مِن قواعدِ النجاحِ : التظاهُرُ بالنجاحِ نجاحٌ ، و التظاهرُ بالتفوُّقِ تفوُّقٌ .
هذه القاعدة أعتبرُها من القواعد الكبرى في تحقيقِ النجاح الذاتي ، و الذي منه يكون النجاحُ الخارجي ، فإنَّ تصنُّعَ الشخصِ بالصورة و الهيئة التي يَرْغَبُ أنْ يكونَها من الأشياءِ التي حضَّ عليها أساطينُ التطوير الذاتي ، و هي صورة من صور الخيالِ .
لكن لي أن أقِفَ مع هذه القاعدة وقفةَ تأمُّلٍ :
كلنا يعرفُ أنَّ الشخصَ له شخصيتانِ ، إحداهما باطنيةٌ و الأخرى ظاهريةٌ ، و توافُقُ الشخصيتينِ و اتفاقهما على شيءٍ يضمنُ تحقُّقَ المراد ، و بلوغ الهدفِ .
إنَّ الشخصَ الناجحَ هو ذاك الشخصُ الذي إنْ أبدى للناسِ طموحَه و تطلُّعاتِه يكون قبلَ ذلك مُبْدياً لها في باطنه ، فيكون ناجحاً في داخلِه ، و مظهراً نجاحَه في داخلِه ، ليكون داخلُه عوناً لظاهره ، و بعد ذلك يكون إظهاره للنجاح خارجياً و ظاهرياً ذا قوةٍ و متانةٍ .
ليسَ كلُّ تظاهُرٍ بالنجاحِ نعتبرُه نجاحاً ، لأنَّ التظاهرَ الحقيقيَّ هو أن يكون توافُقٌ بين الباطنِ و الظاهر ، بين الداخل و الخارج .
إنَّ هذا التوافقَ بين الداخلِ و الخارجِ ، و الباطنِ و الظاهرِ ، هو قاعدةُ انطلاقةِ النجاح الصادق من الشخصِ ، لأنَّ التظاهُرَ بالنجاحِ خارجياً دون التظاهُرِ بِهِ داخلياً يُوهِنُ قوةَ ذاك التظاهرِ الخارجي ، لأنَّ القوةَ الباطنية الداخلية هي دعمٌ قويٌ للقوة الظاهرية الخارجية ، فإذا كانت القوة الداخلية أضعفُ أنتجتْ ضعفاً و خوَرَاً .
سُئل عليُّ بن أبي طالب : كيف صرت تقتل الأبطال ؟
فقال : لأني كنتُ ألقى الرجلَ فأُقَدِّرُ أني أَقتُلُه ، و يُقَدِّرُ هو أنني أقتلُه ، فأكون أنا و نفسُه عليه .
هذه القصة عن علي بن أبي طالب تحكي لنا ما تقررُه هذه القاعدة ، و إليك إيضاحاً لذلك :
عليُّ بن أبي طالبٍ أظهرَ قوةً خارجية ، مُدعِّماً إياها بقوةِ الباطن ، فأوْرَثَتْهُ صبراً و يقينا بما تظاهرَ به ، و لذا كانَ الحظُّ معه .
الآخرون أظهروا قوتَهم الخارجية ، و في بواطنهم الخوفُ من غلبةِ عليٍّ إياهم ، و اعتقادهم بأنهم أضعفُ منه ، فاستقوى الباطنُ بورودِ الضعفِ فأوهَن القوةَ الخارجية .
من المُشكلاتِ التي نواجهها في التغييرِ و التخطيط : التظاهرُ بالنجاحِ ، و هذا شيءٌ حسَنٌ جميلٌ ، و لا نُهَوِّنُ منه ، و لكن لا يستقيمُ عُوْدُه ، و لا تَصْلُبُ فِقَرُ ظهرهِ إلا بأن يكون هناك توافُقاً بين الشخصيتين : الداخلية و الخارجية .
لما نتظاهر بالنجاحِ و نتصنَّع بِهِ في ظاهرِ أفعالنا و ألفاظنا فإننا نُلْفِتُ أنظارَ الناسِ إلى شخصيةٍ ذاتِ شأنٍ ، و جميلٌ أن تكونَ لك الشخصيةُ التي تريدها في أعين الناسِ ، لكنْ سُرعانَ ما يعتري تلك الشخصية الخارجية الضعفُ و الانهزامية بسببِ ما
يجري من حديثٍ نفسيٍ داخليٍ :
• كيفَ أتظاهرُ بالنجاحِ و أنا لم أخطُ خطوةً بعدُ ؟
• كيفَ لي أن أقولَ بأنني كيتَ و كيتَ و أنا ضعيفٌ لا أستطيع فعلَ أيَّ شيءٍ من ذلك ؟
• كيفَ تجرأتُ على أن ألبسَ لباسَ العظماءِ و أنا لستُ إلا فاشلٌ في حياتي ؟
هذا الحديث النفسي الداخلي ما كان منبعثاً إلا بسببِ أن ذلك التظاهر لم يكن صِدقاً من صاحبه ، و لم يكن منبعثاً من نفسٍ تواقةٍ نحوَ النجاح ، و لم يكن من روحٍ ترْغَبُ في أن تكون تلك المتميزة .
و لما نكون قد تظاهرنا بالنجاحِ و بلوغِنا أهدافنا داخلياً و لم يبدُ ذلك خارجياً ، فإننا نصفُ أنفسنا بأننا لسنا بأهلٍ للنجاحِ ، و بأننا ضعفاء ، و بأننا لن نصِلَ إلى هدفٍ مَّا من أهدافنا ، و يجعلُنا نتهمُ قُدراتِنا ، و حينَ نتهمُ قُدراتنا نكون قد وأدناها و دفنَّاها فلا حياةَ لها .
النجاحُ في الحياةِ توافقٌ بين رغبةٍ داخليةٍ و خارجية ، رغبةٍ ظاهرةٍ و باطنةٍ ، رغبةٍ من كلتا الشخصيتين .
إن انفرادَ إحدى الشخصيتين بالرغبةِ بالنجاحِ أو أي هدفٍ دون الشخصية الأخرى يعني سقوطٌ للنصفِ الآخرِ من الكيان البشري .
لنتظاهرْ ببلوغنا الهدف ، و لنتظاهر بتحقُّقِ مراداتنا ، و لكن بتوافقٍ بين الشخصيتين .
عندَ عدم التوافُقِ بين الشخصيتين لن يتمَّ الوصولُ نحو الغاية .
إذن ، هذه القاعدةُ مهمةٌ جداً ، و لكن حينَ تكون ذاتَ توافُقٍ بين الشخصيتين ...
دمتم سعداء ...