°¤©©¤° الطاقة المظلمة : أعظم أسرار الكون °¤©©¤°
تأخر علماء الفلك كثيرا في اكتشاف الطاقة المظلمة التي تشكل ثلاثة ارباع الكون تلك المادة الغامضة الجوهر والتي تلعب دورا حيويا ورئيسيا في حركة الكون وتمدده وتوسعه والعلاقات والتأثيرات المتبادلة بين نجومه وكواكبه بل تتحكم بصورة مسيطرة بأشكال المجرات في الفضاء. وتساءل كثير من العلماء لماذا تأخر اكتشاف الطاقة المظلمة حتى 1998؟ وهذا النمط الغامض من الطاقة الذي يحيط بكوكبنا وبالمجموعة الشمسية ومجرات أخرى ويحكم سيطرته تماما على كل ما حولنا يعتبر في رأي كثير من الباحثين اختراقا في الاكتشافات والانجازات العلمية التي تحققت في عالم الفلك والفضاء خلال القرن العشرين.
ومازال العلماء منهمكين في دراسة تكوين الطاقة المظلمة وجوهرها ومواصفاتها وكيفية توزيعها وانتشارها ودورها في نشأة الكون وتشكيله بما فيه من نجوم وكواكب، ومجرات وتكتلات وتجمعات.
في الواقع فإن تغلغل الطاقة المظلمة وانتشارها يزيدانها غموضا ويزيدان صعوبة التعرف عليها لأنها لا تتركز بكثافة في مكان من دون آخر مما يجعل انتشارها سلسا وطبيعيا في كل مكان وبمعدل كثافة واحد ثابت وهو 10 كجم لكل متر مكعب. ويقول علماء الفلك ان ما قاموا به من عمليات رصد ومتابعة على مدى سنوات طويلة اظهر ان معدل تمدد الكون في الماضي كان بطيئا عما هو عليه الآن ثم دخل الكون في مرحلة الانتقالية قبل ان تبدأ عملية اتساعه وتمدده بالتسارع والزيادة وان قوانين الجاذبية بين المجرات لا تقاوم هذا التمدد والاتساع الذي تتحكم به الطاقة المظلمة والتي تعتبر “اليد الخفية المتحكمة” في الكون.
وإذا قام أي عالم فلكي بتركيز وتكثيف المراقبة للكون فإن أول ما يلاحظ هو أن الطاقة المظلمة تنتشر وتوزع فيه مثل نسيج العنكبوت وتتخلل بينه نجوم وكواكب تبعد عن بعضها بعضاً عشرات من ملايين السنوات الضوئية. كما يلاحظ أنه إذا كانت الطاقة المظلمة اكثر قوة فإن تمدد الكون واتساعه يزيدان وإذا كانت ضعيفة فإن مادة الكون تكون أكثر تركيزا. ويبدو لدى كثير من العلماء حاليا ان الطاقة المظلمة قد تكون صلة وصل رئيسية ومهمة بين كثير من عناصر ومكونات المجرات وتكتلات النجوم التي لم تكن تربط بينها أية علاقة قبل ظهور أو وجود الطاقة المظلمة التي تلعب دورا في تكوين هذه المجرات والتكتلات وما يتم بينها من تفاعلات وعمليات اندماج.
وحتى نفهم تأثير الطاقة المظلمة في تشكيل المجرات لا بد ان نفهم أولا كيف يفكر علماء الفلك بالنسبة لهذا الأمر. وتدور النظريات العلمية الحالية حول فكرة أن المادة الجوهرية الغامضة للطاقة المظلمة قد تكون جاءت من أحد مصدرين: الأول هو وجود مادة عادية تفاعلت ذراتها ودقائقها مع ذرات مادة أخرى وإذا ما تم شحن هذه المادة بالاشعاع الكهرومغناطيسي فإن العلماء يسمونها باريونيك نسبة الى تكوينها الرئيسي من البروتون والنيوترون، والثاني ان هناك مادة معتمة مظلمة (تتميز وتختلف عن الطاقة المظلمة) تشكل 85% من مجمل مادة الكون وأبرز صفاتها هو أن ذراتها لا تتفاعل بالاشعاع، وهذه المادة المعتمة تعتبر كأي مادة عادية أخرى من حيث قوانين الجاذبية وبدأت تتجمع بعد الانفجار الكوني الهائل مكونة نقاطا وبقعا يسميها علماء الفلك “هالوز” أي الهالات وهي مناقضة في ذلك لمادة باريونيك التي تحول قابليتها للتفاعل دون تكتلها واندماجها. وبقيت المادتان لفترة طويلة في طور الغاز الحار ومع تمدد الكون واتساعه برد الغاز ليسمح لمادة الباريونيك بالاتحاد والاندماج والتكتل، مكونة النجوم والمجرات الاولى بعد عدة مئات من ملايين السنوات بعد الانفجار الكوني العظيم. وفي الثمانينات من القرن الماضي توصلت مجموعة من العلماء الى أن تجمعات مادة هالوز كانت صغيرة الحجم لأن الكون كان ملتزّاً وشديد الكثافة وان عمليات اندماج تمت بين تجمعات تلك المادة، وان اقدم المجرات التي يمكننا مشاهدتها حاليا وجدت وتشكلت حينما كان عمر الكون لا يتجاوز المليار عام وان كثيرا من هذه المجرات اندمجت مع بعضها. وخلال الفترة الممتدة. بين مليارين وستة مليارات عام بعد الانفجار العظيم تراجعت عمليات تفتت المجرات وانقسامها بشكل كبير. وفي الواقع فإن 98% من المجرات العملاقة في الكون المعاصر أصبحت تتخذ إما شكلا بيضويا أو لولبيا حلزونيا أو اشكالا أخرى ستختفي في حال اندماج هذه المجرات. وهناك عمليات اندماج محدودة تحدث في عصرنا ولكن بين مجرات ذات كتل صغيرة. كما يشهد عصرنا ضعفا وتراجعا في عمليات تكون النجوم وتشكلها ومعظم النجوم الموجودة حاليا ولدت في النصف الأول من تاريخ الكون وذلك استنادا الى عمليات رصد قامت بها فرق عدة من العلماء في التسعينات.
وتقوم نظرية تشكل المجرة على فرضية تكون النجوم وتكتلاتها الصغيرة واتخاذها اشكالا معينة أولا قبل ان تدخل في عمليات اندماج تنتج عنها مجرات وكتل أكبر وذلك على النقيض من نظرية تكون النجوم التي تقوم على أساس بروز النجم وانشقاقه عن مجرته التي تعتبر بيئة خصبة ومناسبة لولادة النجوم. ومن الأمور الغريبة اللافتة للنظر أن تكون الثقوب السوداء في مراكز المجرات تراجعت، وهذه الثقوب تعطي قوة للنجوم والمجرات البعيدة لكنها هادئة خامدة في مجرتنا.
ذهب بعض العلماء الى الاعتقاد بأن التفاعلات الداخلية في المجرات مثل انبعاث الطاقة بواسطة الثقوب السوداء والنجوم التي تزداد توهجا بصورة مفاجئة أدت الى توقف عمليات تكوين المجرات والكواكب، لكن ظهور الطاقة المظلمة كعنصر أساسي فاعل أوجد إمكانية ربط الأمور والاشياء ببعضها وعزز فكرة الاعتقاد بأن هناك تزامنا في التوقيت بين توقف عمليات تشكل المجرات والتجمعات العنقودية للكواكب وبداية سيطرة الطاقة المظلمة وكلا الأمرين حدث في النصف الأول من عمر الكون. كما ان اندماج المجرات وتفاعلها مع بعضها نجم عنهما تشكل نجوم جديدة على شكل سحب غازية نتيجة تكسر بعض المجرات وانهياراتها الجزئية بينما اتسعت الثقوب السوداء حينما تحرك الغاز نحو منطقة القلب أو المركز في تلك المجرات. ومع مضي الزمن تمدد الفضاء واتسع وقلت كثافة المادة وضعفت قوانين الجاذبية بينما ظلت الطاقة المظلمة محتفظة بقوتها وتأثيرها. وتلعب الثقوب السوداء في المركز دور الصمام المنظم لعملية تكون النجوم والكواكب من خلال اندفاع الغاز اليها اثناء اندماج المجرات. واذا ما سكنت المجرات العملاقة وركدت تستمر مجرات اصغر في عمليات الاندماج وتشكيل النجوم والكواكب وهذا يعني ان المجرات الكبرى تتخذ اشكالها قبل الصغيرة. وقد تعمل الطاقة المظلمة على تغيير هذه العملية وتعديلها من خلال تحكمها بدرجة الاندماج بين المجرات وتجمعها على اشكال عنقودية، كما تساعد الطاقة المظلمة على شرح كيفية ومسيرة نشأة التجمعات العنقودية للمجرات والتي لم تشهد حركة نمو كبيرة أو مهمة خلال المليارات الستة الماضية من الاعوام وهذا مؤشر مباشر على ان الطاقة المظلمة تلعب دورا مؤثرا في كيفية تفاعل المجرات. وتوصل العلماء في منتصف التسعينات الى ان التجمعات العنقودية للمجرات لم تشهد حركة نمو واتساع كبيرة خلال الثمانية مليارات عام الماضية بسبب ضعف وقلة كثافة المادة، وجاء اكتشاف الطاقة المظلمة ليحل الخلاف بين الملاحظة والمتابعة العملية والنظرية. وقبل بضعة اعوام اعتقد العلماء ان مجرة درب التبانة ومجرة اندروميدا جارتها العملاقة ستهويان في تجمع العذراء العنقودي ولكن هذا لم يحدث لأن الطاقة المظلمة عملت وستعمل على زيادة المسافة بين المجرتين المذكورتين وتجمع العذراء.
وتعمل الطاقة المظلمة على توازن كثير من العناصر المتعلقة بالحركة الداخلية بين مجرات الكون وكواكبه مثل السرعة والاندفاع والتمدد والمسافات وتشكل النجوم ولو افترضنا عدم وجود الطاقة المظلمة لاستمرت عمليات اندماج المجرات وتجمعات الكواكب فترة أطول وكان في كوننا المعاصر عدد أكبر من المجرات المندمجة ذات الكتل الكبيرة الى جانب المجرات القديمة الضخمة مع ندرة وقلة عدد المجرات ذات الكتل الأقل مثل مجرة درب التبانة التي ننتمي اليها. ولو كانت الطاقة المظلمة اكبر واقوى مما هي عليه لكان عدد المجرات المندمجة في الكون أقل وكان عدد المجرات الصغيرة أكثر.
رغم كل فوائد الطاقة المظلمة ومزاياها إلا أن لها مشكلاتها ومخاطرها فهي تسهم في ابتعاد وتراجع المجرات والتجمعات الفضائية البعيدة مما يزيد من صعوبة مشاهدتنا ورصدنا لتلك المجرات للاغراض العلمية والبحثية، وقد تكون الطاقة المظلمة تلعب دورا مساعدا في عزل مجرتنا درب التبانة والمجرات المجاورة لها وتحويلها الى جزيرة معزولة في الفضاء. وما هو أسوأ هو ان زيادة الطاقة المظلمة ستؤدي الى تمزق وتحطم الاجسام أو اطراف المجرات والكواكب الواقعة على آخر حدود عمل قوانين الجاذبية، وأخيرا فإن كوكب الأرض سينسلخ عن المجموعة الشمسية ويبتعد عنها.