الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً... أما بعد:
فإن معرفة الخطأ والشر مقصود منهما محاذرتهما وتجنبهما، وحتى لا يأتي العبد إلاّ بالطاعة على وجهها الشرعي الصحيح، كما ثبت في الصحيح عن حذيفة قال: ( كان الناس يسألون النبي عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه ).
وقد قال الأُوَّل:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقّيه *** ومن لا يدري الخير من الشر يوشك أن يقع فيه
ولذا، أحب التنويه في هذه المقالة إلى أخطاء تقع من بعض قاصدي النسك بالحج والعمرة.
أهم الأخطاء الواقعة من قاصدي الحج أو العمرة، والمسافرين لهما:
1- أن يكون مراده وقصده في أداء عبادة الحج والعمرة، و غيرهما، الذكر والمدح من الناس أو الرياء والسمعة، ويتطلع لذلك وأن يمدح به، وهذا خطر عظيم يقدح في التوحيد وأصل الإيمان بالله، مع الهم العظيم بمراقبة الناس: { ومن رآى رآى الله به، ومن سمَّع سمَّع الله به }.
2- اختيار رفقة أو صحبة غير صالحة، ولا تتناسب وهذه العبادة الجليلة، من أهل الفسق والفجور، والتخلُّف عن الصلوات، أو أصحاب اللهو واللعب وكثرة المزاح وقسوة القلوب، فإن هؤلاء وأمثالهم ممن يصرفون عن العبادة، ويشغلون الأوقات الفاضلة في الزمن الحرام، والمكان الحرام، بما يضر أو بما لا ينفع.
3- بذل المال الحرام من الكسب الخبيث شرعاً لأداء المناسك، والله عز وجل طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، فيجب انتقاء أطيب مكاسب العبد لهذه العبادة، بل ولجميع شأنه الدنيوي والتعبّدي.
4- تأخير الحج والعمرة حتى يهرم الإنسان أو تدركه الشيخوخة وسن العجز، كما نلحظ من طوائف من الحجيج. والواجب المبادرة لقضاء فرصة الحج والعمرة بمجرد الاستطاعة المالية والبدنية.
5- سفر المرأة وحدها أو مع نساء مثلها، بلا محرم شرعي، وهو من يحرم عليها النكاح منه على التأبيد؛ فقد صحّ عن النبي قوله: { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلاّ مع ذي محرم }؛ وجود المحرم للمرأة شرط في الحج من جهة استطاعتها عليه، وكذا في العمرة.
أهم الأخطاء الواقعة في ركن الإحرام بالنسك:
1- تأخير الإحرام عن ميقاته الزماني والمكاني، فكما لا يصح الحج في غير زمانه المحدد له شرعاً، فلا يصح الحج في محرم أو رجب أو رمضان، كذلك لا يصح الإحرام بالحج والعمرة من غير المواقيت المكانية التي وقّتها النبي ، وهي خمسة: ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وذات عرق، ووادي محرم، لمن أتى عليهم أو حاذاهم بطائرة أو سفينة أو سيارة.
2- تطييب ملابس الإحرام بالعطر والطيب، ومسُّ الطيب من محظورات الإحرام، والواجب غسلها منه.
3- تحديد بعض الناس لباساً محدداً للنساء تحرم به ذا لون محدد، كالأبيض أو الأخضر أو الأسود، أو ذا هيئة محددة. وليس للباس المرأة في إحرامها لون أو هيئة محددة، سوى البعد التام عن مظهر الزينة والسفور.
4- الاشتغال أثناء الإحرام بالفحش والزور من القول والفعل، وترك التلبية والذكر والدعاء والتهليل والتحميد والتسبيح وقراءة القرآن.
أهم الأغلاط في شعيرة الطواف بالبيت الحرام:
1- رفع بعض الحجاج يديه تحية للكعبة عند رؤيتها، مع أن المشروع الدعاء بالدعاء الوارد عن النبي عند دخول الحرم بتقديم الرجل اليمنى، وقول: ( بسم الله، اللهم صلِّ على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وأدخلني أبواب رحمتك ).
2- مزاحمة الحجيج ومدافعتهم وأذيتهم أثناء الطواف، ولا سيما عند استلام الحجر الأسود أو الركن اليماني، وكذا رفع الصوت بالدعاء والذكر من الرجال والنساء.
3- تضييق بعض الحجاج على نفسه وعدم مراعاته إخوانه بالصلاة أمامهم، مما يزحم المطاف ولاسيما خلف المقام مع عدم المبالاة بالزحام وكبار السن... إلخ.
4- تمسُّح وتبرٌُّك بعض الحجاج بجدار الكعبة أو لباسها أو المقام أو أبواب الحرم وجدرانه، وهذا ربما قدح في توحيد الحاج وإيمانه بالله، وأخرجه عن مقصود حجه!.
5- دخول بعض الطائفين داخل حجر إسماعيل "الحطيم" مما يفسد ذلك الشوط المترتب عليه فساد الطواف.
6- صلاة الطائف للركعتين في مواطن الزحام الشديدة، أو وهو عاري المنكبين من إحرامه، وربما صلاهما وليس عليه سوى الإزار؟!
7- وبعضهم ربما طاف بالبيت وعليه جنابة أو حيض ونفاس، وطواف هؤلاء غير صحيح!
أهم الأخطاء التي يقع فيها بعض المحرمين في السعي:
1- اعتقاد أن لكل شوط سواء الطواف بالبيت أو السعي بين الصفا والمروة دعاءً مستقلاً، كما يظهر في كتب الأدعية، والمشروع أن يدعو كل بما يحتاجه ويناسبه، ويتأسى بالنبي عليه السلام بجوامع الدعاء.
2- وكذا من الأخطاء في الطواف والسعي، الذكر والدعاء جماعياً وبصوت مرتفع، ربما أزعج الحجيج والمعتمرين.
3- وبعض الحجاج لجهلهم يبدأون بالمروة قبل الصفا، وهذا مخالفة صريحة لعبادة السعي، وإبطال له.
4- وبعضهم ربما لم يتم السعي بين الصفا والمروة فيرجع في أثناء الشوط ولا يتم الشوط إلا باستيعاب ما بين الصفا والمروة.
5- اعتقاد بعض الناس عدم قطع الطواف أو السعي عند إقامة الصلاة، إذ الواجب أداء الصلاة مع الجماعة، ثم إكمال الطواف والسعي بعدها.
6- تمسُّح بعض الحجيج بجدران المسعى وأبواب الحرم أو تقبيل الأعمدة، أو جبل الصفا والمروة. وهذه خرافات وضلالات ما أنزل الله بها من سلطان.
7- دوران من يسعى في الأدوار العليا حول القبب عند الصفا أو المروة مع اعتقاد عدم صحة السعي بلا هذا الطواف، وهذا خطأ شنيع بدأ يفشو بين الحجاج.
8- اشتغال الحاج بالكلام مع الرفقة أو بالنظر والمشاهدة خلال أشواط السعي بدل الذكر والدعاء وقراءة القرآن.
والنبي يقول فيما صحّ عنه: { إنما جُعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل }.
أهم الأغلاط الواقعة في الوقوف بعرفة، { والحج عرفة } كما قال النبي :
1- إتعاب الحاج نفسه ومن معه بالذهاب إلى الجبل للوقوف عنده، والنبي يقول: { وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف }، مع ما يحصل هناك من المزاحمة والمدافعة والتسبب بالهلكة وسوء الخلق والفحش في القول والفعل. ومن الأخطاء أيضاً تسمية الجبل بجبل الرحمة، وهذا ليس عليه دليل؟
2- الوقوف خارج عرفة، إما في الوادي وادي عرنة أو جنوب عرفة، والنبي يقول: { عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرفة }، علماً بأن مسجد نمرة جزء كبير من مقدمه وقبلته في عرفة، خارج عن عرفة.
3- الاشتغال في يوم عرفة بالأكل والشرب والتمشي على المخيمات دون الذكر والدعاء والاستغفار، ومن ذلك أيضاً تقطيع ذلك اليوم العظيم بالنوم أو الضحك والمزاح الكثير.
4- الدفع من عرفة قبل غروب الشمس، والعجلة والإسراع ركضاً وبالسيارة واستخدام الأبواق والمسابقة وأذية الحجاج بالقول والفعل.. والنبي لما دفع من عرفة بعد استحكام غروب الشمس أشار للناس بيده وقال: { السكينة السكينة، فليس البر بالايضاع }.
5- ذهاب بعض الحجاج يوم عرفة لمكة اعتقاداً بفضل ذلك، وبعضهم يقف بعرفة في الصباح ثم يغادرها لمزدلفة ثم منى لرمي الجمرة فينتهي من ذلك كله قبل عصر يوم عرفة، وهذا خطأ شنيع يفسد الحج، لأنه لم يقف بعرفة الوقوف الصحيح، والذي يبدأ من زوال اليوم التاسع يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم العيد، كما دلَّ عليه حديث عروة رضي الله عنه.
أهم الأخطاء التي تقع في مشعر الوقوف بمزدلفة:
1- إن بعض الحجاج إذا وصل إلى مزدلفة يبدأ بجمع الحصى، والمشروع الذي عليه هديه البدء بالأذان ثم إقامة صلاة المغرب ثم العشاء حتى قبل الاستعداد للنزول؛ وحصى الجمار لا يشترط جمعها من المزدلفة، وإنما من أي مكان في الطريق، وعليه فإن من الأخطاء تأخير أداء صلاتي المغرب والعشاء في مزدلفة، حتى أن بعضهم ربما لم يصلهما إلاّ بعد مضي أكثر الليل؟!
2- قضاء بعض الحجاج حوائجهم أمام الناس في مزدلفة دون مرعاة لستر العورة والأدب العام.
3- اعتقاد بعضهم أن الوقوف بالمزدلفة وذكر الله لابد أن يكون في مسجد المشعر الحرام فقط، والصحيح أن عرفة ومزدلفة كليهما موقف، كما قال : { وقفت هاهنا وجمع كلها موقف }.
4- وأهم الأخطاء في هذا الموضع عدم وقوف بعضهم البتة بالمزدلفة، وهؤلاء تركوا شعيرة من شعائر الحج. ومنهم من يقف خارج المزدلفة ولا يتحرى حدود المزدلفة وأعلامها؛ والواجب أن يتقي العبد الله ما استطاع.