الجزء الثاني
والاعلام وأرسلوا رجلا من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم إلى البلد فسار على الاثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول :
قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا تبعت الرمل وأنا كنت طفلا وقبلته يمين مع يسارا ولاأحد مثلي بالرمل عارف ولاغيري يعرف كيف سارا أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا الا ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم غارا أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا صناديق التي لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها خبارا
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا إلى العمارة وكل صندوق تلاقوا فيه رجال اكسروه فانطلق العبيد إلى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية لالمائة عبد هذا في يده عصا والاخر في يده بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا إلى العماره ابتدأوا بكسر الصناديق وكسروا الاول والثاني إلى العشرة فصاحت الجليله ياعبيد السوء لماذا تكسروا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجالا فتقمت وفتحت لمه عشرة صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلام ثم يرجع الحديث إلى عجوز يقال لها حجلان وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لامحاله فقالت خيرا لي أخذ الوجه الابيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت إلى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لان الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلاف ذلك وضربت على الطبقه السفلى فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره الله وفتحوا صندوق واعطوها ثلاث بدلات حرير فقالت من الان وصاعدا أساعدكم على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت إلى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لان العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك بضرب عنقه وراحت روحه إلى الوادي الاحمر وتقدمت العجوز إلى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها الله من الحسن والجمال :
تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود أتوك بني قيس أهل السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف ترخى الجعود بشعر طويل وشعر كحيل بلا جرميل تصيد الاسود حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على النهود وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد وجسم رقيق وريق رحيق وسنان لولو سبت الورود لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق الزنود وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود وصدر كاللوح خلقه الاله وقد زين الصدر جوز النهود وأعطاف وأرداف مثل العجين خلق الاله مهيمن ودود أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود أما القلائد مناسل ذهوب من الراس مكعوب مثل البنود وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه شارد شرود قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لاجلك كل هم وكود للملك حقا قد أحضروا مليحه حلالها يزيل النقود فأرسل وراها وخلى المحال واسمع كلامي واجلي الصدود وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود
( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر وعن يمنيه وشماله الاسود فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها السلام وآنسها بالحديث والكلام وقال لها أهلا وسهلا بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لانها كانت متصفه بالادب ومن أجمل نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلام الدلال أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف لا وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الاوان الله يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لاتترك ابي وأعمامي وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لانهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه بصناديق جهازي وباقي الاحمال تحضر إلى هنا في الحال لانها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولاد عم .
( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من الاعيان ويعد إلى الامير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر مولاه من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير الامر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت الملك تبع إلى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي الا أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ يترحب بالجليله ويقول :
يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني الا يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني ترى لولا الجليله لي تعاتب وجابت لي الحسب والنسب مني فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني فلا تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم مني
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلامه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع إلى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملاح وكوكب الصباح قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها لاجل أن تستدعي كليب إلى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لانه راكب على فرسه القصب وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان إلى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد وهو ان لي نديم اسمه قشمر لايوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الاحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلامها واجابها إلى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله إلى باب الايوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلام مجهول ويقول ماهذه الحيله التي أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي الا سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله إلى تبع في الحال وقالت له بكلام الدلال أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والارتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الارض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بلا سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .
ثم قال للجليله والله ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلام والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجلا مثله بين الانام في الزلاقه وفصاحة الكلام ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الان فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلامها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الامل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :
لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين الامارة شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة بحضرة تبع الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة الا ياحارس البستان صنه وان فرطت الطير طارة
( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الاكبر فقال أعطيني أذن حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الارب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل إلى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله إلى ذلك المخدع وجد سلاح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الاحمال وأخرج الفرسان والابطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالانتظار وكان قد سل الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب الابطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد كان بحالة سكر وذهاب العقل فقال بالله عليك ياسيد الشجعان وفارس الميدان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع الامور والاحوال التي تحدث إلى آخر الاجيال فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :
الملحمة الكبرى للتبع حسان
يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد أريد اليوم أن أعلمك شيئا لتعرف حال أخبار العباد فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل الفساد وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلاص لكي ينادي نبي لم يكن في الناس مثله لان الله اختاره يفادي فكم ميت بكلمته أقامه وسقيم شفاه من الامراض وعندي قد تبين بالملاحم بأنك قاتلي دون العباد وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في البلاد وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد وتكتب بدمائك على البلاطه لمن بعدك لتشتيت الأعادي ويأتي أبو ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلاد ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلاد وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى بالمسرة والمراد ويظهر لك غلام بعد موتك يسمى الجرو قهار الأعادي ويقتل إلى جساس خاله وأما الزير تقتله الأعادي وسيف ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد ويظهر له ولد يدعى بدمر شديد اليأس مرفوع العماد فيملك في بلاد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلاد وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في يوم الطراد وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلاد وأبو بكر وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد يموت الهاشمي ويصير خلف على الأحكام بعده عمر بالعباد أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين الولاد ولا يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي وبعده بني العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد يقيموا الشر في كل الأراضي ويملوا الأرض طرا بالفساد وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلاد هلال وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع أياد حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار الأعادي وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد يطوفون البلاد فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس الخزاعي والأعادي شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار الأعادي كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلاد وبعده نظهر الأشطان ظالم خبيث الأصل من قوم شداد بنو أيوب تظهر بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد ملوك الأرض تخشى من لقاهم لأن جيوشهم مثل الجراد عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في كل البلاد طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي يقيم السيف في الأقطار عمدا ويجري الدم في كل البواد ويظهر فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد يطوب الأرض من شرق وغرب ويفعل معجزات في البلاد ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في البلاد وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلاد ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد وبعده الشمس تظهر من مغيب وتزداد الخلائق في الفساد ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلاد فلا نهر الفرات لهم يروى ولا سيعون ولا الدجلة المراد ويغشى الأرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد ونيران تعم الأرض طرا على أعلى الجبال وفي كل واد وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد فلا يصعد ولا يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد وبعده يظهر من جهنم وينفخ ريح من أقصى البلاد يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلاق العباد وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان العباد فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي ولا تفرح عن حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي
( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الاخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لأنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :
يقول كليب قهار الأعادي كلا أشد من ضرب الهادي أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد أيا تبع الينا قد جيت عاجل قتلت أبي وخربت البلاد فما أبقيت قيمة للأمارة وقد البستهم ثوب السواد هتكت الأرض ياتبع بفعلك وصيرت الأنام لك أعادي جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت الأمارة في البلاد فوالله ثم والله ثم والله اله خالق كل البوادي فلست براجع عن قطع رأسك ولو ملكتني كل البوادي
( قال الراوي ) فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال كليب لابد من قطع رأسك يامهان ولكن أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لابد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني ساعة حتى أخبرك عن قتل أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليلا ثم أبدى حزنا وعويلا وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :
قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع ثقيل الراس تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس فلما جيت لأرض الشام أتى للقانا كل الناس أتاني كل أكابر قيس وكل أمير لدي باس الا أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس وهذا بأمر الله مكتوب فوق جبينه بأعلى الراس وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بلا أيناس أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس أني كنت زعيم القوم وحمي نافذ بين الناس فما أتاني وعد الله بطل العزم وظني حساس دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس وهذ أمر الله محتوم وامر نافذ فوق الناس
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا( سقط التبع اليماني صريعا قتله كليبا غدرا وما لكان لكليب ان يواجه التبع لانه من اقوى الفرسان العرب الا بالمكر والغدربعد ما تسلح كليبا بالدرع والخوذة واستل السيف وقتل التبع حسان بحد الحسام عندما كان سكران وفي دمه جديلا فلما راته الجليله قد مات زاد بها الافراح واعتنقت ابن عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلامتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لامتلاك البلاد فقالوا نحن بين يديك ولانبخل بأرواحنا عليك .
كان قتل التبع بمثابة انتصار ولكن لم يذق كليبا طعم الانتصار لانه قد غدر بالتبع وقد دخوا قصره بالخديعة لانهم يعرفون قوة التبع ورابطة جأئشه و صلابته و قوة وعدد فرسانه في ساحات القتال لم يستطع أحد مواجهته وجها بوجه الا بالمكر والحيلة والغدر
( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلاكه فاجتمعت العساكر والاعيان وطلبوا من كليب الامان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب إلى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الاحدب ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والامراء والنواب فحكم معاملا الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الاحباب وزال عنهما الغم والاكتئاب وباتا في حظ وانشراح إلى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان .
( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع الزهور فأجابها إلى ذلك ووعدها ببناء قصر لا مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل إلى الديوان وجمع الوزراء والاعيان وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه لايوجد في هذه الايام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق المرام الا معمر المختص بالريان ملك مصر لانه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان لايوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر تحتوي على جميع الاشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه وباشر في بناء القصر في تلك الساعه .
( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر إلى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع ابن عم من الامراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الاخبار صمم على غزو بنو قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلاد الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الاخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والابطال وقد دبر كليبا فخا لليمانيين ليحترقوا دون قتال فهم متمرسون بالقتال واصحاب همم و بطش ولما التقى الجيشان أمر كليب بأشعال النيران و بهذا سقط اليمانييون في فخ الغدر للمرة الثانية دون قتالو لكن تبقى من الفرسان من قاوم النيران و تقدم الفوارس إلى ساحة الميدان وأخذ ينشطهم بالكلام على قتال الاخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان الامير كليب أول العسكر كانه الاسد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى عظمت الاهوال فلله در الامير كليبب بطل الابطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم الاسود وانطبق على العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والارواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل إلى ان ولى النهار وأقبل بالاعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الارض وعند الصباح رجعوا إلى الحرب والكفاح فبرز الامير عمران إلى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز الامير والابطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطالا وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد فالتقاه الامير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن الا ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم إلى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الاحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط الرمال حتى قتل سبعه من الابطال وقد هلك من التعب وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج الامير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به إلى الخيام فعند ذلك برز إلى عمران الامير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة بأس غير أنه لم ينجح في قتاله حيث هرب جساس مدبرا ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة الامير عمران في قلوب الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك الامر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد الا عمر فاذا كان الصباح بارزته في معركة الكفاح لانه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل الامير عمران الذي قد اثخن بالجراح جراء المعارك السابقة الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين الابطال الصناديد لايبرز الا كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر والاحتيال فما تم كلامه حتى صار الامير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدرت تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما غدرت الملك تبع الا لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلام اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما الابصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال إلى قرب الزوال حتى تعجب عمران من ثبات كليب أمامه لانه كان يظن أنه لايوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح قاصدا هلاكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض وحسان عليه غراب البين وبعد ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والارواح من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل الامير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الاركان وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه و فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والاوان لانه في غاية الانفاق ولاسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الاشجار والفواكه والاثمار والمياه الغزيرة والزهور الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات فربتهن بالدلال والعز والاقبال فاتفق له ذات يوم من الايام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني الاعجام وبعد أن دار بينهم الكلام قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والاغنام لسبب كثرة المواشي الازدحام فمرادي الان أن أرحل عنك بأنعامي ورجالي وباقي أموالي ولاشك بأننا في هذا الرحيل والانتقال تتحسن بنا الاحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلاد بلادنا ونحن ملوك الاقطار .
( قال الراوي ) فرحل مرة بقومه ورجاله ونوقه وجماله ونزل في واد كثير النبات ببعد مسافة تسع ساعات وكان مرة قد شاخ وكبر في العمر فاقام الامير جساس على بني بكر فكان يحسن اليهم ويحكم بالانصاف عليهم فشاع ذكره واشتهر أمره فكانت تقصده الشعراء والفرسان وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان ولم تكن الا سنة من الزمان حتى صار يحكم على مائة وعشرون الف عنان هذا ماكان من أمر جساس وأما كليب الفارس الدعاس فانه كان في سنوح الفرص يخرج إلى الصيد والقنص وكان له عدة أخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة وكان من جملتهم المهلهل الملقب بالزير وكان جميل الصورة كأنه البدر وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة وكان في تلك الايام ابن عشرة أعوام وكان في الشجاعه كسبع الغاب لايخاف من أحد ولايهاب فصيح الكلام معكفا على شرب المدام وسناع الاصوات والانغام ينشد الاشعار البديعه ويأتي بالمعاني النفيسه الرفيعه وكان كليب لحبه لايتعرضه بأمر من الامور بل يقابله بالفرح والسرور وكان الزير يتباهى بشجاعته أمام أخيه وأنه لايوجد في الفرسان مايضاهيه فقال له كليب في بعض الايام أراك يأخي منشغلا بالملاهي وشرب المدام فقلبك خالي من الهموم والاحزان كأنك لاتسأل عن تقلبات الزمان فمن الواجب أن تحسب حساب العواقب لان الدهر دولاب سريع الانقلاب اذا أضحكك يوما أبكاك سنة وليس على أحد جميل ولا حسنة فقال المهلهل مادمت أنت في الوجود وأنا في خير لا أحسب حساب الغير ولكن أن جار عليك الزمان وأحاطت بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الاثقال وأجندل أمامك الابطال أنا الاسد الغالب فارس الكتائب والمواكب أنا قهار الاعادي أذا نادى المنادي فتبسم كليب من كلامه وتركه مشتغلا بشرب مدامه وارتد راجعا إلى الديوان وقد راق له الزمان .
( قال الراوي ) وقد أتفق بعد ذلك بأيام أن أولاد مرة اجتمعوا مع بعضهم في الخيام وضربوا تختا من الرمل ليروا مايحل بهم ومايجري عليهم ومايصيبهم فبان لهم أن الامير جساس لابد أن يقتل الامير كليب ويظهر الزير ويأخذ ثارة بدون ريب ويقتل منهم كل أمير جبار وبعد وقائع تستحق الاعتبار فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رايهم على أن يقتلوا الزير قبل أن يكبر وكان من جملتهم الامير سلطان بن مرة فأنشدهم يقول :
على ما قال سلطان ابن مرة مبيد الضد في يوم النزال تبين عندنا جساس يقتل كليب بن ربيعه ولا يبالي ويأتي الزير بعده يا أمارة يشتت جمعنا بين الجبال ويمحي ذكرنا من كل ارض ويفنينا ويسبي العيال هلموا نقتله ونبيد اسمه ونسلم من تصانيف الليالي فيلزم أن تروح إلى الجليله وتعلمها على ماقد بدالي فهذه أختا ليست غريبه فتسعفنا على نيل الاماني جليله عارقة في كل فن وتعرف في الزيارج والرمال فقوموا كلنا نذهب اليها ونقضي شغلنا قبل الوبال
فلما انتهى السلطان من هذا الشعر والنظام وسمعه الامير جساس ومن حضر من أبناء مرة الكرام استحسنه جميع القوم وركبوا من ذلك اليوم وخرجوا من القبيله قاصدين أختهم الجليله وكانوا ثلاث واربعين ذكر كل منهم أسد غضنفر ولما وصلوا اليها دخلوا وسلموا عليها فتلقتهم بالترحاب والاكرام وأقاموا عندها ثلاثة أيام ثم قالوا لها عن فرد لسان قد ظهر لنا في الرمل بأنه يظهر للزير شان ولأي شان فيقهر الابطال والشجعان ونهاية ملوك الزمان ويعاملنا بالجور وسوء الادب وتنحط منزلتنا بين ملوك العرب فاتفق راينا على قتله قيل أن يكبر وأتينا لنعلمك بالخبر فما هو رأيك في هذا الامر المنكر فقالت اذا قتلتموه فينكشف الامر ويأخذ كليب بثأره منكم فيزداد الشر ومادام الامر كذلك فأنا أجعلي كليب يلقيه في المهالك ثم أنشدت تقول :
مقالات الجليله بنت مرة تعالوا أخوتي أصغوا لقولي تريدوا قتل أبو ليلى المهلهل أخوه كليب خلفه مثل غول ومن خلفه غدير وزير قان سباع الغاب في يوم المهول وست وأربعين بنو أبيه يجوكم راكبين على الخيول وتركب خلفكم كل الفوارس فوارس تلقب مثل الفحول ولكن سوف أرمية بحلبة تحير كل أصحاب العقول ويبقي كليب بقتله بيده ويجعلة طريحاً على السهول ( قال الراوي ) فلما فرغت الجلية من شعرها ونظامها شكرها أخواتها على حسن أهتمامها وركبوا ظهور خيولهم وراحوا في حال سبيلهم فصبرت ماعليها من الثياب وأظهرت الغم والاكتئاب فلما رأها كليب على تلك الحال تغيرت منه الاحوال لانه كان يحبها محبه عظيمة ويودها مودة جسيمة لحسنها وجمالها ودلالها ولاسيما انها ابنة عمه ومن لحمه ودمه فقال لها علامك ياجليلة مالي أراك في هذة الحالة الوبيلة من فؤاد متبول وأجابته بهذة الآبيات تقول : مقالات الجلية بنت مرة كليب أنت قيدوم السرايا وتحكم في القبائل والعشائر وفي كل المدائن والقرايا وحكمك نافذ في كل أرض وتخدمك الملوك مع الرعايا وأني بنت عمك يامسمى ومثلي ليس يوجد في البرايا أتاني الزير أخيك في غيابك يريد فضيحتي بين الصبايا قبضت عليه من عنقه فولى وراح بسرعة وسط الخلايا ألاياأمير قل كيف تعمل فاقتله وأرده المنايا وان لم تقتله حالا فاني أروح اليوم من وسط الخبايا وتبقى الناس تشتم في قفايا وتبلى بالدواهي والرزايا وهذا الآمر لايصلح لمثلك كريم الآصل عكاز المطايا فاقتله واخلص من بلاه ولاتخشى أثام ولاخطايا فقتل الزير أصوب من حياته لانه خائن دون البرايا فما سمع كليب منها هذا الشعر و النظام غائب عن الصواب وأرسال أحد الرجال ليأتيه بأخية الزير في الحال فذهب الرسول وأستدعاه وتمانع عن الحضور لانه كان في ذلك الوقت يشرب الخمر .