.•°« ترجمة الاستعارة العربية »°•.
تعتبر الاستعارة من اهم المشاكل فى عالم الترجمة النظري والعملي ، فالكثير من الاستعارات تبقى خارج نطاق قدرة المترجم على ترجمتها من لغتها الاصلية الى لغة أخرى والاسباب الرئيسية وراء ذلك هي العوامل اللغوية والثقافية التي تشكل الاستعارة وتجعلها مرتبطة باللغة الاصلية وقرائها ارتباطا وثيقا مما قد يجعل امر ترجمتها الى اي لغة أخرى مستحيلا او صعبا على اقل تقدير، ويهدف هذا المقال الى تبيان العوامل التي تحكم آلية ترجمة الاستعارة عموما وترجمة الاستعارة العربية الى اللغة الانجليزية على وجه التحديد.
اولا مواضيع فى نظرية الترجمة
لايمكننا التعرض بالتحليل المنهجي لمشكلة ترجمة الاستعارة دون ان نتعرض ولو على نحو موجز لبعض المواضيع التي شغلت منظري الترجمة والتي تشكل اساسا لجانب الترجمة فى هذا المقال ، وهذه المواضيع هي دور الترجمة الثقافي والترجمة المعنوية والترجمة التواصلية ومفهوم التقابل الديناميكي.
1- دور الترجمة الثقافي:
من الامور البارزة فى ادبيات الترجمة هو الاختلاف الجلي بين الباحثين فيما يتعلق بدور الترجمة خصوصا ترجمة الاعمال الادبية ، ذلك ان بعض الباحثين يرون ان الترجمة عملية تتم بين لغات وثقافات متعددة ومختلفة وانها لذلك تهدف الى تحفيز وتشجيع التفاهم بين هذه الثقافات ، وتوضح "كرستين ميسون" فى احد بحوثها هذه الرؤية بقولها "قد يكون النص مهما بسبل شتى ولا سباب شتى، ولكن _ فى رأيي _ احد هذه الاسباب هو ان النص يبرز لنا شيئا عن - اي يعطى القارىء معلومات مهمة حول _ شخصياته والاوضاع التي يجدون انفسهم فيها، ويتوجب النظر الى هذه الاوضاع من خلال السباق الثقافي الاوسع للنص ، ولهذا فإنني اشعر انه حينما يواجه المترجم النص للمرة الأولى بهدف ترجمته فإن عليه اولا ان يحدد وحدات الترجمة التي هي ليست النص كوحدة كاملة ... وانما النص كجزء من الثقافة التي ينتمى اليها".
وعليه فإن دور الترجمة . حسب هذه الرؤية هو تعريف قارىء لغة الهدف اي اللغة المترجم اليها النص بثقافة متحدثي لغة النص الاصلية ، حيث ان حفظ المكونات الثقافية للغة الاصلية يعطى قارىء الترجمة القدرة على فهم بيئة النص وسياقه الثقافي ، وتفضل ميسون الترجمة المملوءة بالحواشي الكثيرة القادرة على المحافظة على المظاهر الثقافية فى النص الأصلى ذلك ان الترجمة التي تبرز "النص كجزء من الثقافة التي ينتمى اليها" تتميز بثلاثة مظاهر من الاهمية :
أ- الاحتفاظ بأصالة النص ونكهته الثقافية .
ب - اثراء اللغة المترجم اليها.
ج - اثراء معرفة قارىء النص المترجم بلغة النص الاصلية وثقافتها.
اما الرؤية المغايرة فتعتبر ان على الترجمة ان تركز على الاحتفاظ بالمكونات الادبية ذات الطابع الانساني الشامل بدلا من اهتمامها بالابقاء على مظاهر اللغة الاصلية الثقافية ويوضح "مناحيم داجوت " هذه الرؤية بقوله ان تبنى الترجمة لهدف نشر التفاهم العابر للثقافات يجب ان يظل فى منزله ثانوية من "الهدف الاساسي وهو جعل نص مهم فى اللغة الاصلية سهل المنال من لدن قارىء النص المترجم ، وان اهمية النص الاصلي يجب ان تقاس اولا وقبل كل شىء بمحتواه الانسانى وانجازه الادبي اي بمميزاته الانسانية الشاملة بدلا من خصوصياته الثقافية".
وهكذا يتهم داجوت الرؤية الأولى بالحط من شأن انجاز النص الادبي وبتحويله الى مصدر من مصادر علم الاعراق ، ويفسر دا جوت وجود الميزات الثقافية فى النص الاصلي بأنها غير متعمدة او مقصودة فى ذاتها من قبل كاتبه ، اضف الى ذلك ان ترجمة هذه المظاهر الثقافية يؤدى الى معضلتين ، اولاهما ان ذلك سيؤدى حتما الى الانتقاص من قابلية النص للقراءة وهذا ما يشكل ظلما وتعديا على كاتب النص الأصلى ، والمعضلة الثانية هي ان ذلك سيقلل من عدد قراء الترجمة الذين لايمكنهم التعرف على البعد الثقافي الكامل والخصوصيات الثقافية في النص الاصلي .
2- الترجمة المعنوية والترجمة التواصلية :
تنقسم الترجمة عادة الى نوعين : معنوية وتواصلية وعموما فإن الترجمة المعنوية هي اكثر تعقيدا وارباكا حيث تحتوي على ادق التفاصيل وتركز اهتمامها على النص الاصلي بدلا من النص المترجم فى حين ان الترجمة التواصلية ابسط واسهل واكثر مباشرة لتركيزها على النص المترجم ، ويختلف نوعا الترجمة من حيث مدى قابليتهما للترجمة ، فالترجمة المعنوية تتميز بأسلوبها الموضوعي لقربها من اللغة الاصلية فيما يكون اسلوب الترجمة التواصلية اسلوبا ذاتيا لاحتوائها على بعض التخمينات من قبل المترجم فيما يتعلق بتقبل قراء الترجمة للنص المترجم .
وقد تسبب الاختلاف فى طبيعة كل من هاتين الطريقتين في وجود اختلاف فى انواع النصوص التي تكون منسجمة مع كل منهما فتترجم النصوص الفلسفية والدينية والسياسية والعلمية والتقنية والادبية ترجمة معنوية ،حيث ان هذه النصوص تتطلب اقترابا من النص الاصلي بحيث لا تؤثر الترجمة في "معلوماتية" النصوص العلمية او فى الرسالة الدينية في النصوص المقدسة ولا فى اسلوب الكاتب او استراتيجيات الخطاب الادبي فى النصوص الادبية ، وفى الجانب الأخر يفضل ان تترجم بعض انواع النصوص تواصليا كالنصوص غير الادبية والنصوص الصحفية ، والكتب التعليمية والتقارير والاعلانات ، فأنواع النصوص هذه لاتتطلب من المترجم التقارب مع النص الاصلي حيث ان بؤرة تركيز المترجم تصبح النص المترجم وليس النص الاصلي فتتطلب ترجمة النصوص الصحفية ترجمة توا صلية مثلا لان هدف مثل هذه الترجمة ليس هو ترجمة النص الاصلي ذاته ، بل ترجمته على نحو يجعله ناجحا فى التواصل مع اكبر عدد من القراء.
ويلخص يبتر نيومارك _ رائد تقسيم الترجمة الى معنوية وتو اصلية - الفروق بين اسلوب الترجمة بقوله ان "الترجمة التواصلية تحاول خلق تأثير فى قراء الترجمة قريب من التأثير الذي يشعر به قراء النص الاصلي ، اما الترجمة المعنوية فتحاول _ بقدر ما تسمح به التراكيب الدلالية والنحوية فى اللغة المترجم اليها - ان تنقل المعنى السياقي الدقيق للنص الاصلي".
3- مفهوم التقابل الديناميكي:
يعتبر مفهوم التقابل الديناميكي من اهم المفاهيم المثيرة للجدل فى نظرية الترجمة ، واول من قال بهذا المفهوم هو يوجين نايدا الذي يميز بين نوعين من المقابلات الترجمية ، المقابل الشكلي والمقابل الديناميكي، فالمقابل الشكلي يرمى الى ترجمة شكل ومعنى النص الاصلي ، بينما يقوم المقابل الديناميكي على مبدأ التأثير المقابل الذي يفترض ان هدف الترجمة هو خلق اثر او رد فعل من قبل جمهور الترجمة ، مشابه للاثر الذي خلقه النص الاصلي فى قارئه بلغته الاصلية ، ويعتبر فايدا الاثر المقابل افضل معيار للحكم على نوعية الترجمة ويعتبره ايضا اقرب مقابل طبيعي لرسالة اللغة الاصلية .
وبعد "نايدا" لقى مفهوم التقابل الديناميكي دعما وتأييدا غير محدودين من قبل الكثير من بأحثى الترجمة الذين اعتمدوا على ترجمة النصوص الادبية حيث يجب الاحتفاظ بما يسمى بالأثر الادبي باعتباره الجزء الاساسي فى اي عمل ادبي فمثلا يفضل كل من داجوت ولطفي بورسعيدى التقابل الديناميكي حينما يتعلق الامر بترجمة النصوص الادبية ، فبينما تهدف النصوص المعلوماتية الى اثراء معرفة القراء، تسعي الاعمال الادبية الى انجاز اثر ادبي او رد فعل من قبل القراء، وهذا الفرق الرئيسي بين نوعي النصوص يحدد اسلوب الترجمة المتبع ، فترجمة النصوص الحقائقية كالنصوص العلمية تسعي الى حفظ الرسالة التي يحملها النص بحيث يتم استيعابها من قبل قارىء النص المترجم على نحو يشابه استيعابها من قبل قارىء النص الأصلى ، فيما تحاول الترجمة الادبية لخلق تأثير جمالي يشعر به قارىء الترجمة بحيث يكون هذا التأثير مشابها لذلك الذي شعر به قارىء النص الادبي فى لغته الاصلية .
ويعتبر "داجوت" اسلوب المقابل الديناميكي الاسلوب الصحيح والامثل فى ترجمة الاستعارة من لغة النص الاصلي الى اللغة المترجم اليها، ذلك انه يعتبر الاستعارة اداة يستثمرها الاديب لخلق تأثير جمالي لدى المتلقى ولهذا يفرق "داجوت" بين الاستعارة والمشتقات الاستعارية كالعبارات الاصطلاحية فالأخيرة كانت استعارة فى الاصل لكنها وبحكم الاستخدام المتكرر فقدت قيمتها الجمالية وقدرتها على خلق اثر جمالي لدى المتلقى، وهكذا تعامل الترجمة المشتقات الاستعارية وكأنها كلمات عادية ، أما ترجمة الاستعارة فتهدف الى المحافظة على قدرة الاستعارة على خلق الاثر الجمالي .
اما "لطفى بورسعيدى" فيفرق بين الادب وغير الادب او اللاادب : Non-Iiteratureمن حيث الاثر الخاص للنصوص الادبية اي ان الاثر الجمالي هو ما يميز النص الادبي عن غيره من النصوص ، ويتم خلق هذا الاثر الجمالي عبر تركيب استراتيجيات نصانية وخطابية فى النص الادبي وهذا يعنى ان النص غير الادبي يستثمر استراتيجيات نصانية وخطابية عادية ليتواصل مع القارىء، فيما يستخدم الاديب استراتيجيات نصانية وخطابية خاصة فى العمل الادبي،اضافة الى الاستراتيجيات العادية ، وهذه الاستراتيجيات الخاصة التي تميز النص الادبي هي التي تنتج التأثير الجمالي الذي يعده "سعيدى" السمة الرئيسية فى النص الادبي.
ويرى لطفى بورسعيدى ان هناك اربع سبل يتم عبرها خلق التأثير الجمالي لدى القارىء عبر استثمار الاستراتيجيات النصانية والخطابية الخاصة وهى:
1- فرادة واصالة الاستراتيجيات المستخدمة .
2- الطبيعة غير المحددة لهذه الاستراتيجيات .
3- صيغة التواصل غير المباشرة .
4- استخدام استراتيجيات سيمانطيقية كالرمز والاستعارة .
والمحصلة النهائية لهذه السبل هي التأثير الادبي او الجمالي فى النص الادبي، ويتوجب على المترجم الاحتفاظ بهذا الاثر لانه جزء من "كيفية القول" اي شكل النص الذي يماثل فى اهميته المضمون ، وكما يقول سعيدي فإن مهمة المترجم لاتتمثل فقط فى تحويل رسالة المؤلف الاصلية الى اللغة المترجم اليها، ولكن ايضا الاحتفاظ بكيفية القول اي الاستراتيجيات النصانية ومحاولة تكرارها ما امكن فى اللغة المترجم اليها النص .
ورغم ما ناله مفهوم التقابل الديناميكي من مديح واطراء فإن كثيرا من الدارسين قد تقصوا بعض عيوبه ، فرغم ان "باسل حاتم" و "ايان ميسون" مثلا لايرفضان مصطلح المقابل الديناميكي والاثر المقابل فإنهما يريان ان مصطلح "المقابل" نفسه مصطلح مشوب بالغموض والنسبية ، ولذا فإنهما يقترحان دراسة الموضوع من خلال مفهوم جديد وهو "التقابل فى التأثير المستهدف" كذلك فقد تعرض المقابل الديناميكي لكثير من النقد الذي تركز على طبيعته التخمينية غير المؤكدة فـ "باسنيت ماجواير" تلخص نقدها بقولها ان التأثير المقابل يشركنا فى تخمينات وقد يقودنا ايضا الى ستنتاجات مشكوك فيها احيانا، وكمثال على ذلك فإنها تتعرض لترجمة "ج ب فيليب" لجملة من العهد الجديد تقول "سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة" التي ترجمها إلى الانجليزية Give One the a hearty handshake all ariund وهى ترجمة تصفها ماجواير بأنها "غير مناسبة ومبتذلة" وتنتقد ماجواير ايضا ترجمة اي في "ريو" لملاحم هوميروس الى اللغة الانجليزية فعلى اساس التقابل الديناميكي ترجم "ريو" ملاحم هوميروس الشعرية الى نثر انجليزي، حيث اعتقد ان التأثير الذي تنتجه الملحمة في القارىء الاغريقي القديم يمكن الاحساس به عند القارىء الاوروبي المعاصر فقط عن طريق ترجمتها الى نثر على اساس ان تأثير الشعر الملحمي عند قدماء الا غريق يماثل اثر النثر عند القارىء المعاصر فى اوروبا، وسلبيات هذا فى رأيها ان مثل هذه الترجمة تضحي بشكل الملحمة الشعري بتحويله الى نثر، بالاضافة الى انها تدخل المترجم فى تخمينات فيما يتعلق بخلق اثر مماثل حيث يمضى المترجم وراء ما يعتقد انه اثر جمالي دون اعتبار ان التأثير الاصلي ذاته مفهوم أفتراضى لايمكن قياسه بالطرق التجريبية .
اما "كرستين ميسون" فلا تعتقد انه يمكن الوثوق بمفهوم التقابل الديناميكي وتعتبر الترجمة الحرفية هدفا على كل مترجم ان يسعى اليه ، فهي تفترض ان لدى كل قارىء من قراء النص تراءته الخاصة وتفسيره الخاص للنص اي ان التأثير الذي قد ينتجه النص في قارىء ما يختلف عن مثيله عند قارىء أخر قرأ نفس النص ، لذا فإن الترجمة الحرفية كفيلة بحفظ قابلية النص الاصلي لتلقى قراءات مختلفة وهو ما يجب المحافظة عليه فى عملية الترجمة ، واضافة الى هذا فإن ميسون تعتقد انه لايمكن الحصول على تأثير مماثل عند ترجمة التعابير الثقافية فالايحاءات الثقافية فى بعض التعابير هي سمة مميزة للغة الاصلية ولا يمكن الاحتفاظ بها من خلال عملية الترجمة ولذا فلا جدوى من السعى الى انتاج "تأثير مماثل" من قراء الترجمة لان هذا التأثير ببساطة غير موجود من الاصل .
اما يبتر نيومارك فيهاجم هذا المفهوم مركزا على بعض الحالات التي لايمكن فيها خلق اي نوع من التأثير عند قراء الترجمة ومن هذه الحالات ترجمة النصوص غير الادبية التي ترتبط ثقافيا باللغة الاصلية حيث يوجه النص ذاته الى قراء لغة الاصل لا غيرهم مثل النصوص القانونية التي لا يمكن ان تثير اي شعور لدى قارىء الترجمة لانها موجهة اصلا الى قرائها فى لغتها الاصلية ، ومن هذه الحالات ايضا حينما تكون اهمية الثقافة مماثلة لاهمية الرسالة ذاتها فى العمل الادبي حيث يتوجب على المترجم ان ترجم النص الاصلي حرفيا ما امكنه ذلك متجاهلا اي محاولة لايجاد اي اثر جمالي ويستدل "نيومارك" على ذلك بترجمة استعارة هوميروس The wire- dark sea اي (البحر النبيذى الظلمة) فلو كانت الترجمة تسعي الى خلق تأثير مماثل مثلما هو الحال فى The sky blue sea أى "البحر السماوي الزرقة" فإن الكثير الكثير من اهمية ثقافة اللغة الاصلية سيختفى فى الترجمة .
ثانيا : مدخل الى الاستعارة .
رغم الاختلافات فى تعريف الاستعارة فإن معظم التعريفات ان لم تكن كلها تجمع على سمتين اساسيتين تميزان الاستعارة هما النقل والتشبيه ، فكل استعارة تحتوي على نقل كلمة او تعبير من المدلول الذي تدل عليه فى العادة الى مدلول أخر يشابه المدلول الاصلي فى سمة من سماته ، فكلمة "ليل" فى "الشيخوخة ليل الحياة" منقولة من مدلولها الاصلي الذي هو جزء من اليوم الى مدلول جديد عليها وهو "كبر السن" اما فيما يتعلق بالتشبيه فإن كل استعارة تحتوي على تشبيه المستعار بالمستعار له او كما يقول "ليتش" لايمكن ان يوجد نقل استعاري دون وجود تشابه بين المستعار والمستعار له .
وهناك تصنيفات عدة لمكونات الاستعارة ، ورغم اختلاف هذه التصنيفات فى المصطلحات الدالة على المكونات وفى عددها فإنها تتفق فى حقيقة مفادها ان كل استعارة تحتوي على استخدام كلمة بدلا من أخرى على سبيل التشبيه وسنستعرض هنا ثلاثة من هذه التصنيفات وهى تصنيف ريتشاردز وتصنيف "نيومارك" وتصنيف "كروفتس".
ينتقد ريتشاردز فى كتابه الذائع الصيت "فلسفة البلاغة" ما يسميه بالعبارات الوصفية الخرقاء التي استخدمت فى زمنة لتحليل الاستعارة مثل "الفكرة الاصلية والفكرة المستعارة ، ما يقال او يفكر فيه فى الحقيقة والمشبه به ، والفكرة الضمنية والطبيعة المتخيلة ، والفاعل الرئيسي وما يشبهه ، وعلى مستوى اكثر اضطرابا وتشويشا "المعنى" و "الاستعارة" او الفكرة والصورة ".
وبسبب طول بعض هذه العبارات أو المصطلحات وتشويشها فإن ريتشاردز يرى ان علينا ان ننظر الى الاستعارة كوحدة يمكن تقسيمها الى مصطلحين واضحين هما: Vehicle Tenor كما عربهما البعض "بالمحمول"و"الحامل" فالمحمول فى المثال السابق هو مفهوم النهاية المشترك بين آخر مراحل الحياة والليل بالنسبة لليوم اما الحامل فهو كلمة "ليل".
اما نيومارك فيستخدم ذات كلمة ريتشاردز “خرقاء” لوصف مصطلحي “ريتشاردز” نفسيهما هذه المرة ، ويرى ان مكونات الاستعارة يمكن وصفها على النحو التالي :
1 -الصورة : nrine وهى الرسم الذي تستحضره الاستعارة والذي قد يكون عالميا مثل نظرة “زجاجية “ حادة Glassy stare او ثقافيا مثل وجه جعوي Abeery face ا و شخصيا مثل خد ورقى ومثل صورة الليل في المثال السابق “الشيخوخة ليل الحياة “.
2- الشىء: Object وهو ما تصفه الاستعارة او تحدده كا لشيخوخة التي تصفها بأنها “ليل الحياة”.
3- المعنى: Senseهى السمات او المظاهر التي يتشابه فيها الشىء والصورة ، اي المعنى الحرفي للاستعارة او “المنطقة المعنوية المشتركة بين الشىء و” الصورة “، وحسبما يرى “نيومارك “ فكلما كانت الاستعارة اكثر اصالة وابداعا كانت أغنى فى مكونات المعنى، وفى المثال السابق يصبح المعنى هو فكرة او مفهوم النهاية الذي يصيب كلا من اليوم والعمر.
4- الاستعارة Metaphor وهى الكلمة المأخوذة من الصورة او الكلمة المجازية المستخدمة مثل كلمة ”ليل “ فى المثال السابق .
وثالث التصنيفات هو تصنيف “كروفتس “ الواسع الاستخدام عند باحثى الاستعارة حيث تنقسم الاستعارة الى ثلاثة مكونات هى :
1- الموضوع : الشىء الذي توضحه الاستعارة .
2- الصورة : الجزء الاستعاري.
3- وجه الشبه : وهى ارضية التشابه والتي توضح الوجوه المحددة التي تتشابه فيها الصورة والموضوع .
ففي المثال “الشيخونحة ليل الحياة “ فإن الموضوع هو كبر السن او الشيخوخة بينما الصورة هى “الليل “ووجه الشبه هو ان كلا من الليل والشيخوخة يرمزان الى النهاية المحتومة .
ولكن كيف يمكننا تحليل استعارة معينة وردها الى مكوناتها؟ يقترح “جفري ليتش“ اسلوبا مبسطا يمكن بواسطته تحليل استعارة معينة ، وسنحاول هنا تحليل ”الشيخوخة ليل الحياة “ عبر هذا الاسلوب الذي يتكون من ثلاث مراحل هي:
1- المرحلة الأولى : يفصل فى هذه المرحلة الاستخدام الحرفى من الاستخدام المجازى، وتحدد اجزاء الاستعارة التي يمكن فهمها مجازيا ثم فصلها عن طريق كتابتها فى سطر منفصل .
الاستخدام الحرفي : الشيخوخة ــ الحياة .
الاستخدام المجازي: ليل
2 - المرحلة الثانية : فى هذه المرحلة يتم تشكيل المستعار له والمستعار عن طريق افتراض اجزاء معنوية ومل ء الفراغات السابقة, وهنا يتم استبدال الفراغات بدليل على الاجزاء المعنوية التي قد تملأ الفراغات بشكل معقول بحيث يمكن قبول السطرين عبر قراءة حرفية.
المستعار له: الشيخوخة (نهاية ) الحياة
المستعار: ليل (اليوم ).
3- المرحلة الثالثة: ويتم فيها تحديد وجه الشبه بين المستعار له والمستعار المفصولين فى المرحلة السابقة, ووجه الشبه فى مثالنا هو ان الحياة تنقسم الى مراحل عدة اخرها ما يشكل نهاية الحياة فهو فى ذلك شبيه بالليل بالنسبة لليوم.
واجمالا فإن اسلوب ليتش البسيط فى تحليل الاستعارة يقدم العون فى التفريق بين المعنى الحرفي والمجازى والتفريق بين المستعار له والمستعار فى استعارة معينة.
**استعراض لما كتب فى الاستعارة:
النقاد العرب والاستعارة **
تأثرت معالجة الدارسين العرب للاستعارة الى حد كبير بالمعنى اللغوى الاصلي للفعل “استعار”د وهو طلب او السعى الى العارية “الشىء المستعار” وهكذا تصبح الاستعارة نوعا من “السلفة” او “القرض” ويوضح ضياء الدين بن الاثير فى كتابه المثل السائر” هذا بقوله:
“انما سمى هذا القسم من الكلام استعارة لان الاصل فى الاستعارة أنها مأخوذة من العارية الحقيقية وهى أن يستعير بعض الناس من بعض شيئا من الاشياء، ولا يقع ذلك إلا من شخصين بينهما سبب معرفة ما يقتضى استعارة احدهما من الاخر شيئا، واذا لم يكن بينهما سبب معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير احدهما من الاخر، وهذا الحكم جار فى استعارة الالفاظ بعضها من بعض فالمشاركة بين اللفظين فى نقل المعنى من احدهما للاخر كالمعرفة بين الشخصين فى نقل الشىء المستعار من احدهما للا خر.
وكلام ابن الاثير يعنى اعتبار العملية الاستعارية نوعا من الاقتراض بين الكلمات او لنقل تعير كلمة معينة معناها لكلمة أخرى بسبب وجود علاقة او قرابة معنوية حيث “معرفة دلالية” بين الكلمتين.
وقد فسر النقاد العرب طبيعة الاستعارة عبر نظريتين هما نظرية النقل ونظرية الادعاء، فنظرية النقل التي قال بها البعض مثل ابو حسن القاضى والحاتمي وغيرهما ترى ان الاستعارة ليست سوى كلمة نقلت من سياقها الاصلي الى سياق اخر، فلو قلنا “عمرو اسد” فإن كلمة اسد الاستعارية تكون قد نقلت من سياقها الاصلي ولنقل سياق الحيوان الى سياق جديد هو سياق الحرب بمعنى جديد وهو “شجاع “.
اما النظرية ـ او لنقل الرؤيةـ الاخري فتقوم على مفهوم الادعاء عند عبد القاهر الجرجانى وترى انه حينما يقرأ القارىء او يسمع السامع استعارة معينة فإنه يدعى عدم وجود اي مجاز فيها وان ما يقرأه يحمل معنى حرفيا او حقيقيا، فيصبح عمرو اسدا حقيقيا وليس انسانا، وهذا يعنى ان نظرية النقل تركز على العملية اللغوية فى الاستعارة اما نظرية الادعاء فتتمحور على ما يسمى فى النقد المعاصر بالاستقبال اي بكيفية استقبال الاستعارة والتعامل الدلالي معها من قبل القارىء ورغم هذا الاختلاف, إلا ان كلتيهما يفترضان وجود استخدام أصلى للغة او ما يمكن ان يدعى بالمعيار اللغوى والذي لايجب على اي استعارة كسره او تخطيه, كذلك فإن كلتا النظريتين يفترضان ان الاستعارة لايجب ان تتخطى او تكسر الانماط العقلية والمعنوية والتي هي مظاهر هذا المعيار ولتوضيح هذا فسنعرض هنا لثلاث زوايا عالج النقاد العرب الاستعارة عبرها وهى: الزاوية التفتيتية والزاوية الارجاعية والزاوية المنطقية.
تتبدى تفتيتية نظرة الباحثين العرب للاستعارة فى وجهين اولهما هو تقسيم الاستعارة الى اجزاء والثاني هو تحديد اوجه الشبه والفرق بين عالم الاستعارة وعالم الواقع, حيث يقسم النقاد العرب الاستعارة الى مكونات فى سبيل فهمها فعوضا عن تقبل الاستعارة كوحدة وتذوق سماتها الجمالية فقد تسموها الى اجزاء محددين المعنى المجازى والمعنى اللغوى، وتبدو هذه التفتيتية ايضا فى تحديد المستعار ومقارنته بحقائق الواقع الحياتي المعاش او كما يقول ابو هلال العسكري “لابد لكل استعارة ومجاز من حقيقة وهى اصل الدلالة على المعنى فى اللغة “ اي ان الواقع او ما يدعوه “الحقيقة “هو الوسيلة الرئيسية التي يرى الباحثون العرب عبرها العالم المجازى فى الاستعارة.
اما الزاوية الارجاعية فهي تتشابه مع التفتيتية, ذلك انها ترفض الاستعارة كاستعارة, بل ترجعها الى حقيقة مقابلة لها، وهذا الارجاع هو ما يحدد معنى الاستعارة اي ان فهم وتذوق استعارة ما لا يحدث دون معرفة الحقيقة التي تقابل الاستعارة, ولتوضيح هذا سنتعرض للاستعارة التالية للامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه: “ايها الناس شقوا امواج الفتنة بسفن النجاة “ فحسب الرؤية الارجاعية لانستطيع ملامسة جماليات الاستعارة إلا اذا اعتقدنا بادىء ذى بدء انه ليست للفتنة امواج ولا للنجاة سفن, فبمقابل امواج وسفن توجد كلمات مقابلة فى الحقيقة مثل صعوبات او انواع الفتنة وطرق واساليب النجاة, اي اننا نقيس المتخيل والمجازى بالواقعي والحقيقي.
والزاوية الثالثة وهى الزاوية المنطقية من اهم الزوايا التي يمكن عبرها استعراض معالجة النقاد والباحثين العرب للاستعارة وهى تفترض اننا يجب ان ننظر الى الاستعارة عبر العقل والمنطق بدلا من الخيال وهذا ما انتج نوعا من الرقابة العقلية المنطقية على المظهر الخيالي فى الاستعارة ويوضح ذلك قول الامدي ان الاستعارة محدودة بحدود وانها اذا تجاوزت هذه الحدود “فسدت وقبحت “ وهذا يفترض مسبقا ان الصورة فى الاستعارة يجب ان تكون عادية ومألوفة جدا بحيث يمكن ان يتقبلها عقل القارىء العادى ولو تجاوزت الاستعارة المألوف لاصبحت فاسدة وقبيحة, وتتبدى منطقية النظرة الى الاستعارة فى مفهوم “التناسب العقلي “ بين المستعار له والمستعار، حيث لم يقبل النقاد العرب إلا الاستعارات التي تحتوي على اوجه شبه واضحة بين المستعار له والمستعار، ورفضوا فى الوقت ذاته اي استعارة تعبر عن رؤية شخصية لتشابه يرده الكاتب ان لم يقبل العقل والمنطق هذا التشابه.
وهجوم النقاد على أبى تمام هو دليل جلي عل هذا المعتقد فمن المعروف ان أبى تمام قد ابدع العديد من الاستعارات الاصيلة مما جعله عرضة لهجوم عنيف من قبل نقاد من امثال الامدي الذي وصفه بأنه “يريد ان يبتدع فيقع فى الخطأ” وكلمة “الخطأ” هي مؤشر ليس بحاجة الى مزيد توضيح على ان الشاعر قد انتهك حرمة “التناسب المنطقي” اي الصور واوجه الشبه المألوفة.
واجمالا لم تحظ الاستعارة بكثير من التقدير من قبل النقاد والباحثين العرب القدماء وذلك لانهم لم يتعرضوا إلا عرضا لجماليات الاستعارة وومضاتها المدهشة مما نتج عنه احلال لمناهج المنطق فى دراسة الاستعارة التي هي بطبيعتها كسر والغاء لكل منطق حيث انها بطبيعتها رؤية غير مسبوقة لتشابه لم يكشف من ذى قبل بين شيئين فى هذا الكون المملوء بالمتناقضات.
**النقاد الغربيون والاستعارة **
يمكن ملاحظة رؤيتين مختلفتين عند استقراء كتابات النقاد واللغويين الغربيين فى الاستعارة ترى اولاهما ان الاستعارة تزود القراء برؤية عميقة لما وراء ظواهر الاشياء او لماهية الاشياء وجوهرها، اما الثانية فتنتقص من شأن الاستعارة ولا تعتبرها إلا نوعا من الزخرفة اللغوية المضللة للقراء.
فالاستعارة فى عين النظرة الأولى هي استخدام مبدع للغة يزود البصيرة بقدرة غير عادية للنفاذ الى اصل الاشياء وهو ما يمثل الحقيقة فى مقابل الواقع - الشكل والنموذج الاساسي لهذه الرؤية هو”اوفيد” فى كتابه “التحول “ حيث يقوم اوفيد بتحويل ابطاله الى حيوانات ونباتات وجمادات, ورغم الاختلاف الواضح فى المظهر الشكلي الخارجي إلا ان جوهرها يبقى رغم هذا التحول, وهذا يعنى ان المهم ليس هو المظهر وانما الشخصية النفسية الداخلية التي تظل كما هي بعد تحول الجسم الى جسم أخر، وحسب هذه الرؤية فإن اللغة “استعارية “ حتما فلو قال “اوفيد كلايتى” اسم شخصية - او قال "زهرة “بعد التحول فإنه لايقصد ايهما وانما يصف جوهرهما او لبهما الذي هو الحب الخالد.
وقد ترددت اصداء هذه الرؤية لدى بعض مفكري العصور الوسطى فى اوروبا لدى الرومانطيقيين فرأى فكر العصور الوسطى الاستعارة من خلال منظار ديني، فلكي يتصل الله ببنى البشر خلق استعارات جمة فى شتى مناحي الكون وواجب الانسان ان يرى الحقيقة التي تقع خلف هذه الاستعارات, وقد رأى. الرومانطيقيون, نفس الرؤية التي تقدر الاستعارة, فـ” كولريدج “ يعتقد ان الاستعارة مرآة تعكس قدرة الخيال على رصد دلائل التشابه في الكون, وانها وسيلة تعيد تشكيل الكون عن طريق خلق واقع جديد.
اما النظرة الاخري للاستعارة فلا تعتبرها اكثر من زخرفة لغوية تقود فى نهاية المطاف الى إساءة ادراك العالم الواقعي الذي لايمكن ادراكا إلا عن طريق استخدام اللغة العادية لا المجازية فارسطو - وهو رائد هذه النظرة - يوصى باستخدام اللغة المعتادة التي تبدى حقائق الواقع معراة اي كما هي حقيقة, ويلخص “ليفى” هذه النظرة بقوله “فقط عن طريق ايضاح الكلمات اليومية نستطيع مباشرة النفاذ الى حقيقة الكون المستقلة التي تظل غير مبتذلة بالطريقة التي يعبر عنها وهكذا تعتبر الاستعارة دليلا غير مناسب ليقودنا الى تفسير جوهر الاشياء.
وقد انتشرت هذه الرؤية ايضا فى العصور الوسطى والازمنة المعاصرة المبكرة, فعند جماعة البيوريتان مثلا تعتبر الاستعارة انفصالا وبعدا عن التواصل المباشر والمفيد، ولذا فهي تشكل حائلا وعائقا دون المعنى، وقد اتهمت الاستعارة فى القرن الثامن عشر كذلك بأنها اساءة فى استخدام اللغة.
ورغم ان اللغويات الحديثة قد انتجت بعض النظريات النافذة فى طبيعة الاستعارة فإن كثيرا من الدارسين المعاصرين مازالوا يرددون هاتين الرؤيتين القديمتين فى الاستعارة, فيعتقد "ريتشاردز" على سبيل المثال وجود ارتباط بين مفهومى الاستعارة والحقيقة, ويرى فى العديد من كتاباته ان اللغة هي السبيل الذي يمكن عن طريقه خلق الواقع فالكلمات لاتصف اشياء موجودة اصلا بل تهب الوجود لهذه الاشياء.
اما «روبي جريليت » فيري ان الاستعارة هي فرض لعلاقات مصطنعة ومضللة, وانها تخلق الاضطراب فى رؤية الكون وتحجب الحقيقة والواقع.
وتوجد ثلاث نظريات حديثة تحاول تفسير طبيعة الاستعارة وهى نظرية الاستبدال ونظرية المقارنة ونظرية التفاعل حيث ترى نظرية الاستبدالSubstitution كل استعارة تحتوي على تناقض ما، كما هو الحال فى المثال التالي:
الجمل سفينة الصحراء
ففي الواقع ان الجمل حيوان بينما السفينة جماد "غير حي” لذا فاعتبار الجمل سفينة هو تناقض جلي, ولحل هذا التناقض يقوم القارىء بايجاد مقابل مقبول ليستبدل به هذه العبارة المتناقضة كاستخدام التشبيه مثل:
الجمل كالسفينة فى الصحراء:
وهى عبارة مقبولة حرفيا - ويمكن رؤية التناقض الاستعاري فى صور منها الغلط النوعي والكذب الحرفي, فالغلط النوعي يعنى ان الموضوع والصورة ليسا من نوع واحد او فئة واحدة مما يتسبب فى استحالة الفهم الحرفي للاستعارة, فالجمل فى المثال السابق ينتمى الى نوع او فئة الحيوان بينما السفينة من الجمادات وبهذا فإنهما يشكلان غلطا نوعيا فى حالة القراءة الحرفية للاستعارة.
اما الكذب الحرفي فيكون بربط الكلمات غير المترابطة فى العادة او فى الحديث العادى مما ينتج عنه ان القراءة الحرفية التي تبدى المعنى الظاهري -تعتبر زيفا وكذبا، فالجمل فى العادة هو حيوان صحراوي فى حين ان السفينة وسيلة انتقال فى البحر، وربط الجمل بالسفينة والاخيرة بالصحراء لا يقبل فى حالة الفهم الحرفي مما يشكل كذبا حرفيا.
اما نظرية المقارنة او التشابه فترى ان الاستعارة تظهر السمات المشتركة بين المستعار والمستعار له “او الموضوع والصورة “ فالاستعارة فى الجمل سفينة الصحراء تبدى الخصائص المشتركة بين كل من الجمل والسفينة وهو كونهما وسيلتي نقل يستخدمهما الانسان للانتقال من مكان لآخر.
وهناك صورة معدلة من نظرية المقاربة اقترحها “تفيرسكى” وأيده فيها اورتونى وترى ان القارىء لايفهم الاستعارة إلا عبر استرجاع الفوارق بين الموضوع والصورة فى الاستعارة اي ان القارىء يزن وجه الشبه فى ميزان الاختلافات, وحسب هذه النظرية فإن القارىء يشعر بشىء من
المفاجأة الجمالية او الادهاش لغرابة الربط بين الصورة والموضوع, فمثلا يتعزز اشتراك الجمل والسفينة لغرابة الربط بين الصورة والموضوع فمثلا يتعزز اشتراك الجمل والسفينة فى كونهما وسيلتي نقل بالخصائص العديدة التي تميز كلا منهما عن الآخر، وهذا ما ينتج عنه شعور القارىء بجمال الاستعارة, واجمالا فإن التقبل الناجح لاستعارة معينة لا يتم حسب هذه الرؤية إلا عن طريق استحضار الفوارق بين الصورة والموضوع واستحضار الارتباطات غير المتقاطعة بينهما.
اما نظرية التفاعل فترى ان سمة التناقض فى الاستعارة تقوم بإنتاج نوع من الشد او التوتر الدلالي الذي يحل بالنظرات الثاقبة التي تجعل من الاستعارة ظاهرة بديعة ولخلق وجه الشبه, فإن هذه النظرية ترى وجود تفاعل يتم بين الموضوع والصورة, فالتفاعل بين كلمتي جمل وسفينة هو الذي ينتج وحدة وجه الشبه البديع بينهما.
ومن النظريات المتأخرة فى تفسير الاستعارة نظرية شولتز البرجماتية, ففي مقالة بعنوان “بعض المواضيع فى نظرية الاستعارة” يقترح شولتز نظرية برجماتية تقوم على مبادىء “جرايس “ الاربعة الشهيرة, حيث يقوم “شولتز” فى مقالته بدراسة مقربة للنظريات السابقة التي تفترض عموما نوعا من الانحراف او الخطأ المعنوي او الكذب الحرفي, ويخلص شولتز الى ان هذه النظريات تقع وعلى نحو غير مسوغ فى فخ تعميم بعض المؤشرات على الاستعارة واعتبارها تبعا لذلك شروطا ثانوية - او حتى انها شروط اساسية وكافية لوجود الاستعارة اي انه من غير الصواب تعميم بعض مميزات الاستعارة مثل الغلط النوعي والكذب الحرفي على انها شروط لازمة لابد منها لنقول ان تعبيرا معينا هو استعارة وليس اي شىء أخر، وهذه الكبوة لدى النظريات الموجودة توجب كما يرى شولتز - السعى وراء نظرية أخرى مناسبة.
تقوم نظرية شولتز البراجماتية على مبادىء جرايس الاربعة الشهيرة للحديث وهى: الكم والنوع والارتباط والاسلوب, فمبدأ الكم يفترض ان على المتحدث ان يجعل مشاركته فى حديث ما فى مستوى الافادة الذي يتطلبه الموقف, اما مبدأ النوع فيفترض ان المتحدث لا يقول ما يعتقد انه كذب وبهتان او ما ينقصه الدليل, ومبدأ الارتباط يرى ان على المتحدث ان يقول الشىء الذي يكون فى محله والذي يكون مرتبطا ويمت بصلة بموضوع الحديث, اما المبدأ الاخير الاسلوبي فيطلب من المتحدث ان يكون واضحا ومختصوا ومنظما.
ويرى “شولتز” ان الاستعارة هي نوع خاص من استغلال مبدأ او اكثر من المبادىء الاربعة, فاستثمار مبدأ النوع يعنى ان اي تفسير غير استعاري يكون لامحالة خاطئا مثلما هو الحال في قلعة الرستاق عملاق يحرس المدينة الوديعة اما استثمار مبدأ الكم مثلما هو الحال فى قولنا:
وهل الانسان سوى شجرة فى غابة ؟!.
فيجعل التفسير غير الحرفي للاستعارة غير ذى نفع او جدوى ويمكن استثمار مبدأ الارتباط بأن يقول المتحدث شيئا يكون فى غير محله اذا لم يفسر تفسيرا استعاريا كاستخدام التعبير العماني” زاد البحر جحلة “فى سياق حديث حول موضوع اجتماعي وهذا ما يجعل اي تفسير حرفي غير استعاري انحرافا عن الموضوع الاساسي للحديث الذي لا علاقة له بالبحر او بالجحلة ويقترح “شولتز” مستويين يمكن ان تلعب فيهما مبادىء جرا يس دورا فى موضوع الاستعارة هما:
أ ـ انها تساعد فى تحديد الاستعارة فى السياق الاتصالي, وفى هذه العملية فإنها قد تساعد فى اقصاء اي تفسير حرفي وفى اقصاء اي تفسير غير حرفى ما عدا التفسير الاستعاري.
ب ـ يمكن ان تضيق مدى التفسيرات الممكنة للاستعارة حيث يقوم القارىء او المستمع اي (المتلقى فى عملية الاتصال ) باختيارا تفسير او مجموعة التفا سير الانسب للمبادىء من بين التفسيرات المقنعة الظاهرية.
نستنتج ان مقترح شولتز من اجل نظرية براجماتية للاستعارة يسلط بعض الضوء على جوانب مجهولة فى الدراسات الاستعارية ومن المرجح ان تلقى هذه النظرية حظا من النجاح لكونها تتعامل مع الاستعارة فى سياقها الواقعي، وهذا ما يميزها عن النظريات السابقة كنظرية التفاعل ونظرية المقابلة والتي تهتم باستعارات "مثالية “ معزولة عن سياقها الحقيقي.
** ترجمة الاستعارة **
يمكن تمييز رؤيتين لطبيعة مشكلة ترجمة الاستعارة أولاهما ترى ان الاستعارة امتداد معنوي يجب المحافظة عليه فى الترجمة, اما الثانية فتعتقد ان الاستعارة اداة او وسيلة ادبية يستخدمها الاديب بهدف تنمية شعور القارىء الجمالي.
ثالثا: الاستعارة كامتداد معنوى” نايدا ونيومارك “
** نايدا وترجمة الاستعارة**
يعتبر “نايدا” من اوائل من كتبوا وحللوا المشاكل التي تثيرها الاستعارة فى الترجمة حيث يعتبر الاستعارة نوعا مما يسميه Semanticlly exocentric expressios
اي ما يمكن ترجمته بالتعبيرات خارجية التمركز دلاليا، ويعرفها نايدا بأنها "العبارات الاصطلاحية والصور المجازية “ ويرى انه يمكن تصنيف انواع التماثل التي تحتوي هذه التعبيرات من خلال ما يسميا “نايدا” بالتكييف اللازم مثل ترجمة الاستعارة الى استعارة, الاستعارة الى تشبيه, الاستعارة الى لا استعارة Nonmetaphor اواخيرا اللاستعارة الى استعارة.
ترجمة الاستعارة الى استعارة:
لايمكن كما يرى “نايدا” ترجمة استعارة معينة من لغتها الاصلية الى لغة أخرى دون وجود نوع من التعديل, فى الشكل اللغوى، ومرد هذا التعديل هو العوامل الاجتماع - ثقافية, فمثلا من عادة متحدثى لغة “لاهو” الصينية ألايقفوا لرؤسائهم, مما ينتج عنه ان الترجمة الحرفية للاستعارة, “قفوا قفوا ليسوع “ تكون مثيرة للضحك, ويمكن بدلا من ذلك القول “قفوا راسخين “وفى لغة “لوما” فى غينيا الجديدة لايمكن للمرء ان يقول “ يد ذابلة” لان مقارنة النباتات التي تذبل حقيقة باليد يخلو من المعنى، ويمكن بدلا من ذلك ترجمتها الى “يد ميتة “ وهى ترجمة مقبولة.
ترجمة الاستعارة الى تشييه:
لحل المشكلات التي يواجهها المترجم فى ترجمة الاستعارة فإن "نايدا" يفضل ترجمة الاستعارة الى تشبية كحل ناجح حيث ان ترجمة التعابير خارجية التمركز الدلالي حرفيا قد ينتج عنه تشويش دلالي اذ يتم استيعابها حرفيا دون الالمام بالجزء الاستعاري فيها، ويأتي التشبيه ليحل الاشكال حيث انه بطبيعته يستطيع اظهار التشابه الاصلي الذي تفترضا الاستعارة ومثال على هذا ترجمة جوعى وعطشى للتقوى الى تشبيه فى لغة “النافاجو” عند، الهنوا الحمر مثل “كالجوعى والعطشى يتوقون للتقوى “لان المعنى الاستعاري فى التعبر الاصلي لايمكن لمتحدثي النافاجو. تذوقه, وهذا يظهر ان التشبيه يدلك على كونه المقابل الحقيقي للاستعارة, كما يقول “نايدا”.
ترجمة الاستعارة الى لااستعارة :
ان الامتداد المعنوي الذي تحمله الاستعارة ليس له مقابل في لغة الترجمة ولهذا يرى فايدا وجوب ترجمة الاستعارة الى “لا استعارة” وهنا يشير فايدا الى ثلاث حالات اساسية يوجد فيها التغيير او التكيف الجذري في ترجمة الاستعارة الى لا استعارة, أولاها حينما تفتقد اللغة المترجم اليها السمات ذاتها التي ترتبط بالمدلول الموجودة فى اللغة الاصلية, فلأن متحدثي لغة”الزوك “ فى المكسيك لا يعرفون الاعمدة فليس بمقدورهم فهم الاستعارة التالية:
تم تسميتهم (اي اعتبارهم ) اعمدة الجتمع.
ولذا فليس امام المترجم سوى تحويل الاستعارة الى معناها مثل “اعتبروا رؤسا المجتمع “والحالة الثانية هي ترجمة الاستعارة المركبة mixed metaphor. فترجمة الاستعارة قلب لم يختن الى لغة كالكشتيكول فى جواتيمالا يجب ان تكيف جذريا نحو فى “قلب لم يتم اعداده “، والحالة الثالثة هي حينما يوجد امتداد دلالي فى جزءين او اكثر من اجزاء الاستعارة, فمثلا على مترجم الاستعارة ثمرة صلبة ان يقلص الصورة الى المعنى فيقول “ولده “ ترجمة اللااستعارة الى استعارة:
اخر اشكال التكييف اللازم هو ترجمة اللااستعارة الى استعارة, حيث يرى “دنايدا” ان ترجمة الاستعارة الى استعارة او تشبيه او لا استعارة قد يستوجب بعض الخسارة الدلالية, اما تحويل اللاستعارة الى استعارة فيمكن قبوله على اساس ان مثل هذا التحويل يحمل فى طياته كسبا دلاليا للغة المترجم اليها ويجعل الاتصال اكثر تأثيرا، فمثلا يصف متحدثوا لغة كابا كوفى غينيا الجديدة الاشياء ذات الاهمية الكبير على انها “محمولة على طرف الانف” فلو ترجم المترجم هذه الصورة الى لغة كالعربية او الانجليزية لكانت ترجمته مقبولة على اساس انها تحتوي على بعض الكسب الدلالي, إلا ان هناك مشكلتين قد يحدان من هذا المكسب أولاهما حينما تعتمد الصورة المجازية فى الاستعارة على دلالات ميثولوجية ترتبط بالمجتمع ولم يعد لها وجود واقعي، فهنوا “موسكيتو” حينما يصفون خسوف القمر يقولون ان “ القمر امسك بحماته “ رغم انهم يقصدون معنى واحدا وهو الخسوف ولا يهتمون بمعنى مكونات الاستعارة حول القمر وحماته, ومثل ذلك قولنا فى عمان ان فلانا” راكبنه بليس” دون ان نقصد اي اشارة الى ابليس بل نقصد ان فلانا فى حالة غضب وقد يرتكب اي حماقة.
والحالة الثانية هي حينما تحتوي الاستعارة على معتقدات دينية مرتبطة بسكان لغة الاصل والتي تصطدم بمعتقدات قراء اللغة المترجم اليها، فعلى سبيل المثال ان الطريقة الوحيدة للتحدث عن المرض فى لغة الشيلوك المستخدمة فى مقاطعة النيل الأعلى فى السودان هي ان يقول المرء ان فلانا “اخذه الله “وهو ما يصطدم بالمعنى الذي قد يفهمه متحدثو لغات كالعربية التي تعني هذه الصورة فيها ان فلان مات “وليس “ مرض.
واجمالا فإن فايدا يركز فى تناوله لترجمة الاستعارة على لدلالات الاجتماعية والثقافية التي تحملها الاستعارات والتي.يمكن ترجمتها بسهولة الى اللغة المترجم اليها.
** نيومارك وترجمة الاستعارة **
تتميز معالجة نيومارك لترجمة الاستعارة بتعريفه الواسع اولا للاستعارة, وبتقسيمه الاستعارة الى انواع واستعراض المشاكل التي يثيرها كل نوع منها للترجمة حيث يقدم” نيومارك “ تعريفا واسعا فضفاضا للاستعارة يعطيها المجال كي تشمل اشكالا عدة من اللغة المجازية, فهو يرى الاستعارة على انها استخدام كلمة بدلا من الاخري ويعرفها ايضا بأنها، “اي تعبير مجازي او المعنى المحول لكلمة محسوسة وتشخيص المجرد وتطبيق معنى كلمة او تلازم لفظي على ما لا يشير اليه... حرفيا اي وصف شىء بشىء أخر”، وهذا التعبير الفضفاض يسمح لظواهر لغوية كالأمثال والعبارات الاصطلاحية ان تندرج فى فئة الاستعارة.
ويرى “نيومارك “ ان ترجمة الاستعارة من لغة لاخري هي اهم مشكلة محددة تواجه الترجمة, ويرى ايضا ان ثمة انواعا مختلفة من الاستعارة يثير كل منها إشكالا مختلفا للترجمة واهم هذه الانواع الاستعارة المندثرة, والاستعارة المبتذلة, والاستعارة المتداولة, والاستعارة الحديثة, واخيرا الاستعارة الاصيلة.
الاستعارة المندثرة Dead metaphor
الاستعارة المندثرة هي تلك الاستعارة التي استخدمها الناس لفترة طويلة من الزمن من بحيث اصبحت شائعة جدا، مما ادى الى اننا لا نشعر فيها بالفرق بين الموضوع والصورة, اي انه من غير المتوقع ان يشعر الكاتب او القارىء بوجود اي صورة استعارية لان هذه الصورة قد اختفت نتيجة الاستخدام المتكرر، ويعتقد “نيومارك “ ان الاستعارة المندثرة ليست بمشكلة تواجه المترجم بسبب بعدها عن اصلها الاستعاري، اي ان المترجم لم يعد مهتما بالابقاء على الصورة الاصلية المندثرة.
ومثال ذلك استخدام المزارعين العمانيين لكلمة” مجنونة” لوصف بعض شجر النخيل الشاذ النمو والذي يتميز ببعض السمات غير السوية فى النخلة كاعوجاج الجذر وغرابة الثمر الذى نتيجة, فالمترجم الذي يترجم “ نخلة مجنونة “ الى اي لغة اخرى عليه ان يغمض عينيه عن صورة الجنون المجازية, لان هذه الصورة التي لازمتها فى مرحلة اصلها الاستعاري قد فقدت وماتت بسبب الاستخدام المتكرر، وبذا فإن المتحدث الذي يستخدم هذه الاستعارة الميتة او المندثرة لايعنى أي مظهر جنونى، وانما يقصد شيئا مثل” نخلة معوج الجذع “ ولذا فعلى المترجم ان يتجاوز عن صورة الجنون الاصلية وان يعامل الاستعارة ككلمة عادية لاتحمل اي دلالة استعارية, ولهذا فهي لاتمثل مشكلة للمترجم.
ورغم هذه السهولة فإن هناك حالات تكون فيها الاستعارة المندثرة معضلة للمترجم, أحدى هذه الحالات هي حينما تنفخ الحياة مرة أخرى فى الصورة مما ينتج عنه نوع من الاشتراك او تعدد الدلالات Polysemyوفى هذه الحالة على المترجم ان ينقل اللفظ متعدد الدلالات الى لغة الترجمة بشرط ان تقبل هذا اللفظ, ومثال على ذلك ترجمة استعارة نجيب محفوظ فى ميرامار فى وصف احد شخصيات الرواية “تمهل كعادته ليزن كلماته “التي ترجمتها فاطمة موسى محمود الى الانجليزية He paused welghing hys words حيث الفعل “يزن “ هو استعارة مندثرة, ويدل فى الاساس على معرفة مقدار ثقل شىء ما باستخدام الميزان, حيث مر هذا الفعل بتجربة استعارية تمثلة فى تشبيه التأنى فى الحديث بوزن شىء ما فى ميزان, إلا ان هذا التشبيه قد اندثر مخلفا استعارة مندثرة, وترجمة فاطمة موسى محمود ناجحة لان الفعل الانجليزي to weign يحمل نفس هذين الدلالتين: الوزن والتأنى في الحديث, ولكن ماذا لو لم توجد نفس الدلالات في اللغة المترجم اليها؟ هنا على المترجم ان يلتزم بترجمة المعنى مضحيا بالصورة الاستعارية, فمثلا حينما نقول “تزحزح النقاب عن شىء ما” فإننا لانقصد فى العربية سوى ان خفايا هذا الشىء قد كشفت بينما يشير التعبير في الاصل الى النقاب التي كانت المرأة العربية تلبسه عل وجهها، فاندثرت صورة النقاب الملبوس بحيث بقى معنى التعبير في الاصل وهو “اظهار ما خفي” وفى استعارة نجيب محفوظ التالية:
“ليلة ام كلثوم “ ليلة الخمر والطرب, فيها تزحزح النقاب عن اشياء من حبايا النفوس “ التي ترجمة الي. the evrningof umm kulthum concert, an evening during which many a hiddin soul was bared
فإن تعبير “تزحزح النقاب “ حول الى معناهwas bared لعدم امكانية الاحتفاظ بصورة اللباس النسوى العربي فى اللغة الانجليزية لانه من غير المتوقع فى الثقافة الانجليزية ان ترتدى المرأة نقابا يغطى وجهها ويستره.
الاستعارة المبتذلة Cliché metaphor
يعرف “نيومارك “ الاستعارات المبتذلة بأنها تلك الاستعارات التي عمرت مؤقتا، اطول من فائدتها والتي تستعمل كبدائل لافكار واضحة على نحو عاطفي على الاغلب, ولكن دونما تجانس مع حقائق الامور، ويرى “نيومارك “ وجود حالتين يتم فيهما التع