارة، كما يمنح نصيبًا من الأرباح على قدر مساهمته في الشركة إن كان ثمّة أرباح، ويتحمل من الخسارة على قدر أسهمه، وله الحق في ناتج تصفية الشركة عند انتهائها أو حلها.
فإذا كانت:
أ - أسهم شركات تتعامل في الحلال والطيبات، ويخلو رأسمالها من الربا وغسيل الأموال القذرة أو الكسب الخبيث، ولا تمنح أحدًا من جملة أسهمها امتيازًا ماليًّا على غيره؛ فالإسهام في هذه الشركات جائز شرعًا، بل مرغوب فيه؛ لما يحقق من النفع ويدفع من الضرر، وكذلك كل ما يستتبع هذا النشاط من بيع وشراء وسمسرة وترويج للأسهم وخلافه.
ب - أسهم شركات تتعامل في المحرمات والخبائث، مثل شركات الخمور إنتاجًا أو توزيعًا أو استيرادًا، أو شركات إنتاج لحم الخنزير، وشركات الإقراض أو الاقتراض الربوي كالبنوك الربوية، وشركات القمار وتسهيل الزنا، وشركات تزويد "الأعداء للإسلام" بالسلع والدواء والسلاح، وكل ما يستخدم ضد المسلمين، وغير ذلك مما نص على تحريمه في الشريعة الإسلامية، مثل المال المسروق أو المختلس وما في حكم ذلك، وكذلك إذا كان السهم نفسه يعطي لصاحبه ميزة مالية على نظرائه، وهو ما يسمى قانونًا "بشرط الأسد".
فكل ما تقدم محظور شرعًا، ولا يجوز الإسهام في مثل هذه الشركات، ولا السمسرة في أسهمها، ولا الترويج لها، ولا تغطية الاكتتاب فيها، ولا أخذ أرباحها.
ج - أسهم شركات يختلط فيها الحلال والحرام، وذلك كأن يكون لنشاط الشركة مشروعًا ورأس مال مشروعًا، إلا أنها اقترضت قرضًا ربويًّا لتمويل بعض أنشطتها، أو تتم معاملاتها بعقود فاسدة أو الرشوة.. وهذا أمر شاع، وقد انتشر في العصر الحاضر لغلبة القوانين الوضعية، وفساد الذمم والأخلاق، وهنا:
- يحرم على مسؤولي هذه الشركات تعمد التعامل بالحرام دون ضرورة حقيقية، وإذا وُجدت فإنها تُقدّر بقدرها، ولا يجوز لها أن تقدم على الحرام باختيارها.
- يجوز التعامل في أسهم هذه الشركات ما كان أغلب أموالها حلالاً وأنشطتها حلالاً، وإن كان الأحوط الابتعاد عنها.
- على من يشارك في مثل هذه الشركات أن يقصد بشراء أسهمها تغييرها نحو الحلال المحض من خلال مشاركته في الإدارة.
- عليه أن يخرج مما يربحه من هذه الشركات مقدار الحرام ليصرفه في الأنشطة الخيرية العامة، وليس بنيّة التصدق.
ثانيًا: السندات:
السندات وثيقة لإثبات قرض من مالك السند على المنشأة المصدّرة للسند، ويعطي صاحبه الحق في الفائدة المتفق عليها، بالإضافة إلى القيمة الاسمية للسند عند انتهاء مدة القرض؛ فضلاً عن الحق في تداول السند ببيعه أو التنازل عنه للغير.
ولا يشارك صاحب السند في إدارة المنشأة التي أقرضها؛ وليس له الحق في الحصول على أرباحها أو في ناتج التصفية، وإنما هو مجرد دائن للمنشأة، ومن هذا التعريف يأتي الحكم الشرعي للتعامل في السندات كالتالي:
- السند كما ذكرنا قرض يستحق صاحبه عليه فوائد ثابتة، وهذا هو الربا المحرم شرعًا بصريح الآيات القرآنية والسنن النبوية وإجماع الأمة سلفها وخلفها.
- أكد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية (مصر عام 1965) في شأن المعاملات المصرفية أن الفائدة على أنواع القروض كلها ربًا محرم، لا فرق بين ما يُسمّى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي.
- انتهى المؤتمر السادس لمجمع الفقه الإسلامي (جدة عام 1410هـ) أن السندات تمثل التزامًا بدفع قيمتها مع دفع فائدة منسوبة إليها أو نفع مشروط، ومن ثَم فهي محرمة شرعًا من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول؛ لأنها قروض ربوية سواء كانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة.. ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكًا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحًا أو عمولة أو عائدًا في حرمتها، كما تحرَّم السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضًا يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصمًا لهذه السندات، كما تحرَّم السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضًا اشتُرط فيها نفع أو زيادة النسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.
- في فتوى لشيخ الأزهر السابق "جاد الحق علي جاد الحق" (14/3/79) أكد أن أذون الخزانة وسندات التنمية التي تصدرها الدولة بمعدل ثابت؛ هما من باب القرض بفائدة، الذي حرَّمته الشريعة أيًّا كان المقرض؛ وأنها من باب الحرام شرعًا بالكتاب والسنة والإجماع.
ثالثًا: الصكوك:
- صكوك التمويل ذات العائد المتغير:
هي نوع من السندات، إلا أنها لا تُدر عائدًا ثابتًا، بل عائدًا متغيرًا، ولا يجاوز ما يحدده البنك المركزي بالاتفاق مع الهيئة العامة لسوق المال. ومشتري الصك لا يشترك في الإدارة، ولا يحصل على أرباح، ولا يتحمل الخسائر، وليس له الحق في ناتج التصفية، وإنما هو دائن للمنشأة بالقيمة الاسمية للصك، ويتقاضى في مقابل ذلك العائد.. ومن ثَم فإن التعامل في هذا النوع ليس مشروعًا؛ لأن صاحبه مجرد دائن للمنشأة، ويجرّ عليه عائدًا، وهذا من باب القرض الربوي المحرم، وعدم تثبيت العائد لا يخرج المعاملة من الحرمة إلى الحل؛ لأن تغييره يرجع إلى ما يحدده البنك المركزي بالاتفاق مع الهيئة العامة لسوق المال وليس بكم الأرباح.
- صكوك الاستثمار:
هي أوراق تصدرها شركات تلقي الأموال؛ يشترك صاحبها في الأرباح؛ ويتحمل في الخسائر بقدر قيمة الصك، وله الحق في ناتج التصفية، ويسترد قيمة الصك إذا اتفق على ذلك.. ومن ثَم فإن هذا النوع من الصكوك مشروع التعامل فيه بشتى أوجه التعامل.
ممارسات منهيّ عنها
هناك صور لا أخلاقية نهى الشرع عنها، ومنها:
1 - البيع الصوري:
يعني خلق تعامل نشط على سهم ما، في الوقت الذي قد لا يوجد فيه تعامل فِعْلي يذكر على السهم؛ والهدف من هذا البيع إيهام المتعاملين أن تغيرات سعرية حدثت للورقة المعنية؛ وأن تعاملاً نشطًا يجري عليها، وهو بذلك لا يخرج عن كونه نوعًا من الخداع والاحتيال بغرض تحقيق الربح، وفي هذا ضرر بالمنشأة والسوق والضرر والإضرار حرام، وفي الحديث: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَار"، وكذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ملعون من ضرّ مؤمنًا"، وكذلك في هذا كسب خبيث حرَّمه الإسلام. كما أنه نوع من التناجش (أي أن يزيد في ثمن الشيء من لا يرغب في شرائه، وإنما ليغري المشتري الحقيقي"، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النجش.
2 - اتفاقات التلاعب في الأسعار:
وتتم هذه الاتفاقات بواسطة شخصين أو أكثر، وتستهدف تغييرات مفتعلة في أسعار الأوراق المالية بغرض تحقيق الربح، ويتم ذلك من خلال ترويج إشاعات عن سوء حالة منشأة معينة، والإيعاز للعملاء بالتخلص من ورقة مالية معينة؛ فيندفع العملاء إلى التخلص بأدنى خسارة من الأوراق ليشتريها هؤلاء المتآمرون، ثم يبدءوا في نشر معلومات عن تحسن ملحوظ في أداء المنشأة مصدّرة الأوراق؛ فتبدأ القيمة السوقية للورقة في الارتفاع، ويقوموا بإبرام صفقات صورية حتى يسود اعتقاد بأن هناك تعاملاً نشطًا على تلك الأوراق، فيزيد التحسن في قيمتها، فيبدءوا في بيعها محققين ربحًا وفيرًا.
وهذه الاتفاقات تقوم على:
- ترويج الإشعاعات الكاذبة، والكذب جريمة شرعية أخلاقية تؤدي بصاحبها إلى جهنم.
- تقوم على الإضرار والضرر، والإضرار حرام.
- تقوم على خيانة الأمانة مع العملاء، وخيانة الأمانة من الكبائر.
- تقوم على خداع الآخرين، والخداع في النار.
- تقوم على تعاون على الإثم والعدوان، وهذا منهي عنه.
3 - الشراء بغرض الاحتكار:
ويُقصد به قيام شخص ما بالعمل على شراء كل الكميات المعروضة من ورقة مالية معينة؛ مما يمكنه فيما بعد من بيع الورقة للراغبين في شرائها بالسعر الذي يراه، أو للانفراد بصناعة القرار في المنشأة المُصدّرة للأوراق المالية. والأسعار التي يفرضها المحتكر غير عادلة، وليست نتيجة لتلاقي قوى العرض والطلب، وبالتالي يفسد السوق.
والاحتكار في الإسلام جريمة تستوجب الطرد من رحمة الله؛ فالمحتكر ملعون وبرئت منه ذمة الله ورسوله؛ فقد روى ابن ماجه عن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من احتكر حكرة يريد أن يغلِّي بها على المسلمين؛ فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله".
وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلِّيه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة".