ما الذي يحدث في العالم الآن؟ مناطق تشهد سيولا وفيضانات وأخرى تعانى من تصحر وجفاف؟ مساحات تنخفض فيها درجات الحرارة عن المعتاد بأكثر من ثلاثين درجة تحت الصفر، وأخرى ترتفع محدثة ذوبانا للجليد وحرائق في الغابات؟ فما تفسير كل ذلك؟ وهل فعل الإنسان شيئا ضد الطبيعة فاستحق عقابا تجلى بعض مظاهره فيما سبق؟.
الانحباس الحراري
الثابت أن معدلات غاز ثاني أكسيد الكربون في تزايد مستمر، والنتيجة العلمية المترتبة على ذلك هي ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض (ظاهرة الانحباس الحراري).
عند هذا الحد يتفق الجميع، لكن الاختلاف وما يتبعه من جدل يبدأ من بعد ذلك، والسؤال الحائر الذي لا يجد حتى الآن إجابة قاطعة هو: من الفاعل؟.
هل ما تشهده الأرض من تغيرات مناخية أمر طبيعي، وسنة من سنن الله في الكون، حدث في الأزمنة الجيوليوجية القديمة ويحدث حاليا؟ كما ذهب إلى ذلك فريق من العلماء على رأسهم عالم الفضاء الدكتور فاروق الباز في حديثه لقناة الجزيرة في الثاني عشر من فبراير/شباط الماضي.
أم أن جزءا كبيرا مما تشهده الأرض حاليا هو بفعل الإنسان، وأن هذه الظواهر المناخية المختلفة من جفاف وفيضانات ورياح وأعاصير، هو عقاب إلهي لهذا الإنسان لفساده وإفساده في البر والبحر، كما ذهب إلى ذلك أستاذ علوم الأرض الدكتور زغلول النجار في اتصاله مع الجزيرة نت؟.
قد يطول الجدال ولا ينتهي، لكن أيا كان الفاعل، وإلى أن يظهر الجاني، فإن الحقائق تبقى كما هي، تنبه العالم إلى أن حربا ضروسا تُشن حاليا على البيئة، تخلف وراءها ملايين المشردين، وتقضي على عشرات الآلاف من الأنواع النباتية والحيوانية، وهو ما يستلزم تحركا لم يعد مقبولا غض الطرف عنه.
خطوة للأمام واثنتان للخلف
أوروبا التي شهدت في السنوات العشر الأخيرة فقط ارتفاعا في درجات الحرارة بلغ عشر درجات عن ذي قبل، اتخذ اتحادها قبل أسابيع قرارا بتقليل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20% كحد أدنى في غضون الثلاثة عشر عاما القادمة.
هذا القرار يعتبره البعض خطوة للأمام، لكن البعض الآخر يعتقد أن أوروبا وحدها لا تكفي وأن استمرار عناد الولايات المتحدة المتمثل في عدم التوقيع على اتفاقية كيوتو هو بمثابة خطوتين للوراء.
ومبررهم في هذا مرجعه إلى أن ربع غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يوجه له إصبع الاتهام في قضية الانحباس الحراري هو من إنتاج الولايات المتحدة وحدها.
أما الدول الأكثر فقرا والأكثر تضررا بالتغيرات المناخية والواقعة في جنوب الصحراء والأرخبيلات الآسيوية وعموم السواحل خاصة سواحل المحيط الهندي، فإن حالها بقي كما هو، مكبات لنفايات العالم الغربي، ومستقبلات لغازاته الضارة.
العرب ليسوا بأفضل حالا
والعالم العربي كما يراه ويرثي لحاله الأستاذ بجامعة قطر والمتخصص في قضايا البيئة الدكتور سلمان سلمان في حديثه مع الجزيرة نت ليس بأفضل حالا من تلكم الدول.
فهو متأثر بالتغيرات المناخية وذلك لطول سواحله المطلة على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر والمحيطين الهندي والأطلسي، وهي كلها أماكن عرضة للتأثر بتلك التغيرات، كما حدث مؤخرا على سبيل المثال من أعاصير في سلطنة عمان.
فهو إلى الآن –يضيف سلمان- لا يمتلك الأجهزة المتقدمة لرصد التغيرات المناخية والتحذير منها قبل وقوع الكوارث الطبيعية الناجمة عنها.
كذلك لا يعمل العرب على استغلال ما حباهم الله به من مصادر للطاقة البديلة والنظيفة والقادرة على إمداد العالم باحتياجاته بعد نفاد النفط والمتمثلة في الطاقة الشمسية، فهم حتى الآن لم يتحركوا، وهو تحرك إذا ما تم فإن من شأنه إنقاذ بيئتهم والتقليل من مخاطر التغيرات المناخية عليهم، حسب سلمان.
إعادة التوازن الذاتي
إذا لم يتحرك الإنسان لإنقاذ البيئة التي يعيش فيها فهل يمكن للبيئة نفسها أن تأخذ بزمام المبادرة وتعيد التوازن إلى ذاتها؟.
الدكتور زغلول النجار لا يرى ذلك ممكنا، ويستطرد قائلا إن الخلل الطبيعي الذي يحدث في البيئة كانبعاث ثاني أكسيد الكربون الذي وصلت معدلاته إلى نسبة زيادة بلغت في السنوات الأخيرة 30% عن النسبة التي شهدها طوال الـ 650 ألف سنة الماضية، لا يمكن للطبيعة أن تتخلص منه تلقائيا.
لأن سنة الله في الكون -والكلام للنجار- قضت بأنه إذا كانت الزيادة قد تمت بصورة طبيعية كتلك التي تنبعث عند ثورة بركان على سبيل المثال فإن البحار والمحيطات تمتصها وتستفيد الطحالب الموجودة في أعماقها منها.
لكن إذا حدثت الزيادة بفعل حرق الوقود "الأحفوري" كالنفط والغاز والفحم مع الاستمرار في قطع أشجار الغابات وتلويث البحار والمحيطات وطبقات الأرض بالنفايات وخاصة النووية، فإن الطبيعة لا تتخلص منها، بل تتركها "عقابا من الله للإنسان" ومصداقا لقوله تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".