الجنس : العمر : 46 طيبة الطيبة التسجيل : 08/09/2011عدد المساهمات : 242
موضوع: *¤ô§ô¤* شذراتٌ من بنيوية القرآن الكريم *¤ô§ô¤* الإثنين 12 سبتمبر 2011, 5:52 pm
والحمد لله والصلاة والسلام على النبي الأُمّي وآله ومن والاه ..
أما بعد:
فإن لكل بُنيانٍ قواعدَ يقوم عليها .. ويتطاول مادامتْ هذه القواعدُ في قوّةٍ ورُسوخ .. وما أحرى القرآن الكريم من أن يكون المثال الإمام .. والحذوَ الأقوم .. والمقياس المطلق .. والضحى الذي لا يساكنهُ في مداه ظلام ..
فمقارنة شطْرُها القرآن الكريم لا يمكن بحالٍ من الأحوال أنْ ترقى بالشطر الآخر من باب المماثلة أو المشابهة أبدا ً..
فأنا لا يمكن أنْ أكون منطقياً فيما لو قارنت بين ضوء الشمعة وضوء الشمس .. ولا بين كأس ماء ومحيط ..!
ومع هذا البْونِ الهائلِ لابُد من سبيلٍ يُسعف المُغامر الحاذق ليصل به إلى شاطئ الأمان وسُنّارتُه قد ظفرت بصيدٍ ثمين ..!
وعليه فإنه بإمكان مُتأمل أن يلتقط ومْضة حتى ولو كانت بحجم سمّ الخِياط في ليل كانونيٍّ .. وبها يهتدي ويقيسُ شدّة الظّلمة .. وبالليل يقيس شدّة وميضها على امتداده ..!
ومما تقدم فإنه بوسع بصيرٍ سميعٍ أن يقيس درجة عافية نصّ فكريّ .. أو علمي .. أو إبداعي .. أو أخلاقي .. ومنهج قياسه القرآن الكريم.. والمُقايِسُ لو صَدَق النية وعقد العزم سيجد مُبتغاه دون عناءٍ .. أينما حلّ في الربوع القرآنيه المُعجزة .. التي مابرحت تبوح لقاصدها كما تبوح الشمس في وضح النهار ..
وإذا كان القياس على النّص القرآني يُسفر عن خطّ بياني مُطلقٍ لأيّ بُنيوية نصّية .. معنوية .. أو حياتيةٍ مادّية ..
فماذا عن بُنيوية القرآن الكريم إذن ..؟! وما هي مُرْتكزاتُها وعناصرها .. وما هي درجة الإعجازِ فيها ..؟
أسئلةٌ افتراضيَّةٌ لا تنتظِر الإجابة من فردٍ .. ولا من جماعة .. ولا من أمةٍ .. يحدّها المكان والزمان .. مهما بلغت عبقرية الفرد .. وكفاءة الجماعة .. وإمكانات الأمة ..!
فالبحث ُ في القرآن الكريم يعنى البحث في قضية الوجود برمته ..! ومن غير المعقول أن يبدأ البحث فيه وينتهي .. وأطوار الوجود لا تزال تَتْرَا .. يُسفر اللاحق فيها عن الذي أخفاه السّابقُ .. وكأنها تذكيرٌ مُتواصلٌ بقوله تعالى كما في سورة الرحمن : ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
وبقوله تعالى في سورة الذاريات : وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) .
وبقوله تعالى في سورة البقرة : وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ(255)
وبقوله تعالى في سورة الإسراء : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا (85)
ومع هذا فإننا مأمورون بالعمل بكل ما أوتينا وعلى الله القبول ، قال تعالى في سورة التوبة وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) .
فاستجابة لأمره تعالى بالعمل ليرى سبحانه ورسوله والمؤمنون .. وطمعاً مني في أن أكون من الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض .. وفي عِلمْ ما لم أكنْ أعلم وللبراءة من الذين لا يعلمون ولا يعملون .. وهم قادرون ..! قُمْتُ وبعون الله وإذنه ومشيئته .. بإحصاء المفردات التي تعود إلى جَذْر لُغوي واحد في فواصل آيات القرآن الكريم .. إحصاءً يأخذ بأكثرها وروداً لأقف على الأُسُسِ البنيوية التي أنشأ الله تعالى خاتمة رسالاته عليها إنشاءً معجزاً يتحدى به الثقلين أن يأتيا بسورةٍ من مثله معنىً ومبنىً .. ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .. وعلى الترتيب التنازلي سأورد مصادر الألفاظ الأكثر تكراراً في فواصل آيات القرآن الكريم ..
وما دام الله تعالى قد بدأ بالعلم كأولى القواعد التأسيسية وأوْلاهُ ما لم يولِ غيره من الألفاظ قط .. فقد تكررت ألفاظه مئتين وإحدى وأربعين مرة .. كما في قوله تعالى في سورة الحجرات : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) علما بأن ألفاظ العلم تكررت في كامل القرآن الكريم :484 مرة..
وتلاه العمل الذي تكررت ألفاظه مئةً وإحدى وستين مرة ، والعملُ قيام ومُزاولةٌ وإنجازٌ وعبادةٌ مأمورٌ بها كلُّ قادرٍ عاقل قال تعالى في سورة التوبة : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105﴾ كذلك فقد تكررت ألفاظ العمل في كامل القرآن الكريم :274 مرة..
وتلاه الإيمان والذي تكررت ألفاظه مئة وثلاثةً وخمسين مرة كما في سورة الحشر : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) علما بأن ألفاظ الإيمان قد تكررت في كامل القرآن الكريم 241 مرة..
وتلاه الظلم بألفاظه المئة والثلاثة والعشرين والله الخالق العدل حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرماً .. فلا تظالموا .. فسمعنا وعصينا وتربعنا على عروش الظالمين إلا من رحم ربي قال تعالى في سورة آل عمران : وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
وتلته الرحمة بألفاظها المئة والواحد .. بعد استثناء صفته العَلِيَة سبحانه من البسملة في كل سور القرآن الكريم عدا بسملة الفاتحة التي تعتبر الآية رقم واحد فيها ..قال تعالى في سورة النساء : دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
وتلاه الكذب بألفاظه الثلاثة والتسعين .. والمؤمن معصوم من الكذب فقد شاء سبحانه أن تتكرر الألفاظ التي جذرها كذب إحدى وثلاثين مرة كلازمةٍ في سورة الرحمن بصيغة إنكارية تقشعر الأبدان من سماعها حيث قال سبحانه : فَبِأَيِّ آَلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) .
كذلك تكررت لفظة المكذبين عشر مراتٍ كلازمةٍ في سورة المرسلات كما في قوله تعالى : ويلٌ يومئذٍ للمكذبين (28)
وتلاه الكفر بألفاظه التسعة والثمانين كما في سورة البقرة : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) .
وتلاه العظيم بألفاظه الثمانين كما في قوله تعالى من سورة الحاقة : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) .
وتلاه العالمين بألفاظه السبعة والسبعين كما في قوله تعالى من سورة الفاتحة : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) .
وتلته الحكمة بألفاظها الستة والسبعين قال تعالى في سورة البقرة : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
وتلاه العقل بألفاظه الستة والستين كما في قولهِ تعالى في سورة المائدة : مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) . فسبحان الذي كرم بني آدم على العالمين في أحسن تقويم ، وتوّجه بالعقل ليهتدي إلى كل ما يُحييه .
وتلاه المُبين بألفاظه السبعة والخمسين .. كما في قوله تعالى من سورة الأنعام : وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) .
وتلاه الصدق بألفاظه الأربعة والخمسين كما في قوله تعالى من سورة الواقعة : نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) .
وتلاه التّقي بألفاظه الثلاثة والخمسين كما في قوله تعالى من سورة الأنعام : وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) .
وتلاه الشكر بألفاظه الستة والأربعين كما في قوله تعالى من سورة يوسف : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) .
وتلاه الشرك بألفاظه الثلاثة والأربعين كما في سورة الأنعام : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) .
وتلته الهدى بألفاظها الخمسة والثلاثين .. كما في قوله تعالى من سورة البقرة : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لايَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170) .
وتلاه الإسلام بألفاظه الأربعة والثلاثين كما في قوله تعالى من سورة الذاريات : فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) .
أما بعد:
فإنني سأكتفي إلى هذا الحد لاستيفاء الشاهد فيما سبق .. والقرآن الكريم كله شاهد .. بهذا البيان المقدس المُعجز خاطب الله سبحانه عِباده ودعاهم لما يُحييهم ولما يخرجهم من الظلمات إلى النور وليكون الذين آمنوا واتقوا خير أمة أخرجت للناس .. وإذا كانت الأمور بخواتيمها والآداب كالشعر والأغاني بلازماتها وأفلاتها لما للخاتمة أو اللازمة من تأثير استقطابي على أحاسيس ومدارك المُتلقي والمستمع للشعر والغناء على حدٍ سواء ومادامت الحال كذلك مع كلام الناس فمن باب أولى أن يتضاعف هذا التأثير من كلام ربّ الناس .. ومن بديع صنع الله تعالى أن جعل أكثر خواتيم آياته موافقا لأسمائه الحسنى تعظيما لقرآنه ورحمة وحفاوة بعباده وهو سبحانه على كل شيء قدير .. ومع هذا فإن هذه البُنيوية المُحكمة على امتدادها السياقي تذخر بالأمر والنهي وتُبين ولا تدع للخلق على الخالق حُجة ..
وعليه : فلا عُذر لمن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره على جهل وتخلّف وقال له ربه إقرأ ، ولا على إسلام ولمّا يدخل الإيمان في قلبه بعد ولا على ظُلم وقد حرمه الله على نفسه ولا على قعود عن السعي والعمل وقال له ربه وقل اعملوا ولا على عُقم فكريٍّ إبداعي وآياته سبحانه لأولي الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ولا على كفرٍ وقد لعن الله الكافرين ، كما في قولهُ تعالى من سورة البقرة : فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) ولا على كذب واستنكره الله في سورة الرحمن بإحدى وثلاثين آية لو أنزلت على الكذب ذاتِهِ لأحالته صدقا وإحساناً ..! ولا على استهانة بشعائر الله .. والله العظيم عظّمها .. وتَعْظيمُها من تقوى القلوب ولا على العشوائية والحكيمُ الرَّشيد العدل عنده كل شيء بمقدار .. ولا على جُبن وتبعية ٍ وقال له سبحانه في سورة غافر : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
فالله الكريم العليم لا يدعو إلا إلى التي هي أقوم .. ولا يأمر إلا بالذي يجعل الإنسان خليفة في أرضه .. وخلافة الله في أرضه .. لا تكون إلا بالعلم المشروع الذي يُصرّفُ شؤون العباد .. وبالإيمان الذي ينآى بصاحبه عن الجهل والضعف والضلال .. وبالعدل الذي يُنصفُ العباد من العباد ، وبالإحسان الذي يحيي الرَّقيبَ ويوقظُ الضَّمير ، وبإيتاء ذي القربى لتأليف القلوب ، وبالسعي لتحقيق إنسانيه الإنسان .. وصيانتها من هوى النفس و الشيطان .. الدنيا : مزرعة الآخرة أرضها تِبْرٌ .. وثمرها جوْهر .. وعاملها يتقاضى أجره من الله .. لا يَحْقِرُها فتفسِدَ ولاُ يُقدِّسُها فتكون غايته ..! ولا أعظم ولا أجل من أن يحقق الإنسان غاية الغايات بعبوديته لربه وخشيته من عقابه .. وطمعه بعفوه وجنته .. ولا يكون كل ذلك إلا بالعلم مصداقُ ذلك قوله تعالى في سورة فاطر : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
من أجل ذلك أفتتح الله سبحانه خاتمه رسالاته للعالمين بكلام ظاهره أمْرٌ 00وباطنه حُبّ لا يُزاوله بهذه الحميمية إلا خالق مُحِبّ .. رؤوفٌ .. رحيمٌ .. بعباده حيث قال سبحانه في سورة العلق : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
فربّ الناس يعلم أنه لا يخشاه من عباده إلا من كان له به علم .. وهو القائل سبحانَه في سورة الذاريات : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56)
والعبادة لا تكون إلا بالإيمان .. والإيمان لن يكون إلا بعلم .. والعلم يكشف الحجاب بين العبد وربه فيراه في سماواته وأرضه .. وفي مأكله ومشربه وهوائه .. وإن شاء واجتهد .. كان الله في سمعه وبصره ومسْعاه في يديه ورجْليْه .. وإن أقسم عليه لأبره .. قال الله تعالى في سورة النمل : قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ(40)
والبعض من الكُلِّ قليلٌ .. والقليل من علم الكتاب ألْغى النَّاموس .. وحقق المعجزة .. وكأن الذي حاز من علم الكتاب أقسم على الله فأبرهُ حين أمر عَرْشَ بلقيس بأن يكون في مُلك سيلمان عليه السلام .. فكان ..! ولو أن هذا الفعل المعجز يَتحقق بالزوايا .. والتَّكايا .. والدروشةِ .. والزهدِ .. والصوْمعة .. والانقطاع عن الدنيا .. لما كان طلبُ العلم فريضةً على كل مسلم ومسلمةٍ ..! ولما سهّل الله به طريقاً إلى الجنة .. وما انحصرت خَشيةُ الله بالعلماء ..! وما أحضر الذي عنده علم من الكتاب عرش بلقيس بهذه الفَوْريَّة .. وما كان للذين يعلمون على الذين لا يعلمون عظيم الدرجات .. وما قام صاحبُ موسى عليهما السلام بخرق السفينة لِتسْلَمَ لأهلها .. وبقتل الغلام .. وبإقامة الجدار لليتيمين .. فإذا كان كلام الناس يرفع ويخفض بين الناس والناس .. فإن كلام ربّ الناس يرفع ويخفض بين الناس وربّ الناس .. ولا أظن أيّ تشبيه يليق بكلام الله عز وجل حتى ولو قابلنا كُلّ حَرْفٍ منه بقمر بدرٍ .. وكل كلمة في سياقه المعجز بشمس في عزّ الضحى ..!
فما الذي يعْدِلُ كفَّة العلم .. ومقام الإيمان .. ومرارة الظلم .. وجحود الكَذِب .. وفيضْ الرحمة .. وقيمة العمل .. وقيادة العقل .. وتهلُكة الكفر .. ورصانة الحكمة .. وجلالة التقى .. وبُشرى الهداية .. ونعمة الصدق .. وسموَّ الإحسان .. وبركة الشكر.. وما إلى ذلك من نِعَمِ الله التي لا تحصى ..!
وأي إيمان لمن يتبختر في ثوب الأمية .. ونِسبة الأمية في البلاد المسلمة تجاوزت ال60% ،والذي تطبعه إسبانيا من الكتب العلمية والثقافية في العام .. يفوق ما تطبعه جميع الدول العربية في عشر سنوات ..!! وأي إيمان لِمُراءٍ امتطى جواد الإسلام ليصل عليه إلى ما ليس له به حق ..؟! وأي إيمان ومصداقيةٍ لمن اتخذ من الكذب درعاً يقيه سهام أفعاله وأقواله ..؟! وأي إيمانٍ لمن جفت عُروق الرحمة في قلبه وأصبح ظلوما جهولاً ..؟! وأي إيمان لمن آثر القُعود وعلَّق أقدامه على أكتاف القائمين ..؟! وأي إيمان لمن سلَّم عقله وجوارحه إلى الدُّود .. ولم يكتسب بهم نافعاً في حياته أبداً ..؟! وأي إيمان لمن بسملته كفرٌ .. وتحميدته كفرٌ .. وما بينهما كفرٌ ..؟! وأي أيمان لمن تولى المشركَ والكافرَ .. وأعرضَ عن الله وأوليائه ..؟! وأي إيمان لجاحد ماشكر نعمة أسبغها الله عليه ..؟! وأي إيمان لمن لم يُعظم الشعائر الإلهية .. وقدَّس شعائر الضالين الوضعيَّة .. فَضَلَّ .. وأَضَل ..؟! تُرى .. كم يشكّل هؤلاء من أمة الضاد والقرآن ..؟!
إن الذي تقدم ليس إلا ومضة من شمس بنيوية القرآن الكريم ونقطة من محيطها..قال تعالى في سورة البقرة : وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ...(255) .
وما اقتصاري على القرآن الكريم دون الأحاديث النبوية الشريفة تماشياً مع تسمية البحث فحسب ولكنني لم أجد ما يربط الأمم المسلمة أكثر منه لأنه الوحيد الذي لا يزال يجمعهم في تظاهر الحج والعمرة ومساجد الجمعة وعطش وجوع رمضان ..!!
فأمة قد تمزَّقت إلى أكثر من ثلاثة وسبعين أمة وكل أمة تلعن أُختها لا يُؤلّفها حديث شريف .. ولا تاريخ مشترك .. ولا جغرافية .. ولا عُرفٌ .. ولا نبالة هدف .. ولا أصلابُ خير أمة أُخرجت للناس ..!
ختاماً : سبحان الذي خلق كل شيءٍ بمقدارٍ وأبدع ، وهو أحسن الخالقين .. راودني الظّنُّ فاجتهدت في طلب اليقين ليطمئن قلبي وتستقر نفسي ويهتدي عقلي ، قال تعالى في سورة القمر : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) .
فأين أنت يا أمة الضاد من قرآنٍ لم يدع غامضاً إلا أفصحه ، ولا عسيراً إلا يسره ، ولا علماً نافعاً إلا وفي ألفه ويائه أودعه .. هكذا هو القرآن الكريم ، كتاب علمٍ بامتياز أشرق بإقرأ ليعم النّورُ المبينُ كلَّ أرجائه بالمطلق ، فمن اهتدى به وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لن يضل أبداً .. فالحمد لله الذي أيّد حُسن ظني بيقينه ..
إن أكبر كارثةٍ حلّت بأمة القرآن كانت من جانب المدّعين أزلام السلاطين دُعاتِها المأجورين الذين سوّغوا الظُّلم ، والتجهيل ، والتهميش ، والعمى ، والطرش ، وحشروا الدين كُلَّ الدين في المحراب ، والقائمين عليه ..
حتّى أنجب وَثنيةً لا اللات فيها ، ولا العُزى ، ولا سيد الحنفاء إبراهيم عليه السلام . وثنيةٌ أصبحت فيها عبادة الدين ، والأوصياء عليه ، والشكل الدينيِّ طاغيةً على عبادة ربِّ الدين ، وأقصى منى القيِّمين الجهلة والمأجورين تتلخص في تكثير المساجد على مبدأ سياسة الاستيعاب الجامعي ، والوظيفيِّ ..! لحشر أكبر عددٍ من العاطلين فيها تخليصاً للضمير ، وأداءً للرسالة ، وإبراءً للذمة ..
وهكذا .. حتى أصبحت كُلُ الثغور فاغرةً إلا من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ينتظرون إحدى الطّامّتين ظُلمَ العدو ، أو رحمة سيدنا عزرائيل عليه السلام ..!
كتابٌ ؛ أساسه العلم النافع ، وعماده العمل المخلص ، وسقفه الإيمانُ ،وكُسوتهُ فسيفُساءٌ مُقدسٌ تتراوح بين الرحمة ، وإماطة الأذى عن الطريق ..
وإذا كان لا يُصلحُ آخر المسلمين غيرُ أوّلهم فعلى أي المناهج انتظموا حتى أصبحوا خير أمةٍ أُخرجت للناس ..!؟ وتأسيساً على ما سبق فإنني أرى لزاما عليّ أن أسوق بعض الشواهد القرآنية التي تتكثف في بُنْيَويتها مقومات ودوافع القوة المانعة الرائدة والتي لا تخذل مُخلصا .. ولا تستر منافقاً أبداً ..
وستكون البداية بالذي ابتدأَنا به الخلاق العظيم في القرآن المبين إذ بدأه بطب القلوب وعزة النفوس ورفعة المقامات ومفتاح كل موْصودٍ تقرّباً للعبد من المعبود .. حيث أمرنا سبحانه وتعالى في افتتاحية خاتمة الرسالات المعجزة بـ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) على أنه بعد أن قرأ وتعلَّم وفكر وتفكَّر لا بد أنَّ شيأً قاهراً اقتحمهُ وأفحمه وأمدَّه بطاقةٍ تصلهُ بخالقهِ وبغاية وجوده .. ألا وهو الإيمان الذي بعد أن وقر في قلبه وقاد جوارحه .. كان له ما سأل .. وكان له ما تمنى .. أليس الله تبارك وتعالى بقائلٍ في سورة البقرة : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) كيف لا ورب العباد وصف عباده في سورة الفرقان بقوله تعالى : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
وبعد أن أسسنا لأم الشواهد وأرسينا قواعد البناء بافتتاحية القرآن الكريم في سورة العلق سيكون لنا لقاءٌ على التوالي مع ذريتها وستكون البداية من قوله تعالى في سورة الطلاق : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3).
ومن هذا الدر العظيم تقديمه للعلم على الإيمان خاصةً ، وعلى كامل العناصر البنيوية في القرآن الكريم .. وإلى مرتبةٍ إيمانيةٍ في قوله تعالى من سورة الأنعام : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) . ولا زلنا في مستنقعات النظريات الوضعية والأيدلوجيات المشبوهة نتخبط مع الذين في طغيانهم يعمهون ..!
وهذه دعوةٌ للوحدة وللتمسك بما أنزل الله كقوله تعالى في سورة آل عمران : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ومن شدة اعتصامنا فَرَقْنَا حَبْلَ الله إلى ثلاثة وسبعين شعبة وبين الشعبة والشعبة مابين السماء والأرض ..!
وقال الله تعالى في سورة البقرة : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) وفي نفس السورة ما يفصل المعنى السابق ويؤكده في قوله تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
وليس هذا فحسب فإنّ ليلة واحدة من ليالي الله خيرٌ من ألف شهر .. فكم تساوي بالدولار والشيكل ..؟! مصداق ذلك قوله تعالى في سورة القدر : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) . وقال تعالى في سورة الأحزاب : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) وقال تعالى في سورة الفتح : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
فأيُّ قوةٍ على وجه الأرض تزعزع الذين يد الله فوق أيديهم ..؟ وقال تعالى في سورة هود : وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) وها هي السماءُ تمسك .. وقوتُنا في الحضيض .. وبأسنا بيننا شديد ..!
وقال تعالى في سورة فاطر: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
وقال تعالى في سورة محمد : فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) ومن علوِّنا حِكْنا مؤامرة فاس .. ووادي عربة .. وأوسلو .. ومهزلة مدريد .. ونكبة العراق ولبنان .. وتحالف أنابوليس .. وقبل ذلك كارثة فلسطين وفضيحة كامب ديفد ..!
وقال تعالى في سورة آل عمران : وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إن كنا مؤمنين .. ولكننا تحت قوله تعالى في سورة الحجرات : قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
وقال تعالى في سورة الأنفال : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْوَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) ولم يقل سبحانه أعدوا لهم ما يضمن هزيمتهم أو نصرنا ولكن علينا أن نُعِدَّ ما نستطيع من قوة وهزيمتهم ونصرنا عليه سبحانه وهو على كل شيء قدير حيث قال تعالى في سورة الأنفال : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
ولنا أن نتأمّل إلى أيّ مدىً بلغت قدرة من شرح الله قلبهُ بعلمٍ من الكتاب قال تعالى في سورة النمل : قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) . وقال تعالى في سورة البقرة : فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) نعم إنه تعالى مع المتقين لا مع الذين يدافعون عن أعراضهم وأراضيهم وضحاياهم بالشجب والاستنكار .. وهم على أعتاب أعدائهم صاغرون ..!
وقال تعالى في سورة الرحمن : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ (33) وما أعظم سلطان الله في قرآنه ، وما أعظم جهلنا فيه حتى أصبحنا عالةً على الأرض ، ومصدر تلوثها ، وأصبح المشرك والكافر بيده الأمر ، وهو على استعبادنا لقدير .. فكم تساوي سلاطيننا من سلاطينهم في الميزان ..؟! وهذه دعوةٌ للطموح والتفوق على أساسٍ منهجيٍّ علميٍّ شموليٍّ يأخذ بمجامع العلوم ونواصيها في كلِّ ماهو شرعي ونافع لتكون للمؤمنين مواقع القمة تحت الشمس ..
وقال تعالى في سورة آل عمران : بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) فأي قوة بشرية تعدل سيف جندي من جنود الله في مؤازرة المؤمنين المتقين ..؟!
وقال تعالى في سورة آل عمران : وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) ولو آمنا لما قبلنا بحياة الذُّل وما رضينا بميتة الجاهلية ..!
وقال تعالى في سورة آل عمران : إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) ولكنها مشروطة بقوله تعالى في سورة محمد : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) فما الذي يجعلنا نتهافت كالفراش على محرقة اليهود وأعداء الأمة ..؟!
قال الله تعالى في سورة الحج : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) ونحن نُحرّم على الذين يقاتلون القتال .. ومن أجل ذلك نتحالف مع الشيطان على كلِّ من يدافع عن أرضه وعرضه ومصيره ..!
وقال تعالى في سورة آل عمران : الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) ومن كان الله حسبه لا حاجة له للرضوخ والممالأة والموالاة لشياطين الأرض من المُتسلطين والمُشركين والمُلحدين ..!
وقال الله تعالى في سورة الأنفال : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) وفي نفس السورة قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وقوله تعالى في السورة ذاتها : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِوَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) ونحن الآن بأي أنواع الفقه نتفوق حتى صار واحدهم بألف متخلفٍ منافقٍ منا ويزيد ..!
وقال الله تعالى في سورة المائدة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)﴾ وقد أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى في نفس السورة حيث قال جل وعلا : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ولو تمكن زعماء الضعف لشربوا دماء عباد الله وقدموا لحومهم .. لأسيادهم على موائد الطعام ..!
وأخيراً وليس آخراً قوله تعالى في سورة البقرة : وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) فما الذي يجعل أولياء المسلمين يطوفون بالبيت الأسود سبعة أشواط في الحياة وبالبيت الأبيض سبعةً وسبعين شوطاً كل عام ..!؟
هذا حالنا لا يخفى عليك .. ذُلناّ ظاهر بين يديك .. وكِبْرُنا مُشرف كالضحى بين يديك .. أمرتنا فعصيناك ونهيتنا فارتكبنا .. ولا ملجأ منك يا ذا الجلال والإكرام إلا إليك .. يارب قربنا إليك .. يا رب قربنا إليك .. وأعنّا على القول الحق.. والعمل الذي يرضيك عنا .. يا رب لقد زغنا عن الصراط في كتابك وسنة نبيك .. فهلكنا .. إلا من رحمت .. كيف أصبحوا الأعلون وأصبحنا في السافلين ..؟! كيف اقتحموا أقطار السماوات والأرض وتقوقعنا ..؟! وتقدموا وتخلفنا .. وعلموا وجهلنا .. وأنتجوا وكنا أسوأ المستهلكين ..؟! يا رب لم تدع لنا غامضاً إلا بينته .. ولا مُبهماً إلا أفصحته .. ولا مجهولا إلا عرَّفته .. ولا نافعا ً إلا قدَّمته .. ولا ضارّاً إلا أخَّرته .. ولا أجراً لمؤمن مُنفقٍ إلا إلى سبع مئة ضعف ضاعفته .. ولا عدواً لك وللمؤمنين إلا بجنودك هزمته .. ولا متعلما ً إلا بعلمه النافع إلى الجنة سلكته .. ولا عالماً عاملاً إلا رُسُلَكَ المصطَفيْن الأخيار ورثته .. ولا خائفاً إلا أمَّنته ولا سائلاً مستغنياً بك إلا أغنيته وأحببته .. فكيف انقلبنا بعد اعتدال .. والتوينا بعد استقامة .. وتردينا بعد رفعة وسموْ..؟!
لقد كانت الإمبراطورية الإسلامية زمن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه تقوم على ست نسخ من القرآن الكريم وعلى حفظته والعاملين به في كل بيت وبهم وعليهم بلغت دولة لا إله إلا الله أوسع امتداد عرفته الأرض لأي إمبراطورية في التاريخ ..! واليوم تحققت في المسلمين نبوءة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم : لقد بلغنا عدد الحصى وأصبحنا أكثر من سبعين أمة .. والقرآن الكريم مكانياً اقرب لكل مسلم من حبل الوريد ..!
وكان الصحابة رضوان الله عليهم والصالحون من التابعين لا يحفظون آيةً إلا بعد العمل بالتي قبلها .. فكان الله جل جلاله في سمعهم وأبصارهم وفتح لهم الدنيا وملَّكهم كنوزها .. وأصبحت أكثر شعوب الأرض مَوالي لهم .. كما هي للصهيونية الآن.. وكان رُواة الحديث يرحلون وراء مَتْنٍ مسيرة شهرٍ مع قلة الزَّاد والعتاد حتى أصبحوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسبابة والوسطى ..!
وكان اللغويون يجوبون البوادي والقفار ليقعوا على ضالتهم في نَسَبِ قول ٍ شاهدٍ أو في تأصيل قاعدة .. لِتسلم اللغة الهوية .. ويسلم القرآن الكريم .. والسنة المطهرة .. وكان العلماء الرَّبانيون لا يقومون لسلطان ..! وأجرهم على الله ..! وكان العلماء المادِّيون يدور في أفلاكهم المكان والزمان ..! فأين نحن من هؤلاء ومن السنة والقرآن ..؟! قال تعالى في سورة الحجرات : قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
اللهم اذَنْ لنا بالإيمان .. اللهم اذَنْ لنا بالإيمان .. اللهم اذَنْ لنا بالإيمان .. واشرح به صدورنا .. ونور به عقولنا وحكّم به حُكامنا .. وحصن به حدودنا .. وأطلق به في رحابك أسيرنا .. وسهّل به عسيرنا .. وحقق به غاياتنا .. ووحد به صفوفنا وقوِّ به عزائمنا .. وغيّر به مابنا ياذا الجلال والإكرام ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عروة
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 وادي عروة التسجيل : 12/09/2011عدد المساهمات : 217
موضوع: رد: *¤ô§ô¤* شذراتٌ من بنيوية القرآن الكريم *¤ô§ô¤* الإثنين 12 سبتمبر 2011, 8:55 pm
موضوع: *¤ô§ô¤* شذراتٌ من بنيوية القرآن الكريم *¤ô§ô¤* 
الإثنين 12 سبتمبر 2011, 5:52 pm
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) 
.gif)