۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ◄▓▒░ هواجس الإبداع .. بين العبقرية والجنون ░▒▓►

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس

عضو مبدع  عضو مبدع
الفارس


الجنس : ذكر
العمر : 41
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 30/09/2011
عدد المساهمات : 239

◄▓▒░  هواجس الإبداع .. بين العبقرية والجنون   ░▒▓► Empty
مُساهمةموضوع: ◄▓▒░ هواجس الإبداع .. بين العبقرية والجنون ░▒▓►   ◄▓▒░  هواجس الإبداع .. بين العبقرية والجنون   ░▒▓► Icon_minitimeالإثنين 07 نوفمبر 2011, 9:46 am



◄▓▒░ هواجس الإبداع .. بين العبقرية والجنون ░▒▓►


منذ قديم الأزمان كان الناس يعتقدون بأن هناك علاقة بين العبقرية والجنون. وكانوا دائماً يتحدثون عن العبقري بشيء من التهيّب والوجل. فهو شخص غريب الأطوار، معقد الشخصية يختلف عن جميع البشر. والواقع أننا إذا ما استعرضنا أسماء كبارالكتاب وجدنا أن معظمهم، ان لم يكن كلهم، كانوا يتميزون بتركيبة نفسية خاصة وغير طبيعية. بل إن بعضهم دخل في مرحلة الجنون الكامل. نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: هولدرلين، نيتشه، جيرار دونيرفال، أنطونين ارتو، فان جوخ، غي دو موباسان، فيرجينيا وولف، روبير شومان، التوسير"1" الخ..

وقد طرح أحدهم على الكاتب الفرنسي أندريه موروا هذا السؤال: هل صحيح ان جميع الروائيين مجانين أو عصابيون؟ فأجاب الكاتب الكبير: لا. الأصح أن نقول أنهم كانوا سيصيرون جميعهم عصابيين لولا أنهم أصبحوا روائيين.. فالعصاب يا سيدي، هو الذي يصنع الفنان، والفن هو الذي يشفيه"2". وكان جوابا مقنعا ورائعا. فالواقع انه لولا العصاب لما كرَّس أشخاص من أمثال بلزاك أو ديستويفسكي أو فلوبير أنفسهم لفن الكتابة. ولولا أنهم نجحوا في هذا الفن وقدموا لنا روايات خالدة لما افلتوا هم أنفسهم من مرض العصاب. هذه هي الدائرة المغلقة التي تجمع بين الابداع والمرض أو بين العبقرية والجنون.





ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا هو التالي: لماذا يسقط احياناً في ليل الجنون حتى أولئك الذين أبدعوا إبداعاً كبيراً؟ لماذا لم يحمهم الإبداع _ أو الإنتاج الإبداعي _ من الجنون؟ فلا أحد يشك في أن نيتشه كان من كبار الفلاسفة، ومع ذلك فقد جُنَّ بشكل كامل في أواخر حياته وظل مجنوناً لمدة أحد عشر عاماً حتى مات سنة 1900. ولا أحد يشك في أن هولدرلين هو واحد من أهم الشعراء في تاريخ المانيا، ومع ذلك فقد أمضى أكثر من نصف عمره في ليل الجنون... والواقع انه تصعب الإجابة عن هذا السؤال، ولكن ربما التقينا به في مرحلة لاحقة. مهما يكن من أمر فإننا نظل متفقين مع أندريه موروا على القول بأن الفن يشفي من العصاب بشكل عام، ولولاه لجن معظم أولئك الكبار الذين سُجلت أسماؤهم على صفحات التاريخ. ويكفي أن نستعرض سير حياتهم التي كُتبتْ بعد وفاتهم لكي نتأكد من ذلك. وتكمن عظمتهم بالضبط في أنهم تجاوزوا عصابهم أو عقدتهم النفسية المتأصلة عن طريق الابداع. فلا ريب في أن الابداع يحرر من العقد ويعطي الشخصية ثقة بنفسها.



لماذا أتحدث عن هذا الموضوع الآن ؟ ولماذا اخترته للكتابة في هذه الدراسة المطوَّلة؟

لذلك عدة أسباب :

أولها لأنه كان يعتمل في نفسي منذ زمن طويل. وثانيها لانه يمثل نوعا من "التابو" أو المحرمات بالنسبة للثقافة العربية. فلا أحد من الكتاب العرب يجرؤ على الاعتراف بأنه مصاب بعقدة نفسية معينة أو بعصاب معين.



نقول ذلك على الرغم من أن هذا الأمر أصبح شائعاً ومعترفاً به في أوساط الكتاب الغربيين ولم يعد يثير أية مشكلة او حساسية. ولذلك فإني سأقصر دراستي هنا على تاريخ الثقافة الغربية لكيلا أحرِج أحداً. وثالثها، وربما أهمها، من أجل تبديد ذلك الوهم الشائع والمخيف الذي يحيط بكلمة عصاب، أو عقدة نفسية، أو جنون. فما دمنا لا نتجرَّأ على فتح هذا الملف والتحدث عنه، فإنه سيظل محاطاً بالغموض والأسرار والمخاوف، بل وسوف يتفاقم أكثر فأكثر ويتحول الى أخطبوط مرعب. والواقع أن الجنون بالمعنى الذي نقصده، أي الجنون الإبداعي، ليس مخيفاً الى هذا الحد الذي يتصورونه بل ربما كان محبباً وقريباً الى النفس. وهو على أي حال لا يؤذي أحداً، اللهم الا صاحبه... وكان يمكن أن استخدم محله كلمة التوتر الداخلي أو المعاناة أو الاضطراب النفسي الذي يدفع الى الإبداع ويحل عن طريق الإبداع. فالشخص المتوازن كلياً، أكاد أقول التافه والغبي، لا يمكنه أن يشعر بأي حاجة للإبداع..



من أجل الاستئناس بهذا الموضوع يُستحسن بنا أن نعود الى الوراء قليلا لكتابة مقدمته التاريخية. يبدو أن أفلاطون كان أول من انتبه الى هذه النقطة عندما قال بأن العباقرة يغضبون بسهولة ويخرجون عن طورهم. انهم يعيشون وكأنهم خارج الزمن والوجود، وذلك على عكس الناس العاديين. ولكن أرسطو _ تلميذ أفلاطون _ هو الذي نظر لهذه العلاقة بشكل فلسفي مٌحكَم. وقد طرح هذا السؤال: لماذا يبدو جميع الرجال الاستثنائيين من فلاسفة وعلماء وشعراء وفنانين أشخاصا سوداويين ؟ نلاحظ أن أرسطو يستخدم كلمة الرجل الإستثنائي بدل العبقري، والسوداوي بدل المجنون. والواقع انه أقرب بذلك الى تصورنا الحديث. فنحن لم نعد نقبل بكلمة "العبقري" أو "العبقرية" بسهولة، وانما نفضِّل عليها تعبيراً أقل ضخامة أو أسطورية.



ولم نعد نستخدم كلمة "الجنون" المرعبة وانما كلمات حديثة أخرى من اختراع الطب النفسي كالاضطراب الذي يصيب المزاج ويجعله حسَّاساً جداً أو متحفِّزاً جداً. ويقول أرسطو بأن السويداء تبتديء بميل الانسان الى الوحدة والعزلة والتأمل ثم تنتهي أحياناً بالصرع أو الجنون أو حتى الانتحار. ولكنها لدى المبدعين الكبار تتوقف عموماً عند حد معين لأن الابداع يلجمها أو يوقفها عند حدها. ثم جاءت الثقافة الرومانية -اللاتينية بعد أرسطو واليونان وأخذت منه هذه الفكرة. ولذلك شاع المثل الذي يقول: "لا يوجد شخص عظيم بدون حبة جنون" ! واذا ما انتقلنا بعدئذ الى القرن الثامن عشر، أي الى عصر التنوير، وجدنا ان ديدرو هو الذي بلور هذه الفكرة الشائعة التي تربط بين العبقرية والجنون. يقول هذا الفيلسوف الفرنسي : "آه : ما أكبر العلاقة بين العبقري والمجنون. فكلاهما يتميز بميزات خارقة للعادة إما باتجاه الخير واما باتجاه الشر. الفرق الوحيد بينهما هوان المجنون يسجن في المصح العقلي و ان العبقري نرفع له التماثيل !" .."3" .



ثم جاء القرن التاسع عشر وتأسس علم الطب النفسي لأول مرة على أسس حديثة. وأكد على وجود هذه العلاقة الوثيقة بين العبقرية والجنون. فالشخص العبقري لا يمكن أن يكون طبيعياً على طريقة الناس العاديين. يقول عالم الطب النفسي الكبير إيسكيورول بأن الشخصيات الكبرى في التاريخ هي شخصيات "مرَضية" ويضرب على ذلك مثلاً لوثر، وباسكال، وجان جاك روسو، الخ... وقد استعاد هذه الفكرة بعده طبيب نفسي أقل شهرة هو "لولوت" الذي كتب السيرة الذاتية المرَضية لشخصيتين كبيرتين هما: سقراط و باسكال. وكان عنوان الأولى: "شيطان سقراط " والثانية "تعويذة باسكال " .. فالعبقري في رأيه شخص ممسوس أو مسكون من الداخل حتى لكأن به مسٌّ من جنون. انه مسكون من قبل شيطان العبقرية. وقد عرفت العرب هذه الفكرة في الماضي عندما تحدثوا عن "وادي عبقر"، والإلهام وشيطان الشِّعر، شيطانه أنثى وشيطاني ذكر..



وقد أراد هذا الطبيب النفساني أن يستخدم حالة سقراط وحالة باسكال من أجل كتابة تاريخ الهلوسات. فالشخصيات الاستثنائية مهووسة بشئ ما، لا تدري _ حتى هي _ ماهو بالضبط. وهذا هو سرّ عبقريتها. وفي عام 1859 كتب "مورو دوتور"، وهو طبيب نفساني، دراسة تحليلية عن شخصية الشاعر جيرار دونرفال الذي كان قد انتحر قبل أمد قريب. وأثبت فيها أنه كان مصابا بتهيج هوسي دوري، هو السبب في ابداعه. فحالة الابداع هي حالة هوسية يبلغ فيها التهيج حده الأقصى. ولو أن الشعراء والكتاب العرب تحدثوا لنا عن حالتهم النفسية أثناء عملية الإبداع لقدموا لنا اإضاءات مهمة عن العلاقة بين التوتر والإبداع. ولكنهم لا يتجرأون على ذلك خشيةَ أن يُنعتوا بالجنون !..



نقول ذلك على الرغم من أن بعضهم قد انتحر بسبب هذه المعاناة المتوترة جداً، ونضرب عليهم مثلاً الشاعر الكبير خليل حاوي. لحسن الحظ فان الشعراء والمفكرين الأوروبيين لم يعودوا يخشون من ذلك بعد أن أزال التحليل النفسي تلك الهالة المرعبة التي تحيط بالجنون والأمراض النفسية والعقد. بل إن بعضهم يفتخر بها للدلالة على مدى ابداعه وعبقريته ثم من أجل التمايز والخصوصية. والواقع ان مفكري أوروبا وشعراءها وفنانيها كانوا قد دفعوا ثمن تشكل الحداثة باهظاً. فمن نيتشه الى بودلير الى رامبو الى هولدرلين الى أنطونين أرتو الى ميشيل فوكو الى لويس ألتو سير الى إدغار ألان بو الى فيرجينيا وولف الى كافكا الى لوتريا مون، الى غويا ، الى فان غوخ... نجد أن القائمة طويلة، طويلة من أولئك الذين جنُّوا أو عانوا أو انتحروا.. نعم أن هناك علاقة بين التوتر النفسي والإبداع، ولكن ليس كل عبقري مجنوناً، وليس كل مجنون عبقرياً. فالعلاقة بينهما أكثر تعقيداً مما نظن.



وهذا ما سنتعرض له تفصيلاً فيما يلي :

يقول بعضهم بأن هناك نوعين من العبقريات. فهناك العبقرية الصاعقة، أي التي تنفجر انفجاراً عفوياً كالشلالات والينابيع، أو حتى كالزلازل والبراكين "وهذه هي حالة رامبو مثلاً أو هولدرلين أو نيتشه بل وخصوصاً نيتشه ". وهناك العبقرية الهادئة، المتدرجة التي تصنع نفسها عن طريق الصبر والمثابرة والعمل المتواصل "وهذه هي حالة فلوبير مثلاً". ولكن العبقري في جميع حالاته يكون عادة كائناً لا-إجتماعياً، يميل الى العزلة والوحدة والهامشية. لنضرب على ذلك مثلا محسوساً حالة الشاعر الفرنسي الكبير: آرثر رامبو. يقول بول كلوديل عنه: كان رامبو صوفياً في الحالة المتوحشة، أي في الحالة القصوى. كان نبعاً ضائعاً يتفجر من أرض ريَّانة.



وأما جان كوكتو فيقول عنه هذه الكلمات الصائبة: "لقد سرق رامبو جواهره من مكان ما. ولكن من أين ؟ لا أحد يعرف بالضبط. هذا هو السر"، "بالطبع فإنه يقصد بجواهره قصائد". لقد تحول رامبو الى أسطورة تستعصي على التفسير. فلم يعرف التاريخ عبقرية مبكرة مثل عبقريته. انه كالشهاب الذي ما إن اشتعل حتى احترق ! من المعلوم ان اشعاره كلها كتبت خلال أربع سنوات: أي من سن السادسة عشرة الى سن التاسعة عشرة !.. هل يعقل أن يولد عبقري في مثل هذه السن المبكرة ؟ ولذا رأى بعضهم أن القدرة الالهية هي التي ألهمته وفجَّرت في جوانحه العبقرية الشعرية التي تتجاوز كل عبقرية في اللغة الفرنسية، اذا ما استثنينا بودلير او فيكتور هيغو. راح رامبو يمثل في تاريخ الشعر الفرنسي الطهارة البكر، أو البراءة الأصلية التي لا تشوبها شائبة. لقد اخترق رامبو سماء الشعر الأوروبي كالنيزك المارق: أي بسرعة البرق.فما ان لمع حتى انطفأ.



ثم هجر بيته وقريته وشعره، بل وتنكر حتى لشعره وراح يعيش حياة مغامرته المعروفة، في بلاد العرب _ في عدن واليمن. هذه هي العبقرية المتوحشة أو المتفجرة: بداية مبكِّرة، إبداع خاطف، نهاية قبل الأوان. أما الروائي مارسيل بروست صاحب "بحثا عن الزمن الضائع" فكان يرى أن العبقرية تجيء بشكل مفاجيء، أي في اللحظة التي لا نتوقعها. انها تنفجر كالأشراق المباغت، أو كالالهام الصاعق. وعندما يقول ذلك فإنه يعرف عما يتحدث لأنه شهد تلك اللحظة وعاشرها كبقية المبدعين الكبار. أما الشاعر سان جون بيرس فيصف تلك اللحظة بأنها "الصاعقة العذراء للعبقرية".



ويعترف بعض كبار الكتاب بأنهم ليسوا هم الذين يكتبون أفكارهم، وانما أفكارهم هي التي تكتب نفسها من تلقاء ذاتها، من خلالهم. وأتذكر بهذه المناسبة الحكاية التالية التي حصلت لي في جامعة دمشق. كنا في عام 1974- 1975 طلاباً في قسم الدراسات الأدبية العليا. وكان الناقد احسان عباس يأتينا من بيروت مرة أو مرتين في الشهر لكي يلقي علينا دروساً نقدية حول الشعر الحديث. ولكن قبل التوصل اليه راح يتحدث عن الشعر الكلاسيكي السابق له، شعر بدوي الجبل وجيله. وقال لنا بأنه سمع مرة بدوي الجبل يقول بأنه ليس هو الذي يكتب أشعاره، وانما هي التي تكتب نفسها بنفسها من خلاله. فهي تجيئه وهو ماش أو نائم أو صاح وتنزل عليه كالإلهام. ويجد نفسه عندئذ وهو "يدندن " بها كما لو على غير علم منه. وما عليه عندئذ الا أن يسجلها بسرعة على الورق قبل أن تتبخر وتضيع..



وأتذكر أن احسان عباس قد أبدى بعض الشكوك فيما يخص هذه النقطة واعتبرها أحدى مبالغات الشعراء. ولكني الآن، وبعد مرور أكثر من عشرين سنة على هذه الحكاية، أميل ال تصديق بدوي الجبل أكثر من ذي قبل، دون أن يعني ذلك إنكار دور الصنعة والجهد في إنتاج القصيدة. فالمبدعون الكبار ينفجرون بالإبداع انفجاراً. ربما كان يعتمل في داخلهم ويختمرمنذ زمن طويل على غير علم منهم. ثم تجيء فجأة لحظة الحسم التي لا يختارونها هم، وانما هي التي تختار نفسها بنفسها رغما عنهم. مهما يكن من أمر فإن انفجار اللحظة الإبداعية قد يجيء بعد مرور الكاتب بأزمة معينة، أو مباشرة بعد الصحو والخروج من الحلم: أي في حالات التنويم المغناطيسي تقريباً، أوالهلوسة، أو أحلام اليقظة.



ولكن هذه الحالات الإبداعية نادرة، ولذلك يحاول بعض الكتاب إثارتها في أنفسهم بشكل اصطناعي عن طريق تناول المخدرات أو شرب الكحول.. نضرب عليهم مثلاً نيتشه أو بودلير أو سارتر في عصرنا الحاضر. فقد عُرف عنهم تناول هذه "المنبهات" من أجل إيقاظ وعيهم الإبداعي وتحريكه. ولكن العملية خطرة وقد تؤدي الى نتائج مزعجة. ولذلك يمكن القول بأن أفضل اللحظات الإبداعية هي تلك التي تجيء بشكل طبيعي لا مصطنع. وهي لحظات قصيرة وخارقة، ولكن تأثيرها يتجاوز الدهور. يكفي أن نفكر هنا ببعض هذه اللحظات الاستثنائية التي غيرت وجه التاريخ: ليلة 10 نوفمبر 1619، حيث نزل الإلهام على ديكارت وتوصل الى الحقيقة. ثم يوم 13 مايو1797، أي قبل ما يزيد على 200 سنة حيث نزل الإلهام على الشاعر الألماني الكبير نوفاليس. ثم صيف 1831 حيث شهد جوته فترة الهام مكثفة. ولا ينبغي ان ننسى نزول الا لهام على جان جاك روسو وهو سائر على الطريق بالقرب من غابة فانسين فصرعه في أرضه وانبطح تحت الشجرة وهو فاقد للوعي والعرق يتصبَّب منه. وما أن صحا من العملية حتى أصبح رجلاً آخرَ..



ولكن انفجار هذه اللحظات العبقرية في وعي أصحابها لا يمر عادة بسلام. وانما يدفع ثمنه غالياً أحياناً. صحيح أنه يحرر الشخصية من عقدها وأوجاعها، صحيح أنه يحلق بها في الأعالي، بل وفي أعلى الأعالي، ولكنه يسقط بها الى الحضيض بعدئذ. وذلك لان لحظة الإلهام قصيرة جداً ولا تدوم الا بضع ثوان ولكنها تحسم مصير العبقري الى الأبد. بل وتحسم مصير التاريخ أحياناً. ثم تظل النفس دائما متأثرة بها، حتى لكأنها تئِنُّ تحت وطأتها. فليس كل الناس يستطيعون تحمل الإلهام، خصوصاَ إذا ما كان منفجراً كالحمم من أفواه البراكين، خصوصاً اذا ما نزل كالصاعقة كما حصل لروسو.



ولكن عدد الأشخاص الذين يشهدون مثل هذه اللحظات الاستثنائية قليل في التاريخ. لنتوقف هنا قليلاً عند لحظة ديكارت من أجل تشريحها من الداخل ومحاولة فهم أبعادها. من المعروف أن الفيلسوف الفرنسي كان في بداية شبابه شخصاً ضائعاً لا يعرف ماذا يفعل بحياته. كان مغامراً يذهب من بلد أوروبي الى آخر لكي يطّلع على "كتَاب العالم" كما يحب أن يقول، أي لكي يقرأ العالم ويطلع عليه ككتاب مفتوح. وقد انخرط في جيش أحد الأمراء في هولندا. وعندما اختلى بنفسه في غرفته في المعسكر جاءته الأحلام الثلاثة المرعبة التي هزَّتْه هزَّاً وكادت ان تودي به "4". ولكن العناية الإلهية شاءت أن تكون هداية له نحو الحقيقة التي يبحث عنها منذ زمن طويل دون علم منه.



لقد كانت ليلة ميلاد تلك التي عاشها وينيه ديكارت في العاشر من نوفمبر، ولولا حلم الله وعفوه لقضت عليه. وهكذا ولدت فلسفة ديكارت بعد مخاض شديد البأس كما تولد النبوات. ونفس الشيء يمكن ان يقال عن جان جاك روسو. ونتجت عن تلك الليلة الديكارتية الليلاء المنهجية العقلانية التي حكمتْ أوروبا طيلة ثلاثة قرون "أي حتى اليوم بشكل من الأشكال. انظر المنهجية الديكارتية. أو العقلانية الديكارتية ". وأما نوفاليس فقصته مختلفة. فقد شهد لحظة الإلهام الشعري في 13 مايو 1797، وشعر بفرح لا يوصف وحماسة خاطفة دامت عدة ثوان فقط. ولكنها أضاءته من الداخل بشكل لم يسبق له مثيل. وكانت كافية لكي يصبح انسانا اخر. وابتدأ عندئذ يكتب أشعاره الخالدة. هكذا نجد أن الإلهام جاء بعد لحظة غير طبيعية، لحظة تفوق كل اللحظات.



ومَن يعيشها أو يذوق طعمها لا يعود ينساها. والواقع أن هذه اللحظة جاءت بعد فاجعة حقيقية أصابته. فقد ماتت خطيبته وحبيبة عمره "صوفي" بمرض السل وعمرها لا يتجاوز الخمسة عشر ربيعا. ثم مات أخوه بعدها مباشرة. وقد اعتملت الأشياء في داخله واختلجت وتفاعلت حتى انفجرت أخيرا في لحظة إلهام مدوية. وهكذا يدفع ثمن العبقرية باهظاً. يقول نوفاليس في تفجعه على حبيبته التي ماتت في عمر الزهور "رحت أنحني" وراح نَفَسي يبدِّد القبر وتراب القبر. وأصبحتِ القرون ثواني وشعرتُ بحضورها، كدتُ ألمسها، شعرت بأن القبر سوف ينشقُّ عنها فتخرج منه حية كما كانت، كما كنت أعرفها.. ""5"، وقد كتب كل أعماله الشعرية في الأعوام الثلاثة التي تلت تلك اللحظة، لحظة انفجار الإلهام والعبقرية في داخله. وما لبث أن مات هو أيضا بمرض السل عام 1801 وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاما.



وأما عن غوته فحدِّثْ ولا حرج. فهذا الرجل الذي يعتبر مفخرة ألمانيا كلها لم يعش قرير العين. ولم يخلُ من الأزمات والهزات النفسية المؤلمة على عكس ما نتوهّم. هو أيضا دفع ثمن إبداعه، أو ثمن عبقريته، باهظاً. وقد واتتْه الجرأة لكي يعترف في بعض اللحظات بأنه مريض نفسياً، وبأنه يعاني معاناةً هائلة لا يعرف كنهها ولا سببها. ولذلك نستنتج أن هناك علاقة بين العبقرية وبين المرض النفسي أو العقد النفسية التي تصيب الشخصية. وربما لولا هذه العقد ومحاولة التغلب عليها لما كان الابداع.



فالشخصية المريضة لا تستطيع أن تتوازن الا من خلال الإبداع. فالتناقض بين المبدع والعالم يصبح حاداً الى درجة انه لا يمكن ان يُحَلَّ الا عن طريق الانفجار. انه يصبح حاداً الى درجة أنه ينكِّد عيش الفنان ولا يدعه يستمتع بالحياة الا في لحظات قليلة. ولذا يمكن أن نقول في ختام هذه الدراسة: لا ينبغي ان نحسد العباقرة كثيراً على شهرتهم، ففي بعض اللحظات يتمنون لو أنهم لم يولدوا!



تحدثنا عن العبقريات السريعة التي تلمع فجأة ثم تنطفيء كعبقرية رامبو مثلا. لكن هناك عبقريات من نوع آخر، عبقريات بطيئة تتطلب وقتاً طويلاً وصبراً قبل أن تنضج وتتفتح. والواقع أن معظم العباقرة يتميزون بهذه الخاصية: الرغبة الكبيرة في العطاء والمثابرة على نفس الخط لفترة طويلة من الزمن. انهم لا ييأسون بسهولة ولا يتراجعون عن الهدف الذي وضعوه نصب أعينهم. يقول ألفريد دوموسيه بهذا الصدد ما يلي: لا توجد عبقرية حقيقية بدون صبر. وبالتالي فإن العبقرية لاتتشكل بين عشية وضحاها، وانما هي خاتمة لمسار طويل عريض. ويرى بودلير أن الإلهام لا ينزل علينا فجأة من السماء وانما هو بالأحرى نتيجة للتدريب اليومي المستمر والمتواصل والدؤوب. نقول ذلك ونحن نعلم مدى القلق الذي يشعر به الكاتب أمام الصفحة البيضاء فهو لايستطيع أن يملأها الا بشقِّ النفْس، وأحياناً لا يستطيع أن يكتب جملة واحدة.



وقد عرَّف أحد الكتاب الإنجليز العبقرية قائلاً بأنها نتيجة التعب والجهد بنسبة 99% ونتيجة الإلهام بنسبة 1% فقط ! وهذا دليلٌ على أن الجهد هو الأساس، وأما ما تبقى فيجيء بعد بذل الجهد لا قبله. مهما يكن من أمر فيبدو أن العناد هو أحدى الصفات الأساسية التي يتميز بها العباقرة. فالناس العاديون سرعان ما يملُّون بعد فترة من الزمن إذا لم يصلوا الى أي نتيجة. وأما العباقرة فيظلُّون مثابرين على نفس الخط رغم كل الخيبات والعقبات حتى يصلوا الى نتيجة في نهاية المطاف. وطالما تحدث الناس عن أسطورة بلزاك وقدرته الرهيبة على العمل ساعات متواصلة خصوصاً ليلاً. فقد كان يغلق عليه النوافذ والأبواب بدءاً من الساعة العاشرة مساء ثم يحضر "طنجرة" كاملة من القهوة ويبتديء الكتابة حتى الصباح دون توقف.



وهكذا كان يشتغل خمس عشرة ساعة يومياً، بعد أن يبتلع عشرات الفناجين من القهوة. ولولا ذلك لما استطاع كتابة كل هذا الإنتاج الضخم المتمثِّل بالكوميديا البشرية، وهو لم يعش أكثر من خمسين عاماً ! نعم إن العبقرية بحاجة الى جهد جهيد، ولا تنزل علينا كهدية من السماء. يقول بلزاك في أحدى رسائله الى حبيبة عمره مدام هانسكا: "ان حياتي تتلخَّص بخمس عشرة ساعة من العمل، وبالمحن والعذاب، وهموم المؤلف، وصقل العبارات وتصحيحها" "6".



ولكن هذا التدريب اليومي المستمر والدؤوب لا يفسر لنا وحده سبب العبقرية. فهناك دارسونَ أكاديميون يشتغلون ساعات وساعات يومياً دون أن يتوصلوا الى أكثر من مرتبة دارس جيد أو جامع مفيد للمعلومات. وإذن فهناك سبب آخر للعبقرية غير الجهد والتعب: انه الموهبة أو شرارة الإبداع. فهناك كتَّاب يمتلكونها، وآخرون لا يمتلكونها. ولذلك نسمعهم يقولون: هذا الكاتب موهوب، أو هذا الكاتب عنده شيء، الخ... إذن فالعبقرية هي نتاج الموهبة والجهد في آن معاً، وقد لا يكون حظ الموهبة فقط 1% كما قال الكاتب الانجليزي، وإنما 50%.



ويمكن القول بان فلوبير يجسد، في مجال الأدب، المثال الأعلى على المثابرة والمواظبة وبذل الجهد والتعب. وكان يجلس وراء طاولته من عشر الى اثنتي عشرة ساعة يومياً لكي يستطيع أن يكتب رواية واحدة كل أربع أو خمس سنوات. ولذلك لم يكتب كثيراً: خمسَ أو ستَّ روايات طيلة حياته كلها اذا ما استثنينا "مدام بوفاري"، رائعته الخالدة. انه يشبه المقلين في الشعر العربي القديم الذين اشتهروا بقصيدة واحدة أو عدة قصائد فقط. انه يشبه عبيد الشعر الذين لا ينفكُّون يصقلونه ويعيدون النظر فيه أياماً وشهوراً وربما سنوات. وطالما تحدث فلوبير عن عذاب الكتابة وكيف أنه يمضي الساعات الطويلة، وأحياناً بضعة أيام، لكي يجد الجملة المناسبة أو حتى الكلمة المناسبة. وكم كان يلعن نفسه أثناء ذلك ويلعن الكتابة والأدب وكل شيء... وأذكر أني عندما زرت بيته الواقع في ضواحي مدينة "روان" على شواطيء نهر السين قبل بضع سنوات فوجئت بمدى التشطيب الذي كان يمارسه على كل صفحة يكتبها.



فلا تكاد تقرأ فيها شيئا واضحاً من كثرة الحذف والتشطيب والإضافة والتصحيح أو التعديل، الخ.. وقد تحول منزله الى متحف يزوره الزائر متى يشاء لكي يستمتع بالجو الذي كان يعيشه صاحب "مدام بوفاري" في القرن التاسع عشر. وعندئذ تستطيع أن تملأ عينيك بجمال الغابة المحيطة أو أن تراقب من النافذة مرور المراكب والسفن كما كان يراقبها فلوبير نفسه قبل قرن وهو جالس وراء مكتبه يسطر رواياته الخالدة.

نعم ان فلوبير لم يكتب أكثر من خمس أو ست روايات في حين أن كتَّابنا العباقرة يتحفوننا كل عام أو حتى كل شهر او شهرين برواية أو ديوان شعري أو كتاب فكري، الخ.. لماذا كل هذا الاستعجال يا اخوان ؟ لماذا تحرقون الطبخة قبل أن تنضج ؟ فلوبير كان حريصاً على ألاّ يصدر شيئاً قبل أن يستنفد طاقته كلها فيه.



يقول في أحدى رسائله الى عشيقته لويز كوليه: "لقد داختْ رأسي وجفَّ حلقي من كثرة ما بحثتُ عن جملة واحدة. لقد قلَّبتها على عشرات الوجوه ونجّرتها وحفرتها، ثم صرختُ وندبتُ وشتمتُ حتى توصلتُ أخيراً اليها... انها رائعة، أعترف بذلك. ولكنها لم تولد دون مخاض وعذاب".



هناك خاصية أخرى يتميز بها العباقرة هي: حب الوحدة والعزلة والاستقلالية الشخصية. يكتب أحدهم: لقد قالوا عن العبقري بأنه يشبه المجنون. بمعنى أنه يولد ويموت وحيداً. انه شخص بارد، فاقد الحساسية لا علاقة له بالعواطف العائلية والتقاليد الاجتماعية. ولكن هذه مبالغة بالطبع. والواقع ان العباقرة يحبون العزلة من أجل التفرغ لإبداعهم وإنتاجهم. فلا تستطيع أن تبدع وأنت في زحمة البشر أو في وسط الشارع. ومن المعروف أن العلاقات العامة والاستقبالات والحفلات تأخذ وقتاً كثيراً ولا تسمح للمفكر بأن يتفرغ لنفسه وأفكاره وتأملاته. ولذلك اشتهر المفكرون بحب الوحدة والحرص عليها. نضرب عليهم مثلاً شهيراً "ديكارت" الذي غادر بلاده فرنسا هرباً من المتطفلين والثرثارين الذين كانوا يلاحقونه باستمرار.



وكان يشعر بسعادة كبيرة إذ يسكن في حي لا أحد يعرفه فيه، ويمشي في الشارع ولا أحد ينتبه اليه. فالشهرة أيضاً مزعجة وينبغي أن يحمي الإنسان نفسه منها. يضاف الى ذلك ان العبقري يتميز بالهامشية والعصيان وعدم الخضوع للتقاليد والأعراف السائدة مثله في ذلك مثل المجنون. ولكن الفرق الوحيد بينهما هو انه لا ينتهكها بشكل مجاني أو مبتذل أو غير واع كما يفعل المجنون. يضاف الى ذلك أن للعباقرة عاداتهم التي يلتزمون بها وتصبح جزءاً لا يتجزأ منهم. قلنا سابقاً بأن بلزاك كان يسهر في الليل وينام في النهار. وهكذا كتب معظم رواياته ان لم يكن كلها.



وهذه الطريقة في الحياة تعتبر جنوناً بالنسبة للإنسان العادي. فالطبيعي أن تفعل العكس أي أن تنام في الليل وتشتغل في النهار. ولكن العبقري ليس انساناً طبيعياً ولا يحرص ان يكون. انه مهووس بمشروعه الى درجة المرض ومستعد لأن يضحي بكل شيء من أجله. وقد لاحظنا من خلال قراءة سير العباقرة أن معظمهم لا ينجبون الأطفال ولا يكرِّسون وقتهم لتربية عائلة. فمؤلفاتهم هي أطفالهم، وهم حريصون عليها مثل حرص الرجل العادي على طفله. فديكارت لم يتزوج، وكذلك الأمر بالنسبة لكانط، وسبينوزا، ونيتشه، وسارتر، وبودلير، ورامبو، وفلوبير، الخ.. بالطبع فهناك استثناءات "هيجل مثلا من بين آخرين بالطبع". ولكن، عموماً فإن العبقري يكرس حياته لشئ واحد فقط: هو إنتاجه وإبداعه. يضاف الى ذلك أن عادات العباقرة عجيبة غريبة وتختلف عن عادات البشر. فمثلاً نلاحظ انهم يهملون أحيانا الأكل والشرب في فترات الإبداع.



انهم ينهمكون به الى درجة انهم ينسون أنفسهم بكل بساطة. انهم ينسحبون من الحياة اليومية كلياً لكي يضعوا إنتاجهم مثلما تنسحب المرأة الحامل لكي تضع طفلها. وهم يحرصون عليه مثلها وأكثر. وهكذا عاش مارسيل بروست ومات عام 1922 ضمن ظروف بائسة في غرفة حقيرة لا تحتوي الا على سرير وكرسي وثلاث طاولات !. نقول ذلك على الرغم من غناه وثرواته الطائلة. واما "فرانز كافكا" فكان أكثر شذوذا وغرابة أطوار. فقد كان يفرض على نفسه عادات صحية غريبة عجيبة خوفاً من المرض. وكان هوسه اليومي هذا ذا علاقة بهوسه الإبداعي. كان يفرض على نفسه مثلاً الاستحمام بالماء البارد جداً والمثلج، ويمتنع عن تناول الكثير من الأطعمة اللذيذة ويعاقب جسده معاقبة صارمة.



وكل ذلك بسبب العصاب الهوسي الذي يلاحقه والذي أدَّى الى تفتح عبقريته على الرغم من كل شيء. وهنا نلمس لمس اليد نقطة التواصل بين العصاب النفسي والعبقرية. يضاف إلى ذلك أن العباقرة متطرفون في عاداتهم على عكس الناس العاديين أو المتوازنين. فمثلاً كان فولتير يشرب خمسين فنجان قهوة في اليوم ! وقُلِ الأمر ذاته عن فلوبير وبلزاك. وذلك لأن القهوة تنبه الأعصاب وتجعلها متحفزة للإبداع. وأما بودلير فقد تجاوزها الى ما هو أخطر: شرب الكحول بشكل مسرف وتعاطي المخدرات. وقد دفعتْ صحتُهم ثمن ذلك غالياً... ولكن في سبيل الإبداع، كل شيء رخيص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
◄▓▒░ هواجس الإبداع .. بين العبقرية والجنون ░▒▓►
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  !~¤§¦ معوقات الإبداع في الأسرة ¦§¤~!
»  ۩۞۩ إدارة الإبداع والخطط الخلاقة ۩۞۩
» !~¤§¦ فلسفه نفسيه بين الذكاء و الإبداع ¦§¤~!
» █۞█◄ كريم بن زيمة .. الإبداع الراقي ►█۞█
» °l|::|l° جنون الإبداع والابتكار بالطعام °l|::|l°

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات العامة ۞ ::  ❀ الملتقى العام المفتوح ❀-
انتقل الى: