[[]]◄ تأنيث طب النساء والتوليد ►[[]]
في مداخلة خلال لقاء إذاعي ذكرت زميلة استشارية في طب النساء والتوليد، وقد دار الحوار مع استشاري في جراحة العظام ذكرت أن هناك هيمنة ذكورية على تخصص طب وجراحة العظام.. فقفز إلى ذهني سؤال مشابه: وهل هناك هيمنة ذكورية على طب النساء والتوليد؟
ولأنني لا أملك إجابة دقيقة عن هذا السؤال فلم أتطوع بأي إجابة وقد تردد السؤال في ذهني لفترة طويلة.. وليس المهم – في نظري- أن يتبادل الذكور والإناث التهم حول الهيمنة على التخصصات الطبية، وفي حالات كثيرة لا يتعدى الأمر أن يكون مجرد مزحة من النوع المتوسط، وليس الثقيل أو أن يكون مجرد ملاحظة عابرة، قد لا يلقي لها أحد بالاً.
إلا أن الملاحظ دائماً أن كلمة الهيمنة، تحمل في داخلها إيحاءات سلبية تدعو أحياناً إلى الشعور بالتنافر أو النفور.. والاستعمار!!
وبعيداً عن مفردة الهيمنة.. وإيحاءاتها. دعونا نناقش القضية بموضوعية، وشفافية، من الناحية الشرعية، والاجتماعية والواقعية.
أما من الناحية الشرعية، فالأصل أن الكشف على العورات غير جائز شرعاً إلا لضرورة أو حاجة، ويتأكد في حق الكشف على العورات إذا اختلف الجنس.
وضوابط الضرورة كثيرة منها:
• أن تكون الضرورة قائمة غير منتظرة، أي أنها حاصلة في الوقت الذي يرتكب فيه المحرم، وأن يحصل في الواقع الخوف على الهلاك أو تلف النفس أو الأعضاء.
• ألا توجد وسيلة أخرى لدفع الضرر.
• الاقتصار فيما يباح للضرورة على الحد الأدنى أو القدر اللازم لدفع الضرر، فالضرورة تقدر بقدرها قال تعالى: ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد)).
ومن هنا أجاز العلماء للطبيب أن ينظر إلى العورة عند المداواة بقدر الحاجة، ولا تتداوى المرأة عند رجل ولا الرجل عند امرأة إذا كان هناك من يحسن التطبيب من نفس الجنس، لقلة أخطار اطلاع الجنس على جنسه.
واستفاضت بذلك فتاوى العلماء ودور الإفتاء والمجامع الفقهية. وننقل هنا فتوى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا نص الفتوى:
• الأصل الشرعي: أنه لا يجوز كشف عورة المرأة للرجل، ولا العكس، ولا كشف عورة المرأة للمرأة. ولا عورة الرجل للرجل.
• الأصل أنه إذا توافرت طبيبة مسلمة، متخصصة، يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم تتوافر تلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم. يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم (أي إذا لم يوجد مسلم) على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد على ذلك، وأن يغض الطرف على قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه، بحضور محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة، خشية الخلوة.
• في جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز أن يشترك مع الطبيب، إلا من دعت الحاجة الطبية الملحة لمشاركته، ويجب عليه كتمان الأسرار إن وجدت.
• يجب على المسئولين في الصحة والمستشفيات حفظ عورات المسلمين والمسلمات، من خلال وضع لوائح و أنظمة خاصة، تحقق هذا الهدف، وتعاقب كل من لا يحترم أخلاق المسلمين، وترتيب ما يلزم لستر العورة، وعدم كشفها أثناء العمليات إلا بقدر الحاجة من خلال اللباس المناسب شرعاً.
كما أوصى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بما يلي:
• أن يقوم المسئولون عن الصحة(وأقول: والتعليم الصحي) بتعديل السياسة الصحيةـ فكراً ومنهجاً، وتطبيقاً، بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوه عنايتهم الكاملة، لدفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم، وصيانة أعراضهم.
• العمل على وجود موجه شرعي، في كل مستشفى، للإرشاد والتوجيه للمرضى.
وهذه الفتوى قد صدرت بتوقيع عدد من علماء الأمة من عدد من الدول الإسلامية.
وأما من الناحية الاجتماعية، وهي تتبع دون شك للناحية الشرعية فإن كثيراً من النساء في مجتمعنا يترددن ويقعن في الحرج الشرعي أو الاجتماعي للكشف عليهن من قبل الرجال. وقبول المجتمع أو عدم قبوله لأمر ما يجب أن يراعى ما لم يكن هناك محظور شرعي أو تعريض لأفراده إلى ضرر محقق.
وقد يقول قائل ويتساءل متسائل.. ولماذا طب النساء والتوليد؟
وأظن أن الأمر واضح لكل ذي بصيرة، والسبب تعلقه بكشف العورة المغلظة والتي يتحرز فيها العلماء والفقهاء أكثر من غيرها..
وأما من الناحية الواقعية، فالسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن فعلاً تأنيث طب النساء والتوليد؟ بمعنى أن يكون جميع المختصين فيه من النساء؟
وقبل الإجابة عن السؤال.. دعوني أخبركم بهذه القصة التي تحمل دلالات مهمة في هذا الصدد..
حدثني طبيب عراقي، ثقة، بأن بعض رؤساء العشائر في العراق طلبوا من رئيس الدولة أثناء زيارته لإحدى المحافظات ألا يكشف على نسائهم رجال، وأعلنوا رفضهم لذلك.. فما كان منه إلا أن أصدر مرسوماً جمهورياً بألا يتخصص في طب النساء والتوليد إلا أن النساء.. وهكذا كان.. حتى يومنا هذا.
وأكد لي زميل من الهند بأن من الصعب جداً أن تجد هناك طبيباً مختصاً في أمراض النساء والتوليد.
كما أكد لي زميل آخر أن تخصص طب النساء والتوليد في كندا.. قد بدأ يشق طريقه ليصبح طباً أنثوياً..
إذاً لقد أصبحت الإجابة عن السؤال واضحة..
والسؤال الذي يطرح نفسه أيضاً: ألا يمكن أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون؟.. بلى يمكن.
وحتى نكمل الحديث حول الناحية الواقعية.. لابد من العودة إلى الجذور في التعليم الطبي وأثره في دفع هذا الواقع أو رفعه ولست هنا بصدد الحديث بالتفصيل عن الكيفية التي يمكن أن يساهم التعليم الطبي في تأنيث طب النساء والتوليد.
لكنني أنقل هنا مقترحاً كان الطبيب الفقيه محمد بن علي البار قد طرحه قبل عقود.. وملخصه أن يكون تخصص النساء والولادة مساراً خاصاً في التعليم الطبي.. يمكن أن يبدأ مبكراً مشابهاً لطب الأسنان مثلاً..
وليست هذه هي الصورة الوحيدة.. فيمكن التفكير في بدائل أخرى والمجال مفتوح لكل ذي رأي أن يدلي برأيه فيها..
والقضية الأخرى.. التي لابد من معالجتها ما ذكره بعض طبيبات النساء والتوليد من وود عزوف لدى النساء عن التخصص في هذا المجال.. إذ ذكرت إحداهن وهي الدكتورة أسماء السعدون في مقابلة معها في الملتقى الصحي.. أن هناك عزوفاً لدى النساء عن هذا التخصص، وذلك لصعوبة العمل في هذا المجال، وعدم وجود الحوافز..
ومن هنا لابد من دراسة هذه الظاهرة لتحديدها بشكل دقيق وإزالة العقبات والمعوقات من طريقهن.. وما الذي يمنع من إعطاء حوافز أكثر للمتخصصات في هذا المجال..
وأخيراً.. لست مع أولئك الذين يريدون حشر أطباء النساء والتوليد من الرجال في زاوية ضيقة ليوسعوهم ضرباً وركلاً..
فإن مما يحمد لكثير منهم.. أن كانوا سبباً في تعليم النساء اللواتي تخصصن في هذا المال وتدريبهن.. كما لا ينكر ما قاموا به من جهود متواصلة في النهوض بهذا التخصص ودفع الضرورة والحاجة..
لكننا هنا بصدد النظر في الأولويات والإمكانيات ودفع الضرورات والحاجات.
والسؤال الأخير الذي نختم به: هل سنشهد هيمنة أنثوية في طب النساء والتوليد في المستقبل؟ أرجو ذلك.