خطايانا الشهوانية
قرأت أن هناك شاعرا يقال له (فيرنر)، ذاع صيته في القرن الثامن عشر، وقد عرف في مطلع حياته بالمجون وبتجاوزاته القانونية،
لكنه في أواخر حياته تحول إلى واعظ، غير أن مواعظه كانت جريئة وملتهبة،
وقد ألقى خطبة في فيينا أمام حشد كبير من الناس في احد الميادين العامة، وكان عنوان الخطبة أو الموعظة هو
«خطايانا الشهوانية»،
متكلما عن تلك القطعة الصغيرة من اللحم التي هي اخطر عضو في جسد الإنسان، واخذ (يرغي ويزبد) وقد شحبت وجوه الرجال وهو يستفيض في الكلام عن العواقب المريعة لسوء استعمال ذلك العضو الصغير،
واستمرت عيناه الثاقبتان تقدحان شرراً وهو يتابع شرحه النابض بالحياة.
وقبيل انتهاء الموعظة انحنى قليلاً ورفع صوته وصاح بالمستمعين قائلا: هل اسمّي لكم تلك القطعة الصغيرة من اللحم؟!
وران صمت مطبق على المكان، أما هو فانحنى مرة أخرى واستجمع صوته في صرخة مدوية وقال:
هل أريكم تلك القطعة الصغيرة من اللحم؟!
فصمت الناس مرتعبين وانقطعت أنفاسهم.
عندئذ عبرت على وجهه ابتسامة حكيمة ماكرة، وخفض صوته قائلا: سيداتي وسادتي، انظروا، هذا هو مصدر خطايانا.. ومد لسانه خارج فمه ـ انتهى.
لم يخطر على بالي ولا على بالكم ذلك اللسان، أو قطعة اللحم، التي بواسطتها نستطيع أن نكذب، ونغتاب، ونخدع ونغري ونلعن ونقتل.
إن تلك (القطعة الصغيرة من اللحم)، والتي بواسطتها نرتل القرآن ترتيلا، وبواسطتها نردد الحكم والأمثال، وبواسطتها نتغنى بأبيات الشعر والغزل ولواعج الغرام.. إن تلك (القطعة) هي نفسها لا تتغير، فإما أن تكون داخل الفم قطعة حلوى، أو تتحول في داخل الفم إلى لسان أفعى ذي شقين.