سوف تتيح الشبكات اللاسلكية، التي لا تعتمد على بنية تحتية ثابتة، اتصالات في كل مكان(1) بغض النظر عن الظروف.
مفاهيم مفتاحية
لا تتطلب الشبكات اللاسلكية التلقائية بنية تحتية ثابتة، فهي تمرر المعلومات من جهاز إلى آخر مكوِّنة شبكة من الوصلات.
يمكن استخدام الشبكات التلقائية حيث تكون إقامة بنية تحتية للشبكات الخلوية المعهودة شديدة الصعوبة أو عالية التكلفة، خاصة في المناطق النائية أو في ساحات المعارك على سبيل المثال.
نظرا إلى أن الشبكة التلقائية في حالة حركة وتغيُّر دائمين، يجب اللجوء إلى طرائق خلاقة لتجنب ضياع المعلومات وتخفيض التداخل.
في حقبة الفيسبوك والتويتَّر والآيْفون هذه، من السهل الافتراض أن مقدرتنا على الاتصال بأي مكان من العالم هي شيء بديهي. إلاّ أن الاتصالات تصبح حرجة جدا في الأوقات التي تنهار فيها بنيتها التحتية. ففي جزيرة هاييتي، مثلا، كانت الهواتف الفضائية التي قدمتها وكالات الإنقاذ وسيلة الاتصال الرئيسية طوال الأيام التي أعقبت الزلزال المأساوي الذي ضرب هذه الجزيرة في بداية هذا العام. وحتى في الظروف العادية، يمكن لانقطاع الكهرباء أن يعطِّل البنية التحتية للشبكات الخلوية عن العمل، مما يجعل تجهيزات اتصالات حالات الطوارئ مجرد أثقال لمنع الأوراق من التطاير.
في مثل تلك الظروف، فإن الخيار الذي يلقى قبولا متزايدا هو إنشاء شبكة مخصصة لمواجهة هذه الظروف. تتكوَّن شبكة كهذه تلقائيا وسنسميها شبكة تلقائية حيثما تكون ثمة هواتف خلوية أو أي وسائل اتصالات أخرى، مبرمجةٌ لهذا الغرض، ضمن مدى الاتصال فيما بينها. ويعمل كل جهاز فيها مرسِلا ومستقبِلا، وأكثر من ذلك، وسيطا بين الأجهزة الأخرى القريبة منه. حينئذ تستطيع الأجهزة البعيدة عن بعضها الاتصال فيما بينها إذا كانت الأجهزة الوسيطة مستعدة لمساعدتها على تمرير الرسائل من جهاز إلى آخر، كما تمرر مجموعة من الأشخاص أوعية الماء من شخص إلى آخر. وبكلمات أخرى، تعمل كل عقدة node في الشبكة بوصفها متصلا، ترسل وتستقبل رسائلها وبنية تحتية تنقل رسائل الآخرين.
ليس الإنقاذ في حالات الطوارئ سوى واحد من التطبيقات الممكنة للشبكات التلقائية. فهي يمكن أن تعمل في أي مكان يكون فيه إنشاء بنية تحتية ثابتة شديد البطء أو صعبا أو عالي التكلفة. وقد أنفق الجيش الأمريكي مبالغ طائلة على تصميم مثل هذه النظم لمصلحة الاتصالات في ميدان المعركة. وتُمكِّن الشبكات التلقائية في منزلك الأجهزة من العثور على بعضها والاتصال فيما بينها تلقائيا، محرِّرة إياك من حزم الأسلاك الممدودة في غرفة معيشتك وفي مكتبك. ويمكن للقرى النائية، ولمناطق ذوي الدخل المنخفض التي تفتقر إلى بنية تحتية للاتصالات العريضة الحزمة، أن تتصل بالإنترنت عبر الشبكات التلقائية. ويمكن للعلماء المهتمين بدراسة البيئات الميكروية(4) في رؤوس الأشجار أو فتحات الماء الحار في قاع المحيط، أن ينشروا مُحِسَّات(5) في البيئة التي يرغبون في دراستها من دون الاهتمام بكيفية اتصالها معا، أو بكيفية انتقال المعلومات من تلك البيئات الصعبة إلى حواسيب الباحثين.
وقد بقيت تلك الشبكات قيد التطوير مدة تزيد على ثلاثة عقود، إلا أن أولى أمثلتها العملية الواسعة النطاق لم تظهر إلا في السنوات القليلة الماضية بعد التطورات التي حصلت في نظرية الشبكات. ففي سان فرانسِسكو، تؤمِّن الشبكات الجديدة Meraki الاتصال لـ000 400 شخص بالإنترنت عبر مشروعها المسمى «تحرير الشبكة» Free the Net، والذي يعتمد على تقانة التشبيك التلقائي(6). وتَستخدم مكوِّنات البلوتوث في الهواتف الخلوية (النقالة)، وفي نظم الألعاب الحاسوبية والحواسيب، تقنيات التشبيك التلقائي لتمكين التجهيزات من الاتصال معا من دون توصيلات أو تشكيلات محددة. وقد نُشرت الشبكات التلقائية في بيئات متنوعة، نائية أو قاسية، لجمع بيانات علمية من محِسَّات لاسلكية منخفضة استهلاك الطاقة. ومع ذلك، فإنه ما زال من الضروري تحقيق عدد من الفتوح التقانية الأساسية كي تصبح هذه الشبكات شائعة الاستخدام وذلك على الرغم من التقدُّم الذي تحقَّق في هذا المجال على جبهات عدة.
الشبكة الخلوية
لا تزال الشبكات التلقائية نادرة. ولفهم سبب بطء انتشارها، من المفيد النظر إلى الفوارق بين هذا النهج الجديد، وبين التقانات اللاسلكية الأخرى من قبيل الهواتف الخـلويــــة وشبكات الواي-فاي Wi-Fi. فحينما تَستخدم هاتفا خلويا عاديا للاتصال بصديق، تكون الإرسالات لاسلكية فقط بين كلٍّ من الهاتفين وأقرب برج للخلية. أما الأبراج فهي ثابتة، والاتصالات فيما بينها تمر عبر شبكات ضخمة من الأسلاك والكِبال. والشبكات اللاسلكية المحلية، من قبيل الواي-فاي، تعتمد أيضا على هوائيات ثابتة، وعلى تجهيزات اتصال سلكية فيما بين الهوائيات.
وتنطوي تلك الشبكات على مجموعة من المزايا والعيوب. ومن مزاياها ما يتعلق بتوفير الطاقة لنقل المعلومات. فالشبكات اللاسلكية الشائعة تجعل استهلاك الطاقة في التجهيزات المحمولة التي تتغذى من البطاريات (كالهواتف والحواسيب) في حده الأدنى، وذلك بوضع أكبر قدر ممكن من أعباء عملية الاتصال على كاهل البنية التحتية الثابتة، التي تستجر طاقتها من شبكة الكهرباء. يُضاف إلى ذلك أن عرض الحزمة الراديوية المتاحة هو مورد ثابت ومحدود، وتجعل تلك الشبكات استخدام ذلك المورد أمثليا عادة بإرسال معظم المعلومات على أسلاك. ويمكِّن استخدام البنية التحتية الثابتة من بناء شبكات اتصالات هاتفية، وشبكات واي-فاي، كبيرة وموثوق بها غالبا في المناطق حيث الحاجة القصوى إليها.
إلا أن استخدام البنية التحتية الثابتة يجعل هذه الشبكات عرضة لانقطاع الكهرباء وللأعطال المركزية الأخرى التي يمكن أن توقفها عن العمل، حتى وإن كانت الهواتف والحواسيب الموجودة في المنطقة قادرة على العمل. وبالمقارنة، تُعتبر الشبكات التلقائية منيعة على نحو فريد من هذه الناحية. إذا نفدت طاقة جهاز نقال، أو أُطفئ، فإن التجهيزات الأخرى تعدِّل تشكيلة الشبكة للتعويض عن الجهاز الخارج من الخدمة بقدر الإمكان. فالشبكة تتكيَّف و«تتعافى» على نحو طبيعي مع دخول التجهيزات فيها وخروجها منها.
انقطاع المكالمة: تقطع الكوارث التي تشابه زلزال هاييتي خطوط الاتصال، ولذا يمكن استخدام الشبكات التلقائية لتأمين اتصال الضحايا بفرق الإنقاذ وبالعالم الخارجي.
إلا أن هذه المقدرة على التعافي الذاتي ليست مجانية. فالشبكة يجب أن ترسِل معلومات بطريقة ذكية تمكِّن من إعادة تركيب الرسالة حتى ولو انقطعت بعض الوصلات بين المرسل والمستقبل أثناء الإرسال. وعلى المنظومة أن تحدِّد أفضل مسار لإيصال الرسالة إلى المستقبل، حتى وإن لم تكن ثمة طريقة يعرف بها الجهاز المرسِل مكان وجود المستقبِل. وأخيرا، على الشبكة أيضا أن تتعامل مع الضجيج المنتشر في كل مكان، والناجم عن إرسال عدد من الأجهزة رسائل في وقت واحد.
استراتيجيات التوصيل
تُعدُّ مشكلة توجيه المعلومات توجيها فعالا عبر شبكة متغيرة باستمرار صعبة الحل لأسباب عدة. ففي الشبكات الخلوية أو اللاسلكية الشائعة الأخرى، تلاحق البنية التحتية المركزية السلكية المواقع العامة للأجهزة النقالة وتكوِّن سجلا لها. لذا يمكنها أخذ رسالة من مرسل وتوجيهها مباشرة إلى المستقبل.
أما في الشبكات التلقائية، فعلى الأجهزة النقالة أن تحدِّد بنفسها أفضل المسارات لتوصيل المعلومات إلى مستقبلها. وتلك الأجهزة محدودة الإمكانات من حيث الطاقة الحاسوبية وسعة الذاكرة والمقدرة على تحقيق الاتصالات، ولذا لا يستطيع أيٌّ منها وحده جمع أو معالجة المعلومات التي يمكن للحواسيب المركزية في الشبكات اللاسلكية المعهودة جمعها ومعالجتها.
يمكن إيضاح الحالة بالمثال التالي: أنت في مدينة كبيرة، ولتكن لندن، وتريد الاتصال بصديقك الموجود في مكان غير معروف في الطرف الآخر للمدينة. في هذه الحالة التخيُّلية، تكون البنية التحتية للاتصالات مثبتة على أسطح سيارات الأجرة، ومدى كل مستقبل مركب على سيارة يقل عن ميل واحد، والسيارات تتحرك بسرعة تقل كثيرا عن حركة الاتصالات، ولذا عليها العمل معا لإيصال رسالتك إلى صديقك. ومع تجوال السيارات عبر المدينة، تتواصل المستقبلات القريبة من بعضها معا، ثم تفترق عددا غير محدد من المرات فيما بعد. لذا على رسالتك القفز عبر المدينة على ظهر هذه الشبكة المتغيرة، وأن تعثر على صديقك لتسلمه محتواها من المعلومات.
وهذه مهمة صعبة حتى لرسالة واحدة فقط تتحرك ضمن شبكة صغيرة. وتزداد الصعوبة بازدياد عدد الأجهزة والرسائل في الشبكة. لذا، كي تكون هذه التقانة مفيدة فعلا، يجب أن تعمل بكفاءة بقطع النظر عن الحجم الذي تؤول إليه الشبكة.
لقد جرى تطوير كثير من التقنيات لمعالجة هذه المشكلة. وجميعها يتضمن، من حيث الجوهر، استعلامات كثيرة عن الاتجاهات. فكل جهاز يستعلم من الأجهزة المجاورة له عن الأجهزة المجاورة لها، وهذه الأجهزة تستعلم من جوارها، وهكذا حتى تصل الرسالة إلى صديقك. ويمكن لرد صديقك أن يعود إليك على المسار نفسه، أو على غيره. وبهذه الطريقة يولِّد كل جهاز وسيط لائحة بالمسارات المتاحة بينك وبين صديقك. وتمكِّن هذه اللوائح رسالتك من الوصول إلى صديقك حتى وإن كان جهازك لا يعرف مكان صديقك. ونظرا إلى أن الشبكة متحركة، على التجهيزات تكرار عملية الاستعلام باستمرار لتحديث لائحة المسارات المتاحة.
استخدام التكرار الذكي لإرسال الرسائل
يـمـكـن لأي مســار يـحـمـل مـعلـومـات في الشـبكـة اللاسلكية التلقائية أن ينهار في أي لحظة. لذا على المرسل تجزئة الرسالة بطريقة ما تمكِّن من إعادة تركيبها بغض النظر عن المسارات التي تنقطع. في هذا المثال البسيط، الرسالة هي الرقمان 1 و 3. وثمة أربعة مسارات ممكنة في الشبكة احتمال انقطاع أيٍّ منها يساوي 50%. في الطريقة غير الذكية، إرسال 1 على مسارين وإرسال 3 على مسارين يمكن أن يؤدي إلى ضياع جزء من الرسالة إذا انقطع كلا مساري الـ 1 أو كلا مساري الـ 3. إلاّ أن ثمة طريقة أخرى (انظر الشكل) تضمن وصول الرسالة سليمة.
ثمة 000 400 مقيم في سان فرانسِسكو ينفذون إلى الإنترنت باستخدام شبكات تلقائية.
ومن المفيد أيضا إرسال المعلومات عبر مسارات عدة في وقت واحد، وذلك لتحسين فرص وصول الرسالة إلى المرسَل إليه. إلاّ أن ثمة سؤالا يطرح نفسه ويتعلق بمقدار التكرار الذي يجب أن تتضمنه المنظومة. من ناحية أولى، يمكن المبالغة وجعل الشبكة ترسل كامل الرسالة على جميع المسارات فيها. وتزيد هذه الطريقة من فرص وصول الرسالة إلى المستقبِل، إلا أن تطبيقها على كل رسالة سوف يؤدي سريعا إلى اختناق الشبكة بالحركة. وفي الطرف الآخر من المبالغة، يمكن تجزئة المعلومات إلى مجموعة من الأجزاء، وإرسال كل جزء عبر مسار يخصه. وفي هذه الطريقة، يُستخدم مقدار صغير من موارد الشبكة، إلا أن كثيرا من أجزاء المعلومات يمكن أن يضيع أثناء الإرسال، تاركا للمستقبل مجرد رسالة مبتورة.
إلا أن تقنية تسمى تكويد الشبكة(7) توفر حلا وسطا. تتضمن هذه التقنية تجزئة الرسالة إلى أجزاء، وتحديد معلومات كل جزء، ثم إرسال تلك الأجزاء عبر مسارات عدة على نحو يمكن فيه إعادة بناء الرسالة في طرف المستقبل حتى ولو ضاع بعض أجزائها [انظر المؤطر السابق].
ويتضمن أحد أوجه تكويد الشبكة تحديد عدد المسارات التي سوف تُرسَل الرسالة عبرها. وتقلِّل زيادة عدد المسارات من مفعول انقطاع أي مسار، إلاّ أنها تزيد من عدد الأجهزة المنخرطة في تحقيق المكالمة الواحدة. وتوزع هذه الطريقة المكالمة على عدد كبير من أجهزة المشاركين، مقللة بذلك عبء الطاقة المستهلكة في كل منها، ولكنْ مع زيادة مقدار التنسيق اللازم فيما بينها.
ومع تزايد عدد الأجهزة التي تقوم بالإرسال، سواء لمصلحة مكالمة واحدة أو لمصلحة مكالمات عدة، يزداد احتمال التداخل فيما بينها أيضا. عندئذ، وعلى غرار صعوبة فهم كلام حينما يتحدث كثير من الناس في آن واحد، يصبح من الصعب على جهاز لاسلكي أن يكشف المعلومات المرسلة حين حصول إرسالات أخرى بالقرب منه. وهذه مشكلة عويصة في الشبكات اللاسلكية التلقائية خاصة، وذلك بسبب عدم وجود نظام تحكم مركزي يعمل على التنسيق فيما بين الأجهزة المشاركة في الشبكة.
غيِّر استطاعة الإرسال لدرء التداخل
على الشبكات اللاسلكية التلقائية أن تتعامل مع مشكلات التداخل العويصة التي تحصل عندما يقوم كثير من الأجهزة بالإرسال في آن واحد، حيث يصبح من الصعب استخراج تيار بيانات واحد من ضجيج التداخل. وإحدى طرائق تجاوز هذه العقبة هي جعل الأجهزة تغيِّر شدَّة إشاراتها. وتعمل هذه الطريقة بنجاح في حالة وجود مرسلَيْن ومستقبل واحد. أما جعلها تعمل مع عدد أكبر من المرسِلات والمستقبِلات، فهو موضوع بحث جار.
ويمكن معالجة التداخل في الشبكات اللاسلكية بطريقتين. في الطريقة الأولى، يجري تجنب التصادم. فإذا كانت الإرسالات نادرة، كان احتمال تداخل رسالة مع أخرى صغيرا. لذا، يقوم كل جهاز في هذه الطريقة بتجزئة المعلومات إلى أجزاء صغيرة وإرسالها على شكل رشقات قصيرة. ونظرا إلى أنه من غير المحتمل أن تقوم الأجهزة المجاورة، التي لا يوجد تنسيق معها، بالإرسال في الوقت نفسه فإن هذه الطريقة تولد تداخلا أقل مما يحصل لو أرسل المستخدمون المعلومات على شكل تيار مستمر بطيء (يعتمد أكثر مقايِس standard شبكات الحواسيب اللاسلكية شيوعا على طريقة الرشقات هذه.)
أما الطريقة الثانية، فتسمح لمرسلَيْن بإرسال معلومات إلى مستقبل واحد في الوقت نفسه، إلاّ أنها تتطلب أن يكون إرسال أحدهما أضعف من إرسال الآخر. فإذا تكلمتَ بصوت عال حينما يهمس شخص آخر، فإنني أستطيع كشف رسالتك من دون صعوبة [انظر المؤطَّر السابق]. وإذا كان لدي تسجيل صوتي، فإني أستطيع إسقاط رسالتك منه لكشف الرسالة الضعيفة.
لقد تبين أن الطريقة الثانية تتفوق في الشبكات التي يرسِل فيها جهازان فقط رسائل يستقبلها جهاز ثالث، لكن أداءها يتدهور بسرعة مع ازدياد عدد المُرسِلين. يضاف إلى ذلك أن على المنظومة أن تحدِّد، بطريقة ما، من يرسل بصوت عالٍ ومن يرسل بصوت منخفض. والتنسيق بحد ذاته يتطلب اتصالات، وكلما ازداد الجهد المبذول في التنسيق، قلَّ عرض الحزمة bandwidth الترددية المتاح لك للاتصال. وتحديد الطريقة الممكنة الفضلى ما زال موضوع بحث جار.
أدوات جديدة
صحيحٌ أن الشبكات التلقائية مفيدة في كثير من الحالات، إلاّ أنه قد يكون من الصعب تحديد مدى تلك الفائدة تماما؛ حتى إنه لمن الصعب الإجابة عن الأسئلة البسيطة التي تخص حدود أدائها. ما هو معدل إرسال المعلومات الذي يمكننا استخدامه فيها؟ كيف يعتمد هذا المعدل على عدد الأجهزة الموجودة في الشبكة، وعلى مقدار التداخل فيما بين إرسالاتها؟ ماذا يحصل عندما تتحرك جميع الأجهزة التي في الشبكة؟ وما هي المقايضات الممكنة بين معدل نقل المعلومات، والتأخير المترتب على وصولها إلى مصبها، ومناعة المنظومة؟
إن أهمية الحصول على حدود الأداء الجوهرية تلك كبيرة جدا. فتلك المعلومات توفر لمصممي الشبكة تقنيات جديدة يمكن تضمينها في تصاميمهم، وتساعد الباحثين على تحديد أين يمكن تحقيق أكبر ربح في الشبكات القائمة. ويُضاف إلى ذلك أن معرفة تلك الحدود تمكِّن مصممي الشبكات من تحديد الأفضليات المتنافسة من قبيل معدل نقل المعلومات والتأخير واحتمال ضياع المعلومات. وعلى سبيل المثال، تتأثر المكالمات الهاتفية والمؤتمرات من بُعْد كثيرا بتأخر وصول المعلومات. فالتأخير الطويل، ومعدل وصول رزم المعلومات غير المتناسق، يمكن أن يُحدِثا تقطُّعات في الصوت والصورة المنقولين تجعل التخاطب صعبا. لذا، عندما يفهم المصممون بنية الشبكة المعنية التي يعملون بها، يستطيعون برمجة كل تطبيق لتحديد أفضليات احتياجاته، من قبيل معدل التأخير المنخفض في حالة المكالمات الهاتفية، أو معدل ضياع رزم المعلومات المنخفض في حالة إرسال الوثائق المهمة.
إلا أنه من الصعب تحقيق هذا النوع من الفهم للشبكات التلقائية، لأنها دائمة التغيُّر. لــذا، ولفهم الإمكانـــات النهائيـــة للشبكة، لا يمكن الاعتماد على مجرد قياس أدائها الحالي، بل يجب تحديد أدائها في كل تشكيلة ممكنة لها.
وقد اتبعنا نهجا جديدا في معالجة هذه المشكلة يُنمذج الشبكات اللاسلكية التلقائية بشيء أشد وضوحا نستطيع فهمه، أي الشبكات السلكية العادية. ففي جعبتنا من الأدوات التي ابتكرها علماء المعلومات ما يزيد على نتاج عمل دام ستة عقود لدراسة تدفق المعلومات عبر الشبكات السلكية. وهذه الشبكات لا تعاني مشكلات التداخل interference، وعُقَد الاتصال فيها لا تغير مواقعها. فإذا أردنا دراسة شبكة لاسلكية معينة، نمذجناها أولا باعتبارها شبكة سلكية تمتلك بعض السمات الأساسية من سمات الشبكة اللاسلكية. وبعدئذ يمكننا توصيف إمكانات الأداء الكاملة للشبكة التلقائية باستخدام مواصفات النموذج باعتبارها دليلا.
وتساعدنا هذه الإجرائية على بناء شبكات ذات أداء أفضل، لأننا نستطيع فهم مضامين خياراتنا التصميمية. وهي تسمح لنا أيضا بتحديد المواضع التي تعمل فيها طرائقنا على نحو جيد، وأين يمكن إدخال تحسينات جديدة.
لفهم الإمكانات النهائية للشبكة، عليك تحديد الكيفية التي سوف تتصرف بها في كل تشكيلة ممكنة.
ولكنْ حتى بتوفُّر تلك الأدوات، فإننا لا نتوقع أن تحل الشبكات التلقائية محل الشبكات الخلوية الموجودة. أما في الحالات الاستثنائية التي تكون فيها الشبكات التلقائية ضرورية، فإن تلك الأدوات سوف تمكِّن من الفهم الكامل للإمكانات التي سوف تمتلكها الشبكة، خاصة حيث توجد حاجة ماسة إليها.