قامت مجموعة من الباحثين في معهد سانتافي في جامعة نيوميكسيكو الأمريكية بإجراء تجربة عملية من خلال تطوير برنامج محاكاة آلي من شأنه تحديد السعر المستقبلي للأسهم. نشرت التجربة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم لعدد شباط (فبراير).
هدفت التجربة إلى تفسير التباين في عوائد الأرباح، أو الخسائر بين أنواع المستثمرين. أو بعبارة أدق، لماذا يحقق مستثمر بعينه عائدا ماليا أكبر من ذلك الذي يحققه مستثمر آخر في السوق المالي نفسه؟ وما العلاقة بين استخدام التحاليل المالية، فنية كانت أو أساسية، وزيادة أو تواضع حجم المحفظة الاستثمارية؟
قام الباحثون بتسجيل الرصيدين الافتتاحي، والختامي خلال 11 شهرا لعدد معين من المحافظ الاستثمارية التي تتداول في أسهم الشركات المدرجة في سوق لندن للأوراق المالية. روعي في اختيار المحافظ عامليان أساسيان. العامل الأول، أن تلك المحافظ لم تدعم بسيولة إضافية خلال فترة إجراء التجربة.
والعامل الثاني، تباين آلية تداول أصحاب تلك المحافظ من مستثمرين انتقائيين، وعشوائيين، عطفا على إفادة أصحابها. المستثمر الانتقائي من يعتمد على التحاليل المالية لانتقاء أسهم الشركات المتاجر بها، والمستثمر العشوائي من يعتمد على الأحاسيس النفسية في اختيار أسهم الشركات المتاجر بها.
نفذت هذه المحافظ ما مجموعه نحو ستة ملايين صفقة على أسهم 11 شركة مدرجة خلال الفترة من 1 آب أغسطس 998 إلى 30 نيسان (أبريل)2000.
قام الباحثون بإدخال هذه البيانات في برنامج محاكاة صمم خصيصا لإجراء هذه التجربة. روعي في تصميم البرنامج عامليان مهمان. العامل الأول، أن قرارات الاستثمار تنتهج العشوائية، دون الانتقائية، في المفاضلة بين أسهم الشركات الـ 11. العامل الثاني، أن آلية التداول تتم بناء على خاصيتي التباين السعري، ومعدل التذبذب. التباين السعري هو الاختلاف بين أفضل عرض، وطلب على سعر السهم. ومعدل التذبذب هو آلية قياس درجة المخاطرة في تذبذبات سعر السهم.
الهدف الأساسي من برنامج المحاكاة هو إجراء محاكاة افتراضية لتداول تلك المحافظ في أسهم الشركات الـ 11 بحيث يتوقف البرنامج عن التداول عندما يبلغ عدد الصفقات المنفذة لكل محفظة العدد نفسه الحاصل في أرض الواقع.
تتم بعد ذلك المقارنة بين الأرصدة الختامية للمحافظ الافتراضية بتلك الموجودة في المحافظ الواقعية. قام الباحثون بعد ذلك بتشغيل برنامج المحاكاة هذا، وباستخدام البيانات الحقيقية نفسها، والخاصة بالرصيد الافتتاحي، والختامي، وإجمالي عدد الصفقات.
ساهمت عدة عوامل في اختيار سوق لندن للأوراق المالية، عوضا عن أسواق المال الأخرى، لإجراء التجربة. منها توافر البيانات، وآلية عمل السوق، والتي تنقسم إلى نوعين. النوع الأول سوق طلبي، شبيه بسوق المال السعودي، ويقوم على توافر عدد من طلبات بيع، وشراء لأسهم شركة مدرجة. يشكل هذا النوع نحو 40 - 50 في المائة من إجمالي حجم السوق. والنوع الثاني سوق حصصي، شبيه بسوق ناسداك، يقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر. يشكل هذا النوع نحو 50-60 في المائة من إجمالي حجم السوق.
أهم نتيجة توصلت إليها التجربة هي أن الرصيد الختامي للمحافظ الافتراضية يشابه إلى درجة التساوي الرصيد الختامي للمحافظ الواقعية. خلص الباحثون من هذه النتيجة إلى أن منهجية الاستثمار في سوق الأسهم تنتهج الأسلوب العشوائي، عوضا عن الانتقائي.
بمعنى آخر، أن الاستثمار في أسهم الشركات لا يخضع إلى آراء التحاليل المالية، فنية كانت، أو أساسية. وإنما يخضع إلى آلية عمل السوق نفسه. تناقض هذه الخلاصة أدبيات الدراسات المالية، والتي تدعم نظرية الانتقائية في الاستثمار في الأسهم، عن طريق التركيز على آلية عمل السوق نفسه، عوضا عن المنهجية الانتقائية عند الاستثمار في الأسهم.. ونصل أيضا إلى أن وضوح الرؤية، وعملية الأهداف، وثبات المنهجية تشكل في مجملها أرضية منطقية نحو استثمار سليم طويل الأجل. توفيق الله، ثم القناعة، والثبات، تأتي قبل هذا كله.