[®][ أحمد رامي .. شاعر الآهات ][®]
*********
شاعر ذو موهبة رائعة في نظم الشعر أجزل الله له العطاء في موهبة الشعر ولمع اسمه في أوائل العشرينات حتى خيل للناس أن لا خليفة لأمير الشعراء غير أحمد رامي
و في منصف العشرينيات التقى أحمد رامي بأم كلثوم فإذا به يضعف أمام سحرها وتلين موهبته لإلهاماتها فينصرف عن الشعر إلى نظم الأغنية الدارجة لها ، وتستمرئ عاطفته مرعى ذلك الصوت الخصيب ،ـ حتى يكاد ينسى نفسه ، وينسى موهبته الأصيلة ، وينسى ما جبل عليه وما خلق له ، قرباناً لوتر أم كلثوم.
ولكن في نزول احمد رامي من قمة الشعر إلى سهل الأغنية الدارجة ، لم يهبط عبثاً ,وإنما حمل رسالة أدبية وقومية ضخمة ، هي رسالة الوثوب بالأغنية الدارجة من السفوح إلى القمم ، في الكلمة والمعنى معا ، واستطاع أن يطوع الصور والمعاني الشاعرية العالية للكلمة العامية ، وأن يرقق عواطف العامة بالشجن والأنين والذكريات وغيرها من الكلمات التي تخلق الصور ، والتي لم تعهدها الأغنية الدارجة من قبل ، حتى صارت أغنية رامي مميزة على كل أغنية غيرها بشيء جديد ، هو قربها إلى الشعر ، وحتى أصبح رامي زعيم مدرسة في الغناء ، لم يتأثر فيها المؤلفون وحدهم ، وإنما امتد تأثيرها إلى روح الملحن وحنجرة المغني أيضا
ولكن في السنوات الأخيرة من نظمه الشعر ارتد رامي عن الكلمة الدارجة إلى الكلمة الفصحى .... وعاد إلى الإيمان بما خلق من أجله ، وقد خلق ليكون على القمة التي يقف عليها أعلام الشعر العربي في هذا الجيل
فمن هو الشاعر أحد رامي الذي جعل من شعره عرشاً تتربع عليه سيدة الغناء العربي أم كلثوم
وصاغ لها أرق العبارات وأعذب المعاني من إحساس وشغف وعشق لصوتها
يقول عنه أحد الشعراء : ( لم اعرف من بين سير الشعراء سيرة أكثر شاعرية من سيرة أحمد رامي الشاعر الذي انتقل من مروج النرجس لأي جزيرة طاشيوز اليونانية إلى الحياة بين القبور في حر الإمام ثم إلى مجامع المتصوفين في حي الحنفي ، ثم إلى عشرة الخيام تحت أضواء باريس ، ثم إلى الفردوس الذي مدته لخياله أم كلثوم .
أحمد رامي هو من مواليد القاهرة ولد والنغم ملْ أذنيه............... وأبوه وقتها كان طالبا بكلية الطب
فقد كان أبوه شغوفاً بالفن يجتمع لديه دائما أهل الفن والطرب
وعندما تخرج أبوه من كلية الطب أختاره الخديوي ليكون طبيبا في جزيرة يونانية ( جزيرة طاشيوز ) كانت ملكا خاصا لعباس الثاني
كانت حياة أحمد رامي في السنين الأولى من حياته في هذه الجزيرة هي سنوات التفتح في براعم الأخيلة
وهكذا تفتح برعم خياله على غابات اللوز والنقل والفاكهة ، والبحر والموج والشاطئ .. وكانت ملاعبه هناك بين مروج النرجس الكثيفة هذه المروج التي كانت من قبله ملاعب لهومير وغيره من شعراء اليونان الأقدمين
وعاد رامي من هذه الجنة وعمرة تسع سنوات ليلتحق بالمدرسة وقد وعي اللغتين التركية واليونانية تاركاً أهله في الجزيرة ليسكن عند أقاربه مصر في بيت يقع في حضن القبور بحي الإمام الشافعي ، فاستوحشت نفسه وانطوت على هم وحزن عميقين .
وعندما رجع أهله عاد إلى حي الناصرية في القاهرة ولم يلبث أن يتركه أبوه برعاية جده لكي يسافر إلى السودان .. فعاودت أحمد الوحشة بعد الإيناس ولول أن خفت حدتها على نفسه أنه كان يستأنس من خلال نافذته التي تطل على مسجد السلطان الحنفي فكان كل ليلة يبقى كلها في الاستماع إلى مجامع المتصوفة يتلون أورادهم ويرددون ابتهالاتهم واستغاثاتهم في نغم جميل .
وكان يأنس في النهار بمكتبة قريبه من بيت الرافعي بيت علم وأدب وثقافة ووطنية ... فكان أحد يقضي بها جل وقته
وكان أول كتاب وقع في يده فقرأه وتشبع به وحفظه عن ظهر قلب هو كتاب ( مسامرة الحبيب في الغزل والنسيب ) كلها مختارات من شعر العشاق والغزليين
وهذا الكتاب لعب الدور الأول في حياة رامي ، فقرر مصير حياته ...ومن خلال قراءاته من هذه المكتبة تعلق قلبه بحب الأدب
وكان هناك جماعة أدبية ايمها جمعية النشأة الحديثة يجتمع في رواقها كل خميس جماعة من فحول ذلك الجيل .. ومنهم لطفي جمعة وصادق عنبر وإمام العبد ... وقد توسم صادق عنبر في أحمد الصغير خيرا وسمعه يتلو الشعر في هذا الرواق الأسبوعي وواتته في هذا الرواق فرصة سانحة قرأ فيها أول قصيدة من نظمه وهو يومئذ في الخامسة عشرة من عمره
وكانت أولى قصائده وطنية قال فيها
يا مصر أنت كنتانة الرحمن في أرضه من سالف الأزمان
ساعد بلادك بابن مصر ونيلها .. واهتف بها في السر والإعلان
وأول قصيدة منشورة له كانت في مجلة الروايات الجديدة ومطلعها
أيها الطائر المغرد رحمــاك.................. فإن التغريد قد أبكاني
أنت مثلت في الغناء غريبا................... غاب دهرا عن هذه الأوطان
[color=blue]
وبعد أن تخرج من دار المعلمين عين مدرسا في إحدى المدارس وبعد ذلك عين أمينا للمكتبة فاطمأنت نفسه وانصرف إلى حياة أديبة خالصة وانكب على مافي المكتبة من آداب العالم الثلاثة العربية والفرنسية والإنجليزية
ثم سافر في بعثة لدراسة اللغات الشرقية وفن المكتبات بباريس 1923 وهناك في باريس عاش أسعد ذكريات شبابه وكأنه كان هناك على موعد مع شاعر التاريخ عمر الخيام
وعاد إلى القاهرة على عمله بعد عامين وظل يتدرج في مناصبها حتى أصبح وكيلا لها وقد جاوز الستين
ولكنه ظل يلقب في المجامع والمنتديات بشاعر الشباب
وقد مارس احد رامي ثلاثة أنواع من الأدب هي الشعر الوجداني والعاطفي والوطني ثم أدب المسرح
فقد زود أحمد رامي المسرح المصري بذخيرة ضخمة تبلغ نحو خمسة عشرة مسرحية مترجمة عن شكسبير الخالد منه:/ هاملت ويوليوس قيصر والعاصفة وروميو وجولييت والنسر الصغير وغيرها مما قدمته مسارح يوسف وهبي وفاطمة رشدي في زمن عزة المسرح
ثم انتهى إلى نظم الأغنيات عندما ولع بأم كلثوم وبها اشتهر وطار ذكره حتى أوشك الناس أن ينسوا رامي شاعر الفصحى ، ورامي كاتب المسرح ولم يذكروا إلا شاعر الأغاني .. إلى أن ارتد إلى إيمانه بالشعر
وغنت أم كلثوم القصائد له ومنها يا ظالمني ، دليلي احتار ، عودت عيني على رؤياك ، حيرت قلبي معاك ، أنت الحب ، يا مسهرني ، وحياة الحب ،.... وغيرها من الأغاني الرائعة الأصيلة والخالدة حتى يومنا هذا
وهاك مقطعا من قصيدة قصة حبي
ذكريات عبرت أفق خيالي ... بارقاً يلمع في جنح الليالي
نبهت قلبي من غفوته..... وجلت لي ستر أيامي الخوالي
كيف أنساها وقلبي .... لم يزل يسكن جنبي
إنها قصة حبي
ذكريات داعبت فكري وظني ... لست أدري أيها أقرب مني
هي في سمعي على طول المدى ..... نغم ينساب في لحن أغن
بين شدو وحنين ....... وبكاء وأنين
كيف أنساها وسمعي .... لم يزل يذكر دمعي
وأنا أبكي مع اللحن الحزين
قال احد رامي عن لقاءه بأم كلثوم تقدمت إليها أعرفها بنفسي وأرجوها أن تغني قصيدتي فلبت طلبي وغنت وأجادت ما شاءت لها القدرة على الإجادة وأنصت إليها وأنا ذاهل من هذا الصوت الساحر الذي تردد في جوانب الحديقة ، وعدت إلى منزلي في تلك الليلة ولا يزال يتردد في سمعي ترجيع تلك الشابة ، فما قرّ لي قرار حتى لقيتها ليالي أخرى ، شربت من ينبوع ذلك النغم العذب ما غذي روحي وأمد خيالي وأشجى نفسي وملأ خاطري وجاد علي بالوحي والإلهام ، فنظمت لها عشرات الأغاني التي أصبحت تجري على الألسن وتتردد في سماء مصر وغير مصر من الأقطار العربية وشرف أسمي بالاقتران باسمها فأفسحت لي إلى جانبها مكاناً في سجل الخلود.. وعندما توفيت أم كلثوم قال أحمد رامي قصيدة رائعة يرثيها أنقل لكم بعضا من أبياتها:
ما جال في خاطري إنسي سأرثيها ..... بعد الذي صغت من أشجى أغانيها
قد كنت أسمعها تشدو فتطربني .... واليوم اسمعني أبكي وأبكيها
صحبتها من ضحى عمري وعشت لها ..... أوف المعاني تم أهديها
سلافة من جنى فكري وعاطفتي ..... تدبرها حول أرواح تناجيها
وبي من الشجو من تغريد ملهمتي ..... ماقد نسيت به الدنيا ومافيها
وما ظننت وأحلامي تسامرني ......... إني سأسهر في ذكرى لياليها
أضفى الهي عليها ظل رحمته ..... وظل من منهل الرضوان يسقيها
تبلى العظام وتبقى الروح خالدة .... حتى ترد إليها يوم تحييها
بالحب نحيا .... وبالأمل نسعى ....
للشاعر أحمد رامى
القصائد
إفرح يا قلبى
سهران لوحدى
النوم يداعب
أول ما شفتك حبيتك
غنى الربيع
فاكر لما كنت جنبى
يا ليلة العيد
هجرتك
انت الحب
فاكر لما كنت جنبي
افرح يا قلبي
ح أقابله بكره
الغيرة
غلبت اصالح
هلت ليالي القمر
النوم يداعب
كيف مرت على هواك القلوب