[[]]◄ الشمولية Totalitarianism ►[[]]
الشمولية Totalitarianism أو نظام المجتمع المغلق Closed Society هي طريقة حكم ونظام سياسي يمسك فيه حزب واحد بكامل السلطة، ولا يسمح بأية معارضة فارضاً جمع المواطنين وتكتيلهم في كتلة واحدة. وبعبارة أخرى فإن الشمولية أو نظام المجتمع المغلق هو مصطلح يشير إلى نظام سياسي تكون فيه الدولة تحت سلطة فرد أو فئة أو فصيل واحد ودون أن تعرف الدولة حدوداً لسلطاتها وأن تسعى بكل جد لتنظيم كل مظاهر الحياة العامة والخاصة ما أمكنها ذلك.
ومن تعاريفها أيضاً:
ـ الشمولية طريقة عمل الدولة، التي تقوم زيادة على إدارة الحياة السياسية، بإدارة الحياة الخاصة للأفراد.
ـ الشمولية صيغة استبداد ظهرت في القرن العشرين. وهي متحدرة من الفاشية. ففي الدولة الشمولية لا يوجد الفرد ولا يعرف إلا من خلال علاقته بالمجموع " الشعب" أو " الأمة". وتصبح الدولة مطلقة وموضوع عبادة حقيقية. ويتم عسكرتها لتأمين الإرهاب والتمكن من الهيمنة على الأفراد.
وقد بلور مفهوم الشمولية الصيغ الجديدة للطغيان. وبشكل خاص العنف الذي يمارس على كل من هو خارج هذه المفاهيم. وهو غير منفصل عن النازية. وفي عام 1939 بدأ الكتاب يبحثون عن الصلة بين الفكرانية الفاشية وبين الشيوعية السوفييتية بحجة أنهما معا يتسببان في اضطراب السلم والاعتداء على الحريات. وهذا ما كان يستنكره بشدة الكتاب الشيوعيون ويحاولون دحضه.
طُرح في الخمسينيات مفهوم الشمولية كنموذج مقابل نماذج أخرى مثل الديمقراطيات الدستورية أو النماذج التسلطية المحافظة. فالدولة الشمولية كما يقرر كتاب تلك المرحلة تقود " ثورة دائمة" في حين أن الأنظمة التسلطية التقليدية كانت بشكل عام محافظة. وحسب Neumann الطابع الرئيسي للأنظمة الشمولية هو مؤسسة الثورة (تنظيمها بمؤسسات Institutionnaliser la révolution) في محاولة لتأمين إدامة هذه الأنظمة.
ويطرح Raymond Aron السؤال الذي يجيب عليه بنفسه، في أي شيء تكمن ظاهرة الشمولية ؟
" إنها كما يبدو لي ظاهرة كبقية الظواهر الاجتماعية، تقع تحت تعاريف عديدة، حسب الزاوية التي ينظر منها الملاحظ. وعناصرها الأساسية خمسة هي:
1ـ الظاهرة الشمولية تأتي في نظام يعطي حزبا واحدا احتكار النشاط السياسي بكامله.
2ـ يقوم الحزب المحتكر على فكرانية (إيديولوجية) يتسلح بها وتقود فعالياته. ويمنحها سلطة مطلقة. وتصبح بالتالي الحقيقة الرسمية للدولة.
3ـ لنشر هذه الحقيقة الرسمية تقوم الدولة بنفسها باحتكار مزدوج لوسائل القوة ووسائل القمع. وتضع تحت إدارتها وتوجيهها مجموعة وسائل الاتصالات من صحافة، وإذاعة ومرناة، وغيرها من الوسائل.
4ـ تخضع النشاطات الاقتصادية والمهنية للدولة، وتصبح جزءاً منها، وبما أن الدولة غير قابلة للفصل عن فكرانيتها، فإن غالبية النشاطات الاقتصادية والمهنية تطبع بالطابع الرسمي.
5ـ وعندها تصبح الدولة منظمة الأنشطة وخالقتها. ويصبح كل نشاط خاضع للفكرانية الرسمية. وكل خطيئة ترتكب في نشاط اقتصادي أو مهني يعتبر خطأ فكرانياً. (Raymond Aron, Démocratie et totalitarisme, folio essais).
أما موريس ديفرجيه فقد انتقد بشدة الكتاب في الشمولية، وبشكل خاص حنا اراندت Hannah Rrendt لأنهم لم يعيروا أهمية تذكر للفوارق بين الشمولية في تجسدها الكامل في ألمانيا النازية، والأقل كمالاً في إيطاليا الفاشية، وبين الشمولية في تجسداتها الشيوعية. فالأنظمة النازية والفاشية قامت على نظرة عدم المساواة بين الأعراق، وبين الأفراد، وعلى ضرورة إقامة ديكتاتورية دائمة. أما الشمولية الشيوعية فتؤكد على المساواة بين البشر والثقة بإمكانيات ازدهارهم عند تحررهم من الرأسمالية وبأن ديكتاتورية البروليتاريا انتقالية تهدف لبناء قواعد الديمقراطية المستقبلية.
كما أشار Carl Friedrich إلى 5 صفات أساسية تميز النظام الشمولي :
1- حزب وحيد يراقب جهاز الدولة، يديره رئيس ذو كاريزما خاصة. 2- فكرانية دولة تحتوي على أبعاد خارج حدودية وأممية. 3- جهاز بوليسي يعمد للإرهاب. 4- إدارة مركزية للاقتصاد. 5- احتكار وسائل الاتصال الجماهيرية.
يضاف إلى ذلك كما يرى,الممارسات العملية اليومية المنظمة والدائمة الحاملة للتسلط والاستبداد مثل: الاستيلاء على العملية التربوية وإقامتها على قاعدة الفكرانية الرسمية. وضع شبكة من الرقابة على الأفراد حاضرة دائماً وشديدة الفاعلية. تسخير التكنولوجيا الحديثة للسيطرة الكاملة الشاملة على كل نواحي حياة المواطنين. تنظيم السكان بشكل يُسهل إخضاعهم عقلياً وجسدياً، مستخدمة الأدلجة كوسيلة ناجعة endoctrinement لغسل الأدمغة..
وحسب كلود بولين Claud Polin تسمح الفكرانيات الشمولية " بوضع العقول في حالة عبودية, وتعيقها في منبعها الحي عن كل تمرد, ملغية فيها حتى إمكانية تبلور النية في ذلك".
أما Emilio Gentile فيرى أن " من عبارة الشمولية يُفهم: تجربة هيمنة سياسية تقودها حركة ثورية مكونة في حزب عسكري التنظيم يستجيب لمفهوم سياسي أصولي. يهدف لاحتكار السلطة ويعمل بعد استلامها بطرق غير شرعية لهدم النظام السابق عليه أو إعادة صياغته لكي يقيم دولة جديدة مؤسسة على الحزب الواحد. وتقوم هذه الدولة الجديدة بالسطو على المجتمع لإخضاعه أو إدماجه أو مجانسة Homogénéisation المحكومين، على قاعدة سياسة شمولية الوجود تطال الأفراد والمجموعات حسب الإيديولوجية المبنية بصيغة دين سياسي. والهدف إعادة تكوين الإنسان وخلقه خلقاً جديداً, روحاً وجسداً لتحقيق أهداف الحزب والتكيف معها".
أدخلت الإيديولوجية الشمولية خليطاً من المفاهيم والقيم يجمع أساطير وأوهام وتمنيات. مثل المجال الحيوي، وإرادة القوة، والفتح، والتوسع العسكري، والأمن المحكم، لتصبح في السياسة الرسمية للدولة الشمولية.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن بعض المعادين عن حق للنظم الشمولية المتضمنة النازية والفاشية، والمرحلة الستالينية، في النظام السوفيتي يبرز جانباً معيناً من جرائم تلك الأنظمة فيسلط الضوء على ما ارتكبته ضد اليهود دون غيرهم، من استئصال واضطهاد وقمع. في حين أن الموضوعية والعلمية في النقد والتحليل والتأريخ تقتضي إبراز، وبالقدر نفسه من الأهمية، ما عانته, وتعانيه الشعوب التي ابتليت بنازييها وفاشييها القدم، وشمولييها الجدد، من استئصال وقمع واضطهاد، لا يقل عما تعرض له اليهود. مما يوحي وكأن هذا البعض يبرر الاستئصال والاضطهاد والمآسي الدائمة إذا ما ارتكبتها أنظمة توصف بأنها غير شمولية أو بأنها ديمقراطية على شعوب غير غربية أو يهودية.
ولعل فيما كتبه هايس كارلتون Carlton H. Hayes وهانس كوهين Hans Kohn في تحليل للفلسفة الشمولية على أنها " تمرد ضد الحضارة التاريخية الغربية في مجموعها" و" ضد الحداثة والتوازن في عهد الإغريق. ضد النظام والشرعية في روما القديمة ضد القوانين والعدالة عند الأنبياء اليهود، ضد المسيحية, والرحمة والتسامح والسلام عند المسيح، ضد كل الإرث الثقافي الواسع للكنيسة المسيحية في العصور الوسطى، ضد عصر التنوير والعقل في القرن 18. ضد الديمقراطية الليبرالية في القرن 19، لقد نسفت كل هذه العناصر البناءة لحضارتنا التاريخية وقادت كفاحاً معنوياً ضد كل ما يثقف الذاكرة" (مشار إليه في الشمولية المرجع السابق ص. 35).
اللجوء ـ التحريضي ـ للتاريخ الإنساني لوصف الشمولية ــ مع إغفال مقصود لتاريخ وحضارات شعوب أخرى إسلامية وأسيوية وافريقية ــ كما أورده الكاتب, ليس في رأينا تحليلا موضوعيا لها, بقدر ما هو تحريض عاطفي مقصود, واستدرار مقنع للعطف على فئات بعينها, للأسباب بعينها. علما بان التاريخ الذي ذكره ليس كله وردي, ودون خطايا, ودون فترات ظلام حالك, عرف ممارسات تعادل, ان لم تكن تفق, وحشية المراحل الفاشية والنازية, من حيث النوع, وان قلت عنها من حيث الكم, لعدم توفر ما توفر لشمولي القرن العشرين من وسائل التكنولوجيا, وأسلحة الدمار الشامل.
كما أن الشمولية نفسها لم تأت من فراغ, فهي بنت الواقع, ووريثة ممارسات عرفها التاريخ المشار إليه, مترسبة في العقول وكامنة في الأفكار المتطرفة, والنظرات الفوقية العنصرية, ويمكنها الظهور إذا ما الفرص سنحت.
وعليه, كنا نأمل أن يحلل مثل هؤلاء المفكرين ظاهرة الشمولية, والأنظمة الشمولية, من منطلق متجرد عن كل خلفية فكرية فئوية ،ليصار لمواجهتها كعقيدة ونظام, وبرامج سياسية, بالتصدي لكل ما يقود إليها, في كل زمان ومكان من عالمنا, وبروح إنسانية.
فهل خصص, على سبيل المثال, علماء الاجتماع, والسياسة, والقانون, والأخلاق, والفلسفة, ورجال الدين الغربيون, بعض جهدهم, حتى لا نقول بعض المؤلفات, لدراسة وتحليل ــ بموضعية ومسؤولية وأخلاقية تقتضيها مستلزمات العيش المشترك في عالم أصبحت أحداثه مترابطة, ويؤثر بعضها ببعض, أينما كان مكان الحدث في هذا الكون الصغير ــ ما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني منذ عقود؟. أم أنها مباحة الجرائم المرتكبة باسم الديمقراطية والواقعة على غير ديمقراطيين؟
وهل خص هؤلاء بالدراسة والتحليل الدور "الديمقراطي" الداعم للأنظمة الشمولية ــ من قبل زعماء ديمقراطيين في دول ديمقراطية ــ في اغتصابها للسلطة وممارساتها القمعية ضد شعوبها وبأدوات مستوردة, بأثمان باهظة, من دول ديمقراطية؟ ألا يتعارض هذا مع التاريخ الذي يذكّر بعضهم به؟ أم أن الأمر متعلق بعالم أخر ــ لم يعد ثالثا, بانتظار إعادة الترتيب والتصنيف في عصر القطب الواحد والعولمة ـ يعيش في دول غير ديمقراطية, وبحضارات غير غربية؟
ليس في شكل النظام الديمقراطي الاعتداد, وإنما في مدى تمثل القيم الديمقراطية الحقيقية, وإعلائها على كل الاعتبارات. وانه دون دمقرطة démocratisation فعلية للعلاقات الدولية يصح الحديث عن مجتمع دولي, ورؤية دولية فعلية حديثا تضليليا, ويبقى القول قول بوش, والرؤية رؤيته, ورؤية غيره من المنصبين أنفسهم زورا ناطقين ومقررين باسم هذا المجتمع, دون تكليف أو تفويض. أليس في بقاء الحال على حاله, تجسيد واستمرارية للشمولية المطلقة في العلاقات الدولية؟
وفي المجال الداخلي في المنطقة العربية, كان للتطورات التي أعقبت انهيار الدول الاشتراكية, واضمحلال دور الفكرانية في أواخر القرن العشرين ــ بسقوط الأنظمة التي كانت تقيم الدولة بأكملها على الفكرانية ــ أثره الكبير على الفكرانيات الضحلة, القادمة استيرادا, أو المصنعة محليا للمنافسة, فمسخت من "فكرانيات" إلى مجرد شعارات, تتغير بتغير المراحل والمواقف الداخلية والخارجية.
و في ترتيب الشمولية الداخلية, حيث قصب السبق دوما لنا, طوّر الشموليون أنفسهم بتطور العصر ومعطياته. فأصبحت الديمقراطية واجهة مطلوبة, وأكثرا لمعانا منها في دول الديمقراطيات الغربية. وأصبحت كلمة الشمولية, أو النظام الشمولي, إهانة يلاحق عليها المتلفظ بها. فأقيمت برلمانات, أو مجالس شعب, أو لجان شعبية. أو مجالس نيابية ـ ويُفكر البعض بمجالس شيوخ, غير قبلية ـ ومع اختلاف التسميات لا تختلف الأدوار الموكولة إليها, وان تفاوتت المزايا المادية لأعضائها. مع عدم نسيان فصل السلطات واستقلال القضاء ونزاهة العدالة التي لا يعيبها تدخل أصحاب النفوذ, أو رجال الأمن في اختصاصاتها. ما دام الهدف واحد والمصلحة واحدة, وشاملة.
فالدولة الشمولية المعاصرة عندنا ولأنها شمولية بجدارة:
ـ فيها مهرجانات انتخابية وإعراس نصر, واستفتاءات، وتسابق على صناديق الاقتراع يصل إلى درجة الاقتتال, وتصل عدد الأصوات المحصل عليها إلى أرقام اعلي بكثير من المدلى بها, قبل إعادة الحسابات التعديلية, لتتطابق مع النسب التي تليق بالفوز غير الاعتيادي للمرشح غير الاعتيادي.
ـ وفيها مسيرات شعبية "مليونية" قوامها حملة صور وأعلام, وشعارات تختزل في كل مسيرة لتصبح تمجيدا بالحاكم وحده, ترددها بتنسيق موسيقي مئات آلاف الحناجر على وقع تصفيق تعبيري عربي الابتكار, وطني المنشأ.
ـ وفيها رقابة ذاتية ــ وهي أعلي درجات الرقابة على الإطلاق ــ وصل لها المواطن بعد تجربة طويلة ومريرة. فوضع لنفسه, بنفسه, خطوطا حمراء, حتى في مناطق مقبولة فيها الخطوط الصفراء. أما الخضراء فقد غيبها عمى الألوان ولم تعد بمجال رؤى الإنسان العادي.
ـ وفيها يقيم الآباء من أنفسهم معلمين وقيمين ورقباء على أبنائهم, في توجيهم لمستقبلهم الذي قد يكون مضمونا في حالة الطاعة والقبول, والإيمان بكل ما يقال لهم في الإعلام, وحتى في المسلسلات, ونسيان ما اسمه رفض أو احتجاج، وعدم التدخل في الشأن العام, إلا إذا أُمروا بذلك وبمقدار الأمر, أو في السياسة الهدامة المعارضة, غير الواعية, المرتبطة, والضارة. فلهم في السياسة الرسمية التي تعودها آباؤهم, وتثقفوا بها وعليها, ما يغنيهم عما عداها من أفكار. أليس على الصغار طاعة الآباء الكبار واتخاذهم نماذخ تحتذي؟ أليس التحنيط علم من مبتكرات منطقتنا ؟
ـ وفيها إعلام فريد في إعلامه, ووحيد في عالم اليوم, كما, وحجما, وشكلا, وأسلوبا, ومضمونا, لا يقع في المطبات, ولا في التناقضات, ولا يكثر من المعلومات, ولا يسابق في الوصول إليها, ولا يبادر, ولا يحلل ولا يركب ولا يعلق, ولا يلزم ما لا لزوم له, فالمصدر واحد, والرقيب واحد, والتنسيق واحد, والهدف واحد.
ــ وفيها كل شيء بترخيص : التجارة, والزراعة, والتوظيف, والعمل, والأفراح, والأتراح, والدخول للبلد والخروج منه, والدعوات, والندوات والمحاضرات, ودخول الجامعات, والخروج في بعثات, وكتابة المقالات, وحتى رؤية الإنترنت التي يُصدر الناشط من مواقعها مقالا أو مقالين شهريا وبترخيص.
ـ وفيها يقف المواطن أمام الموظف, مها كانت درجته, بنوع من الانحناء غير مسبوق, قد يجنبه عبء الرجوع مرات ومرات للحصول على معاملته, أو تخفيف قيمة ما هو غير مسعّر من الرشاوى.
ـ وفيها يدخل الفساد دائرة الشرعية ويصبح غير ملاحق قضائيا, إلا في حالات قد تضر بأمور حساسة, أو مصالح بين منتفعين متنفذين.
ـ وفيها تصبح إهانة المواطن وإذلاله مبرمجة ومقصودة, والاعتداء على قيمه التي تتعارض مع قيم الأنظمة الشمولية, ممارسة يومية.
ـ وفيها الحريات غريبة وأجنبية. وضروريها يمر بقنوات رسمية.
ـ وفيها ما لم يكن يتصوره آباؤنا وأجدادنا ممن دفعوا دما ثمن الاستقلال.
ـ وفيها خوف شديد على أبنائنا أحفادنا.
ـ وفيها يصبح المواطن مشروع مهاجر يفكر بوطن بديل مصونة فيه حقوق المواطنية.
_وفيها يقول الزعيم فتصفق وتذعن الرعية.